أَنَا لاَ أَشْكو إِلَى أَحَدِ ** مِنْ خُطوبٍ حَطَّمَتْ جَلَدِي(١)
وَنِدَائِي كُلّ آوِنَةٍ ** (يَا رَسولَ اللهِ خُذْ بِيَدِي)(٢)
كَيْفَ أَنْسَى مَنْ غَدَا أَمَلِي ** وَرَجَائِي وَهْوَ مُعْتَمَدِي
خَيْرُ مَنْ تُرْجَى شَفَاعَتُهُ ** مَا سِوَاهُ الْمُرْتَجَى لِغَدِ
رَحْمَةُ اللهِ الَّتِي وَسِعَتْ ** كُلَّ شَيْءٍ مِنْحَةَ الصَّمَدِ(٣)
أَشْرَقَتْ بِالنُّورِ بِعْثَتُهُ ** وَهْوَ نُورُ الخَالِقِ الأَبَدِي
خَاتَمٌ لِلرُّسْلِ أَوَّلُهُمْ ** طَاعَةً لِلْوَاحِدِ الأَحَدِ
فَاقَ كُلَّ الرُّسْلِ فِي رُتَبِ ** طَارِفَاتِ البَدْءِ وَالتُّلُدِ(٤)
خَصَّهَا بِالْمُصَطَفى شَرَفاً ** لَمْ تَنَلْهَا أَعْيُنُ الرَّصَدِ(٥)
لاَ وَلاَ بِالوَهْمُ تُدْرِكُهَا ** جَائِلاَتُ الفِكْرِ وَالْخَلَدِ(٦)
حَازَ مَا خُصَّتْ بِجَوْهَرِهِ ** جَوْهَرٍ بِالنُّورِ مُنْفَرِدِ
مُعْجِزَاتٍ مِنْهُ ظَاهِرَةً ** لَمْ يَحُزْهَا قَبْلُ مِنْ أَحَدِ
كَانْشِقَاقِ البَدْرِ آيَتُهُ ** أُحْكِمَتْ تُتْلَى مَدَى الأَمَدِ
وَانْصِبَابِ الْمَاءِ مِنْ يَدِهِ ** وَشِفَاءِ العَيْنِ مِنْ رَمَدِ
وَحَنِينِ الْجِذْعِ مِنْ كَلَفٍ** كَعَليلٍ أَنَّ مِنْ جَهَدِ
ثُمَّ سَلاَّهُ وَصَبَّرَهُ ** بِمَقَالٍ عَاطِفٍ وَيَدِ(٧)
مَسَّتِ الأَحْجَارَ فَانْبَجَسَتْ ** أَعْيُنٌ ثَجَّاجَةَ الزَّبَدِ(٨)
حِينَ ضَجَّ الْجَيْشُ مِنْ ظَمَإٍ ** فَسَقَاهُمْ ذَائِبَ الْبَرَدِ(٩)
وَاشْتَكَوْا جُوعَاً فَأَطْعَمَهُمْ ** صَاعَ مِنْ تَمْرٍ وَلَمْ يَزِدِ
شَبِعُوا طُرَّاً بِمُعْجِزَةٍ ** مِثْلُهَا فِي الفَضْلِ لَمْ أَجِدِ(١٠)
غَيْرَ يَوْمِ الدَّارِ حِينَ دَعَا ** أَهْلَهُ لِلدِّينِ يَوْمَ بُدِي(١١)
إذْ دَعَا الْهَادِي عَشِيرَتَهُ ** قَارَبُوا الْخَمْسِينَ فِي الْعَدَدِ
وَبِمُدٍّ كُلُّهُمْ شَبِعُوا ** مَدَّ ذَاكَ الْمُدَّ بِالْمَدَدِ(١٢)
مُظْهِرَاً فِيهِمْ كَرَامَتَهُ ** مُنْذِرَاً لَمْ يَلْقَ مِنْ سَنَدِ
كُلُّهُمْ أَبْدَوْا تَأَبُّدَهُمْ ** وَنَأَوْا عَنْ نَصْرِ ذِي السُّدَدِ(١٣)
لَمْ يُجِبْهُ غَيْرُ حَيْدَرَةٍ ** مِثْلُهُ الآمَالُ لَمْ تَلِدِ
