العلوم التجريبية عند الامام الصادق (عليه السلام)
صدى الروضتين
حوار مع كاتب وكتاب
الكتاب: الإمام الصادق (عليه السلام) زعيم مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)
الكاتب: د. محمد حسين الصغير
المحاورة...
صدى الروضتين
هناك جهد ملحوظ ومثابر من بعض الاعلاميين من دعاة المدارس المخالفة للحط من الدرجة العلمية للإمام الصادق (عليه السلام) حتى وصل الأمر بإشاعة أن جابر بن حيان شخصية خرافية لا وجود لها...! وتستثمر صدى الروضتين وجود الدكتور محمد حسين الصغير لتحاوره في هذا الأمر:
د. محمد حسين الصغير: إسهام الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) في إرساء قواعد العلم التجريبي، لا يمكن لأي شخص أن ينكره من القدماء أو من المعاصرين، فهو (عليه السلام) مهّد السبيل أمام المكتشفين لكثير من العناصر والجزئيات بدقة وإمعان.
وكان علم الكيمياء في طليعة مفردات العلم التجريدي الذي حقق فيه الامام الصادق سبقا علميا، فاذا لم يكن هو المكتشف الأول له عند العرب، فلا أقل انه من أوائل الذين أفادوا الأجيال المستقبلية على ان الذي ثبت للبحث هو التأكيد على مساعي الامام الصادق (عليه السلام).
أما قضية انكارهم لشخصية جابر بن حيان الكوفي؛ كونه التلميذ الأول عند الامام الصادق (عليه السلام)، هذا ليس من الأمور المنطقية اطلاقًا؛ فجابر بن حيان الكوفي صاحب تاريخ، ومن العلماء الذين سبقوا الى التخصص في (علم الصنعة)، وعلم الصنعة هو علم الكيمياء، مصطلح كان يطلق على عملية تحويل المعادن الرخيصة الى معادن ثمينة، وما زالت نظرياته في الكيمياء موجودة وموضع عناية الدارسين في الشرق والغرب.
يرى الأستاذ محمد ابو زهرة: أنّ الاتفاق منعقد على أن جابر كان أول المشتغلين بالكيمياء من المسلمين ورسائله ما زالت موجودة، فقد شككوا في نسبة رسائل جابر اليه؛ لأنه كان يرد في رسائله اسم جعفر هو الإمام الصادق، بل زعموا انه جعفر بن يحيى البرمكي، والردّ على هذا لديه: إن جعفر البرمكي لم يُعرف عنه الاشتغال بالكيمياء، وقد تكفل الدكتور زكي نجيب بالردّ على هذا الوهم.
أما جعفر الذي كثيراً ما يردد اسمه في كتاب جابر مشارا اليه بقوله (سيدي)، وهناك من يزعم أنّه جعفر بن يحيى البرمكي، لكن الشيعة تقول وهو القول الراجح: إنما عني لجعفر الصادق، ونقول: انه مرجح الصدق؛ لأن جابر شيعي، فلا غرابة أن يعترف بالسيادة لإمام الشيعة، وسرد المصادر التي لا تتردد في أن جعفراً المشار اليه في حياة جابر ونشأته هو جعفر الصادق، وهذا ما ورد في كتاب جابر بن حيان صفحة 17/ 18، للدكتور زكي نجيب محمود، وفند الأستاذ محمد حسين آل ياسين، والأستاذ محمد جواد فضل الله آراء جملة من المستشرقين.
هناك من نكر العلاقة بين جابر بن حيان وسيده جعفر الصادق (عليه السلام)، وفريق آخر زعم أنّ شخصية جابر بن حيان شخصية وهمية، وأولئك الذين قالوا: ما ألف باسم جابر منحول عليه، وليس من المنطق أن ينسب جهد الانسان لإنسان آخر، فيعود بإبداع نفسه الى عبقرية غيره في هذا الفن او ذاك من دون أي مدرك عقلي، وجابر بن حيان نفسه له تصريحات دقيقة تنسب هذا العلم الى سيده الامام جعفر الصادق (عليه السلام)، وهي كثيرة.
- صدى الروضتين: هل هناك مصادر تثبت لنا وجود جابر وعلاقته بالإمام الصادق (عليه السلام)، وهذه المصادر معترف بها من قبل المذاهب الأخرى ايضاً؟
د. محمد حسين الصغير: نعم، هناك تصريحات كثيرة تنسب هذا العلم الى سيده الإمام الصادق، وأقول: كثيرًا؛ لأننا لو أردنا أن نقتصر منها بعض شجرات من أقواله في كتاب (الامام الصادق ملهم للكيمياء، صفحة 114، لمحمد يحيى الهاشمي).
يتجرد جابر عن الانانية الذاتية في دوره الكيميائي، وينسب أهم الجهود العلمية في ذلك الى الامام (عليه السلام)، فيقول: وحقّ سيدي، لولا أن هذه الكتب باسم سيدي (صلوات الله عليه) لما وصلت الى حرف من ذلك الى آخر الأبد، هذا النص يحدثنا إيحائياً أنّ جابر أفاد من الامام هذا الالهام في مدة ما لو كانت من غير الامام لاحتاجت الى زمن أطول. ويورد جابر بعض الحقائق في النقد الموضوعي، وجزءا من الاشارات في التقويم الذاتي الذي حباه إياه الإمام ينقله بأمانة ودقة فيقول: ليس في العالم شيء إلا وفيه جميع الأشياء، والله لقد وبخني سيدي على عملي، فقال: «والله يا جابر، لولا أني أعلم أن هذا العلم لا يأخذه إلا من يستاهله، واعلم علمًا يقيناً انه مثلك لأمرتك بإبطال هذه الكتب من العالم، أتعلم ما قد كشفت للناس فيها فإن لم تصل اليه فاطلبه، فانه يخرج لك جميع غوامض كتبي وجميع علم الميزان وجميع فوائد الحكمة».
وهناك ملحظ مهم، إن جابرا ينسب ما تعلمه من هذا العلم وسواه على يد الامام الصادق (عليه السلام) الى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ـ وأن الصادق (عليه السلام) كان الوريث لها، وقد تلقى ذلك رواية ودراية عن جده (صلى الله عليه وآله وسلم).
اللطيف في الأمر أن الإمام (عليه السلام) كان يتابع كتب جابر بالنقد والتمحيص، وحقّ هذا أنّ جابرا كان يعرض كتبه على الامام لتقويمها، ومن أحد دروس النقد التي وجهها لكتب جابر؛ لأنها كثيرة متعددة الابواب والفصول، وكثيرة الابهام والغموض، فأمره بالاختصار والإبانة، وبيّن له أن هناك إغراقا في الصنعة، وادخال علم بعلم وخلط مفهوم بسواه مما يتعسر فهمه على أغلب الناس.