إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

زكاة الفطرة 3 : تكملة بحث عدم وجوب الزكاة على الصبي والمجنون

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • زكاة الفطرة 3 : تكملة بحث عدم وجوب الزكاة على الصبي والمجنون

    بسم الله الرحمن الرحيم
    والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين
    واللعنة الدائمة على اعدائهم الى قيام يوم الدين



    قلنا إن المرحوم السيد الخوئي (قدس سره) ذهب إلى أن حديث رفع القلم عن الصبي والمجنون شاملٌ لكلٍّ من الأحكام التكليفية والأحكام الوضعية معًا، ولا يختص بالأحكام التكليفية فقط.

    إلا أنّ هذا القول قابلٌ للمناقشة من جهات متعددة، وذلك لأنّ لازم شموله للأحكام الوضعية هو نفي جميعها عن الصبي والمجنون، والحال أنّنا نجد في النصوص الشرعية وفي العمل الفقهي وجود عددٍ كبير من الأحكام التكليفية والوضعية الثابتة لهما أو المرتبطة بهما.


    المطلب الأول: الأحكام الثابتة للصبي والمجنون

    نجد في الفقه جملة من الأحكام التكليفية والوضعية المترتبة على الصبي والمجنون، مما يكشف عن ثبوت المشروعية في حقهما من بعض الجهات، منها:
    1. الأحكام التكليفية
      مثل مشروعية الحج والعمرة للصبي، حتى قبل بلوغه. فقد ورد في النصوص كيفية إحرام الصبي وإحجاجه، وما يتعلق بالكفارة إن صدر منه محظور، وكل ذلك يدلّ على أن للأعمال التكليفية في حقّه جهة مشروعية وإن لم يكن الخطاب موجَّهًا إليه مباشرة.
    2. الأحكام الوضعية
      كحكم الميراث، والوصية، والملكية، والزوجية، والشفعة، وصحة العقود والفسوخ، وكلّها أحكام وضعية تجري على الصبي والمجنون بلا إشكال، إذ تُثبت لهم الحقوق وتُرتّب عليهم الآثار كغيرهم من المكلّفين.
    إذن، من الواضح أنّ رفع القلم لا يشمل رفع جميع الأحكام الوضعية، لأننا نجد جملة كبيرة منها ثابتة في حقّهما.


    المطلب الثاني: لزوم تخصيص الأكثر لو شمل الحديث جميع الأحكام

    إذا قيل إن حديث رفع القلم شامل لكل الأحكام التكليفية والوضعية، للزم من ذلك تخصيص الأكثر، لأننا مضطرون لإخراج موارد كثيرة من مدلول الحديث، كمشروعية العبادات، وصحة العقود، وثبوت الحقوق المالية وغيرها.

    وهذا خلاف الأصل في الاستعمالات العرفية، إذ تخصيص الأكثر قبيح وموجب للوهن في دلالة الحديث.


    المطلب الثالث: البحث في جهة الامتنان

    قد يُستدل على شمول الحديث بقرينة الامتنان، بدعوى أن رفع القلم عن الصبي والمجنون تفضل إلهي لرفع المشقة عنهما.
    الجواب:

    نقول إن قرينة الامتنان – وإن كانت تامة في نفسها – إلا أنها لا تنهض لتقييد الرفع في كل ما يستلزم الضرر بالغير، لأن الامتنان إنما يكون بالنسبة إلى المرفوع عنه لا إلى الآخرين.

    فلو أدى رفع الحكم عن الصبي أو المجنون إلى إضرارٍ بغيرهما، فإن هذا لا يقدح في الامتنان، لأنه امتنان على فئة خاصة، لا على جميع الأمة.

    ونظير ذلك أن الله تعالى منّ على الناس بأن سخّر لهم الأنعام، مع أنّ في هذا تسخيرًا وإضرارًا بالحيوان، لكنه امتنان على الإنسان، لا على الحيوان.

    إذن فقرينة الامتنان لا تصلح لتخصيص رفع الحكم في موارد الإضرار بالغير، لأن الامتنان خاصّ وليس عامًا.


    المطلب الرابع: الأحكام تابعة للمصالح والمفاسد

    بناءً على مبنى العدلية القائل بأن الأحكام الشرعية تابعة للمصالح والمفاسد الواقعية، فإن الصبي والمجنون لا يخرجان عن هذه القاعدة، لأن المصلحة والمفسدة لا تختصان بالمكلفين فقط.

    فالمصلحة في ترك المحرمات والمفسدة في ارتكابها موجودتان في حقّ الصبي كما في حقّ البالغ، ورفع التكليف عنه لا يعني انتفاء الملاك.