أَحْدَثُ الْحُضَّارِ سَادَ بِهِمْ ** ذَاكَ فَضْلُ الوَاهِبِ الأَحَدِ
فَغَدَا لِلْمُصْطَفَى سَنَدَاً ** وَوَزِيرَاً خَيْرَ مُعْتَمَدِ
وَوَصِيَّاً خَتْمُ بَيْعَتِهِ ** يَوْمَ خُمٍّ خَابَ ذُو الْجَحَدِ
أَنْكَروهَا خَابَ مُنْكِرُهَا ** يَوْمَ حَشْرِ الْخَلْقِ لِلْقَوَدِ(١٤)
إِنَّ فِيهَا ذِكْرَ قَاهِرِهِمْ ** قَاتِلِ الآبَاءِ وَالْوَلَدِ
هَادِمِ الأَصْنَامِ مَاحِقِهَا ** عَنْ فِنَاءِ البَيْتِ لِلأَبَدِ
كَيْفَ لَمْ يُخْفُوا فَضَائِلَهُ ** وَهْيَ تَرْمِي العَيْشَ بِالنَّكَدِ؟
حَارَبوا الْهَادي بِفِعْلَتِهِمْ ** كَيْفَ يَجْزِيهِمْ غَدَاةَ غَدِ؟
إِنْ أَتَى فِي طَيِّ مُعْجِزَةٍ ** ذِكْرُ حَامِي الدِّيِن فِي الشِّدَدِ
أَغْفَلَ الضُّلاّلُ آيَتَهَا ** وَصَحِيحَ الْمَتْنِ وَالسَّنَدِ
إِنَّمَا بُغْضَاً لِمَنْ نَزَلَتْ ** فِيهِ آيُ الذِّكْرِ ذِي الرَّشَدِ
كَرُجُوعِ الشَّمْسِ مُذْ غَرُبَتْ ** لِتُمِيتَ الشُّمْسَ فِي كَمَدِ(١٥)
لَجَّ فِي تَكْذِيبِهَا زُمَرٌ ** كَشَّفَتْ عَنْ سُوءِ مُعْتَقَدِ
حَيْثُ فِيهَا فَضْلُ حَيْدَرَةٍ ** حِينَ أَدَّى الفَرْضَ لِلصَّمَدِ
مَنْ أَقَامَ الدِّينَ صِارِمُهُ ** فِي رَحَا بَدْرٍ وَفِي أُحُدِ
وَحُروبٍ خَلْفَهَا ارْتَدَفَتْ ** جَازَتِ السَّبْعينَ فِي العَدَدِ
مَا فَتَاهَا وَابْنُ بَجْدَتِهَا ** غَيْرُ مُجْلِي الكَرْبِ وَالشِّدَدِ
عَنْ رَسولِ اللهِ مُفْتَدِيَاً ** بَاذِلاً لِلرُّوحِ وَالْجَسَدِ
يَوْمَ وَلَّى الْجَيْشُ مُنْهَزِمَاً ** فِيهِمُ تَيْمٌ غَدَا وَعَدِي(١٦)
فَلِذَا الأَقْوَامُ قَدْ كَشَفَتْ ** عَنْ خَبَايَا الْحِقْدِ وَالْحَسَدِ
إِذْ رَمَوْا ظُلْمَا فَضَائِلَهُ ** أَسْهُمَاً لِلْكَذْبِ وَالفَنَدِ
يَا لَجَهْلِ القَوْمِ قَدْ حَسِبوا ** حَجْبَ نُورَ الشَّمْسِ بِالْبُرَدِ(١٧)
إَنَّ مَنْ فِي الذِّكْرِ مِدْحَتُهُ ** لاَ يُرَّجِي الْمَدْحَ مِنْ أَحَدِ
هَيْكَلٌ فَرْدٌ بِجَوْهَرِهِ ** بَاذِخُ الأَرْكَانِ وَالعُمُدِ
نَفْسُ طَهَ خَيْرِ مُبْتَعَثٍ ** وَرَسولِ الْبَارِئِ الصَّمَدِ
مِثْلِ هَارُونٍ بِأُمَّتِهِ ** حَيْدَرٌ مُوتوا مِنَ الكَمَدِ
غَيْرَ مَا خُصَّ النَّبِيُّ بِهِ ** بِاصْطِفَاءٍ فِيهِ مُنْفَرِدِ
