بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمد وآل محمد
حين نتوقف عند قوله تعالى في سورة الواقعة:
﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ﴾ [الواقعة: 10-11]،
نشعر أنّ الله جلّ جلاله يفتح أمامنا بابًا واسعًا للترقّي، ويكشف لنا عن مقامات عظيمة، درجاتٍ ليست لكل أحد، بل هي لمن باعوا الدنيا بالآخرة، واستعجلوا الرحيل إلى الله قبل أن يُدركهم الرحيل القهري.
✨ ما معنى السباق؟
السباق هنا ليس سباق أقدام، بل هو سباق قلوب وأرواح.
هو أن تسبق نفسك قبل أن تسبقك شهوتك، أن تسبق الشيطان قبل أن يغويك، أن تسبق الغفلة قبل أن تخنق قلبك.
🔹 قال الإمام الصادق عليه السلام: «السابقون كلّ سابق في خير، إلى يوم القيامة».
فمن يسابق في الصدقة، أو يسابق في خدمة الناس، أو يسابق في التوبة والإنابة… كلّهم داخلون في هذا السباق العظيم.
🌸 صور من السباق
السابق هو من يسمع النداء فيجيب فورًا: نودي للصلاة فقام، دُعي لعمل الخير فسارع، ذُكر الله فانكسر قلبه.
السابق هو الذي لا ينتظر الآخرين، بل يمشي أولاً ويترك بصمة الهداية.
النبي صلى الله عليه وآله قال: «السابقون إلى المساجد يوم القيامة على منابر من نور». أترى؟ حتى مجرد السبق إلى بيت الله له مقام رفيع يوم القيامة.
🌿 مراتب الناس
الله في سورة الواقعة قسّم الناس إلى ثلاث:
1. السابقون – هؤلاء هم الصفوة، المقربون، الذين لا يكتفون بالنجاة، بل يسعون للقرب.
2. أصحاب اليمين – أهل الطاعة المقبولة والنجاة.
3. أصحاب الشمال – أهل الخسران والبعد.
تأمل… أصحاب اليمين ناجون، لكن السابقين مقربون. الفارق بين النجاة والقرب هو المبادرة والسبق.
🕊️ من هم السابقون؟
قال المفسرون: هم السابقون إلى الإيمان بالنبي في أول الدعوة، مثل أمير المؤمنين علي عليه السلام.
وقال آخرون: هم السابقون إلى الطاعة والجهاد.
وروي عن أهل البيت عليهم السلام أن السابقين هم أئمة الهدى وأولياؤهم المخلصون الذين سبقوا الناس إلى طاعة الله فاستحقوا مقام القرب.
الإمام علي عليه السلام يصف أهل السباق بقوله: «قد أحيا عقله، وأمات نفسه، حتى دقّ جليله، ولطف غليظه، وبرق له لامعٌ كثير البرق، فأبان له الطريق، وسلك به السبيل، وتدافعته الأبواب إلى باب السلامة ودار الإقامة» [نهج البلاغة].
🌺 السباق في حياتنا
لا يتصور أحد أنّ السباق بعيد المنال. بل هو يبدأ من خطواتٍ يومية:
أن تسبق غيرك إلى كلمة خير.
أن تسبق نفسك إلى توبة صادقة.
أن تسبق الغضب بالصبر، والغيبة بالصمت، والبخل بالصدقة.
ليس المهم أن تبدأ متأخرًا، بل المهم أن تخلص نيتك وتصدق في خطاك، فالله لا ينظر إلى كثرة أعمالك بقدر ما ينظر إلى صفاء قلبك وسرعة استجابتك له.
الإمام زين العابدين عليه السلام يناجي ربه قائلاً: «إلهي اجعلني من الذين ناديتهم فأجابوك، ولاحظتهم فصعقوا لجلالك». هؤلاء هم السابقون… الذين لا يتأخرون إذا دعوا إلى الله.
كيف نكون من السابقين؟
1. المبادرة: لا تؤجل عمل الخير. قال تعالى: ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾.
2. الإخلاص: السابق لا يطلب مدحًا ولا رياءً، بل وجه الله فقط.
3. المداومة: السباق ليس قفزة واحدة، بل خطوات ثابتة حتى الموت.
4. الغيرة الإيمانية: إذا رأيت أحدًا سبقك لطاعة، لا تحسده، بل اجعلها وقودًا لسباقك.
🌹 أسأل نفسك :
هل نحن من أصحاب اليمين الذين ينجون، أم نريد أن نرتقي إلى مقام المقربين؟
أصحاب اليمين ناجون، لكن السابقين مقربون، وبين النجاة والقرب فرق شاسع.
فالنتنافس في هذا الميدان، لا في زخارف الدنيا. ولنسمع نداء ربنا:
﴿وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾ [المطففين: 26].
تعليق