إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

مفردات قيّمة من القرآن الكريم، ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مفردات قيّمة من القرآن الكريم، ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾

    بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
    اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد


    قال الله تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ۖ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ۖ مَا مِن شَفِيعٍ إِلَّا مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ۚ ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ[1].

    من روائع التصوير الإلهي والذي هذا المقطع من سورة يونس يتناول ظواهر الإبداع الكوني، من السماء والأرض والشمس والقمر والليل والنهار.
    وما يعنينا منه هو: علاقته بعمارة السورة الكريمة، والأداء الفني الذي سلكه النص في صياغة هذه الموضوعات.
    أما الأداء الفني فقد اعتمد عناصر صورية وايقاعية ولفظية في صياغة هذه الموضوعات، ففي نطاق الصورة الفنية نواجه الصورة الرمزية في قوله تعالى ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾، فالاستواء على العرش يرمز إلى هيمنة الله تعالى على الكون، وهي هيمنة كان من الممكن أن يصوغها النص بلغة مباشرة كما لو قيل سيطر أو هيمن على العرش، إلا أنه اعتمد الرمز بدلا من الكلام المباشر حتى تتبلور الدلالة بنحو يتناسب وطبيعة القدرة المطلقة لله تعالى، حيث أن مهمة [الرمز] وافتراقه عن سائر الصور التركيبية من استعارة و تشبيه وتمثيل وسواها، تتمثل في كونه أي الرمز يجسّد تعبيرا عن شيء غير محدود بلغة محدودة، اي كونه ينطوي على إمكانات إيحائية لا تتوفر في الصور الفنية الأخرى، فالاستواء على العرش يوحي للقارئ بدلالات متنوعة غير محدودة بحيث يستخلص كل شخص منها ما يتناسب وخبرته العقلية عن الشيء .
    فعرشه عز وجل كل الكون كما جاء في المقطع الأخير من آية الكرسي قوله تعالى: ﴿وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۖ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ۚ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ
    [2]، واستوائه استيلائه، ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ﴾، أي يصلح الشؤون لأهلها.
    وقد ورد عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ)، قَالَ: قَالَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ): ((إِنَّ اَللهَ جَلَّ ذِكْرُهُ وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ خَلَقَ اَلْأَرْضَ قَبْلَ اَلسَّمَاءِ، ثُمَّ اِسْتَوَى عَلَى اَلْعَرْشِ لِتَدْبِيرِ اَلْأُمُورِ))
    [3].
    مضافا إلى أن الرمز هنا جاء متساوقا من حيث علاقته بعمارة السورة الكريمة مع طبيعة الظواهر الكونية التي عرض لها النص، وهي ظواهر تتصل بخلق السماوات والأرض والشمس والقمر والليل والنهار، والضياء والنور.
    وكلها ظواهر حسية وليست تجريدية، ولذلك كان من المناسب أن تجيء الفكرة المرتبطة بهذا الخلق للظواهر الكونية متجانسة مع ما هو حسي، فالسماء والأرض وخلقهما في ستة أيام، تعد شيئا يتحسسه الشخص من خلال البصر واللمس، أما السيطرة على ذلك، فأمر غير حسي بل هو تجريدي.
    ولذلك كان من المناسب أن يصوغ النص لهذه الظاهرة أي: هيمنة الله تعالى على الكون صورة حسية أيضا، فجاء الاستواء على العرش تجسيدا للحقيقة المذكورة.
    لكن بما أن الله تعالى منزه عن الجسمية، حينئذ كان الاتجاه إلى الرمز دون سواه من الصور هو الأسلوب الأوفق لتحقيق التجانس بين ظواهر الكون وبين الهيمنة والسيطرة عليها، بصفة أن الرمز خلافا للتشبيه الذي يتضمن شيئا من المماثلة، وخلافا للاستعارة التي تخلع صفة شيء على شيء آخر يلغي الحدود بين الشيئين، ويجعلهما شيئا واحدا، لذلك جاء رمز الاستواء على العرش تعبيرا حسيا عن شيء تجريدي، تعبيرا عن السيطرة والهيمنة المطلقة على الكون، تعبيرا متجانسا مع مفردات السماء والأرض من حيث كونهما حسيين: حيث أن الاستواء هو حسي أيضا، وحيث أن العرش تنسحب نفس الصفة الحسية عليه في تصور القارئ، لكنهما أي: الاستواء والعرش هما مجرد رمزين عن شيء تجريدي، مجرد رمزين لصفات اللّه تعالى، مجرد رمزين للسيطرة على الكون من حيث كونه تعالى منزها عن الجسمية، والمهم أن هذا التجانس بين صفات اكتسبت رمزا حسيا هو الاستواء على العرش وبين ظواهر هي حسية في واقعها مثل السماء والأرض، مثل هذا التجانس يكشف عن إحكام العمارة للسورة الكريمة من حيث تلاحم عناصرها بعضا مع الآخر.


    [1] سورة يونس، الآية: 3.
    [2] سورة البقرة، الآية: 255.
    [3] بحار الأنوار، ج 54، ص 89.

المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X