خَاتَمٍ لِلرُّسْلِ أَعَظَمِهِمْ ** أَحْمَدِ الْمَبْعوثِ بِالرَّشَدِ
وَأَبو السِّبْطَيْنِ يَتْبَعُهُ ** كَاتِّبَاعِ الشِّبْلِ لِلأَسَدِ
شَادَ دِينَ اللهِ مُدَّرِعَا ** بِاشْتِدَادِ الْقَلْبِ وَالعَضُدِ
فَعَلِيٌّ لِلْهُدَى جَسَدٌ ** وَالنِّبِيُّ الرُّوحُ فِي الْجَسَدِ
وَهُمَا أَوْلَى بِأَنْفُسِنَا ** وَبِأَهْلِينَا وَبِالْوَلَدِ
أَصْلُ دِينِ اللهِ غَايَتُهُ ** فَبِهِمْ دِينُ الإلَهِ بُدِي
مَنَ يُرِدْ فَوْزَاً بِآخِرَةٍ ** وَيَعِشْ فِي الأَمْنِ وَالرَّغَدِ
فَلْيُوَالِ مَنْ عَلاَ شَرَفَاً ** يَوْمَ خُمٍّ مَجْدُهُ الأَبَدِي
صَارَ لِلْهَادِي خَلِيفَتَهُ ** بَايَعُوا طَوْعَاً لَهُ بِيَدِ
ثُمَّ خَانوهُ تُجاذبهُمْ ** سَالِفَاتُ الثَّأْرِ بِالْحَرَدِ(١٨)
فَبِهِ امْتَازَ النِّفَاقُ مِنَ الصِّـ - ـدْقِ وَالإِيمَانِ وَالسَّدَدِ
بَيْنَ مُنْحَلٍّ لِرِبْقَتِهِ ** خَسِرَ الأُخْرَى وَمُنْعَقِدِ(١٩)
وَلزومُ النَّاسِ بَيْعَتَهُ ** خَيْرُ مَنْجَاةِ وَمُلْتَحَدِ(٢٠)
وَنِدَائِي فِي الْحَيَاةِ وَفِي ** يِوْمِ حَشْرِي عَنْهُ لَمْ أَحُدِ
لَيْسًَ لِي إِلاّكَ يَشْفَعُ لِي ** « يَا َرسولَ اللهِ خُذْ بِيَدِي »
شعر: عادل الكاظمي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١- الْجَلَدُ: الصبر على تحمل الصعاب.
٢- الشطر بين قوسين مقتبس من جزء من مطلع قصيدة منسوبة للسلطان عبد الحميد الأول وهو قوله
يا سيدي يا رسول الله خذ بيدي ** ما لي سواك ولا ألوى على أحد
٣- الْمِنْحَةُ: الْهِبَةُ والعَطيّة.
٤- الطّارِفَاتُ: مفردها الطارِفةُ وهي القديمة وهي خلاف التُّلُدُ.
٥- مقامات النبي (ص) هي أوسع وأخفى من تنالها أعين الراصدين مهما بلغت غوص الفطن وغور الأوهام والفكر.
٦- الْخَلَدُ: ما تحدث النفس به وجلائلات الفكر: ما تجول به الأفكار في ثناياها وثنياتها.
٧- الجذع الذي كان يخطب عليه رسول الله ولما أبدله بمنبره الشريف سمع لذلك الجذع أنيناً وحسرة على فراق النبي له
حتى واساه النبي بكلمات اختفى بعده صوت الجذع وكان يسمعه كل مر به.
٨- العيون الثَّجَاجةُ: الغزيرة الماء بتدافع ما يجعلها كآنها ترمي زبداً.
