بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمد وآل محمد
لماذا يحبنا الله؟ نحن في الحقيقة نكشف عن سرّ العلاقة الأولى بيننا وبين خالقنا.
الله عز وجل أحبنا لأنه هو الرحمن الرحيم، وصفة الرحمة أصيلة فيه سبحانه. لم يخلقنا ليعذبنا أو يرهقنا، بل خلقنا لنسعد بالقرب منه، ونسير في طريق النور الذي يقودنا إلى الجنة.
١- لأننا خَلقُه ونفخة من روحه
الله تعالى أكرمنا بأن جعل فينا من نوره، نفخ فينا من روحه، وأعطانا العقل والقلب والإرادة. كل صانع يحب صنعته، فكيف بالخالق الأعظم الذي أتقن كل شيء؟ نحن في أعين الله أغلى مما نتصور، نحن عباده الذين قال عنهم: ولقد كرّمنا بني آدم.
٢- لأنه أرحم بنا من الأم بولدها
النبي صلى الله عليه وآله حين رأى امرأة تضم طفلها بقوة، قال لأصحابه: "أترون هذه المرأة ملقية ولدها في النار؟" قالوا: لا. فقال: "الله أرحم بعباده من هذه بولدها".
إذن رحمة الله ليست مشروطة بكمالنا، بل هو يرحم ضعفنا، ويحبنا ونحن نخطئ، وينتظر عودتنا في كل حين.
٣- لأنه يريد لنا الخير والنجاة
الله يحبنا لأنه خلقنا لأجل السعادة، لا لأجل الشقاء. هو يريد أن يرفعنا، أن ينقينا من الذنوب، أن يجعل حياتنا آمنة مطمئنة، وأن نصل إلى الجنة حيث لا تعب ولا ألم. قال تعالى: ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم.
٤- لأنه كريم يحب أن يعطي.
من صفات الكريم أنه يفرح بالعطاء أكثر من الأخذ. الله عز وجل يحب أن يغمرنا بالهبات، بالصحة، بالرزق، بالمغفرة، وبالسكينة التي يضعها في قلوبنا حين نذكره. نحن نتنفس بنعمه، وقلوبنا تخفق برزقه، وهذا كله حب من الله لنا.
٥- لأن الحب هو سرّ العلاقة بيننا وبينه
الله لم يرد أن تكون العلاقة معه علاقة خوف فقط، ولا علاقة طمع فقط، بل علاقة حب. هو القائل: يحبهم ويحبونه. نحن نخطئ، ونعوجّ، ونضعف، ومع ذلك يفتح لنا باب التوبة، وكأنه يقول: "ارجع، فإني ما زلت أحبك".
أحبتي، لو أدرك الإنسان أن الله يحبه حقًا، لاشتاق إليه أكثر مما يشتاق الطفل إلى حضن أمه. ولو شعر قلبه بهذا الحب، ما بحث عن الأمان عند أحد غير الله، وما خاف من المستقبل، لأن قلبه موصول بمن يحبّه حبًا أبديًا لا ينقطع.
فلنسأل أنفسنا دائمًا: هل نحن نحب الله كما يحبنا؟ وهل نقابل هذا الحب بالحب؟ أم نريد فقط مصلحتنا منه.
هذه هي أعظم حقيقة: الله يحبنا لأن رحمته أوسع من ذنوبنا، وكرمه أعظم من حاجتنا، وحبه سابق على حبنا له.
و هذه بعض الآيات الكريمة التي تُظهر محبة الله لعباده ورحمته بهم:
1. ﴿يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}
(المائدة: 54)
آية واضحة أن الله يبدأ بالحب قبل حب العباد له.
2. ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾
{وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}
(البقرة: 195)
الله يحب من يتعامل مع الآخرين بالخير والرحمة.
3. ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾
{بَلَى مَن أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ وَاتَّقَىٰ فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ}
(آل عمران: 76)
المتقون لهم محبة خاصة من الله.
4. ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾
{فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}
(آل عمران: 159)
من يعتمد على الله يجد محبته وعونه.
5. ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ (البقرة: 222)
حتى في ضعفنا وذنوبنا، الله يحبنا عندما نرجع إليه.
6. ﴿إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ﴾
(هود: 90)
"ودود" أي كثير المودة والحب لعباده.
📚 روايات عن محبة الله لعباده
1. حديث قدسي – عن الإمام الصادق عليه السلام
قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
قال الله عز وجل: «إذا أحببت عبداً كنت له سمعاً وبصراً ولساناً ويداً، إن دعاني أجبته، وإن سألني أعطيته.»
📖 الكافي، ج 2، ص 352
هذا الحديث القدسي الشريف يبيّن أن الله إذا أحب عبداً تولّى أمره كله، وأكرمه بقرب خاص.
2. عن الإمام الصادق عليه السلام
قال:«إنّ الله إذا أحب عبداً غتّه بالبلاء غتّاً، وثجّه بالبلاء ثجّاً، فإذا دعاه قال: لبيك عبدي، لئن عجّلت لك ما سألت إنّي على ذلك لقادر، ولئن ادّخرت لك فما ادّخرت لك خير لك.»
📖 الكافي، ج 2، ص 253
✦ المعنى: أن البلاء أحياناً علامة محبة الله، لأنه يطهّر العبد ويقربه إليه.
3. عن أمير المؤمنين علي عليه السلام
قال: «إذا أحب الله عبداً ألهمه العمل، وألزمه القَصد، وفهّمه القناعة، وبصّره عيوبه، فمَن أوتي ذلك فقد أوتي خير الدنيا والآخرة.»
📖 غرر الحكم ودرر الكلم، ج 1، ص 115
✦ أي أن محبة الله تظهر في توفيق العبد للطاعة والرضا بما قسم الله.
4. عن الإمام الباقر عليه السلام
قال: «إذا أحب الله عبداً زيّنه بالحلم، وستره بالحياء، وقلّله في أعين الناس، وعظّمه في نفسه.»
📖 ميزان الحكمة، ج 1، ص 407
✦ أن محبة الله تجعل الإنسان متواضعاً في عيون الناس، لكنه عظيم في باطنه وقلبه.
محبة الله لعباده ليست كلاماً نظرياً فقط، بل تظهر في:
توفيقهم للطاعة،
صبرهم على البلاء،
سترهم بالعافية والحياء،
وإكرامهم بالقرب الخاص منه.
تعليق