بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿وَتِلْكَ عَادٌ ۖ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ﴾[1].
قوم عاد الذين اتخذوا الحياة منحى للوحشية بخيال عارم ووهم حاكم ففعلوا كل شيء تتقاضاه سبعية الحيوان وتمرّده وعتوّه، فأخذوا ينحتون امام الخالق الواقعي ما توحيه اخيلتهم من كائن موجود أو منحوت لهم مصنوع بأيديهم، فبعث الله إليهم مرشدا هاديا ومنبّها مذكّرا ليعطف بهم عن طريق الضلالة الى شارع الهداية فنهاهم قبل كل شيء عن عبادة غير المبدأ الذي خلقهم وبيده مقدرات كل أمورهم فقال لهم: ﴿يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾، وما ﴿أَنتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ﴾، بتوجهكم الى غيره ﴿إِلَّا مُفْتَرُونَ﴾[2]، على الواقع.
﴿تِلْكَ﴾، القبيلة المتحدث عنها عاد ﴿جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ﴾، القائمة بالفطرة من ناحية والساطعة على لسان نبيّهم من ناحية ثانية ﴿وَعَصَوْا رُسُلَهُ﴾، هودا ومن سبقه وجودا ﴿وَاتَّبَعُوا﴾، امر كل متجبر معتزّ بنفسه على لا شيء يملكه ويحتضنه معاند عن لجاجة وخبث سريرة، ﴿وَأُتْبِعُوا﴾، بعد هلاكهم ﴿فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً﴾، كما إنهم يلعنون ﴿يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ﴾، وجحدوا أنعمه ﴿أَلَا بُعْدًا لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ﴾[3]، وفي هذه التعقبات اشعار للظالم أن يرعوي عن ظلمه وللمتهجم أن يتراجع عن تهجمه.
ومن هذه الآيات تدرك وظائف الفرد والمجتمع: وهما من حيث الجوهر والماهيّة واحد، وهو الإنسان بماله من هويّة طبيعية بعيدة عن الكمال والنقص ولكن من حيث العارض اثنان، فالفرد هو الإنسان بقيد كونه وحده ولنفسه والمجتمع هو الإنسان بقيد كونه مع غيره ومنضما الى من سواه فالإنسان بقيد الوحدة والانضمام ذو خاصتين ممتازتين فمن خواص الفرد لنفسه: -
- أنه يراعي استقلاله في وجوده.
- ويراعي طرز تفكره.
- ويسعى سعيه بمقدار جهده إن شاء أو احبّ الخمود والجمود كان له ذلك أيضا، وهذه الخواصّ تتنافى بالضبط مع خواصه منضما الى من سواه بما يتولد من هذا الانضمام عنوان المجتمع.
ثانيا: والفرد إذا راعى طرز تفكره أبدى كل نشاطه الفكري سواء انسجم مع آراء الناس أم لم ينسجم، لكن إذا أراد ان يكوّن بنفسه وبغيره مجتمعا جرّ يده من نشاطه لرأيه الى حدود ما؛ حتى لا يعترك بغيره فإن الاختلاف في الآراء مدعاة للاختلاف في الأبدان والأجسام.
ثالثا: والفرد قد يكون ذا نشاط مدهش وقد يكون كسلا أو متكاسلا واعماله لواحدة من هاتين الحالتين لفرد نفسه قد يجوز لكن مع مراعاة الهيأة الاجتماعية التي تحتاج سيرا وسطا بين الاندفاع والخمود يجب عليه ألا يندفع كما يجب عليه ألا ينكمش.
والأنبياء عليهم السلام لمّا كانوا قادة المجتمعات سحبوا أيديهم في المجاري الاجتماعية من كافّة حقوقهم الشخصيّة، فجاملوا من لا قيمة له، وزووا من حدّة افكارهم بما لا يخنق الحقّ ولا يبعد عنهم بالفرد، وحذفوا الكثير من نشاطهم مراعاة للسواد الأعظم، هذا ما كان منهم امام الناس. امّا المجتمعات فقلّما توفق منها من أجاب صرخة الداعي لصلاح المجتمع نفسه، سوى ما شاهدناه من الأنصار في استقبالهم لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، وبعض الشعوب التي أرادت التحرر لمحاولة المنافع العامّة والانفلات من البؤس فطاوعت قائدها، وما هذا التبلبل الذي يشاهد في المجامع قديما وحديثا الاّ نتيجة الانكماش للمطامع الشخصية والمنفعة الشخصية لا يمكن ضبطها في اطار المجتمعات الاّ بتعب زائد، لأن الراحة لا تكون الاّ تحت النظام العام تقنينا وتطبيقا، وقوله إن أنتم الاّ مفترون معناه أنكم مزوّرون تختلقون لأنفسكم آلهة تعيشون معها بلا مسؤولية فإنّه لا مسؤولية مع عبادة الصنم بخلاف عبادة وجود حي قهّار ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾[4]، وهو الله سبحانه فإن معها مسؤوليات عظيمة لكن بنفع الناس لا بنفع ذلك المعبود.
[1] سورة هود، الآية: 59.
[2] سورة هود، الآية: 50.
[3] سورة هود، الآية: 60.
[4] سورة غافر، الآية: 19.
