ظهور المنحرفين والمنافقين
كان الامام علي عليه السلام بجانب الرّسول صلى اللَّـــہ عليه وإله وسلم في لحظاته الاخيرة وعلمت الناس بخير الوفاة حين تعالت الأصوات بالضجيج والعويل من بيت الرّسول صلى اللَّـــہ عليه وآله وَسَلَّم.
فخرج عمر بن الخطاب وهو يهدد بالسيف قائلاً: إنّ رجالاً من المنافقين يزعمون أن رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم قد مات، إنه والله ما مات ولكنّه قد ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران
الكامل في التأريخ: 2-323، الطبقات الكبرى: 2-266، السيرة النبوية لزيني دحلان: 2-306
رغم أنّه لا تشابه بين غياب النبي موسى عليه السلام واستشهاد النبي محمد صلَّى الله عليه وآله وسلم.
ثم جاء أبو بكر ودخل إلى بيت رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم فكشف عن وجه النبي صلَّى الله عليه وآله وسلم وخرج مسرعاً وقال: أيها الناس من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حيّ لا يموت وتلا قوله تعالى:
{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ}
الطبقات الكبرى:2 / القسم الثاني: 53-56
وأسرع أبو بكر وعمر بن الخطاب مع بعض أصحابهما إلى سقيفة بني ساعدة ليتباحثوا آمر الخلافة متناسين نصبُ عليّ بن أبي طالب وكذا بيعتهم إيّاه بالخلافة واستخفافاً بحرمة رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم وجسده المسجّى.
ثم انشغل الامام علي عليه السلام وأهل بيته بتجهيز الرسول صلَّى الله عليه وآله وغسّله ودفنه, السيرة النبوية لابن كثير: 4 / 518
وقال الامام علي عليه السلام: إن رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم إمامنا حياً وميتاً فليدخل عليه فوج بعد فوج فيصلّون عليه بغير إمام وينصرفون.
وأوّل من صلى عليه كان الامام علي عليه السلام
الإرشاد : 1 / 187واعيان الشيعة : 1 / 295
وحفر الامام علي عليه السلام قبرا للنبي صلَّى الله عليه وآله وسلم في الحجرة التي توفي فيها ودفنه، ولم يحضر دفن النبي صلَّى الله عليه وآله وسلم والصلاة عليه أحد من الصحابة الذين ذهبوا إلى السقيفة.
السلام عليك يا رسول الله يوم ولدت ويوم مت ويوم تبعث حياً.
لم يكن الإمام عليّّ عليه السلام طامعاً لاستلام الخلافة كالآخرين، إنما كان همّه تثبيت دعائم الإسلام وحثّ الناس على الاقتداء بمنهج رسول الله صلى اللَّـــہ عليه وآله وسلم، رغم انه المؤهّل للخلافة قبل سبعين يوماً من وفاة النبيّ صلى اللَّـــہ عليه وآله وسلم.
قوله عليه السلام في الخطبة الشقشقيّة:
(أما والله لقد تقمّصها ابن أبي قحافة، وإنّه ليعلَمُ أنّ محلّي منها محلّ القطب من الرحى)
نهج البلاغة، الخطبة: 3
وهنا يتّضح وجود خطّين فكرييّن، وسلوكين متضاربين:
أنّ الخلافة إنّما هي وسيلة لتحقيق القيم ولا تُسحق القيم من أجل الوصول إلى الخلافة، وأنّ الحقّ هو الأحقّ بالاتّباع دون غيره.
الإمامة والسياسة: 1؛30، وتاريخ الطبري: 2؛443
ان استلام الخلافة هدفاً أعلى، والقيمَ وسائلَ قد تخدم هذا الهدف وقد لا تخدمه، ولا ضرورة للخضوع لها.
اما القوم الآخرون فقد حاولوا ان يرغموا الإمام عليه السلام قسرا على البيعة، فأرسلوا قوّة عسكرية أحاطت بداره ودخلوها بعنف، وأخرجوه منها بصورة لا تليق بمكانته، وجيء به إلى أبي بكر، فصاحوا به بعنف: بايع أبا بكر، فأجابهم عليه السلام بمنطق الواثق: (أنا أحقّ بهذا الأمر منكم، لا أبايعكم وأنتم أولى بالبيعة لي.. نحن أولى برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حيّاً وميتاً، فأنصفونا إن كنتم تؤمنون...)
