بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمد وآل محمد
الحمد لله الذي جعل محبّة محمدٍ وآل محمدٍ نورًا في القلوب، وطمأنينةً في الأرواح، وأمانًا من الضلال والزلل.
نقف اليوم عند حقيقة عميقة من حقائق النفس، كيف تضطرب وتُؤنّب وتُسَوِّل، ثم كيف تهدأ وتطمئن بذكر الله وبالولاء لمحمدٍ وآله الطاهرين.
مبادئ لوم النفس
لوم النفس هو باب الوعي واليقظة، وهو أوّل درجات التوبة.
النفس اللوّامة كما وصفها الله تعالى في قوله:
﴿وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ﴾ [القيامة:2]
هي تلك النفس التي لا ترضى بالخطأ، ولا تبرر الذنب، بل تعود إلى نفسها تعاتبها وتحثها على الإصلاح.
فمن لا يلوم نفسه، لن يصلحها أبدًا، ومن يلومها حبًا لله، فتح له الله باب الطمأنينة والصفاء.
حقيقة النفس الأمّارة وخصائصها
قال تعالى على لسان نبي الله يوسف عليه السلام:
﴿إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي﴾ [يوسف:53]
النفس الأمّارة هي تلك التي تميل إلى الشهوات، وتبرّر المعاصي، وتُغري صاحبها باتّباع الهوى.
خصائصها:
- الغرور بالنفس والعمل.
- الاعتماد على الحيل لتبرير الأخطاء.
- حبّ الظهور والسيطرة.
- التعلّق بالدنيا ونسيان الآخرة.
قوله تعالى
﴿وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ ۚ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا﴾ [يوسف:18]
هنا نرى كيف تُزيّن النفس الشرّ لصاحبها حتى يُبرّره.
إخوة يوسف لم يقتلوا نبيًّا فقط بالحيلة، بل بخداع ضميرهم أوّلًا.
النفس إذا لم تُربّ بالذكر والمراقبة، زَيَّنت لصاحبها أبشع الأعمال وجعلتها تبدو له مبرَّرة.
ولهذا قال يعقوب عليه السلام كاشفًا: “بل سوّلت لكم أنفسكم”، أي خدعتكم وأغرتكم بالشر.
دعاء الإمام زين العابدين عليه السلام في النفس الأمارة
يقول في الصحيفة السجادية:
"اللهم إني أعوذ بك من نفسٍ لا تشبع، ومن قلبٍ لا يخشع، ومن علمٍ لا ينفع، ومن صلاةٍ لا تُرفع..."
ويقول أيضًا في موضع آخر:
> "اللهم صلِّ على محمدٍ وآله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدًا...، وآلهي إليك أشكو نفسٍ بالسوء أمّارة، وبمعاصيك مولعة وإلى الخطيئة مبادرة.تسلك بي مسالك المهالك وتحعلني عندك أهون هالك
كلمات الإمام زين العابدين تكشف عمق المعركة داخل النفس، فهو لا يطلب فقط الانتصار عليها، بل يطلب من الله أن يُخلّصه من مكرها الخفيّ، لأنها تلبس أحيانًا ثوب الخير لتقود إلى الشر.
أوصاف النفس الأمّارة بالسوء
- كثيرة الهوى قليلة الهدى.
- تتبع الشهوة وتكره الطاعة.
- تُجيد التبرير وتخاف من النقد.
- تُحب المدح وتفرّ من اللوم.
- تُظهر الورع وتخفي الغرور.
- خصائص النفس المطمئنة
قال تعالى:
﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً﴾ [الفجر:27-28]
النفس المطمئنة هي التي استقرت بذكر الله، فلم تعد تخاف ولا تحزن.
خصائصها:
- سلام داخلي لا يتزعزع أمام البلاء.
- قرب من الله يجعلها ترى الدنيا صغيرة.
- حسن الظن بالله في كل حال.
- الرضا بالقضاء، والشكر في النعم.
﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ [الرعد:28]
الطمأنينة ليست غياب الحزن، بل حضور الله في القلب.
الذكر هنا ليس مجرّد ترديد، بل وعي دائم بالله في كل لحظة.
ومن أحبّ الله حقًا أحبّ من أمره الله بولايته — محمدًا وآله — فبهم يكتمل الذكر وتُشرق القلوب نورًا.
ما هي الأذكار المتعلقة بالله عز وجل؟
من أعظم الأذكار:
- لا إله إلا الله: توحيد يحرّر القلب من كل قيد.
- سبحان الله: تنزيه يطهّر الفكر من الغفلة.
- الحمد لله: امتنان يفتح أبواب الرضا.
- الله أكبر: يقين يُصغّر الهموم أمام عظمة الله.
- الاستغفار: غسلٌ متجدّد للقلب من أثقال الذنوب.
- الصلاة على محمد وآل محمد
- زيارة محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين والتوسل والتشفع بهم.
- آثار ذكر محمد وآل محمد عليهم السلام
ذكرهم هو امتداد لذكر الله، لأنهم مظاهر رحمته ونوره في الخلق.
قال الإمام الصادق عليه السلام:
"من ذكرنا أو ذُكرنا عنده فخرج من عينه مثل جناح البعوضة، غفر الله له ذنوبه ولو كانت أكثر من زبد البحر."
فمحبتهم تُطهّر، وولايتهم تُسكن القلب، وذكرهم يُبعد وساوس النفس الأمّارة.
هل تُقبل أعمال من لا يوالي محمد وآل محمد عليهم السلام؟
قال النبي صلى الله عليه وآله:
"مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح، من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق."
فالأعمال بلا ولاية كجسد بلا روح، لا يقبله الله وإن كَثُر، لأن الولاء هو ميزان القبول.
قال الإمام الباقر عليه السلام:
"لا يُقبل الله من العباد عملاً إلا بمعرفة الإمام."
لماذا رخص الله عز وجل في الفرائض إلا الولاية؟
لماذا رخص الله عز وجل في الفرائض إلا الولاية؟
لأن الفرائض تُقبل مع الأعذار: في السفر، في المرض، في الخوف...
لكن الولاية لا تُرخص ولا تُرفع، فهي جوهر الدين وأمان الإيمان.
من تمسّك بها ثبت، ومن ضيّعها ضلّ.
بهم يُعرف الله، وبهم يُعبد الله، وبهم تطمئن القلوب وتأمن النفوس.
اللهم اجعل قلوبنا مطمئنة بذكرك، مؤمنة بولائك، عامرة بمحبتك ومحبة أوليائك.
واجعلنا من الذين إذا ذُكر محمد وآل محمد سكنت قلوبهم، وإذا سمعوا أسماءهم أشرقت أرواحهم.
بهم يا رب تطمئن قلوبنا، وبحبهم تأمن نفوسنا، وبولايتهم نرجو لقياك في رضوانك.
