بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.
قد يسأل الإنسان نفسه أحيانًا: لماذا يبتليني الله؟ لماذا هذه المحن والشدائد تتكرر في حياتي؟ أليس الله رحيمًا كريمًا؟
نعم، الله رحيم، لكنه يريد أن يفتح في قلوبنا بابًا أعظم من كل رخاء، بابًا يقودنا إلى معرفته حق المعرفة. ولو أن الدنيا أعطتنا دائمًا ما نريد، ربما غفلنا وظننا أننا مستغنون.
🔹 يقول الله تعالى:
﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُم بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ﴾ [الأنعام:42].
أي أن البلاء أداة توقظ القلب ليتضرع.
حين يواجه الإنسان بلاءً شديدًا، مرضًا مؤلمًا، فقرًا قاسيًا، خيانة من قريب، أو فقدًا عزيزًا، يجد نفسه وحيدًا. يلتفت حوله فلا يرى سندًا يثبت قلبه، عندها فقط يسمع النداء الداخلي: "يا الله… لا ملجأ لي إلا أنت".
🔹 هنا يولد التضرع.
التضرع ليس مجرد كلمات، بل هو انكسار القلب، اعتراف العبد بضعفه وفقره أمام عظمة مولاه.
الإمام علي عليه السلام يقول: "عند تناهي الشدة تكون الفَرجة، وعند تضايق حلق البلاء يكون الرخاء".
أي أن البلاء ليس نهاية الطريق، بل جسر يُعبر عليه المؤمن إلى ساحة رحمة الله.
كل بلاء في حياتنا يعلّمنا درسًا: أنك مهما ملكت، فأنت محتاج. أنك مهما قويْت، فأنت ضعيف. أنك مهما علوت، فأنت فقير. وهذا الشعور بالفقر هو الطريق إلى الغنى بالله.
🔹 الانقطاع إلى الله هو كمال العبودية.
حين لا يرى الإنسان حوله أحدًا إلا الله، حين تنقطع القلوب عن الأسباب المادية، ويعلم أن الخالق وحده هو المعطي، حينها يصل القلب إلى الطمأنينة.
ولهذا قال الإمام الصادق عليه السلام: "إن الله إذا أحب عبدًا غتّه بالبلاء غتًّا، وصبّه عليه صبًّا، فإذا دعاه قال: لبّيك عبدي، لئن عجلت لك ما سألت إني على ذلك قادر، ولئن ادّخرت لك فلك عندي أفضل".
المحن إذن ليست نقمة، بل هي رحمة مستورة. قد تبكي من ألمها، لكن دموعك تفتح باب الدعاء. قد تنكسر من ثقلها، لكن كسرك يجعلك أقرب إلى الله.
عندما يرى الإنسان أن لا ملجأ له إلا الله، ينقطع قلبه عن كل ما سواه. وهذا هو الكمال: أن يصبح القلب خالصًا لله، لا يتعلق إلا به، فينقّى من شوائب الاعتماد على الخلق.
فلنجعل من بلائنا سلّمًا لا هاوية، ولنجعل من شدائدنا جسرًا لا سجنًا، ولنتعلم أن نقول في كل لحظة ألم: "يا الله، إليك وحدك المنجى".
🔹 أن من عرف الله في بلائه، صار في رخائه عبدًا شاكرًا. ومن لم يعرف الله في بلائه، بقي في غفلته.
البلاء → يذكّر الإنسان بضعفه.
الضعف → يفتح باب التضرع.
التضرع → يطهّر القلب من الكِبر والعُجب.
صفاء القلب → يقود إلى الانقطاع لله.
الانقطاع → قُرب واطمئنان وسعادة حقيقية.
✨ بهذا نفهم أن المحنة قد تكون أوسع باب للرحمة، لأنها تردّ الإنسان إلى أصله: عبد فقير محتاج إلى مولاه.
تعليق