بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين
واللعنة الدائمة على أعدائهم من الأولين والأخرين
خرج الرازي في تفسيره مفاتيح الغيب ج 12 ص 23
قال : روى عطاء عن ابن عباس أنها نزلت في علي بن أبي طالب عليه السلام .
روي أن عبدالله بن سلام قال : لما نزلت هذه الآية قلت يا رسول أنا رأيت علياً تصدق بخاتمه على محتاج وهو راكع ، فنحن نتولاه .
وروي عن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال : صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً صلاة الظهر ، فسأل سائل في المسجد فلم يعطه أحد ، فرفع السائل يده إلى السماء وقال : الّلهم أشهد أني سألت في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم فما أعطاني أحد شيئاً ،
وعلي عليه السلام كان راكعاً ، فأومأ إليه بخنصره اليمنى وكان فيها خاتم ، فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم بمرأى النبي صلى الله عليه وسلم ،
فقال : ( الّلهم إن أخي موسى سألك ) فقال : { رَبّ اشْرَحْ لِى صَدْرِى } إلى قوله { وَأَشْرِكْهُ فِى أَمْرِى } ( طه : 25 32 ) فأنزلت قرآناً ناطقاً
{ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً } ( القصص : 35 )
الّلهم وأنا محمد نبيّك وصفيك فاشرح لي صدري ويسر لي أمري واجعل لي وزيراً من أهلي علياً أشدد به ظهري .
قال أبو ذر : فوالله ما أتم رسول الله هذه الكلمة حتى نزل جبريل فقال : يا محمد إقرأ { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ } إلى أخرها ، فهذا مجموع مع يتعلق بالروايات في هذه المسألة .
المسألة الثانية : قالت الشيعة : هذه الآية دالة على أن الإمام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو علي بن ابي طالب ، وتقريره ،
أن نقول : هذه الآية دالة على أن المراد بهذه الآية إمام ،
ومتى كان الأمر كذلك وجب أن يكون ذلك الإمام هو علي بن ابي طالب .
بيان المقام الأول : أن الولي في اللغة قد جاء بمعنى الناصر والمحب ،
كما في قوله { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ } ( التوبة : 71 )
وجاء بمعنى المتصرف . قال عليه الصلاة والسلام : ( أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها )
فنقول : ههنا وجهان : الأول : أن لفظ الولي جاء بهذين المعنيين ولم يعين الله مراده ، ولا منافاة بين المعنيين ،
فوجب حمله عليهما ، فوجب دلالة الآية على أن المؤمنين المذكورين في
الآية متصرفون في الأمة .
الثاني : أن نقول : الولي في هذه الآية لا يجوز أن يكون بمعنى الناصر ،
فوجب أن يكون بمعنى المتصرف ، وإنما قلنا : إنه لا يجوز أن يكون بمعنى الناصر ، لأن الولاية المذكورة في هذه الآية غير عامة في كل المؤمنين ، بدليل أنه تعالى ذكر بكلمة { إِنَّمَا } للحصر ، كقوله : { إِنَّمَا اللَّهُ إِلَاهٌ واحِدٌ } ( النساء : 171 )
والولاية المذكورة في هذه الآية ليست بمعنى النصرة ، وإذا لم تكن بمعنى النصرة كانت بمعنى التصرف ، لأنه ليس للولي معنى سوى هذين ، فصار تقدير الآية : إنما المتصرف فيكم أيها المؤمنون هو الله ورسوله والمؤمنون الموصوفون بالصفة الفلانية ،
وهذا يقتضي أن المؤمنين الموصوفين بالصفات المذكورة في هذه لآية متصرفون في جميع الأمة ، ولا معنى للإمام إلا الإنسان الذي يكون متصرفاً في كل الأمة ، فثبت بما ذكرنا دلالة هذه الآية على أن الشخص المذكور فيها يجب أن يكون إمام الأمة .
أما بيان المقام الثاني : وهو أنه لما ثبت ما ذكرنا وجب أن يكون ذلك الإنسان هو علي بن ابي طالب ،
وبيانه من وجوه :
الأول : أن كل من أثبت بهذه الآية إمامة شخص قال : إن ذلك الشخص هو علي ، وقد ثبت بما قدمنا دلالة هذه الآية على إمامة شخص ، فوجب أن يكون ذلك الشخص هو علي ، ضرورة أنه لا قائل بالفرق .
والثاني : تظاهرت الروايات على أن هذه الآية نزلت في حق علي ، ولا يمكن المصير إلى قول من يقول : ءنها نزلت في أبي بكر رضي الله عنه ، لأنها لو نزلت في حقه لدلت على إمامته ، وأجمعت الأمة على أن هذه الآية لا تدل على إمامته ،
فبطل هذا القول ،
والثالث : أن قوله { وَهُمْ رَاكِعُونَ } لا يجوز جعله عطفاً على ما تقدم ، لأن الصلاة قد تقدمت ، والصلاة مشتملة على الركوع ، فكانت إعادة ذكر الركوع تكراراً ، فوجب جعله حالاً أي يؤتون الزكاة حال كونهم ءاكعين ، وأجمعوا على أن إيتاء الزكاة حال الركوع لم يكن إلا في حق علي ، فكانت الآية مخصوصة به ودالة على إمامته من الوجه الذي قررناه ، وهذا حاصل استدلال القوم بهذه الآية على إمامة علي عليه السلام .
التفسير الكبير أو مفاتيح الغيب
فخر الدين محمد بن عمر التميمي الرازي الشافعي
سنة الولادة 544/ سنة الوفاة 604
تحقيق
الناشر دار الكتب العلمية
سنة النشر 1421هـ - 2000م
مكان النشر بيروت
عدد الأجزاء 32
والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين
واللعنة الدائمة على أعدائهم من الأولين والأخرين
خرج الرازي في تفسيره مفاتيح الغيب ج 12 ص 23
قال : روى عطاء عن ابن عباس أنها نزلت في علي بن أبي طالب عليه السلام .