    ومن هنا فرفع الحكم عن الصبي إنما هو امتنان ظاهري مراعاةً لحالته، لا رفعٌ حقيقي للملاك الشرعي.

    المطلب الخامس: هل الامتنان يقتضي عدم الإضرار بالغير؟

    ناقش بعض الأعلام أنّ الحكم الامتناني لا يصحّ أن يستلزم الإضرار بالآخرين مطلقًا.

    لكن هذا الإطلاق غير تام، لأن الامتنان قد يكون خاصًّا، كما في امتنان الله تعالى على الأحرار بجعل العبيد لهم خدمًا، وهو امتنان على فئة دون أخرى، مع ما فيه من مشقةٍ على العبد.

    فكذلك رفع التكليف عن الصبي امتنان عليه، وإن تضمّن ضررًا على الغير.

    المطلب السادس: روايات زكاة الفطرة وشمولها للصبي والمجنون

    وردت في أبواب زكاة الفطرة عدة روايات صريحة في أن الفطرة تشمل الصغير والكبير، والحر والعبد، من ذلك:
    1. صحيحة صفوان الجمال
      عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
      «الفطرة على الصغير والكبير والحر والعبد، عن كل إنسان صاع من حنطة أو تمر أو زبيب»
      وهذه الرواية صريحة في عموم الحكم لكل إنسان بلا استثناء.
    2. رواية معاوية بن عمّار
      عن الإمام الصادق عليه السلام فيمن وُلد ليلة الفطر أو أسلم فيها، قال:
      «ليس عليهم فطرة، إنما الفطرة على من أدرك الشهر.»
      وهي دالة بالمفهوم على أنّ من أدرك الشهر تجب عليه الفطرة، ولو كان صبيًا أو غير بالغ.
    فهذه الروايات بإطلاقها تدل على شمول الحكم لكل إنسان، مما يقوّي احتمال أن المقصود من حديث رفع القلم هو نفي العقاب لا نفي الأحكام الوضعية.


    المطلب السابع: الجمع بين الروايات

    تتمة البحث: في مناقشة دلالة روايات زكاة الفطرة على الصبي والمجنون

    بعد أن تبيّن أن رواية رفع القلم عن الصبي والمجنون لا يمكن الاعتماد عليها لإثبات رفع جميع الأحكام التكليفية والوضعية، ننتقل إلى دراسة الروايات الخاصة الواردة في باب زكاة الفطرة، لما لها من ارتباط مباشر بموضوع التكليف وعدمه للصبي والمجنون.


    الطائفة الأولى: الروايات الدالة على شمول زكاة الفطرة لكل إنسان

    من أبرزها صحيحة صفوان الجمال، وهي من الروايات الصحيحة المعتبرة سندًا ودلالة، حيث ورد فيها:

    قال صفوان الجمال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الفطرة، فقال:

    “على الصغير والكبير، والحر والعبد، عن كل إنسان منهم صاع من حنطة، أو صاع من تمر، أو صاع من زبيب.”

    (الوسائل، باب 5 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 1)

    وهذه الرواية صريحة في أن التكليف بالفطرة شامل لجميع الأفراد بعنوان “الإنسان”، من غير استثناء للصبي أو المجنون، مما يقتضي ثبوت الحكم الوضعي في ذمتهم بحسب الإطلاق.


    الطائفة الثانية: الروايات المقيِّدة لوجوب الفطرة على المولود والمعال

    ومنها ما ورد في الباب الحادي عشر من أبواب زكاة الفطرة، أن من ولد له قبل هلال شوال تجب عليه الفطرة، وأما من وُلد بعد الهلال فلا فطرة عليه، كما في موثقة معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام

    “في المولود يولد ليلة الفطر، واليهودي والنصراني يسلم ليلة الفطر، قال: ليس عليهم فطرة، ليس الفطرة إلا على من أدرك الشهر.”

    وهذه الرواية بمفهومها تدل على أن من أدرك الشهر – ولو كان صبيًا – تجب فطرته، إمّا على نفسه أو على وليّه، فيكون هذا التقييد قرينة على أن الوجوب في الروايات السابقة متوجه إلى المعيل، لا إلى نفس الصبي.

    النتيجة من الجمع بين الطائفتين

    من خلال الجمع العرفي بين الطائفتين، يتضح أن التكليف بالفطرة لا يتوجه إلى الصبي أو المجنون أنفسهم، بل يتوجه إلى من يعولهم، فيكون معنى قولهم عليهم السلام: «على الصغير والكبير» أي: على المعيل فطرة من يعوله صغيرًا كان أو كبيرًا.

    وعليه، تكون رواية رفع القلم غير معارضة لهذه الروايات، لأن التكليف هنا لا يتوجه إلى الصبي، بل إلى وليّه.



