انقطاع النيابة الخاصة في الغيبة الكبرى ...ج2
* الدليل الثالث :
الروايات المستفيضة الآمرة بالانتظار وبالصبر والمرابطة ، وعدم الانزلاق مع كلّ منادٍ لشعار إقامة الحقّ والعدل ، وكذلك بروايات التمحيص والامتحان ، ومقتضاها انقطاع السفارة والاتّصال كما سنبيّن .
مثل : ما رواه النعماني في كتابه ( الغيبة ) بسنده عن عبد الرحمان بن كثير ، قال : كنت عند أبي عبد الله (عليه السّلام) يوماً وعنده مهزم الأسدي , فقال : جعلني الله فداك ! متى هذا الأمر الذي تنتظرونه ، فقد طال علينا ؟ فقال : ( يا مهزم ، كذّب المتمنّون ، وهلك المستعجلون ، ونجا المسلِّمون ، وإلينا يصيرون )(14) .
وروى عن أبي المرهف أيضاً قال : قال أبو عبد الله (عليه السّلام) : ( هلكت المحاضير ) . قال : قلتُ : وما المحاضير ؟ قال : ( المستعجلون ، ونجا المقرّون )(15) . ومفادها ظاهراً وقوع المستعجلين لأمر ظهوره (عليه السّلام) في الهلكة والضلال ، وكذلك الذين يعيشون عالم التمنّي لتوقيت ظهوره ، ممّا يحدو بهم إلى العفويّة في الانسياق وراء كلّ ناعق
وهذه الحيرة والاضطراب ليست إلاّ للانقطاع وفَقْد الاتّصال ، وهو مقتضى الصبر والانتظار والترقّب ؛ لأنّه في مورد فَقْد الاتّصال وانقطاع الخبر وعدم وسيلة للارتباط . وكذلك مفاد روايات التمحيص والامتحان بسبب شدّة المحنة في غيبته بفَقْد واسطة الارتباط ، فتزداد الريبة بوجوده حتّى يرجع أكثر القائلين بإمامته عن هذا الاعتقاد ، لا سيّما مع كثرة الفتن والمحن والبلاء .
فقد روى النعماني بسنده عن أبي بصير ، قال : قال أبو جعفر محمّد بن عليّ الباقر (عليه السّلام) : ( إنّما مثل شيعتنا مثل أندر ـ يعني : بيدراً ـ فيه طعام فأصابه آكِل ـ أي السوس ـ فَنُقّي ، ثمّ أصابه آكِل ـ أي السوس ـ فَنُقِّي حتّى بقي منه ما لا يضرّه الآكِل ، وكذلك شيعتنا يميزون ويمحّصون حتّى تبقى منهم عصابة لا تضرّها الفتنة )(16) .
وفي رواية أُخرى عن منصور الصيقل ، قال : دخلتُ على أبي جعفر الباقر (عليه السّلام) وعنده جماعة ، فبينا نحن نتحدّث وهو على بعض أصحابه مقبل ؛ إذ التفتَ إلينا وقال : ( في أيّ شيء أنتم ، هيهاتَ هيهاتَ ! لا يكون الذي تمدّون إليه أعناقكم حتّى تُمحّصوا . هيهاتَ ! ولا يكون الذي تمدّون إليه أعناقكم حتّى تُميّزوا ، ولا يكون الذي تمدّون إليه أعناقكم حتّى تُغَرْبَلوا ، ولا يكون الذي تمدّون إليه أعناقكم إلاّ بعد إياس ، ولا يكون الذي تمدّون إليه أعناقكم حتّى يَشقى مَن شقي ، ويَسعد من سعد )(17) . ويستفاد منها الحذر من الخفّة والانجرار وراء كلّ مدّعي ؛ وذلك بسبب قلّة الصبر والضعف عن الثبات في الفتن لقلّة البصيرة .