٩- ذَائِبُ الْبَرَدِ: ماء الثلج الذائب.
١٠- وهذا جانب من معاجزه يعرفها كل مسلم يهمه أمر الرسول (ص) فلا إطناب في بيانها.
١١- يوم الدار يوم نزول آية وأنذر عشريتك الأقربين وما تلاها من أحداث إنذار النبي قومه بني هاشم ولا يخفى أمر هذا على أحد.
١٢- الْمُدُّ: مكيال قديم اختلف في مقداره وهو عند أهل العراق رطلان إي ٢٤ أوقية
وهذا لا يكفي إلا لعدد يسير من الناس فكيف لجيش جرّار؟. الْمَدَدُ: ما يُمَدُّ به الشيء من غوثٍ وعون.
١٣- التَّأَبُّدُ: هنا التَّوَحُّشُ من فعلٍ والتَّنَكُّرُ له. السُّدَدُ: مفردها سُدَّةُ وهي المنصب والمقام والرتبة ومنها سُدَّةُ الحكم.
١٤- القَوَدُ: القصاص واستيفاء الحقوق.
١٥- الشَّمْسُ(بفتح الشين): كوكب معروف. الشُّمْسُ (بضمِّ الشين): الحمير التي تَشْمِسُ وتعاند راكبها وزاجرها فتحرن وكذلك النواصب من حمير البشر.
١٦- تَيْمُ: أبو بكر التيمي أول الحكام المسلمين. عَدِي: عمر بن الخطاب العدوي.
١٧- الْبُرَدِ: واحدها البردة وهي كساء مخطط يلتحف به.
١٨- تُجاذبهُمْ: تُنَازِعُهُمْ بين قَبولٍ وَرَدٍّ. سالفاتُ الثّأر: الثّأر القديم الزمن. الْحَرَدُ: من حَرَدَ فُلانٌ: اعْتَزَلَ.
١٩- مُنْحَلُّ الرِّبْقَةِ: الذي يلقي حبله على غاربه في نقض العهود والربقة: القَيْدُ.
٢٠- الْمُلْتَحَدُ: الْمَلْجَأُ والْمَلاذُ.
وَنِدَائِي كُلّ آوِنَةٍ ** (يَا رَسولَ اللهِ خُذْ بِيَدِي)(٢)
كَيْفَ أَنْسَى مَنْ غَدَا أَمَلِي ** وَرَجَائِي وَهْوَ مُعْتَمَدِي
خَيْرُ مَنْ تُرْجَى شَفَاعَتُهُ ** مَا سِوَاهُ الْمُرْتَجَى لِغَدِ
رَحْمَةُ اللهِ الَّتِي وَسِعَتْ ** كُلَّ شَيْءٍ مِنْحَةَ الصَّمَدِ(٣)
أَشْرَقَتْ بِالنُّورِ بِعْثَتُهُ ** وَهْوَ نُورُ الخَالِقِ الأَبَدِي
خَاتَمٌ لِلرُّسْلِ أَوَّلُهُمْ ** طَاعَةً لِلْوَاحِدِ الأَحَدِ
فَاقَ كُلَّ الرُّسْلِ فِي رُتَبِ ** طَارِفَاتِ البَدْءِ وَالتُّلُدِ(٤)
خَصَّهَا بِالْمُصَطَفى شَرَفاً ** لَمْ تَنَلْهَا أَعْيُنُ الرَّصَدِ(٥)
لاَ وَلاَ بِالوَهْمُ تُدْرِكُهَا ** جَائِلاَتُ الفِكْرِ وَالْخَلَدِ(٦)
حَازَ مَا خُصَّتْ بِجَوْهَرِهِ ** جَوْهَرٍ بِالنُّورِ مُنْفَرِدِ
مُعْجِزَاتٍ مِنْهُ ظَاهِرَةً ** لَمْ يَحُزْهَا قَبْلُ مِنْ أَحَدِ
كَانْشِقَاقِ البَدْرِ آيَتُهُ ** أُحْكِمَتْ تُتْلَى مَدَى الأَمَدِ
