بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ ۚ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾[1].
﴿هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا﴾، الظالم هو أعمى القلب لا يرى ومعطّل لمشاعره وحواسه ومتخبط لا هدى معه واصمّ فقد حاسة السمع ولما تفوت هاتين الحاسّتين تفوت الحياة بأسرها، والمخبت الى ربّه بصير لا يزيغ بصره وسميع لا يتجمّد وعيه فهل يستوي ذاك وهذا؟ قطعا لا وإذا كانا لا يستويان فلم لا يتذكر أولوا الألباب.
﴿مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ..﴾، هذه الصورة الحسية تتجسم فيها مثل الفريقين: فريق الكفر والإيمان، فالأول كالأعمى والأصم حيث لا يستطيع الإبصار والسمع امتناعا باختيار، والثاني كالبصير والسميع حيث يستطيعان إمكانا باختيار فيسمع ويبصر.
فالسمع والبصر إنسانيا هما أدوات موصلة إلى العقل والقلب، فالذين يصدون عن أبصارهم وسمعهم آيات الله الآفاقية، هم يصبحون في أنفسهم صمّا عمين، وهكذا يحشرون يوم القيامة كما حشروا الحياة الدنيا: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾[2]. ذلك، وإن طول هذه الحملة المذكرة القارعة على الصمّ العمي، وتنوع الإشارات والتصريحات واللفتات والإيقاعات، إن هذا كله يوحي بما كانت تواجهه القلة المؤمنة، أمام الثلة الكافرة، في تلك الفترة الفتيرة من تاريخ الدعوات الرسالية، فتصوّر لنا حاجة الموقف إلى حركة في معركة إيجابية، تقرر لكتلة الإيمان قرارا حاسما أمام كافة المعرقلات بمختلف ألوانها.
فقد لا يتذوّق هذا القرآن إلاّ من يخوض أمثال هذه المعارك، دون القاعدين الذين يدرسونه بمختلف الدراسات، إذ لا يملكون وجدانا صالحا من حق القرآن وحقيقته في تلك القعدة الباردة. فلا بد من خوض المعارك الواقعية حين نخوض متأملين في آي الذكر الحكيم، تجاوبا بين الحركة الدراسية والواقعية، تطبيقا لهذا القرآن في الواقع المعاش، دون انعزالية عن الواقعيات إلى تصورات مهما كانت صالحة، فإن ميدان الدعوة القرآنية ميدان نضال في معترك الحياة، دون إخلادا فقط إلى تصورات وتخيلات، ولا سيما التي لا واقع لها.
واصولا الايمان بالشيء معناه رضوخ النفس له واذعانها به عن تفهّم دقيق قد طردت عنه كافة الشبهات فأصبح محضا لا يتزلزل أو يتحوّل أو تتموج به الشكوك والأوهام نظير ما اندفعت به روح عمّار في يوم من ايام صفّين حيث قال: [والله لو هزمونا الى سعفات هجر لعلمنا أنّا على الحقّ وأنهم على الباطل][3]، فإنه لمّا درس هوية معاوية دراسة متقنة عن تدبر، ودرس عليا عليه السلام دراسة متقنة عن تدبر تشبعت روحه بلا أن تتقاضى مزيدا بأنّ معاوية حتى لو ساعدته الصدف بجميع ما فيها من وسع فانتصر على الملك والملوك، لكان هو معاوية المشرك الخامل الذكر السيّئ النيّة الخبيث الطويّة وإن عليّا حتى لو انكسر انكسارا يبيده ويبيد اتباعه لكان هو عليّا اوّل المؤمنين وقائد الغرّ المحجلين ونظير ما قاله علي عليه السلام بالنسبة الى معرفته بالله: ((لَوْ كُشِفَ لِيَ الْغِطَاءُ مَا ازْدَدْتُ يَقِيناً))[4]، فإن غاية ما يتطلبه الماديّون أن يروا الشيء بأعينهم كما يرون مواجههم من انسان وغيره.
ولا شكّ أن الايمان بالحقيقة هو الايمان الصادق وامّا الايمان بالأوهام فهو عبارة اخرى عن الجهل والفارق بينهما هو المقياس العلمي لا ميول النفس، مثلا عندنا فريقان في العالم فريق يؤمن بان الصدق حقّ ولازم ولو قلّت منافع الإنسان من طريقه، وفريق يؤمن بالمصلحة الشخصية سواء تأتّت من الصدق أم الكذب مدعيا أن تأمين المصلحة غاية ما يقصده الإنسان في الحياة، فإذا كانت الحياة على هذا المبنى فلا داعي للإنسان أن يلزم محورا واحدا بل يدور حول كل محور يؤمّن له مصلحته الحيوية، وهذا الكلام بظاهره اخّاذ لكنّه في واقعه هدّام فإن المصلحة الشخصية إنما تكون معتبرة إذا لم تدس مصالح الآخرين تحت أقدامها وبعبارة أحقّ لا تدوس حقوق الآخرين لتجعلها كرسيّا لمصالحها الشخصية.
[1] سورة هود، الآية: 24.
[2] سورة طه، الآية: 124.
[3] بحار الأنوار، ج 32، ص 492.
[4] الروضة في فضائل أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهما السلام: ص 235.
