بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَن يَقُولُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ ۚ إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ ۚ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾[1].
﴿أَن يَقُولُوا﴾، هي قولة غائلة هائلة ضد هذه الرسالة السامية قد تحرضه (صلى الله عليه وآله) على أن يترك بعض ما أوحي إليه بلاغا لهؤلاء الأنكاد، ولكنه معصوم بعصمة ربانية تحافظ على ﴿لَعَلَّكَ﴾، و ﴿ضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ﴾، فهو نافض يديه عن كل ما أوحي إليه دون إبقاء، وكما نجد عشرات من الآيات التي تذكر مواجهته بها إياهم بهذه الذكريات وهم مكذبوه. وهنا ﴿بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ﴾، ليس إلا البعض الذي أحرجوه فيه، كآيات التحدي التي تعرّف بالقرآن أنه أفضل آية رسولية ورسالية على مدار الزمن الرسالي، ما نزلت منها وما لم تنزل بعد، وكذلك آيات البشارات في كتابات السماء، أن الله تعالى أودع فيها خبر هذه الرسالة السامية بكتابه المجيد.
﴿لَوْلَا أُنزِلَ..﴾، أي لولا شمول رحمة الله وتكميلك بالعلوم، وعدم الاعتناء بغير الله وانحصار الاعتناء به، لكنت في بعض الاوقات تاركا لما يوحى اليك، وهو فيما إذا رأيت اعراضهم وعدم اخذهم بأوامر الله ونواهيه أو الاعتقاد على طبق ما يلقى من الله، فإنه ربما يتوهم أن الغرض من التبليغ التأثير، ومع عدم التأثير لا فائدة، ولكن بعد التكميل وعدم اعتنائه بغير الله يرى (صلّى الله عليه وآله) أن للتبليغ على أي حال اثرا إذ به تتم الحجة، ويقطع العذر.
وكذا يضيق صدرك من قولهم السخيف أنه لِمَ لمْ ينزل معه الكنز أو الملك؟
أما سخافة قولهما فلأن الغرض من النبوة التكميل للأمر الأخروي لا التكميل الدنيوي حتى يقال: إن تكميله بالمال، وكان الله قادرا على إنزال الكنز، فلأجل عدم انزاله يكشف عن عدم كونه من قبل الله، إذ هو لا يفوّت الغرض.
وأما إذا كان المراد التكميل الأخروي، فلابد من نزول الكنز الأخروي، وهو العلم والمعرفة والاخلاق معه، وهي قد انزلت معه (صلّى الله عليه وآله) بأعلى الدرجة، وأما الملك فهو بحقيقته العالية من دون كسوة البدن، ليس للسافل أن يراه، فلا معنى لنزوله وأما مع الكسوة فهو عليه السّلام فوق الملك، والكاملون معه اعلى من الملك، فقد انزل الملك معه.
وأما أنه لا ينبغي أن يضيق صدرك؛ فلعلوّ درجتك من الاعتناء بهم بل منك الافاضة والرحمة حتى لا يكون منك قصور، ومنك الانذار لإتمام الحجة، وتمام الامور موكول إليه تعالى، وهو وكيل الكل، إذا الكل قد وكل اليه بالحقيقة وعلى حسب الصلاح يعامل مع الكل.
وقد ورد عَنْ عَمَّارِ بْنِ سُوَيْدٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اَللهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ يَقُولُ: ((فِي هَذِهِ اَلْآيَةِ ﴿فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى.. ﴾، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اَللهِ صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ لَمَّا نَزَلَ (وادي يسمى) قُدَيْدَ قَالَ لِعَلِيٍّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: يَا عَلِيُّ إِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي أَنْ يُوَالِيَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ فَفَعَلَ وَسَأَلْتُ رَبِّي أَنْ يُوَاخِيَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ فَفَعَلَ وَسَأَلْتُ رَبِّي أَنْ يَجْعَلَكَ وَصِيِّي فَفَعَلَ فَقَالَ رَجُلاَنِ مِنْ قُرَيْشٍ: وَاَللهِ لَصَاعٌ مِنْ تَمْرٍ فِي شَنٍّ بَالٍ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِمَّا سَأَلَ مُحَمَّدٌ رَبَّهُ فَهَلاَّ سَأَلَ رَبَّهُ مَلَكاً يَعْضُدُهُ عَلَى عَدُوِّهِ أَوْ كَنْزاً يَسْتَغْنِي بِهِ عَنْ فَاقَتِهِ وَاَللهِ مَا دَعَاهُ إِلَى حَقٍّ وَلاَ بَاطِلٍ إِلاَّ أَجَابَهُ إِلَيْهِ فَأَنْزَلَ اَللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى..﴾))[2].
وأما أن انذارك يكون متم الحجة، فلظهور كون قرآنك من قبل الله، فكلامك كلام الله، وانذارك انذاره ومن ينكر ذلك فليمتحن ولينظر فإن رأى قدرة الفصحاء على الاتيان بمقدار الكل أو النصف أو الثلث، فليحتمل كونه من قبل غير الله، وإن رأى العجز عن اتيان عشر سور ولو من القصار بحيث بلغت الى ثلثين من الآيات في منتهى القصارة، فلا يحتمل حينئذ كون القرآن من قبل غير الله، ويعلم أنه من قبله فالحجة قد تمت عليه، فالأثر قد حصل.
[1] سورة هود، الآية: 12.
[2] الكافي، ج 8، ص 378.