* الدليل الرابع :
قيام الضرورة لدى الطائفة الإماميّة وتسالمهم على انقطاع النيابة الخاصّة والسفارة ، فهو من ضرورة المذهب ، حتّى إنّ علماء الطائفة حكموا بضلال المدّعين للسفارة ولَعْنهم والتبرّي منهم ، والطرد لهم عن الطائفة ، وهذا الموقف تبعاً لِمَا صدر من التوقيعات من الناحية المقدّسة حول بعضهم . وإليك بعض أقوالهم :
الأوّل :
قال الشيخ سعد بن عبد الله الأشعري القمّي ـ وقد كان معاصراً للإمام العسكري (عليه السّلام) ، وكان شيخ الطائفة وفقيهها ـ في كتابه المقالات والفِرق ، بعد أنّ بيّن لزوم الاعتقاد بغيبة الإمام (عجّل الله فرجه) ، وانقطاع الارتباط به : ( فهذه سبيل الإمامة ، وهذا المنهج الواضح ، والغرض الواجب اللازم ، الذي لم يزل عليه الإجماع من الشيعة الإماميّة المهتدية (رحمة الله عليها) ، وعلى ذلك إجماعنا إلى يوم مضى الحسن بن عليّ رضوان الله عليه )(18) .
وقريب من هذه العبارة ذكر متكلّم الطائفة وفيلسوفها الحسن بن موسى النوبختي(19) .
الثاني :
وحكى الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة عن الشيخ أبي القاسم بن محمّد بن قولويه ـ صاحب كتاب كامل الزيارات ، وهو أُستاذ الشيخ المفيد ، وكان زعيم الطائفة في وقته معاصراً للصدوق في أوائل الغيبة الكبرى ـ قال : ( إنّ عندنا أنّ كلّ مَن ادّعى الأمر بعد السمري ـ وهو النائب الرابع ـ فهو كافر منمّس ، ضالّ مضلّ )(20) .
الثالث :
الشيخ الصدوق في كتابه ( إكمال الدين ) في الباب الثاني والأربعين ـ ما روي في ميلاد القائم (عجّل الله تعالى فرجه) ـ وبعد ما ذكر نوّابه الأربعة ، قال : ( فالغيبة التامّة هي التي وقعتْ بعد مضيّ السمري رضي الله عنه )(21) .
ثمّ روى في الباب اللاحق توقيع الناحية بانقطاع السفارة والنيابة الخاصّة . وقد صرّح في أوّل كتابه أنّ الذي دعاه إلى تأليف الكتاب هو حيرة بعض الشيعة بسبب الغيبة ، ووَجَدَهُم قد عدلوا عن طريق التسليم والتمسّك بالأخبار الواردة إلى الآراء والمقاييس .
وقد صرّح الشيخ النعماني صاحب كتاب الغيبة ـ وهو معاصر للصدوق وتلميذ الكليني ـ في عدّة مواضع منه بانقطاع السفارة في الغيبة الكبرى ، وقد تقدّم نبذة من كلماته واستدلاله بالروايات )(22) .
الرابع :
وقال الشيخ المفيد في كتاب الإرشاد في باب ذكر القائم (عجّل الله فرجه) : ( وله قبل قيامه غيبتان : إحداهما أطول من الأخرى كما جاءتْ بذلك الأخبار ؛ فأمّا القصرى منهما منذ وقت مولده إلى انقطاع السفارة بينه وبين شيعته , وعدم السفراء بالوفاة . وأمّا الطولى فهي بعد الأُولى ، وفي آخرها يقوم بالسيف )(23) . ونظير هذا التعبير صرّح به الطوسي في الغيبة(24)
وقد تضافرت كلمات علماء الإماميّة في كتبهم ممّا يجدها المتتبّع في مظانّها .
بل إنّ علماء سنة الخلافة وجماعة السلطان قد اشتهر بينهم عن الإماميّة ذلك ، وأخذوا يصيغون الإشكالات ـ بانعدام الإمام (عجّل الله فرجه) مع انقطاعه عن شيعته ـ في أكثر كتبهم الكلاميّة والمؤلّفة في الملل والمذاهب .
وهذه الضرورة القائمة عند الطائفة الإماميّة توالت عليها أجيالها قرناً بعد قرن ، ودأبتْ الطائفة في إقصاء وطرد جماعات الانحراف أدعياء السفارة كلّما ظهر لهم راية .
هذا ومقتضى الأدلّة السابقة هو بطلان مدّعي النيابة الخاصّة وأدعياء السفارة ، ومَن يزعم أيّ صفة رسميّة خاصّة للتمثيل عن الإمام المنتظر (عليه السّلام) إلى سماع النداء والصيحة من السماء ، واستيلاء السفياني على الشام .