الإمامة والسياسة: 1؛30، وتاريخ الطبري: 2؛443
الإمامة والسياسة: 1؛28
وما كان من الإمام عليّّ عليه السلام سوى أن يختار الصمت ويصبر ما دام الجور عليه خاصّة ليحقّق أكبر قدرٍ ممكن من الأهداف الرساليّة الّتي جعله الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وصيّاً عليها.
وكان للأمويّين مطمع سياسيّ كبير في نيل نصيب مرموق من الحكم، فعارضوا نتائج السقيفة لكن الحاكمون لم يعبئوا بمعارضتهم ولا بتهديدات أبي سفيان وشهواته السياسيّة، لكن أبو بكر وعمر أباحوا أن يدفعوا جميع ما في أيديهم من أموال المسلمين وزكواتهم لأبي سفيان، ثمّ جعلوا للأمويّين بعد ذلك حظّاً من العمل الحكوميّ في عدّة من المرافق الهامّة
شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد المعتزلي: 1؛130
السَّلامُ عَلَيْكَ يا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ لَقَدْ جاهَدْتَ فِي الله حَقَّ الجِهادِ وَصَبَرْتَ عَلى الأذى صَبْرَ احْتِسابٍ
لم يكن مع أمير المؤمنين عليه السلام من ينصره حقاً ليقاتل بهم فقد طلب أربعين رجلاً فلم يحضر سوى أربعة منهم.
وقد قال عليه السلام عن ذلك: (أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود ناصر... لألقيت حبلها على غاربها ولسقيت آخرها بكأس أولها...
نهج البلاغة / جزء من الخطبة الشقشقية
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم الامام علي عليه السلام فقال: يا علي، إنك ستلقي بعدي من قريش شدة، من تظاهرهم عليك وظلمهم لك، فإن وجدت أعوانا عليهم فجاهدهم وقاتل من خالفك بمن وافقك، فإن لم تجد أعوانا فاصبر وكف يدك ولا تلق بيدك إلى التهلكة...
سليم بن قيس في كتابه ص 134
وقال الامام علي عليه السلام: كنت أمشي مع رسول الله صلى اللَّـــہ عليه وآله وسلم... فلما خلا له الطريق اعتنقني، ثم أجهش باكيا فقال: بأبي الوحيد الشهيد فقلت: يا رسول الله، ما يبكيك؟
فقال: ضغائن في صدور أقوام لا يبدونها لك إلا من بعدي، أحقاد بدر وترات أحد، فاصبر لظلم قريش إياك وتظاهرهم عليك، فإنك بمنزلة هارون من موسى ومن تبعه وهم بمنزلة العجل ومن تبعه، وإن موسى أمر هارون حين استخلفه عليهم: إن ضلوا فوجد أعوانا أن يجاهدهم بهم، وإن لم يجد أعوانا أن يكف يده ويحقن دمه ولا يفرق بينهم.
شرح نهج البلاغة ج4 ص 107-108
وروى كثير من المحدّثين أنّه عقيب يوم السّقيفة تألّم الامام علي عليه السلام وتظلّم، واستنجد واستصرخ، حيث ساموه الحضور والبيعة، وأنّه قال وهو يشير إلى القبر:
(يابن أُمَّ إن القوم استضعفوني وكادُوا يقتُلُونني)
وأنه قال: واجعفراه !
ولا جعفر لي اليوم ! واحمزتاه ولا حمزةَ لي اليوم !
سورة الاعراف: الاية 150
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج11 ص111
- وقوله عليه السلام: قالَ لي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم:
إن اجتمعوا عليكَ فاصنع ما أمرتُك، وإلاّ فألصق كلكلك بالارض، فلما تفرقوا عنّي جررتُ على المكرُوهِ ذيلي، وأغضيتُ على القذى جفني، وألصقت بالارض كلكلي.
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج20 ص326
---------------
منقول