مَديحُكَ ما يُزَانُ بِهِ الزَّمَانُ ** كَمَا ازْدَانَتْ بِرَوْنَقِكَ الْجِنَانُ(١)
حَيَاةٌ لِلْقُلوبِ وَفِيهِ تَسْمو ** نُفوسٌ لاَ يُقَارِفُهَا الْهَوَانُ(٢)
تَسَامَى فِي عُلاَكَ وَفِيكَ وَصْفٌ ** مُحَالٌ أَنْ يُضَمِّنَهُ البَيَانُ
تَكَفَّلَ رَعْيَهُ القُرْآنُ حِفْظَاً ** وَخَيْرُ الْمَدْحِ مَا ذَكَرَ القُرَانُ(٣)
قُرِنْتَ بِذِكْرِ رَبِّكَ وَهْوَ مَرْقَىً ** تَقَاصَرَ عَنْ إِبَانَتِهِ اللِّسَانُ(٤)
وَكَمْ جَهِدَتْ أُمَيَّةُ مَحْوَ ذِكْرٍ ** لِشَخْصِكَ فَازْدَهَى مِنْكَ الكِيَانُ(٥)
وَرَاموا يُنْزِلُونَكَ عَنْ مَقَامٍ ** تَسَامَى فِيكَ فَانْتَكَصوا وَهَانوا
وَكَمْ قَدْ حَارَبوكَ فَمَا اسْتَطَاعوا ** بُلوغَ مَآرِبٍ حَتَّى اسْتَكَانوا
تُحَارِبُهُمْ وَأْنَت بِهِمْ رَحِيمٌ ** وَتُرْعِبُهُمْ وَأَنْتَ لَهُمْ أَمَانُ
بِأَنَّ النُّورَ لِلْخُفّاشِ تَيْهٌ ** وَيَهْدِيهِ مِنَ اللَّيْلِ الْجَنَانُ(٦)
وَقَدْ يُشْقِي الوَضِيعَ العِزُّ دَارَاً ** وَيُسْعِدُهُ الْمَذَلَّةُ وَالْهَوَانُ
قَهَرْتَهُمُ بِدِينٍ جَاءَ غَوْثَاً ** لَهُمْ فَاسْتَسْلَموا خَوْفَاً فَلانُوا
وَمَا نَاجَزْتَهُمْ يَوْمَاً لِحَرْبٍ ** وَلَمْ تَهْجِمْ عَلَيْهِمْ حَيْثُ كَانوا(٧)
وَكَانَ سِلاَحُكَ القُرْآنُ نُورَاً ** فَمَا رَاعَوْا لَهُ قَدْرَاً وَصَانُوا
بِكَ ارْتَفَعْت لَهُمْ أَعْلاَمُ مُلْكٍ ** فَآلَ الأَمْرُ أَنْ مَلَكوا فَخَانُوا
فَلَمْ يُبْقُوا لأَهْلِكَ مِنْ نَقِيبٍ ** وَلَمْ يُهْلِكْهُ سَيْفٌ أَوْ سِنَانُ
عَبَادِيدَاً مَضَوْا وَاحَرَّ قَلْبِي ** وَيَجْمَعُهَا عَلَى الْمَوْتِ الطِّعَانُ(٨)
أَ مِثْلُ بَنِيكَ سَاروا لِلْمَنَايَا ** وَحَادِيهَا الطَّلِيقُ الْمُسْتَهَانُ
وَتِلْكَ أُمَيَّةُ ظُلْمَاً تَمَادَتْ ** فَحَقَّ لَهَا مِنَ اللهِ اللِّعَانُ(٩)
وَكَانَ شِعَارُهُمْ دَفْنَاً وَدَفْنَاً ** لِذِكْرِكَ فَاسْتَهَلَّ بِكَ الزَّمَانُ(١٠)
فَأَيُّ هُنَيْهَةٍ لَمْ تَغْدُ فِيهَا ** ولم يُشْغَلْ بِمِدْحَتِكَ الأَوَانُ(١١)
مَدِيِحُكَ تَاجُ أَرْبَابِ الْمَعَالِي ** بِهِ تَتَزَيّنُ الْمِنَنُ الْحِسَانُ
وَجُزْتَ الفَضْلَ حَتّى صِرْتَ فَرْدَاً ** بِشِرْعَتِهِ جَمِيعُ الرُّسْلِ دَانُوا