    الطائفة الثالثة: الرواية الصريحة في نفي الفطرة عن اليتيم

    ورد في الباب الرابع من أبواب زكاة الفطرة، الحديث الثاني، رواية معتبرة نقلها الشيخ في التهذيب بإسناد صحيح:


    “أنه كتب إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام يسأله عن الوصي، يزكّي زكاة الفطرة عن اليتامى إذا كان لهم مال؟

    فكتب عليه السلام: لا زكاة على اليتيم.”

    وهذه الرواية صريحة في نفي وجوب زكاة الفطرة عن اليتيم، أي الصبي الذي لا وليّ له، وتقيّد إطلاق الروايات الدالة على شمول كل إنسان.

    وقد أفتى الأصحاب بمضمونها، حتى ادُّعي الإجماع على أن اليتيم لا فطرة عليه في ماله، سواء كان غنيًا أو فقيرًا، ما دام لم يبلغ.



    تحليل السند والدلالة

    أما من جهة السند، فالرواية وإن كان فيها بعض المناقشة في طرق الفقيه والكافي، إلا أن طريق الشيخ في التهذيب صحيح لا غبار عليه، وقد عمل بها المتقدمون والمتأخرون، فتكون معتبرة بالشهرة العملية على أقل تقدير.

    ومن جهة الدلالة، فهي ناصة في عدم ثبوت الزكاة على اليتيم بعنوانه، ما لم يكن هناك معيل يدفع عنه، وهذا ينسحب بعدم الفصل إلى سائر الصبيان والمجانين، إذ لا فارق مؤثر بينهما في مناط الحكم.


    الاستظهار الفقهي من مجموع الروايات
    يمكننا بناءً على ما تقدم أن نستخلص النتائج التالية:
    1. حديث رفع القلم لا يصلح دليلاً مستقلاً على نفي جميع الأحكام الوضعية والتكليفية عن الصبي والمجنون.
    2. الروايات الخاصة بزكاة الفطرة دلّت على أن التكليف بها إنما يتوجه إلى الولي أو المعيل، لا إلى نفس الصبي.
    3. رواية اليتيم قيدت الإطلاقات العامة، وأثبتت أن الصبي غير المولّى عليه لا فطرة عليه في ماله.
    4. الشهرة العملية بين الأصحاب انعقدت على أن زكاة الفطرة لا تجب في مال الصبي والمجنون، وهو مؤيَّد بالجمع العرفي بين الأخبار.
    مناقشة رأي السيد الخوئي (قده)

    ذهب السيد الخوئي رحمه الله إلى أن أصل فرض التكليف في ذمة الصبي غير ثابت من البداية، فلا حاجة إلى التمسك بحديث الرفع لإثبات سقوطه.

    وبيانه: أن حديث الرفع فرع ثبوت التكليف أولاً، ثم رفعه، أما إذا لم يثبت تكليف في الأصل، فحديث الرفع لا مورد له.

    وبعبارة أخرى: إن حديث الرفع لا يرفع ما لم يكن موجودًا، وإنما يرفع الحكم الثابت، وحيث لا دليل على ثبوت التكليف في ذمة الصبي والمجنون من الأساس، فلا حاجة إلى رفعه.


    الجواب على السيد الخوئي (قده)

    يمكن مناقشة هذا الوجه بأن الروايات المطلقة – كصحيحة صفوان – تثبت أصل شمول التكليف بعنوان الإنسان، ومنه الصبي والمجنون، فحينئذٍ يكون حديث الرفع مخصصًا ومقيدًا لتلك الإطلاقات، لا أن التكليف منتفٍ من الأساس.

    إلا أن هذا الإشكال يُدفع بأن ظاهر الروايات الخاصة، بل وسيرة الفقهاء، على أن الخطاب التكليفي المباشر لا يتوجه إلى الصبي، وإنما يوجه إلى الولي والمعيل، وبذلك يرتفع التعارض ويستقر الجمع العرفي.


    النتيجة النهائية
    • زكاة الفطرة لا تجب على الصبي والمجنون في ذواتهم، ولكن تجب عنهم على من يعولهم.
    • حديث رفع القلم لا يشمل رفع الأحكام الوضعية الثابتة لهم، بل يختص بالتكاليف المباشرة التي لا قدرة لهم على امتثالها.
    • الأحكام الوضعية – كالملكية والإرث والوصية والشفعة – تبقى ثابتة للصبي والمجنون، ولا يشملها الرفع.
    • وبذلك يكون الجمع بين الأدلة تامًا، والقول بالتعميم لرفع جميع الأحكام تكليفيةً ووضعيةً في غير محلّه.



المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X