وَانْصِبَابِ الْمَاءِ مِنْ يَدِهِ ** وَشِفَاءِ العَيْنِ مِنْ رَمَدِ
وَحَنِينِ الْجِذْعِ مِنْ كَلَفٍ** كَعَليلٍ أَنَّ مِنْ جَهَدِ
ثُمَّ سَلاَّهُ وَصَبَّرَهُ ** بِمَقَالٍ عَاطِفٍ وَيَدِ(٧)
مَسَّتِ الأَحْجَارَ فَانْبَجَسَتْ ** أَعْيُنٌ ثَجَّاجَةَ الزَّبَدِ(٨)
حِينَ ضَجَّ الْجَيْشُ مِنْ ظَمَإٍ ** فَسَقَاهُمْ ذَائِبَ الْبَرَدِ(٩)
وَاشْتَكَوْا جُوعَاً فَأَطْعَمَهُمْ ** صَاعَ مِنْ تَمْرٍ وَلَمْ يَزِدِ
شَبِعُوا طُرَّاً بِمُعْجِزَةٍ ** مِثْلُهَا فِي الفَضْلِ لَمْ أَجِدِ(١٠)
غَيْرَ يَوْمِ الدَّارِ حِينَ دَعَا ** أَهْلَهُ لِلدِّينِ يَوْمَ بُدِي(١١)
إذْ دَعَا الْهَادِي عَشِيرَتَهُ ** قَارَبُوا الْخَمْسِينَ فِي الْعَدَدِ
وَبِمُدٍّ كُلُّهُمْ شَبِعُوا ** مَدَّ ذَاكَ الْمُدَّ بِالْمَدَدِ(١٢)
مُظْهِرَاً فِيهِمْ كَرَامَتَهُ ** مُنْذِرَاً لَمْ يَلْقَ مِنْ سَنَدِ
كُلُّهُمْ أَبْدَوْا تَأَبُّدَهُمْ ** وَنَأَوْا عَنْ نَصْرِ ذِي السُّدَدِ(١٣)
لَمْ يُجِبْهُ غَيْرُ حَيْدَرَةٍ ** مِثْلُهُ الآمَالُ لَمْ تَلِدِ
أَحْدَثُ الْحُضَّارِ سَادَ بِهِمْ ** ذَاكَ فَضْلُ الوَاهِبِ الأَحَدِ
فَغَدَا لِلْمُصْطَفَى سَنَدَاً ** وَوَزِيرَاً خَيْرَ مُعْتَمَدِ
وَوَصِيَّاً خَتْمُ بَيْعَتِهِ ** يَوْمَ خُمٍّ خَابَ ذُو الْجَحَدِ
أَنْكَروهَا خَابَ مُنْكِرُهَا ** يَوْمَ حَشْرِ الْخَلْقِ لِلْقَوَدِ(١٤)
إِنَّ فِيهَا ذِكْرَ قَاهِرِهِمْ ** قَاتِلِ الآبَاءِ وَالْوَلَدِ
هَادِمِ الأَصْنَامِ مَاحِقِهَا ** عَنْ فِنَاءِ البَيْتِ لِلأَبَدِ
كَيْفَ لَمْ يُخْفُوا فَضَائِلَهُ ** وَهْيَ تَرْمِي العَيْشَ بِالنَّكَدِ؟
حَارَبوا الْهَادي بِفِعْلَتِهِمْ ** كَيْفَ يَجْزِيهِمْ غَدَاةَ غَدِ؟
إِنْ أَتَى فِي طَيِّ مُعْجِزَةٍ ** ذِكْرُ حَامِي الدِّيِن فِي الشِّدَدِ
أَغْفَلَ الضُّلاّلُ آيَتَهَا ** وَصَحِيحَ الْمَتْنِ وَالسَّنَدِ
إِنَّمَا بُغْضَاً لِمَنْ نَزَلَتْ ** فِيهِ آيُ الذِّكْرِ ذِي الرَّشَدِ
كَرُجُوعِ الشَّمْسِ مُذْ غَرُبَتْ ** لِتُمِيتَ الشُّمْسَ فِي كَمَدِ(١٥)
لَجَّ فِي تَكْذِيبِهَا زُمَرٌ ** كَشَّفَتْ عَنْ سُوءِ مُعْتَقَدِ
حَيْثُ فِيهَا فَضْلُ حَيْدَرَةٍ ** حِينَ أَدَّى الفَرْضَ لِلصَّمَدِ
مَنْ أَقَامَ الدِّينَ صِارِمُهُ ** فِي رَحَا بَدْرٍ وَفِي أُحُدِ