* اقتباس وتنسيق قسم المقالات في شبكة الإمامين الحسنَين (عليهما السّلام) للتراث والفكر الإسلامي ، من دراسة للمؤلّف : الشيخ محمّد السند ،* الدليل الثالث :
الروايات المستفيضة الآمرة بالانتظار وبالصبر والمرابطة ، وعدم الانزلاق مع كلّ منادٍ لشعار إقامة الحقّ والعدل ، وكذلك بروايات التمحيص والامتحان ، ومقتضاها انقطاع السفارة والاتّصال كما سنبيّن .
مثل : ما رواه النعماني في كتابه ( الغيبة ) بسنده عن عبد الرحمان بن كثير ، قال : كنت عند أبي عبد الله (عليه السّلام) يوماً وعنده مهزم الأسدي , فقال : جعلني الله فداك ! متى هذا الأمر الذي تنتظرونه ، فقد طال علينا ؟ فقال : ( يا مهزم ، كذّب المتمنّون ، وهلك المستعجلون ، ونجا المسلِّمون ، وإلينا يصيرون )(14) .
وروى عن أبي المرهف أيضاً قال : قال أبو عبد الله (عليه السّلام) : ( هلكت المحاضير ) . قال : قلتُ : وما المحاضير ؟ قال : ( المستعجلون ، ونجا المقرّون )(15) . ومفادها ظاهراً وقوع المستعجلين لأمر ظهوره (عليه السّلام) في الهلكة والضلال ، وكذلك الذين يعيشون عالم التمنّي لتوقيت ظهوره ، ممّا يحدو بهم إلى العفويّة في الانسياق وراء كلّ ناعق
وهذه الحيرة والاضطراب ليست إلاّ للانقطاع وفَقْد الاتّصال ، وهو مقتضى الصبر والانتظار والترقّب ؛ لأنّه في مورد فَقْد الاتّصال وانقطاع الخبر وعدم وسيلة للارتباط . وكذلك مفاد روايات التمحيص والامتحان بسبب شدّة المحنة في غيبته بفَقْد واسطة الارتباط ، فتزداد الريبة بوجوده حتّى يرجع أكثر القائلين بإمامته عن هذا الاعتقاد ، لا سيّما مع كثرة الفتن والمحن والبلاء .
فقد روى النعماني بسنده عن أبي بصير ، قال : قال أبو جعفر محمّد بن عليّ الباقر (عليه السّلام) : ( إنّما مثل شيعتنا مثل أندر ـ يعني : بيدراً ـ فيه طعام فأصابه آكِل ـ أي السوس ـ فَنُقّي ، ثمّ أصابه آكِل ـ أي السوس ـ فَنُقِّي حتّى بقي منه ما لا يضرّه الآكِل ، وكذلك شيعتنا يميزون ويمحّصون حتّى تبقى منهم عصابة لا تضرّها الفتنة )(16) .
وفي رواية أُخرى عن منصور الصيقل ، قال : دخلتُ على أبي جعفر الباقر (عليه السّلام) وعنده جماعة ، فبينا نحن نتحدّث وهو على بعض أصحابه مقبل ؛ إذ التفتَ إلينا وقال : ( في أيّ شيء أنتم ، هيهاتَ هيهاتَ ! لا يكون الذي تمدّون إليه أعناقكم حتّى تُمحّصوا . هيهاتَ ! ولا يكون الذي تمدّون إليه أعناقكم حتّى تُميّزوا ، ولا يكون الذي تمدّون إليه أعناقكم حتّى تُغَرْبَلوا ، ولا يكون الذي تمدّون إليه أعناقكم إلاّ بعد إياس ، ولا يكون الذي تمدّون إليه أعناقكم حتّى يَشقى مَن شقي ، ويَسعد من سعد )(17) . ويستفاد منها الحذر من الخفّة والانجرار وراء كلّ مدّعي ؛ وذلك بسبب قلّة الصبر والضعف عن الثبات في الفتن لقلّة البصيرة .