تُوُفّوا مُسْلِمِينَ وَأَنْتَ فِيهِمْ ** لأَوَّلُ مُسْلِمٍ وَبِكَ الضَّمَانُ
رَسُولَ العَالَمِينَ بَلَغْتَ شَأْوَاً ** تَضَاءَلَ دونَهُ لِلرُّسْلِ شَانُ
وَتَاهَتْ فِيكَ أَفْكَارُ وَحَارَتْ ** بِمَا قَدْ حُزْتَهُ إِنْسٌ وَجَانُ
فَقُرْبُكَ مِنْ إِلَهِ العَرْشِ حَتَّى ** عَرَجْتَ لَهُ وَكَانَ لَكَ العَيَانُ
بِعَيْنِ القَلْبِ لاَ عَيْنٌ تَرَاهُ ** فَلَيْسَ يُحِيطُ خَالِقِنَا مَكَانُ
فَلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ تَعَالَى ** عَنِ الإِدْرَاكَ يُبْصِرُهُ الْجَنَانُ(١٢)
فَدَعْ مَا قَالَهُ السُّفَهَاءُ جَهْلاً ** مَقَالٌ لِلضَّلاَلَةِ تُرْجُمَانُ
فَتَشْبِيهٌ وَتَجْسِيمٌ فَوَجْهٌ ** لَهُ عَيْنَانِ ثُمَّ لَهُ أَذَانُ(١٣)
وَإِنَّ لَهُ يَدَيْنِ وَثُمَّ سَاقَاً ** يَلِيقُ بِشَأْنهِ ذَاكَ الكِيَانُ
وَيَجْلُسُ فَوْقَ عَرْشٍ ذِي أَطِيطٍ ** يُطَوِّقُهُ هُنَالِكَ أُفْعُوَانُ(١٤)
وَتَحْمِلُهُ مِنَ الأَوْعَالِ عَدَّاً ** ثَمَانِيَةٌ شَدِيدَاتٌ عَوَانُ(١٥)
فَإِنْ غَضِبَ الإِلَهُ يَزِدْهُ ثِقْلاً ** عَلَيْهَا العَرْشُ يُجْمِلُهَا اتِّزَانُ
وَإِنْ رَضِي الإِلَهُ كَفَاهُ وَزْنَاً ** فَيُرْخَى مِنْ شَكَائِمِهَا العِنَانُ
وَقَالوا: إِنَّ فِي رِجْلَيْهِ نَعْلاً ** عَلَيهِ التِّبْرُ يَسْجُدُ وَالْجُمَانُ(١٦)
وَأَمْرَدُ شَعْرُهُ قَطَطٌ وَجَعْدٌ ** يُوَشِّحُهُ هُنَاكَ الطَّيْلَسَانُ(١٧)
وَلَيْسَ بِكَفِّهِ أَسَفِي عَلَيْهِ ** كَمَا زَانَ الأَكُفَّ الصَّوْلَجَانُ(١٨)
فَذَا رَبُّ الدَّوَاعَشِ كَيْفَ يُمْسِي ** وَلَمْ تَرْقُصْ بِحَضْرَتِهِ القِيَانُ(١٩)
فَهَلْ زَادَتْ عَلَيْهِ بَنُو سُعُودٍ ** مُلوكَاً حَوْلَهَا الغِيدُ الْحِسَانُ
تُرَاقِصُهُمْ وَهُمْ فِي عِزِّ مُلْكٍ ** وَقَدَ مُلِئَتْ مِنَ الصَّهْباءِ حَانُ(٢٠)
بِهَذَا وَحّدَ الرَّحْمَنَ قَوْمٌ ** كَتَابَ اللهِ وَالتَّوْحيدَ خَانُوا
بِهَذَا الْجَهْلِ قَدْ سَفَكُوا دِمَانَا ** بِدَعْوَى الشِّرْكِ لاَ وُجِدوا وَكَانُوا
رَمَوْنَا بِالَّذِي هُمْ فِيهِ غَرْقَى ** ضَلاَلاً إِنَّ مُفْتِيهَا الأَتَانُ(٢١)
أَحَلّوا سَفْكَ كُلِّ دَمٍ حَرَامٍ ** وَمِلءُ قُلوبِهِمْ غِشٌّ وَرَانُ(٢٢)
