بسم الله الرحمن الرحيم
الجواب:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نص الشبهة:
هل سجد النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) على تربة كربلاء ؟
نص الشبهة:
هل سجد النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) على تربة كربلاء ؟
الجواب:
إنّ أبرز مظاهر العبوديّة هو السجود على التراب الطاهر ، وقد أرشد النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) المسلمين إلى ذلك وقال : " جُعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً " 1 ، ولذلك فإنّ التراب في نظر الحديث الشريف له خصوصيّتان :
الأُولى : السجود و وضع الجبهة عليه .
الثانية : في حالة عدم وجود الماء يكون التيمّم بالتراب عوضاً عن الغسل والوضوء .
ولكن ـ ومع الأسف ـ انتفى هذا الأمر النبوي من مساجد السنّة لسنين طويلة ولا يزال ، والحال أنّه في ما مضى بسبب انعدام الإمكانيّات الماديّة ، كان المسلمون يسجدون على الحصير أو الأرض ، ولكن مع توفّر الإمكانيّات المادّية تمّ فرش المساجد بأنواع الزرابي الفاخرة ، ذهبت سنّة النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أدراج الرِّياح .
أمّا الشيعة فإنّهم يعتقدون بوجوب السجود على الأرض أو على شيء ينبت منها ، ولهم أدلّتهم على ذلك ، وقد تمّ شرحها في كتاب « الإنصاف في مسائل دام فيها الخلاف » 2 .
ولكن في نفس الوقت فإنّ السجود على تربة كربلاء له فضيلة كبيرة حسب ما جاء في الروايات ، وهذا ليس معناه أنّ السجود يكون للحسين ( عليه السلام ) ، بل يكون لله تعالى ، والتربة الحسينيّة بحسب الاصطلاح الفقهي « مسجودٌ عليها » والسجود عليها مستحبّ وليس واجباً ; والنكتة في ذلك هو أنّ ذلك التراب « تربة الحسين ( عليه السلام ) » ، قد عُجن بدم أكبر حام للإسلام وهو الذي زلزل أركان الحكومة الأُمويّة الظالمة ، والسجود على تلك التربة ـ خاصّةً ـ هو ذكرٌ لأُولئك الشهداء الذين بذلوا مهجهم من أجل حماية الدِّين ، وهم أنصار الحسين ( عليه السلام ) الذين آثروا الموت الأحمر على العيش الأسود الذليل والركون إلى الظَّلَمة .
وأمّا القول بأنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لم يسجد على تربة الحسين ( عليه السلام ) ـ إن كان ذلك صحيحاً ـ فيعود إلى أنّ ملاك السجود على تلك التربة الشريفة لم يتحقّق بعد ، ولأنّ ذلك التراب لم يُسق من دم الحسين بعدُ ، ولم يكتسب البركة .
والأصل المعمول به في سيرة العظماء أنّهم دائماً يسجدون على تراب الأمكنة المقدّسة ويقبّلونه ، فمسروق بن الأجدع ( المتوفّى سنة 62 هـ ) بالمدينة ـ وهو من التابعين ـ كان إذا سافر حمل معه في السفينة لبنةً يسجد عليها 3 .
وممّا مرَّ ذكره فإنّ السجود على التربة الطاهرة في البيوت والفنادق والمدارس وسائر الأماكن التي يتردّد إليها المسلم ، ليس أمراً سهلاً وميسوراً ، ممّا استدعى إلى جلب أطهر أنواع الأتربة الموجودة في العالم الإسلامي التي صُنعت على شكل قوالب يمكن حملها في الجيب ، حتّى يتمّ للمسلم العمل بالحكم الإلهي بصورة أسهل ، ويعبد الله كما أراد منه ، في أيّة بقعة تواجَدَ فيها الإنسان المصلّي .
لنا أن نسأل : هل سجد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) على هذه الزرابي الثمينة والأفرشة الباهظة الثمن التي فرشتم بها مساجدكم ، أو أنّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) سجد على الحصى والحصير ؟!
والعجيب هنا أنّ النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يصرّ على أن يسجد المصلّي على التراب ، فاذا رأى من سجد على كور عمامته ، قال له : " ألزِق جبهتك بالأرض " 4 .
وعن خبّاب : « شكونا إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حرّ الرّمضاء في جباهنا وأكفّنا فلم يُشكنا ، أي لم يزِل شكوانا » 5 .
وعن جابر بن عبدالله ، قال : كنت أصلي الظهر مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فأخذ قبضة من الحصى لتبرد في كفي أضعها لجبهتي أسجد عليها لشدة الحر 6 .
والشيء الأكثر مخالفةً لما تضمّنته هذه الروايات ، هو إصرار القوم على السجود على الفرش و السجّاد الثمين ، ممّا يجعلنا نحكم أنّ عصرنا هذا قد تحوّلت فيه السنّة إلى بدعة ، والبدعة إلى سنّة!!
وأخيراً نذكر أنّ زوجة النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أُمّ سلمة تقول : إنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال وهو يبكي : " أتاني جبرئيل فأخبرني أن أمتي يقتلونه ( يعني الإمام الحسين ( عليه السلام ) ) ، وأتاني بالتربة التي يُقتل عليها ، فهي التي أُقلِّب في كفّي " 7 .
المصادر والهوامش
الأُولى : السجود و وضع الجبهة عليه .
الثانية : في حالة عدم وجود الماء يكون التيمّم بالتراب عوضاً عن الغسل والوضوء .
