بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أَعْظَمَ اللّهُ تَعَالَى أُجُورَكُمْ بِشَهَادَةِ مُولَانَا جَعْفَرِ الطَّيَّارِ عَلَيْهِ السَّلَامُ
مَنْ هُوَ مُولَانَا جَعْفَرُ الطَّيَّارُ عَلَيْهِ السَّلَامُ؟
جَعْفَرُ الطَّيَّارُ هُوَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بْنِ عَبْدِ المَطْلِبِ، فَهُوَ ابْنُ عَمِّ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، وَمِنْ كِبَارِ أَصْحَابِهِ الأَجِلَّاءِ، وَأَخُو الإِمَامِ عَلِيٍّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَكَانَ يَكْبُرُهُ بِعَشْرِ سِنِينَ.
لَقَبُهُ بِالطَّيَّارِ:
لُقِّبَ بِالطَّيَّارِ لِأَنَّ يَدَيْهِ قُطِعَتَا فِي الحَرْبِ، فَأَعْطَاهُ اللهُ جَنَاحَيْنِ يَطِيرُ بِهِمَا فِي الجَنَّةِ، وَكَذَلِكَ لُقِّبَ ذُو الجَنَاحَيْنِ لِنَفْسِ السَّبَبِ.
مَنزِلَةُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ:
كَانَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يَحْظَى بِمَنزِلَةٍ رَفِيعَةٍ لَدَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، وَيُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِي المَهَامِّ. وَلِجَدَارَتِهِ، فَقَدْ جَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ رَئِيسًا لِلمُسْلِمِينَ الَّذِينَ هَاجَرُوا إِلَى الحَبَشَةِ، وَعِنْدَمَا رَجَعَ مِنَ الحَبَشَةِ عَلَّمَهُ صَلَاةً مُشْتَمِلَةً عَلَى تَسْبِيحَاتٍ خَاصَّةٍ تَكْرِيمًا لَهُ، وَعُرِفَتْ هَذِهِ الصَّلَاةُ فِيما بَعْدُ بِـ صَلَاةِ جَعْفَرِ الطَّيَّارِ أَوْ صَلَاةِ التَّسْبِيحِ.
فِي كِتَابِ الاِسْتِيعَابِ:
وَكَانَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَشْبَهَ النَّاسِ خَلْقًا وَخُلُقًا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، وَكَانَ جَعْفَرٌ أَكْبَرَ مِنْ عَلِيٍّ بِعَشْرِ سِنِينَ، وَكَانَ عَقِيلٌ أَكْبَرَ مِنْ جَعْفَرٍ بِعَشْرِ سِنِينَ، وَكَانَ طَالِبٌ أَكْبَرَ مِنْ عَقِيلٍ بِعَشْرِ سِنِينَ، وَكَانَ جَعْفَرٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ هَاجَرَ إِلَى أَرْضِ الحَبَشَةِ وَقَدِمَ مِنْهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ حِينَ فَتْحِ خَيْبَرَ، فَتَلَقَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَاعْتَنَقَهُ وَقَالَ: “مَا أَدْرِي بِأَيِّهِمَا أَنَا أَشَدُّ فَرَحًا، بِقُدُومِ جَعْفَرٍ أَمْ بِفَتْحِ خَيْبَرَ؟”
وَقُدُومُهُ وَأَصْحَابُهُ مِنْ أَرْضِ الحَبَشَةِ كَانَ فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ مِنَ الهِجْرَةِ، وَخُطِبَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ إِلَى جَانِبِ المَسْجِدِ. ثُمَّ غَزَا غَزْوَةَ مُؤْتَةَ فِي سَنَةِ ثَامِنَةٍ مِنَ الهِجْرَةِ، وَقَاتَلَ فِيهَا حَتَّى قُطِعَتْ يَدَاهُ جَمِيعًا، ثُمَّ قُتِلَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ:
“إِنَّ اللَّهَ أَبْدَلَهُ بِيَدَيْهِ جَنَاحَيْنِ يَطِيرُ بِهِمَا فِي الجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَ”، فَمِنْ هُنَالِكَ قِيلَ لَهُ جَعْفَرُ ذُو الجَنَاحَيْنِ.
صَاحِبُ الهِجْرَتَيْنِ:
يُعْرَفُ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بِصَاحِبِ الهِجْرَتَيْنِ: هِجْرَةُ الحَبَشَةِ وَهِجْرَةُ المَدِينَةِ. وَهُوَ مِنَ الشُّهَدَاءِ الأَوَّلِينَ، فَقَدِ اسْتُشْهِدَ فِي وَاقِعَةِ مُؤْتَةَ فِي السَّنَةِ الثَّامِنَةِ لِلهِجْرَةِ وَعُمُرُهُ إِحْدَى وَأَرْبَعُونَ سَنَةً. وَوُجِدَ فِي جَسَدِهِ تِسْعُونَ ضَرْبَةً مَا بَيْنَ طَعْنَةٍ بِرُمْحٍ وَضَرْبَةٍ بِسَيْفٍ كُلُّهَا فِي مُقَدَّمِ بَدَنِهِ، مِمَّا يَدُلُّ عَلَى بَسَالَتِهِ وَشَجَاعَتِهِ وَكَوْنِهِ كَرَّارًا غَيْرَ فَارٍّ.
مَدْفَنُ جَعْفَرِ الطَّيَّارِ وَضَرِيحُهُ:
دُفِنَ بِأَرْضِ مُؤْتَةَ، حَيْثُ مَزَارُهُ اليَوْمَ مِنَ المَزَارَاتِ المَعْرُوفَةِ الَّتِي يَتَوَافَدُ إِلَيْهَا المُؤْمِنُونَ بِمَدِينَةِ المَزَارِ بِالكَرْكِ فِي الأُرْدُنِّ.
صَلَاةُ جَعْفَرِ الطَّيَّارِ:
تُسَمَّى أَيْضًا صَلَاةَ التَّسْبِيحِ وَصَلَاةَ الحَبْوَةِ. عَلَّمَهَا النَّبِيُّ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ لِجَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ تَكْرِيمًا لَهُ عَلَى جِهَادِهِ المُتَوَاصِلِ مِنْ أَجْلِ الإِسْلَامِ عِنْدَ رُجُوعِهِ مِنَ الحَبَشَةِ. وَهِيَ صَلَاةٌ خَاصَّةٌ ذَاتُ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ مُشْتَمِلَةٍ عَلَى ثَلَاثِمِائَةِ تَسْبِيحَةٍ خَاصَّةٍ، وَيُمْكِنُ أَنْ تُجْمَعَ لِتَصِلَ إِلَى أَلْفٍ وَمِئَتَيْنِ تَسْبِيحَةٍ وَتَهْلِيلَةٍ وَتَكْبِيرَةٍ وَتَحْمِيدٍ.
وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ صَلَاةَ جَعْفَرِ الطَّيَّارِ أَفْضَلُ بَعْدَ الفَرَائِضِ، وَأَنَّ التَّنَفُّلَ بِهَا فِي يَوْمِ الجُمُعَةِ وَفِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَفِي غَيْرِهَا مِنَ الأَوْقَاتِ فِيهِ فَضْلٌ عَظِيمٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ، حَيْثُ يَغْفِرُ اللهُ بِهَا الذُّنُوبَ العِظَامَ وَيَقْضِي حَاجَةَ مَنْ صَلَّاهَا.
------------------------
أَنْظُرْ بِحَارِ الأَنْوَارِ (الجَامِعَة لِدُرَرِ أَخْبَارِ الأَئِمَّةِ الأطْهَارِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ): 22 / 276، لِلْعَلَّامَةِ الشَّيخِ مُحَمَّدِ بَاقِرِ المَجْلِسِيِّ، المَوْلُودِ بِإِصْفَهَانَ سَنَةَ 1037، وَالمَتَوَفَّى بِهَا سَنَةَ 1110 هِجْرِيَّةً، طَبْعَةُ مُؤَسَّسَةِ الوَفَاء، بَيْرُوت/ لُبْنَانَ، سَنَةَ 1414 هِجْرِيَّةً.
⸻