وَحُروبٍ خَلْفَهَا ارْتَدَفَتْ ** جَازَتِ السَّبْعينَ فِي العَدَدِ
مَا فَتَاهَا وَابْنُ بَجْدَتِهَا ** غَيْرُ مُجْلِي الكَرْبِ وَالشِّدَدِ
عَنْ رَسولِ اللهِ مُفْتَدِيَاً ** بَاذِلاً لِلرُّوحِ وَالْجَسَدِ
يَوْمَ وَلَّى الْجَيْشُ مُنْهَزِمَاً ** فِيهِمُ تَيْمٌ غَدَا وَعَدِي(١٦)
فَلِذَا الأَقْوَامُ قَدْ كَشَفَتْ ** عَنْ خَبَايَا الْحِقْدِ وَالْحَسَدِ
إِذْ رَمَوْا ظُلْمَا فَضَائِلَهُ ** أَسْهُمَاً لِلْكَذْبِ وَالفَنَدِ
يَا لَجَهْلِ القَوْمِ قَدْ حَسِبوا ** حَجْبَ نُورَ الشَّمْسِ بِالْبُرَدِ(١٧)
إَنَّ مَنْ فِي الذِّكْرِ مِدْحَتُهُ ** لاَ يُرَّجِي الْمَدْحَ مِنْ أَحَدِ
هَيْكَلٌ فَرْدٌ بِجَوْهَرِهِ ** بَاذِخُ الأَرْكَانِ وَالعُمُدِ
نَفْسُ طَهَ خَيْرِ مُبْتَعَثٍ ** وَرَسولِ الْبَارِئِ الصَّمَدِ
مِثْلِ هَارُونٍ بِأُمَّتِهِ ** حَيْدَرٌ مُوتوا مِنَ الكَمَدِ
غَيْرَ مَا خُصَّ النَّبِيُّ بِهِ ** بِاصْطِفَاءٍ فِيهِ مُنْفَرِدِ
خَاتَمٍ لِلرُّسْلِ أَعَظَمِهِمْ ** أَحْمَدِ الْمَبْعوثِ بِالرَّشَدِ
وَأَبو السِّبْطَيْنِ يَتْبَعُهُ ** كَاتِّبَاعِ الشِّبْلِ لِلأَسَدِ
شَادَ دِينَ اللهِ مُدَّرِعَا ** بِاشْتِدَادِ الْقَلْبِ وَالعَضُدِ
فَعَلِيٌّ لِلْهُدَى جَسَدٌ ** وَالنِّبِيُّ الرُّوحُ فِي الْجَسَدِ
وَهُمَا أَوْلَى بِأَنْفُسِنَا ** وَبِأَهْلِينَا وَبِالْوَلَدِ
أَصْلُ دِينِ اللهِ غَايَتُهُ ** فَبِهِمْ دِينُ الإلَهِ بُدِي
مَنَ يُرِدْ فَوْزَاً بِآخِرَةٍ ** وَيَعِشْ فِي الأَمْنِ وَالرَّغَدِ
فَلْيُوَالِ مَنْ عَلاَ شَرَفَاً ** يَوْمَ خُمٍّ مَجْدُهُ الأَبَدِي
صَارَ لِلْهَادِي خَلِيفَتَهُ ** بَايَعُوا طَوْعَاً لَهُ بِيَدِ
ثُمَّ خَانوهُ تُجاذبهُمْ ** سَالِفَاتُ الثَّأْرِ بِالْحَرَدِ(١٨)
فَبِهِ امْتَازَ النِّفَاقُ مِنَ الصِّـ - ـدْقِ وَالإِيمَانِ وَالسَّدَدِ
بَيْنَ مُنْحَلٍّ لِرِبْقَتِهِ ** خَسِرَ الأُخْرَى وَمُنْعَقِدِ(١٩)
وَلزومُ النَّاسِ بَيْعَتَهُ ** خَيْرُ مَنْجَاةِ وَمُلْتَحَدِ(٢٠)
وَنِدَائِي فِي الْحَيَاةِ وَفِي ** يِوْمِ حَشْرِي عَنْهُ لَمْ أَحُدِ
لَيْسًَ لِي إِلاّكَ يَشْفَعُ لِي ** « يَا َرسولَ اللهِ خُذْ بِيَدِي »
شعر: عادل الكاظمي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١- الْجَلَدُ: الصبر على تحمل الصعاب.