كَأَنَّ الدّينَ خُصَّ بِهِمْ وَبَاقِي ** عِيَالِ اللهِ يُهْلِكُهَا الطِّعَانَُ
لَقَدْ حَارَبْتُمُ الإِسْلاَمَ دِينَاً ** رِسَالَتُهُ الكَرَامَةُ وَالأَمَانُ
أَتَى لِيُتَمِّمَ الأَخْلاَقَ فِينَا ** بِحُبٍّ لاَ يُفَارِقُهُ الْحَنَانُ
بِحُبِّ النَّاسِ كُلِّ النَّاسِ طُرَّاً ** فَلاَ سَيْفٌ يُسَلُّ وَلاَ سِنَانُ
وَحَقِّ النَّاسِ فِي عَيْشٍ كَريمٍ ** لَدَى الإسْلاَمِ ذَا حَقٌّ يُصَانُ
وَعِنْدَ اللهِ تَجْتَمِعُ البَرَايَا ** فَيَشْمِلُهَا مِنَ الْحَقِّ امْتِنَانُ
لَطيفٌ بِالعِبَادِ لَقَدْ بَرَاهُمْ ** لِرَحْمَتِهِ بِذَا نَطَقَ القُرَانُ
وَسُنَّةُ أَحْمَدٍ بِالرِّفْقِ جَاءَتْ ** بِكُلِّ النَّاسِ مَا بَلَغَ الزَّمَانُ
حِسَابُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْـ ** ـقِيَامَةِ كُلُّنَا فِيهِ مُدَانُ
فَإِنْ ظَلَموا فَمَثْوَاهُمْ جَحِيمٌ ** وَإنْ سُعِدُوا فَأَجْرُهُمُ الْجَنَانُ
وَرَحْمَةُ رَبِّكَ الغَفَّارُ أَجْدَى ** وَأَنْدَى أَنْ يُفَصِّلُهَا بَيَانُ
حَنَانَكَ رَبَّنَا فَاغْفِرْ ذُنوبَاً ** تَنوءُ بِحَمْلِهَا الشُّمُّ الرِّعَانُ(٢٣)
وَبَارِكْ فِي شَفَاعَةِ خَيْرِ مُنْجٍ ** إِذَا مَا أَعْوَزَ الْجَانِي الأَمَانُ
عَلَيْهِ صَلاَةُ رَبِّي مَا تَوَشَّى ** بِنَظْمِ مَدِيحِهِ الدُّرُّ الْمُصَانُ
وَلِلآلِ الكِرَامِ صَلاَةُ رَبِّي ** بِهَا أَبْيَاتُ مَدْحِهِمُ تُزَانُ
شعر: عادل الكاظمي
ــــــــــــــــــــــــــــ
١- الرَّوْنَقُ: الحُسْن والبهاء والإشراق.
٢- قَارَفَ الشَّيءَ: قاربَهُ وخالطه.
٣- القُرَانُ: من أسماء القرآن وهو اسم الكتاب العزيز كالتوراة والإنجيل وليس بمشتق من قرأتُ.
٤- هو اقتران اسم النبي باسم الله تعالى في الشهادتين والأذان والإقامة وغيرها.
٥- الكِيَانُ: الوجود والخليقة.
٦- الْخُفَّاشُ: حيوان معروف. الْجَنَانُ: شِدّةُ ظُلمةِ الليل.
٧- نَاجَزَهُ الْحَرْبَ: نازله، وقاتله.
٨- العَبَاديدُ: من الناس هي الفرق الذاهبة في كل وجه ويطلق على المُشَرَّدينَ. ووردت في زيارة الجامعة غير المشهورة: «وَشَمْلُكُمْ عَبَاديدُ تُفْنِيهِمُ العَبيدُ وَأَبْنَاءُ العَبِيدِ...الخ».
٩- اللِّعَانُ: واحدها اللعنة وهو اسم من لَعَنَ يَلْعَنُ.