روي أن عبدالله بن سلام قال : لما نزلت هذه الآية قلت يا رسول أنا رأيت علياً تصدق بخاتمه على محتاج وهو راكع ، فنحن نتولاه .
وروي عن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال : صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً صلاة الظهر ، فسأل سائل في المسجد فلم يعطه أحد ، فرفع السائل يده إلى السماء وقال : الّلهم أشهد أني سألت في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم فما أعطاني أحد شيئاً ،
وعلي عليه السلام كان راكعاً ، فأومأ إليه بخنصره اليمنى وكان فيها خاتم ، فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم بمرأى النبي صلى الله عليه وسلم ،
فقال : ( الّلهم إن أخي موسى سألك ) فقال : { رَبّ اشْرَحْ لِى صَدْرِى } إلى قوله { وَأَشْرِكْهُ فِى أَمْرِى } ( طه : 25 32 ) فأنزلت قرآناً ناطقاً
{ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً } ( القصص : 35 )
الّلهم وأنا محمد نبيّك وصفيك فاشرح لي صدري ويسر لي أمري واجعل لي وزيراً من أهلي علياً أشدد به ظهري .
قال أبو ذر : فوالله ما أتم رسول الله هذه الكلمة حتى نزل جبريل فقال : يا محمد إقرأ { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ } إلى أخرها ، فهذا مجموع مع يتعلق بالروايات في هذه المسألة .
المسألة الثانية : قالت الشيعة : هذه الآية دالة على أن الإمام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو علي بن ابي طالب ، وتقريره ،
أن نقول : هذه الآية دالة على أن المراد بهذه الآية إمام ،
ومتى كان الأمر كذلك وجب أن يكون ذلك الإمام هو علي بن ابي طالب .
بيان المقام الأول : أن الولي في اللغة قد جاء بمعنى الناصر والمحب ،
كما في قوله { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ } ( التوبة : 71 )
وجاء بمعنى المتصرف . قال عليه الصلاة والسلام : ( أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها )
فنقول : ههنا وجهان : الأول : أن لفظ الولي جاء بهذين المعنيين ولم يعين الله مراده ، ولا منافاة بين المعنيين ،
فوجب حمله عليهما ، فوجب دلالة الآية على أن المؤمنين المذكورين في
الآية متصرفون في الأمة .
الثاني : أن نقول : الولي في هذه الآية لا يجوز أن يكون بمعنى الناصر ،
فوجب أن يكون بمعنى المتصرف ، وإنما قلنا : إنه لا يجوز أن يكون بمعنى الناصر ، لأن الولاية المذكورة في هذه الآية غير عامة في كل المؤمنين ، بدليل أنه تعالى ذكر بكلمة { إِنَّمَا } للحصر ، كقوله : { إِنَّمَا اللَّهُ إِلَاهٌ واحِدٌ } ( النساء : 171 )
والولاية المذكورة في هذه الآية ليست بمعنى النصرة ، وإذا لم تكن بمعنى النصرة كانت بمعنى التصرف ، لأنه ليس للولي معنى سوى هذين ، فصار تقدير الآية : إنما المتصرف فيكم أيها المؤمنون هو الله ورسوله والمؤمنون الموصوفون بالصفة الفلانية ،
وهذا يقتضي أن المؤمنين الموصوفين بالصفات المذكورة في هذه لآية متصرفون في جميع الأمة ، ولا معنى للإمام إلا الإنسان الذي يكون متصرفاً في كل الأمة ، فثبت بما ذكرنا دلالة هذه الآية على أن الشخص المذكور فيها يجب أن يكون إمام الأمة .
أما بيان المقام الثاني : وهو أنه لما ثبت ما ذكرنا وجب أن يكون ذلك الإنسان هو علي بن ابي طالب ،
وبيانه من وجوه :
الأول : أن كل من أثبت بهذه الآية إمامة شخص قال : إن ذلك الشخص هو علي ، وقد ثبت بما قدمنا دلالة هذه الآية على إمامة شخص ، فوجب أن يكون ذلك الشخص هو علي ، ضرورة أنه لا قائل بالفرق .
والثاني : تظاهرت الروايات على أن هذه الآية نزلت في حق علي ، ولا يمكن المصير إلى قول من يقول : ءنها نزلت في أبي بكر رضي الله عنه ، لأنها لو نزلت في حقه لدلت على إمامته ، وأجمعت الأمة على أن هذه الآية لا تدل على إمامته ،
فبطل هذا القول ،
والثالث : أن قوله { وَهُمْ رَاكِعُونَ } لا يجوز جعله عطفاً على ما تقدم ، لأن الصلاة قد تقدمت ، والصلاة مشتملة على الركوع ، فكانت إعادة ذكر الركوع تكراراً ، فوجب جعله حالاً أي يؤتون الزكاة حال كونهم ءاكعين ، وأجمعوا على أن إيتاء الزكاة حال الركوع لم يكن إلا في حق علي ، فكانت الآية مخصوصة به ودالة على إمامته من الوجه الذي قررناه ، وهذا حاصل استدلال القوم بهذه الآية على إمامة علي عليه السلام .
التفسير الكبير أو مفاتيح الغيب
فخر الدين محمد بن عمر التميمي الرازي الشافعي
سنة الولادة 544/ سنة الوفاة 604
تحقيق
الناشر دار الكتب العلمية
سنة النشر 1421هـ - 2000م
مكان النشر بيروت
عدد الأجزاء 32