* الدليل الرابع :
قيام الضرورة لدى الطائفة الإماميّة وتسالمهم على انقطاع النيابة الخاصّة والسفارة ، فهو من ضرورة المذهب ، حتّى إنّ علماء الطائفة حكموا بضلال المدّعين للسفارة ولَعْنهم والتبرّي منهم ، والطرد لهم عن الطائفة ، وهذا الموقف تبعاً لِمَا صدر من التوقيعات من الناحية المقدّسة حول بعضهم . وإليك بعض أقوالهم :
الأوّل :
قال الشيخ سعد بن عبد الله الأشعري القمّي ـ وقد كان معاصراً للإمام العسكري (عليه السّلام) ، وكان شيخ الطائفة وفقيهها ـ في كتابه المقالات والفِرق ، بعد أنّ بيّن لزوم الاعتقاد بغيبة الإمام (عجّل الله فرجه) ، وانقطاع الارتباط به : ( فهذه سبيل الإمامة ، وهذا المنهج الواضح ، والغرض الواجب اللازم ، الذي لم يزل عليه الإجماع من الشيعة الإماميّة المهتدية (رحمة الله عليها) ، وعلى ذلك إجماعنا إلى يوم مضى الحسن بن عليّ رضوان الله عليه )(18) .
وقريب من هذه العبارة ذكر متكلّم الطائفة وفيلسوفها الحسن بن موسى النوبختي(19) .
الثاني :
وحكى الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة عن الشيخ أبي القاسم بن محمّد بن قولويه ـ صاحب كتاب كامل الزيارات ، وهو أُستاذ الشيخ المفيد ، وكان زعيم الطائفة في وقته معاصراً للصدوق في أوائل الغيبة الكبرى ـ قال : ( إنّ عندنا أنّ كلّ مَن ادّعى الأمر بعد السمري ـ وهو النائب الرابع ـ فهو كافر منمّس ، ضالّ مضلّ )(20) .
الثالث :
الشيخ الصدوق في كتابه ( إكمال الدين ) في الباب الثاني والأربعين ـ ما روي في ميلاد القائم (عجّل الله تعالى فرجه) ـ وبعد ما ذكر نوّابه الأربعة ، قال : ( فالغيبة التامّة هي التي وقعتْ بعد مضيّ السمري رضي الله عنه )(21) .
ثمّ روى في الباب اللاحق توقيع الناحية بانقطاع السفارة والنيابة الخاصّة . وقد صرّح في أوّل كتابه أنّ الذي دعاه إلى تأليف الكتاب هو حيرة بعض الشيعة بسبب الغيبة ، ووَجَدَهُم قد عدلوا عن طريق التسليم والتمسّك بالأخبار الواردة إلى الآراء والمقاييس .
وقد صرّح الشيخ النعماني صاحب كتاب الغيبة ـ وهو معاصر للصدوق وتلميذ الكليني ـ في عدّة مواضع منه بانقطاع السفارة في الغيبة الكبرى ، وقد تقدّم نبذة من كلماته واستدلاله بالروايات )(22) .
الرابع :
وقال الشيخ المفيد في كتاب الإرشاد في باب ذكر القائم (عجّل الله فرجه) : ( وله قبل قيامه غيبتان : إحداهما أطول من الأخرى كما جاءتْ بذلك الأخبار ؛ فأمّا القصرى منهما منذ وقت مولده إلى انقطاع السفارة بينه وبين شيعته , وعدم السفراء بالوفاة . وأمّا الطولى فهي بعد الأُولى ، وفي آخرها يقوم بالسيف )(23) . ونظير هذا التعبير صرّح به الطوسي في الغيبة(24)
وقد تضافرت كلمات علماء الإماميّة في كتبهم ممّا يجدها المتتبّع في مظانّها .
بل إنّ علماء سنة الخلافة وجماعة السلطان قد اشتهر بينهم عن الإماميّة ذلك ، وأخذوا يصيغون الإشكالات ـ بانعدام الإمام (عجّل الله فرجه) مع انقطاعه عن شيعته ـ في أكثر كتبهم الكلاميّة والمؤلّفة في الملل والمذاهب .
وهذه الضرورة القائمة عند الطائفة الإماميّة توالت عليها أجيالها قرناً بعد قرن ، ودأبتْ الطائفة في إقصاء وطرد جماعات الانحراف أدعياء السفارة كلّما ظهر لهم راية .
هذا ومقتضى الأدلّة السابقة هو بطلان مدّعي النيابة الخاصّة وأدعياء السفارة ، ومَن يزعم أيّ صفة رسميّة خاصّة للتمثيل عن الإمام المنتظر (عليه السّلام) إلى سماع النداء والصيحة من السماء ، واستيلاء السفياني على الشام .