١٠- دَفْنَاً دَفْنَاً: الشعار الذي رفعه معاوية طامعاً في دفن ذكره النبي لما سمع صوت المؤذن يوماً قائلاً لم يرضَ ابن أبي كبشة أن يكون نبياً حتى قرن اسمه باسم ربه. وابن أبي كبشة أحد أجداد النبي وكان يوشك أن يكون نبياً في خلقه ونصيحته لقومه فظنت قريش أن النبي أخذ الفكرة عن جده ولكنه زاد عنه بأنه ادعى النبوة.
١١- الهُنَيْهَةُ: اللّحْظَةُ القَصِيرَةُ. الأوان مفردها آونة: الحِين.
١٢- الْجَنَانُ: من أسماء القلب.
١٣- أَذَانُ: هي في الأصل الآذان وتخفيفها للضرورة وهي أداة السمع.
١٤- أُفْعُوَانُ: إنثى الأفعى.
١٥- الأَوْعَالُ: مفردها الوَعْلُ وهو تَيْسُ الجَبَل. العَوَانُ: المتوسِّطةُ في العمر بين الصِّغر والكبر من البهائم وغيرها وهذا الوصف مني كناية عن شدة تلك الأوعال لقدرتها على حمل العرش.
١٦- التّبْر: الذهب الخالص. الْجُمانُ: الفضة ويطلق على حَبٌّ يُصاغُ من الفضة على شكل اللؤلؤ.
١٧- الأَمْرَدُ: هو الشاب في حديث الشاب الأمرد إله الوهابيين الدواعش وما يتعلق به من صفات. الشعر القَطَطُ: القصير. الْجَعْدُ: الشعر القصير الملتوي.
١٨- صَوْلَجانُ المُلْك: عصاً يَحْملها المَلِك ترمز لسلطانه.
١٩- القَيْنَةُ: الأمَةُ وغلب على المُغنِّية.
٢٠- الصَّهْبَاءُ: الخمرة. الحانُ: مكان تعاطي الخمرة.
٢١- الأَتَانُ: أنثى الحمار.
٢٢- الرّانُ: السواد الذي يغطي القلب من ذنوب وغيرها. قال تعالى: «كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ» والرَّانُ والرَّيْنُ واحد.
٢٣-الرِّعَانُ: قمم الجبال واحدها الرعْنُ. الشُّمُّ: العالية.
حَيَاةٌ لِلْقُلوبِ وَفِيهِ تَسْمو ** نُفوسٌ لاَ يُقَارِفُهَا الْهَوَانُ(٢)
تَسَامَى فِي عُلاَكَ وَفِيكَ وَصْفٌ ** مُحَالٌ أَنْ يُضَمِّنَهُ البَيَانُ
تَكَفَّلَ رَعْيَهُ القُرْآنُ حِفْظَاً ** وَخَيْرُ الْمَدْحِ مَا ذَكَرَ القُرَانُ(٣)
قُرِنْتَ بِذِكْرِ رَبِّكَ وَهْوَ مَرْقَىً ** تَقَاصَرَ عَنْ إِبَانَتِهِ اللِّسَانُ(٤)
وَكَمْ جَهِدَتْ أُمَيَّةُ مَحْوَ ذِكْرٍ ** لِشَخْصِكَ فَازْدَهَى مِنْكَ الكِيَانُ(٥)
وَرَاموا يُنْزِلُونَكَ عَنْ مَقَامٍ ** تَسَامَى فِيكَ فَانْتَكَصوا وَهَانوا
وَكَمْ قَدْ حَارَبوكَ فَمَا اسْتَطَاعوا ** بُلوغَ مَآرِبٍ حَتَّى اسْتَكَانوا
تُحَارِبُهُمْ وَأْنَت بِهِمْ رَحِيمٌ ** وَتُرْعِبُهُمْ وَأَنْتَ لَهُمْ أَمَانُ
بِأَنَّ النُّورَ لِلْخُفّاشِ تَيْهٌ ** وَيَهْدِيهِ مِنَ اللَّيْلِ الْجَنَانُ(٦)
