تويت
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ ۗ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾[1].
مفردة ﴿الْأَعْرَابُ﴾، استعملها القرآن في عشرة نصوص كاملة، هي تنديدات بهم إلاّ واحد هو: ﴿وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللهِ﴾[2]، مما يدل على أنهم ككل إلا نزر قليل غارقون في الضلالة والمتاهة، اللّهم إلاّ نص ثان قد يعذرهم إذ لمّا يصلوا إلى الإيمان وهم يتحرون عنه: ﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا ۖ قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾[3].
وليس المعني بها على كل حال الأمة العربية، إنما هي من العرب: الظهور، كإعراب الكلمة فإنه إظهارها في حالتها الأدبية في الجملة، والعربي هو الظاهر كما و ﴿عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ﴾[4]، هو الظاهر المظهر، وفي عربية القرآن ظهوران اثنان: أصل اللغة فإنها أعرب اللغات وأظهرها تأدية لمعانيها، وشاكلة البيان المتميز في القرآن.
﴿الْأَعْرَابُ﴾، أهل البوادي، البعيدون بطبيعة المناخ الصحراوي، عن الثقافة الإسلامية، سواء أكانوا من الأمة العربية أم سائر الأمم كالمغول، دون اختصاص بمن يتكلم باللغة العربية، حيث اللغة ولا سيما العربية لا تخرف أو تضل حتى يكون المتكلم بها أشد كفرا ونفاقا ممن سواهم، وأجدر ألاّ يعلموا حدود ما أنزل اللّٰه على رسوله ممن سواهم.
فطبيعة البدوية المحشورة مع الدواب، غير المحشورة مع المثقفين في الدين، والبعيدة عن مراكز الثقافة الإسلامية، إنها تبعدهم عن صالح العقلية الإنسانية فضلا عن العقلية الإيمانية، حيث الغفلة والجفوة والجفاء كأنها أدغمت في طبائعهم.
وعليه فهكذا البلاد مهما كانت عظيمة بعيدة عن الثقافة الإيمانية بأي سبب كان، إنهم من هؤلاء الأعراب الذين ﴿أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا﴾.
وكان زيد بن صوحان يحدث فقال أعرابي: إن حديثك ليعجبني وإن يدك لتريبني، فقال: أم تراها الشمال؟ فقال الأعرابي: واللّٰه ما أدري اليمين يقطعون أم الشمال، قال زيد: صدق اللّٰه: ﴿الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا﴾[5].
ففي حقل الكفر والنفاق نجد الأعراب: ﴿أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللهُ﴾، فكفارهم أشد كفرا ممن سواهم، ومنافقوهم أشد نفاقا ممن سواهم، وجهالهم بحدود ما أنزل اللّٰه على رسوله أجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل اللّٰه على رسوله وهذه الجدارة ناشئة من ظروف حياتهم القاسية العاصية المستعصية وما تنشئه في طباعهم من جفوة ونكدة، وبعد بعيد عن صالح المعرفة، فالمادية الأصيلة في حياتهم لها دور سائد صامد في القيم القمم عندهم من الحصائل المادية.
فهم إذا في ذلك الثالوث أردأ من المؤمنين، وهذه طبيعة الحال لمن سكن البادية، بادية بعيدة عن الثقافة الإسلامية مهما كانت مدنية متحضرة بالحضارة المادية. لذلك نسمع متظافر عن علي بن أبي حمزة قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: ((تفقهوا في الدين فإنه من لم يتفقه منكم في الدين فهو أعرابي إن الله يقول [في كتابه]: ﴿لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾[6]))[7]، وهذا هو المعني من حديث الصادق (عليه السلام): ((نحن بنو هاشم وشيعتنا العرب وساير الناس الأعراب))[8]، فالعرب هنا هم الظاهرون الباهرون، الفاهمون شرعة الحق بمشايعة الشرعة الهاشمية المحمدية (صلى اللّٰه عليه وآله) حيث القصد من «شيعتنا» أشياع الحق الصراح القراح، دون خليط بالباطل أيا كان، والأعراب هم البدويون البعيدون عن ذلك.
و ﴿الْأَعْرَابُ﴾، بمعناها الصالح هم ﴿أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا﴾، وجهلا بحدود اللّٰه، وفي حقل الإيمان والوفاق والعلم، فهم أقل حظا في هذه الزوايا الثلاث. لذلك كله لم يبعث اللّٰه رسولا قط من الأعراب: البدويين، وإنما من القرى مدنا وسواها: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى﴾[9].
[1] سورة التوبة، الآية: 97.
[2] سورة التوبة، الآية: 99.
[3] سورة الحجرات، الآية: 14.
[4] سورة النحل، الآية: 103.
[5] موسوعة الإمام علي بن أبي طالب(ع) في الكتاب والسنة، محمد الريشهري، ج 12، ص 136.
[6] سورة التوبة، الآية: 122.
[7] الكافي، ج 1، ص 31.
[8] الكافي، ج 8، ص 166.
[9] سورة يوسف، الآية: 109.