ولكن ـ ومع الأسف ـ انتفى هذا الأمر النبوي من مساجد السنّة لسنين طويلة ولا يزال ، والحال أنّه في ما مضى بسبب انعدام الإمكانيّات الماديّة ، كان المسلمون يسجدون على الحصير أو الأرض ، ولكن مع توفّر الإمكانيّات المادّية تمّ فرش المساجد بأنواع الزرابي الفاخرة ، ذهبت سنّة النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أدراج الرِّياح .
أمّا الشيعة فإنّهم يعتقدون بوجوب السجود على الأرض أو على شيء ينبت منها ، ولهم أدلّتهم على ذلك ، وقد تمّ شرحها في كتاب « الإنصاف في مسائل دام فيها الخلاف » 2 .
ولكن في نفس الوقت فإنّ السجود على تربة كربلاء له فضيلة كبيرة حسب ما جاء في الروايات ، وهذا ليس معناه أنّ السجود يكون للحسين ( عليه السلام ) ، بل يكون لله تعالى ، والتربة الحسينيّة بحسب الاصطلاح الفقهي « مسجودٌ عليها » والسجود عليها مستحبّ وليس واجباً ; والنكتة في ذلك هو أنّ ذلك التراب « تربة الحسين ( عليه السلام ) » ، قد عُجن بدم أكبر حام للإسلام وهو الذي زلزل أركان الحكومة الأُمويّة الظالمة ، والسجود على تلك التربة ـ خاصّةً ـ هو ذكرٌ لأُولئك الشهداء الذين بذلوا مهجهم من أجل حماية الدِّين ، وهم أنصار الحسين ( عليه السلام ) الذين آثروا الموت الأحمر على العيش الأسود الذليل والركون إلى الظَّلَمة .
وأمّا القول بأنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لم يسجد على تربة الحسين ( عليه السلام ) ـ إن كان ذلك صحيحاً ـ فيعود إلى أنّ ملاك السجود على تلك التربة الشريفة لم يتحقّق بعد ، ولأنّ ذلك التراب لم يُسق من دم الحسين بعدُ ، ولم يكتسب البركة .
والأصل المعمول به في سيرة العظماء أنّهم دائماً يسجدون على تراب الأمكنة المقدّسة ويقبّلونه ، فمسروق بن الأجدع ( المتوفّى سنة 62 هـ ) بالمدينة ـ وهو من التابعين ـ كان إذا سافر حمل معه في السفينة لبنةً يسجد عليها 3 .
وممّا مرَّ ذكره فإنّ السجود على التربة الطاهرة في البيوت والفنادق والمدارس وسائر الأماكن التي يتردّد إليها المسلم ، ليس أمراً سهلاً وميسوراً ، ممّا استدعى إلى جلب أطهر أنواع الأتربة الموجودة في العالم الإسلامي التي صُنعت على شكل قوالب يمكن حملها في الجيب ، حتّى يتمّ للمسلم العمل بالحكم الإلهي بصورة أسهل ، ويعبد الله كما أراد منه ، في أيّة بقعة تواجَدَ فيها الإنسان المصلّي .
لنا أن نسأل : هل سجد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) على هذه الزرابي الثمينة والأفرشة الباهظة الثمن التي فرشتم بها مساجدكم ، أو أنّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) سجد على الحصى والحصير ؟!
والعجيب هنا أنّ النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يصرّ على أن يسجد المصلّي على التراب ، فاذا رأى من سجد على كور عمامته ، قال له : " ألزِق جبهتك بالأرض " 4 .
وعن خبّاب : « شكونا إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حرّ الرّمضاء في جباهنا وأكفّنا فلم يُشكنا ، أي لم يزِل شكوانا » 5 .
وعن جابر بن عبدالله ، قال : كنت أصلي الظهر مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فأخذ قبضة من الحصى لتبرد في كفي أضعها لجبهتي أسجد عليها لشدة الحر 6 .
والشيء الأكثر مخالفةً لما تضمّنته هذه الروايات ، هو إصرار القوم على السجود على الفرش و السجّاد الثمين ، ممّا يجعلنا نحكم أنّ عصرنا هذا قد تحوّلت فيه السنّة إلى بدعة ، والبدعة إلى سنّة!!
وأخيراً نذكر أنّ زوجة النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أُمّ سلمة تقول : إنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال وهو يبكي : " أتاني جبرئيل فأخبرني أن أمتي يقتلونه ( يعني الإمام الحسين ( عليه السلام ) ) ، وأتاني بالتربة التي يُقتل عليها ، فهي التي أُقلِّب في كفّي " 7 .
المصادر والهوامش
1. صحيح البخاري : 1 / 91 ، كتاب التيمّم ، برقم 2 .
2. الإنصاف في مسائل دام فيها الخلاف : 1 / 234 ـ 267 .
3. مصنّف ابن أبي شيبة : 2 / 172 .
4. العزيز في شرح الوجيز ، المعروف بالشرح الكبير : 1 / 557 .
5. السنن الكبرى للبيهقي : 2 / 105 ; فتح الباري : 2 / 13 .
6. سنن أبي داود : 1 / 100 ، برقم 399 .
7. المعجم الكبير : 3 / 107 ـ 111 ، الحديث 2814 ـ 2827 ; كنز العمال : 13 / 657 ، برقم 3668 .
2. الإنصاف في مسائل دام فيها الخلاف : 1 / 234 ـ 267 .
3. مصنّف ابن أبي شيبة : 2 / 172 .
4. العزيز في شرح الوجيز ، المعروف بالشرح الكبير : 1 / 557 .
5. السنن الكبرى للبيهقي : 2 / 105 ; فتح الباري : 2 / 13 .
6. سنن أبي داود : 1 / 100 ، برقم 399 .
7. المعجم الكبير : 3 / 107 ـ 111 ، الحديث 2814 ـ 2827 ; كنز العمال : 13 / 657 ، برقم 3668 .
تعليق