وَقَدْ يُشْقِي الوَضِيعَ العِزُّ دَارَاً ** وَيُسْعِدُهُ الْمَذَلَّةُ وَالْهَوَانُ
قَهَرْتَهُمُ بِدِينٍ جَاءَ غَوْثَاً ** لَهُمْ فَاسْتَسْلَموا خَوْفَاً فَلانُوا
وَمَا نَاجَزْتَهُمْ يَوْمَاً لِحَرْبٍ ** وَلَمْ تَهْجِمْ عَلَيْهِمْ حَيْثُ كَانوا(٧)
وَكَانَ سِلاَحُكَ القُرْآنُ نُورَاً ** فَمَا رَاعَوْا لَهُ قَدْرَاً وَصَانُوا
بِكَ ارْتَفَعْت لَهُمْ أَعْلاَمُ مُلْكٍ ** فَآلَ الأَمْرُ أَنْ مَلَكوا فَخَانُوا
فَلَمْ يُبْقُوا لأَهْلِكَ مِنْ نَقِيبٍ ** وَلَمْ يُهْلِكْهُ سَيْفٌ أَوْ سِنَانُ
عَبَادِيدَاً مَضَوْا وَاحَرَّ قَلْبِي ** وَيَجْمَعُهَا عَلَى الْمَوْتِ الطِّعَانُ(٨)
أَ مِثْلُ بَنِيكَ سَاروا لِلْمَنَايَا ** وَحَادِيهَا الطَّلِيقُ الْمُسْتَهَانُ
وَتِلْكَ أُمَيَّةُ ظُلْمَاً تَمَادَتْ ** فَحَقَّ لَهَا مِنَ اللهِ اللِّعَانُ(٩)
وَكَانَ شِعَارُهُمْ دَفْنَاً وَدَفْنَاً ** لِذِكْرِكَ فَاسْتَهَلَّ بِكَ الزَّمَانُ(١٠)
فَأَيُّ هُنَيْهَةٍ لَمْ تَغْدُ فِيهَا ** ولم يُشْغَلْ بِمِدْحَتِكَ الأَوَانُ(١١)
مَدِيِحُكَ تَاجُ أَرْبَابِ الْمَعَالِي ** بِهِ تَتَزَيّنُ الْمِنَنُ الْحِسَانُ
وَجُزْتَ الفَضْلَ حَتّى صِرْتَ فَرْدَاً ** بِشِرْعَتِهِ جَمِيعُ الرُّسْلِ دَانُوا
تُوُفّوا مُسْلِمِينَ وَأَنْتَ فِيهِمْ ** لأَوَّلُ مُسْلِمٍ وَبِكَ الضَّمَانُ
رَسُولَ العَالَمِينَ بَلَغْتَ شَأْوَاً ** تَضَاءَلَ دونَهُ لِلرُّسْلِ شَانُ
وَتَاهَتْ فِيكَ أَفْكَارُ وَحَارَتْ ** بِمَا قَدْ حُزْتَهُ إِنْسٌ وَجَانُ
فَقُرْبُكَ مِنْ إِلَهِ العَرْشِ حَتَّى ** عَرَجْتَ لَهُ وَكَانَ لَكَ العَيَانُ
بِعَيْنِ القَلْبِ لاَ عَيْنٌ تَرَاهُ ** فَلَيْسَ يُحِيطُ خَالِقِنَا مَكَانُ
فَلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ تَعَالَى ** عَنِ الإِدْرَاكَ يُبْصِرُهُ الْجَنَانُ(١٢)
فَدَعْ مَا قَالَهُ السُّفَهَاءُ جَهْلاً ** مَقَالٌ لِلضَّلاَلَةِ تُرْجُمَانُ
فَتَشْبِيهٌ وَتَجْسِيمٌ فَوَجْهٌ ** لَهُ عَيْنَانِ ثُمَّ لَهُ أَذَانُ(١٣)
وَإِنَّ لَهُ يَدَيْنِ وَثُمَّ سَاقَاً ** يَلِيقُ بِشَأْنهِ ذَاكَ الكِيَانُ
وَيَجْلُسُ فَوْقَ عَرْشٍ ذِي أَطِيطٍ ** يُطَوِّقُهُ هُنَالِكَ أُفْعُوَانُ(١٤)
وَتَحْمِلُهُ مِنَ الأَوْعَالِ عَدَّاً ** ثَمَانِيَةٌ شَدِيدَاتٌ عَوَانُ(١٥)
فَإِنْ غَضِبَ الإِلَهُ يَزِدْهُ ثِقْلاً ** عَلَيْهَا العَرْشُ يُجْمِلُهَا اتِّزَانُ
وَإِنْ رَضِي الإِلَهُ كَفَاهُ وَزْنَاً ** فَيُرْخَى مِنْ شَكَائِمِهَا العِنَانُ
