بسم الله الرحمن الرحيم،
والحمد لله رب العالمين،
اللهم صلِ على محمد وآل محمد
من مناجاة الشاكين للإمام زين العابدين عليه السلام، حيث يقول:
«لا نجاة لي من مكاره الدنيا إلا بعصمتك».
هذه العبارة تختصر تعاملنا مع الحياة كلها: أن الإنسان مهما امتلك من قوةٍ أو مالٍ أو عقلٍ، فإنه لا يستطيع أن ينجو من مشاكل الدنيا ومصائبها إلا إذا اعتصم بالله تعالى، واحتمى برعايته، واستند إلى هدايته.
📖 معنى "مكاره الدنيا"
الدنيا بطبيعتها دار ابتلاء، قال تعالى:
﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ﴾ [البلد: 4] أي في مشقة وعناء.
المكاره تشمل: الأمراض، الفقر، فقد الأحبة، ظلم الناس، القلق، الحزن، وحتى وساوس النفس والشيطان.
كل إنسان مهما علت مكانته يذوق من هذه المكاره نصيبه، والأنبياء والأولياء كانوا أكثر الناس ابتلاءً، قال رسول الله ﷺ وآله:
«أشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل» (الكافي، ج2، ص253).
معنى "العصمة بالله"
المقصود هنا ليس العصمة الخاصة للأنبياء والأئمة فقط، بل العصمة العامة: أي الوقاية والحماية الإلهية للإنسان إذا لجأ إليه.
العصمة تعني أن الله يحفظ قلبك من الضلال، ويحفظ بدنك من المهالك، ويرشدك عند الحيرة.
قال تعالى:
﴿وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ [آل عمران: 101].
وقال عز وجل:
﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّىٰ يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ﴾ [التوبة: 115].
كيف تكون النجاة بعصمة الله؟
الاعتصام بالدعاء والذكر
الإمام الصادق (ع) يقول:
«الدعاء يرد القضاء ولو أُبرم إبراماً» (الكافي، ج2، ص469).
فالدعاء هو حبل العصمة، به يحفظ الله عبده من المكاره.
. الاعتصام بالقرآن
قال رسول الله ﷺ وآله :
«القرآن حبل الله المتين، ونوره المبين، وصراطه المستقيم» (الكافي، ج2، ص598).
فمن تمسك به عصمه الله من الضلال والتيه.
الاعتصام بأهل البيت (ع)
قال النبي ﷺ وآله في حديث الثقلين المشهور:
«إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً».
التمسك بهم عصمة من الفتن والضلال.
. الاعتصام بالتوكل على الله
قال تعالى:
﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ [الطلاق: 3].
أي من فوض أمره لله كفاه، وحماه من المخاطر.
النبي يوسف (ع) لما راودته امرأة العزيز قال:
﴿مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ﴾ [يوسف: 23]، فكانت عصمته بالله سبب نجاته من الفتنة.
أمير المؤمنين (ع) يقول:
«اعتصموا بالله تسلموا» (نهج البلاغة، الحكمة 189).
الإمام الحسين (ع) في كربلاء لما اشتدت به المكاره، كان يقول:
«هون ما نزل بي أنه بعين الله»، فكانت عصمته بالله سبب ثباته.
إذا لا تتوهم أن الذكاء أو المال أو العلاقات الاجتماعية تحميك من المصائب، الحماية الحقيقية من عند الله. اجعل لك ورداً يومياً من القرآن والدعاء، فهو سياجك الواقعي.وحصنك الحصين ودرعك الواقي وكلما ضاق صدرك، قل كما علمنا الإمام: «لا نجاة لي من مكاره الدنيا إلا بعصمتك». احرص أن تكون حياتك تحت ميزان "الاعتصام بالله": في أخلاقك، قراراتك، حتى في مشاعرك.
الدنيا دار مكاره وابتلاءات، ولا نجاة منها إلا بالعصمة الإلهية. فلنلجأ إلى الله بالدعاء، بالقرآن، بأهل البيت (عليهم السلام)، وبالتوكل عليه. وحينها، ستكون المكاره سلّماً لرفعتنا، والابتلاءات طريقاً لتقربنا من الله عز وجل.
قال تعالى:
﴿وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾.