تويت
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُم ۚ مَّا مِن دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ۚ إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾[1].
الآيات السابقة تعرضت لفهرست دعاية النبي هود ودعوته لقبيلته عاد أولئك الذين جاءوا الى الحياة بوحشية الخيال العارم والوهم الحاكم ففعلوا كل شيء تتقاضاه سبعية الحيوان وتمرّده وعتوّه، فأخذوا ينحتون امام الخالق الواقعي ما توحيه اخيلتهم من كائن موجود أو منحوت لهم مصنوع بأيديهم، فبعث الله إليهم مرشدا هاديا ومنبّها مذكّرا ليعطف بهم عن طريق الضلالة الى شارع الهداية فنهاهم قبل كل شيء عن عبادة غير المبدأ الذي خلقهم وبيده مقدرات كل أمورهم فقال لهم: ﴿وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا ۚ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ۖ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ﴾[2]، فأَنْتُمْ بتوجهكم الى غيره مُفْتَرُونَ.
﴿تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ﴾، الذي من بعض هويّته أنه خالقي وخالقكم بل هو خالق كل ﴿دَابَّةٍ﴾، و ﴿آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا﴾، في عالم التكوين.
وهو ﴿رَبِّي وَرَبِّكُم﴾، في أخذ كل ناصية للتدليل على شمول هذه الربوبية، ثم و ﴿إِنَّ رَبِّي﴾، الثانية دون ﴿وَرَبِّكُم﴾، لمكان نكرانهم أنه على صراط مستقيم في ربوبيته، حيث اتخذوا له شركاء، إذا ف ﴿رَبِّي﴾، أنا الرسول المربي برحمته وخاصة عنايته، إنّه ﴿عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾.
﴿مَّا مِن دَابَّةٍ﴾، تدب في حياتها برا وبحرا وجوا ﴿إِلَّا هُوَ﴾، الله ﴿آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا﴾، وهي حياتها بكل ملابساتها، أخذا بحيطة العلم والقدرة الربانية، دون تفلّت لواحدة منها عن هذه الأخذة الربانية على أية حال، ولا تلفّت لربي عنها أبدا، وذلك ﴿إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾، في ربوبيته الطليقة الحليقة على كل شيء.
فالصراط المستقيم ثلاثة: -
الأول: صراط الرب بربوبيته.
الثاني: صراط الرسل برسالاتهم.
الثالث: صراط المرسل إليهم بسلوكهم صراط الحق بدلالاتهم أولاء وتوفيق الله.
وهنا دور ﴿إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾، هو دور التدليل على أنه آخذ بناصية كل دابة، ولكنها سلطة عادلة مستقيمة وليست مثل سائر السلطات قاصرة ومقصرة، فهو عادل حكيم لا ينحرف ولا ينجرف حيث الصراط المستقيم قضية ذاتية لربنا مهما كانت مختارة له دون إجبار.
ولأن الحاجة هي السبب لأي ظلم وانحراف، سواء أكانت حاجة علمية أم كمالية أخرى فإنما يحتاج إلى الظلم الضعيف، ولأنّ ربي آخذ بناصية كل دابة بحيطة العلم والقدرة الطليقة.
إذا ف ﴿إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾، وكما أن قوة العدالة أو العصمة تمنعان أصحابها عن التخلف عن صراط الحق المستقيم، كذلك وبأحرى ربنا الذي هو الحق نفسه وهو العدالة والعصمة غير المحدودة نفسها، وهو الصراط المستقيم نفسه، ولأنه على صراط مستقيم في ربوبيته، لذلك يدلنا على صراط مستقيم في عبوديته، فلا صراط مستقيم في أي حقل من الحقول، معرفية أو عملية إلاّ وهو يدل عليه ويوفق له: ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ﴾[3]، فليس الله خالقا فقط يذر خلقه على قصوراتهم وتقصيراتهم هدرا لا يعبأ بهم، بل هو الحفيظ عليهم ما هم حافظون، حفيظا برحمة رحمانية لكل الكائنات، وبرحمة معها رحيمية خاصة للخصوص من عباده الذين يسلكون سبيله: ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ۖ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً﴾[4]، ﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ* كِرَامًا كَاتِبِينَ﴾[5]. أجل ﴿إِنَّ رَبِّي﴾، فليست تستقل أية دابة عن أخذ الله، وهؤلاء الغلاظ الشداد من قومه، إن هم إلاّ دواب من هذه الدواب التي هو آخذ بناصيتها ويقهرها بقوته، فما خوفي من هذه الدواب، وما احتفالي بها وهي لا تتسلط عليّ إن كانت لها سلطة إلاّ بإذن ربي.
وقد ورد في معنى هذه الآية ما عَنْ أَبِي مُعَمَّرٍ اَلسَّعْدِيِّ، قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: فِي قَوْلِهِ: ((﴿إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾، يَعْنِي أَنَّهُ عَلَى حَقٍّ، يُجْزِئُ بِالْإِحْسَانِ إِحْسَاناً وَبِالسَّيِّءِ سَيِّئاً وَيَعْفُو عَمَّنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى))[6].
[1] سورة هود، الآية: 56.
[2] سورة هود، الآية: 50.
[3] سورة الفجر، الآية: 14.
[4] سورة الأنعام، الآية: 61.
[5] سورة الانفطار، الآيتان: 10-11.
[6] الفصول المهمة، ج 1، ص 287 .