وَقَالوا: إِنَّ فِي رِجْلَيْهِ نَعْلاً ** عَلَيهِ التِّبْرُ يَسْجُدُ وَالْجُمَانُ(١٦)
وَأَمْرَدُ شَعْرُهُ قَطَطٌ وَجَعْدٌ ** يُوَشِّحُهُ هُنَاكَ الطَّيْلَسَانُ(١٧)
وَلَيْسَ بِكَفِّهِ أَسَفِي عَلَيْهِ ** كَمَا زَانَ الأَكُفَّ الصَّوْلَجَانُ(١٨)
فَذَا رَبُّ الدَّوَاعَشِ كَيْفَ يُمْسِي ** وَلَمْ تَرْقُصْ بِحَضْرَتِهِ القِيَانُ(١٩)
فَهَلْ زَادَتْ عَلَيْهِ بَنُو سُعُودٍ ** مُلوكَاً حَوْلَهَا الغِيدُ الْحِسَانُ
تُرَاقِصُهُمْ وَهُمْ فِي عِزِّ مُلْكٍ ** وَقَدَ مُلِئَتْ مِنَ الصَّهْباءِ حَانُ(٢٠)
بِهَذَا وَحّدَ الرَّحْمَنَ قَوْمٌ ** كَتَابَ اللهِ وَالتَّوْحيدَ خَانُوا
بِهَذَا الْجَهْلِ قَدْ سَفَكُوا دِمَانَا ** بِدَعْوَى الشِّرْكِ لاَ وُجِدوا وَكَانُوا
رَمَوْنَا بِالَّذِي هُمْ فِيهِ غَرْقَى ** ضَلاَلاً إِنَّ مُفْتِيهَا الأَتَانُ(٢١)
أَحَلّوا سَفْكَ كُلِّ دَمٍ حَرَامٍ ** وَمِلءُ قُلوبِهِمْ غِشٌّ وَرَانُ(٢٢)
كَأَنَّ الدّينَ خُصَّ بِهِمْ وَبَاقِي ** عِيَالِ اللهِ يُهْلِكُهَا الطِّعَانَُ
لَقَدْ حَارَبْتُمُ الإِسْلاَمَ دِينَاً ** رِسَالَتُهُ الكَرَامَةُ وَالأَمَانُ
أَتَى لِيُتَمِّمَ الأَخْلاَقَ فِينَا ** بِحُبٍّ لاَ يُفَارِقُهُ الْحَنَانُ
بِحُبِّ النَّاسِ كُلِّ النَّاسِ طُرَّاً ** فَلاَ سَيْفٌ يُسَلُّ وَلاَ سِنَانُ
وَحَقِّ النَّاسِ فِي عَيْشٍ كَريمٍ ** لَدَى الإسْلاَمِ ذَا حَقٌّ يُصَانُ
وَعِنْدَ اللهِ تَجْتَمِعُ البَرَايَا ** فَيَشْمِلُهَا مِنَ الْحَقِّ امْتِنَانُ
لَطيفٌ بِالعِبَادِ لَقَدْ بَرَاهُمْ ** لِرَحْمَتِهِ بِذَا نَطَقَ القُرَانُ
وَسُنَّةُ أَحْمَدٍ بِالرِّفْقِ جَاءَتْ ** بِكُلِّ النَّاسِ مَا بَلَغَ الزَّمَانُ
حِسَابُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْـ ** ـقِيَامَةِ كُلُّنَا فِيهِ مُدَانُ
فَإِنْ ظَلَموا فَمَثْوَاهُمْ جَحِيمٌ ** وَإنْ سُعِدُوا فَأَجْرُهُمُ الْجَنَانُ
وَرَحْمَةُ رَبِّكَ الغَفَّارُ أَجْدَى ** وَأَنْدَى أَنْ يُفَصِّلُهَا بَيَانُ
حَنَانَكَ رَبَّنَا فَاغْفِرْ ذُنوبَاً ** تَنوءُ بِحَمْلِهَا الشُّمُّ الرِّعَانُ(٢٣)
وَبَارِكْ فِي شَفَاعَةِ خَيْرِ مُنْجٍ ** إِذَا مَا أَعْوَزَ الْجَانِي الأَمَانُ
عَلَيْهِ صَلاَةُ رَبِّي مَا تَوَشَّى ** بِنَظْمِ مَدِيحِهِ الدُّرُّ الْمُصَانُ
وَلِلآلِ الكِرَامِ صَلاَةُ رَبِّي ** بِهَا أَبْيَاتُ مَدْحِهِمُ تُزَانُ
شعر: عادل الكاظمي
ــــــــــــــــــــــــــــ
١- الرَّوْنَقُ: الحُسْن والبهاء والإشراق.
