إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

عندما يكون الإنسان أعرف بنفسه

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • عندما يكون الإنسان أعرف بنفسه

    بسم الله الرحمن الرحيم

    اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
    وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
    وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
    السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته



    فيما يتصل بثقة الإنسان بنفسه وموقعه، ينبّه الإمام الكاظم(ع) إلى أنَّ الإنسان عندما يُحكم فكره ويُنضج رأيه ويؤكّد موقفه ويرى أنَّه مع الحقّ، فلا داعي لأن يستعير ثقته بنفسه من الناس، بل عليه أن يدرس نفسه، ويعرف رصيده في علمه وفقهه ووعيه ومواقفه، وعند ذلك يكون أعرفَ الناس بنفسه.. ففي حديث رواه الكشّي في رجاله عن حمدويه بن نصير قال: حدّثني محمد بن عيسى بن عبيد عن يونس بن عبد الرحمن، قال: "قال العبد الصالح ـ والمراد به الإمام الكاظم(ع) ـ: يا يونس ارفق بهم، فإنَّ كلامك يدقّ عليهم. قال: قلت: إنّهم يقولون لي: زنديق، قال لي: وما يضرُّك أن يكون في يدك لؤلؤة فيقول الناس هي حصاة، وما ينفعك أن تكون في يدك حصاة فيقول الناس إنّها لؤلؤة". وهذه الوصيّة تتحرّك في المواقع التي يقف فيها المفكّرون الإسلاميون أو الدعاة إلى الله، في ما يطلقونه من أفكار، وفي ما يتحرّكون به من مواقف مما قد لا يرتاح الناس إليه، في ما لا يألفونه من أمور العقيدة أو الحياة، فيخيّل إليهم أنَّه زندقة وضلال، لأنّهم لم يأخذوا بالجذور العميقة للعقيدة، ولم يطّلعوا على الخطِّ المستقيم في نظرة الإسلام إلى الحياة، فكيف يتصرّف هؤلاء المفكّرون أو الدعاة أمام ذلك؟ هل ينسحبون من الميدان تاركين الناس في جهلهم وفي تخيّلاتهم وأوهامهم، أو يبقون على إصرارهم في ما يعتقدون ويقرّرون مهما كانت النتائج؟

    إنَّ الإمام الكاظم(ع) يريد لهم ـ في ما قاله ليونس ـ أن يرفقوا بالناس، فيأخذوا بأساليب البساطة، ليقرّبوا لهم الفكرة بالطريقة التي تتناسب مع عقولهم بعيداً عن كلِّ عناصر الإثارة التي تثير الحساسيّات الخاصة على مستوى عقليّة الجماهير المملوءة بالكثير من الأوهام والخيالات، مما يحتاج إلى الكثير من الجهد الفكري من أجل إثارته والسيطرة عليه، لأنَّ المواجهة المباشرة، والإثارة العنيفة، قد تزيد الموقف تعقيداً، وقد تثير عصبياتهم بطريقة عدوانية، وتعمّق ضلالهم، وتحوّلهم إلى شخصيات هائجة من مواقع الجهل والتخلّف.

    وهذا هو خطُّ الحكمة في معالجة حالات الانحراف الجماهيري، فيما تعيشه الجماهير من التصوّرات التي تمتزج فيها الحقيقة بالخرافة، واليقين بالوهم، مما يضيفونه من تقاليدهم وأوضاعهم بطريقة معقّدة.. فإنَّ المسألة المطروحة هي أن نصل إلى قناعاتهم لا إلى إثارتهم، وربما كان ذلك مقتضياً لدراسة معمّقةٍ واقعيّة للذهنيّة العامة للأمة، وللأفكار المطروحة في داخلها، وللوسائل العمليّة المؤثّرة في الانفتاح عليها، الأمر الذي يجعل الداعية معنيّاً بأن يبحث عن مفاتيح العقول والقلوب للأفراد والجماعات.

    ويريد لهم(ع) في ما قاله ليونس ألاَّ يسقطوا أمام الكلمات القاسية في ما يرميهم به الجاهلون والمتخلّفون، ولا يتعقّدوا منها لينسحبوا من المسؤوليّة في الاستمرار على الخطِّ وفي الثبات في صعيد المواجهة، لأنَّ الإنسان المؤمن لا يستعير ثقته بنفسه من خلال كلمات الناس عنه، ليبقى في موقف المترقّب لما يقولونه عنه، ليقوى أو يضعف تَبَعَاً للكلمات الإيجابيّة أو للكلمات السلبيّة عنه، بل ينطلق في ثقته بنفسه من نظرةٍ موضوعيّة جادّة إلى كلِّ العناصر الواقعيّة التي تمثّل حجم طاقاته، فيما هو الكمّ والكيف، ليحكم لنفسه أو عليها تَبَعاً لذلك، من دون ملاحظةٍ لأيِّ شي‏ءٍ خارجٍ عن طبيعته الذاتية.. وبذلك يمكنه أن يحافظ على توازنه في جميع الحالات المحيطة به، فلا يغترّ بالكلمات التي تمنحه ضخامة في الشخصيّة لا يملكها في ما يعرفه عن نفسه، ولا يسقط أمام الكلمات التي تسلبه صفاته الحقيقيّة مما يملكه في وجوده.