٢- الشطر بين قوسين مقتبس من جزء من مطلع قصيدة منسوبة للسلطان عبد الحميد الأول وهو قوله
يا سيدي يا رسول الله خذ بيدي ** ما لي سواك ولا ألوى على أحد
٣- الْمِنْحَةُ: الْهِبَةُ والعَطيّة.
٤- الطّارِفَاتُ: مفردها الطارِفةُ وهي القديمة وهي خلاف التُّلُدُ.
٥- مقامات النبي (ص) هي أوسع وأخفى من تنالها أعين الراصدين مهما بلغت غوص الفطن وغور الأوهام والفكر.
٦- الْخَلَدُ: ما تحدث النفس به وجلائلات الفكر: ما تجول به الأفكار في ثناياها وثنياتها.
٧- الجذع الذي كان يخطب عليه رسول الله ولما أبدله بمنبره الشريف سمع لذلك الجذع أنيناً وحسرة على فراق النبي له
حتى واساه النبي بكلمات اختفى بعده صوت الجذع وكان يسمعه كل مر به.
٨- العيون الثَّجَاجةُ: الغزيرة الماء بتدافع ما يجعلها كآنها ترمي زبداً.
٩- ذَائِبُ الْبَرَدِ: ماء الثلج الذائب.
١٠- وهذا جانب من معاجزه يعرفها كل مسلم يهمه أمر الرسول (ص) فلا إطناب في بيانها.
١١- يوم الدار يوم نزول آية وأنذر عشريتك الأقربين وما تلاها من أحداث إنذار النبي قومه بني هاشم ولا يخفى أمر هذا على أحد.
١٢- الْمُدُّ: مكيال قديم اختلف في مقداره وهو عند أهل العراق رطلان إي ٢٤ أوقية
وهذا لا يكفي إلا لعدد يسير من الناس فكيف لجيش جرّار؟. الْمَدَدُ: ما يُمَدُّ به الشيء من غوثٍ وعون.
١٣- التَّأَبُّدُ: هنا التَّوَحُّشُ من فعلٍ والتَّنَكُّرُ له. السُّدَدُ: مفردها سُدَّةُ وهي المنصب والمقام والرتبة ومنها سُدَّةُ الحكم.
١٤- القَوَدُ: القصاص واستيفاء الحقوق.
١٥- الشَّمْسُ(بفتح الشين): كوكب معروف. الشُّمْسُ (بضمِّ الشين): الحمير التي تَشْمِسُ وتعاند راكبها وزاجرها فتحرن وكذلك النواصب من حمير البشر.
١٦- تَيْمُ: أبو بكر التيمي أول الحكام المسلمين. عَدِي: عمر بن الخطاب العدوي.
١٧- الْبُرَدِ: واحدها البردة وهي كساء مخطط يلتحف به.
١٨- تُجاذبهُمْ: تُنَازِعُهُمْ بين قَبولٍ وَرَدٍّ. سالفاتُ الثّأر: الثّأر القديم الزمن. الْحَرَدُ: من حَرَدَ فُلانٌ: اعْتَزَلَ.
١٩- مُنْحَلُّ الرِّبْقَةِ: الذي يلقي حبله على غاربه في نقض العهود والربقة: القَيْدُ.
٢٠- الْمُلْتَحَدُ: الْمَلْجَأُ والْمَلاذُ.
تعليق