٢- قَارَفَ الشَّيءَ: قاربَهُ وخالطه.
٣- القُرَانُ: من أسماء القرآن وهو اسم الكتاب العزيز كالتوراة والإنجيل وليس بمشتق من قرأتُ.
٤- هو اقتران اسم النبي باسم الله تعالى في الشهادتين والأذان والإقامة وغيرها.
٥- الكِيَانُ: الوجود والخليقة.
٦- الْخُفَّاشُ: حيوان معروف. الْجَنَانُ: شِدّةُ ظُلمةِ الليل.
٧- نَاجَزَهُ الْحَرْبَ: نازله، وقاتله.
٨- العَبَاديدُ: من الناس هي الفرق الذاهبة في كل وجه ويطلق على المُشَرَّدينَ. ووردت في زيارة الجامعة غير المشهورة: «وَشَمْلُكُمْ عَبَاديدُ تُفْنِيهِمُ العَبيدُ وَأَبْنَاءُ العَبِيدِ...الخ».
٩- اللِّعَانُ: واحدها اللعنة وهو اسم من لَعَنَ يَلْعَنُ.
١٠- دَفْنَاً دَفْنَاً: الشعار الذي رفعه معاوية طامعاً في دفن ذكره النبي لما سمع صوت المؤذن يوماً قائلاً لم يرضَ ابن أبي كبشة أن يكون نبياً حتى قرن اسمه باسم ربه. وابن أبي كبشة أحد أجداد النبي وكان يوشك أن يكون نبياً في خلقه ونصيحته لقومه فظنت قريش أن النبي أخذ الفكرة عن جده ولكنه زاد عنه بأنه ادعى النبوة.
١١- الهُنَيْهَةُ: اللّحْظَةُ القَصِيرَةُ. الأوان مفردها آونة: الحِين.
١٢- الْجَنَانُ: من أسماء القلب.
١٣- أَذَانُ: هي في الأصل الآذان وتخفيفها للضرورة وهي أداة السمع.
١٤- أُفْعُوَانُ: إنثى الأفعى.
١٥- الأَوْعَالُ: مفردها الوَعْلُ وهو تَيْسُ الجَبَل. العَوَانُ: المتوسِّطةُ في العمر بين الصِّغر والكبر من البهائم وغيرها وهذا الوصف مني كناية عن شدة تلك الأوعال لقدرتها على حمل العرش.
١٦- التّبْر: الذهب الخالص. الْجُمانُ: الفضة ويطلق على حَبٌّ يُصاغُ من الفضة على شكل اللؤلؤ.
١٧- الأَمْرَدُ: هو الشاب في حديث الشاب الأمرد إله الوهابيين الدواعش وما يتعلق به من صفات. الشعر القَطَطُ: القصير. الْجَعْدُ: الشعر القصير الملتوي.
١٨- صَوْلَجانُ المُلْك: عصاً يَحْملها المَلِك ترمز لسلطانه.
١٩- القَيْنَةُ: الأمَةُ وغلب على المُغنِّية.
٢٠- الصَّهْبَاءُ: الخمرة. الحانُ: مكان تعاطي الخمرة.
٢١- الأَتَانُ: أنثى الحمار.
٢٢- الرّانُ: السواد الذي يغطي القلب من ذنوب وغيرها. قال تعالى: «كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ» والرَّانُ والرَّيْنُ واحد.
٢٣-الرِّعَانُ: قمم الجبال واحدها الرعْنُ. الشُّمُّ: العالية.
تعليق