بِسْمِ اللهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيم
اللهم صلِ على محمد وآل محمد
﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ، ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ، وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾
(سورة فصلت 34–35)
آيتين عظيمتين… 🌿
كأنهما دواءٌ للقلب حين يتأذّى من الناس، ونورٌ للعقل حين يحتار كيف يتعامل مع الأذى.
✨ {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ}
الخير والشر لا يتساويان أبدًا، لا في الأثر ولا في النية ولا في الجزاء.
لكن الإنسان أحيانًا ينسى، فيرد السيئة بمثلها، فينحدر إلى مستوى خصمه، بينما الله يدعوه إلى الارتقاء، إلى مقام النور لا الظلام.
الآية تقول لك: لا تساوي بين نفسك النورانية وبين من ظلمك، فالحسنة من صفات الأنبياء، والسيئة من صفات الغافلين.
💫 {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}
دعوة إلى الصبر، ودعوة إلى الفعل الراقي الذي يغيّر الواقع.
أي: إذا أساء إليك أحد، لا ترد عليه بما يشبه فعله، بل بما هو أجمل وأرحم.
الكلمة الطيبة، النظرة الهادئة، الصمت الحكيم… كلها "التي هي أحسن".
الله هنا يعلّمنا فنّ تحويل العداوة إلى مودة، والكراهية إلى فرصة لتطهير النفس.
🌹 {فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}
تأمل كلمة كأنه…
ليست مجرد مصالحة، بل تحوّل عميق في القلوب!
من عدوٍّ إلى حميمٍ قريب، وكأن الشرارة الأولى للأذى كانت وسيلةً لأن تولد علاقة أكثر صفاء.
هنا تكشف الآية عن سرّ من أسرار الروح:
أنَّ المعاملة بالحسنى تملك طاقة خفية قادرة على إذابة الجليد بين القلوب.
🌺 {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}
أي: لا يُوفَّق لهذه المرتبة إلا من تعلّم الصبر الحقيقي، لا صبر الضعف، بل صبر القويّ الذي يملك أن ينتقم لكنه يختار الصفح.
وهذا هو الحظ العظيم: أن تكون من أهل النور الذين يملكون نفوسهم حين يُغضبون.
💖 إيحاءات إيمانية إيجابية:
- كل خصومة في حياتك هي فرصة لترتقي لا لتسقط.
- السلام الداخلي لا يُنال بالرد، بل بالعفو والرفق.
- من أراد محبة الله، فليجعل من قلبه أرضًا لا تنبت إلا خيرًا.
- حين تواجه أذى أحدهم، قل في نفسك: سأدفع بالتي هي أحسن… لأني أريد أن أكون من ذوي الحظ العظيم.
ففي عالمٍ يموج بالردود والانفعالات، يريد الله أن يصنع منك إنسانًا سماويًّا لا أرضيًّا.
يقول لك: لا تساوي بين الحسن والسيئ، لأنك إن فعلت، صرت مثله،
لكن إن رددت بالإحسان، ارتقيت إلى ربّك.
🕊️ روايات أهل البيت عليهم السلام تؤكد هذا المعنى العميق:
💠 قال أمير المؤمنين عليّ عليه السلام:
«أحسن إلى من أساء إليك، وردّ خيراً على من ردّ عليك شرّاً، تسدّ بذلك أفواه الأشرار، وتكون من الكرماء الأخيار.»
(نهج البلاغة – الحكمة 257)
انظر كيف يجعل الإمام علي الإحسان سلاحًا لا ضعفًا، وخلقًا يحميك من ظلام الناس.
فالإحسان هنا ليس فقط عطاءً للآخر، بل تحريرٌ لنفسك من الحقد.
💠 وقال الإمام الصادق عليه السلام:
«صلةٌ تُحسن بها إلى من قطعك، وعدلٌ منك فيمن ظلمك، وحِلمٌ عمّن جهل عليك، فذلك ممّا يتمّ به الإيمان.»
(الكافي، ج2، ص99)
أي أنّ الإيمان لا يكتمل إلا حين ترد بالتي هي أحسن،
وحين تختار أن تكون مرآةً لرحمة الله لا لردود الأفعال.
🌸 ومن الإيحاءات القرآنية في الآية:
إنّ قوله تعالى {فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليّ حميم}
فيه وعدٌ خفي: أن الله بنفسه سيتولى تهدئة القلوب،
كأنّ السماء تتدخّل حين تختار أنت طريق الحُسنى.
وفي قوله {وما يُلقّاها إلا الذين صبروا}
تذكيرٌ بأن هذا المقام لا يُعطى لكل أحد،
بل لمن تعلّم الصبر على الأذى، وصبر على نفسه عن الغضب،
وصبر على أن يرى جمال الله في القبح الذي حوله.
حين ترد على من ظلمك بكلمة طيبة، كأنك تقول لله:
"يا رب، أنا أتعامل معك، لا معه".
فتُصبح الكلمة التي قلتها جسرًا بينك وبين رضا الله.
وهنا يتحول الصبر إلى نور، والإحسان إلى طمأنينة،
وتكتشف أن الهدوء الحقيقي لا يأتي من الناس، بل من أن تتشبه بالله في رحمته.
لا تجعل أفعال الناس تحدد أخلاقك، بل اجعل أخلاقك ترفع الناس.
كل إساءة هي امتحان من الله، لتُظهر أيّ روحٍ تسكنك.
من ردّ بالتي هي أحسن، صار محبوبًا في الأرض ومقربًا في السماء.