    وهذا هو الخطُّ العمليّ الذي يمثّل القوّة الحقيقية للموقف الثابت الواثق بنفسه المنفتح على الأهداف الكبيرة فيما هي المسيرة الإسلامية بعيداً عن كلُِّ حالات الاهتزاز التي قد يثيرها الآخرون من أعداء الإسلام والمسلمين، فيما يحاولون أن يحرّكوها في أجهزة إعلامهم المعادي الذي يستهدف إسقاط مستويات الأمّة وإيجاد حالةٍ من فقدان الثقة بقدرتها على الثبات في مواجهة التحديات، وذلك من خلال الإيحاء الدائم بنقاط الضعف التي يخترعونها وبالاتهامات التي يصوغونها ويحرّكونها كذباً وافتراءً، وبالعناوين المثيرة التي يضعونها على كثير من أوضاع الأمّة، مما يمكن أن يخضع لأكثر من عنوان، كما نلاحظه في عناوين التعصّب والتطرّف التي يطلقونها على الإسلاميّين الحركيين، وفي عنوان الإرهاب الذي يحرّكونه في سلوك المجاهدين من أجل الحريّة على خطِّ الإسلام ضدّ المستكبرين الذين يضطهدون حريّة الشعوب المستضعفة، أو عناوين التكفير والضلال التي يطلقها المتخلّفون المتعصبون على دعاة الإصلاح.

    إنَّ الإمام(ع) يقول لكلِّ العاملين والمجاهدين: ادرسوا كلَّ المعطيات المتوفّرة لديكم مما تملكونه من حقائق، وحاولوا أن تركّزوا مسألة التقويم للذات الفردية أو الجماعية بشكل موضوعيّ واقعي لا يتأثّر بالانفعالات التي تخضع لتضخيم الموقع أو تقزيمه بفعل بعض المؤثّرات الداخلية أو الخارجيّة، الأمر الذي يضع المواقع والمواقف في نصابها الصحيح.

    وإذا كان الإمام الكاظم(ع) يؤكِّد على العاملين الإسلاميّين ألاَّ يسقطوا عندما يقول الناس عما يملكونه من اللؤلؤ الفكري والروحيّ والعلميّ، إنَّه "حصى"، وألاّ ينتفخوا غروراً عندما يقول الناس عن الحصى الذي يملكونه إنَّه لؤلؤاً، فلا بدَّ أن يبقوا مع الواقع كيفما كان، وإذا كان هذا التأكيد موجّهاً إلى الذات في أنفسهم، فإنَّنا نستوحي منه توجيهاً إليهم في تقييم الآخرين من قياداتهم أو أتباعهم، ليكون الحقّ هو الأساس، والعقل هو المنطلق، لا الباطل الذي يتغذّى بالعاطفة، ولا الانفعال الذي يقود إلى الضلال..

    وهذا ما عبّر عنه أمير المؤمنين عليٌّ(ع): "لا يخدعنّك سواد الناس عن نفسك، لأنَّ الأمر يصل إليك دونهم"، أي لو أتى النّاس وضخّموا لك شخصيّتك، وقالوا أنت العظيم الذي ليس أحدٌ مثله، وأنت تعرف أنَّ علمك مثلاً أو موقعك يمثّل عشرةً أو عشرين بالمائة، فلا تنخدع بكلام النّاس، لأنَّك إذا خُدِعت ستسقط.. ونحن نقتدي بعليٍّ(ع) الذي كان إذا مدحه الناس يقول: "اللهم اجعلني خيراً مما يظنّون واغفرْ لي ما لا يعلمون"، ونحن نعرف أنَّ علياً(ع) فوق النقص وفوق العيب، ولكنّه يتواضع لله، لأنَّه(ع) يعلّمنا عندما يمدحنا النّاس أن ننزل إلى داخل أنفسنا لنكتشف عيوبنا، وفي هذا يقول الإمام زين العابدين(ع) في دعاء مكارم الأخلاق: "اللهم لا ترفعني في النّاسِ درجةً إلاَّ حططتني عند نفسي مثلَها، ولا تُحدثْ لي عِزَّاً ظاهراً إلاَّ أحدثْتَ لي ذِلّةً باطنةً عند نفسي بِقَدَرِها".

    ومن هنا، فإنَّ الإمام الكاظم(ع) أراد للإنسان أن يدرس نفسه بنفسه، ليعرف موازين نفسه من نفسه لا من النّاس، لأنَّه هو الذي يعرف حجمَ فكره وطاقاته وطبيعة نواياه، سيئة أم حسنة، فالنّاس لا يعرفون الكثير من ذلك، فإذا فهم الإنسان نفسه، ورأى فيها خيراً وصدقاً، ورأى النّاس غير ذلك، فإنَّ هذا لا يضرّه ولا يُسقطه ولو شتموه وسبُّوه، لأنَّه يشعر بالأصالة والقوّة والصلابة، وإذا رأى في نفسه غير ذلك ومدحه النّاس، وهو ليس بمستوى المدح، فإنَّه لا يعظِّم شخصيته أبداً.

المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X