ليالي رضوية
الليلة الأولى: في تفصيل معاجزالرضا (ع) في طوس
.
.
روي عن الرجل المكرم والثقه المعظم ابي عبد الله الواقدي جد ابو المنذر هشام ابن السائب الكليني : ان الرضا عليه السلام ولدته أمه بالمدينه المنوره يوم الجمعه وقيل يوم الخميس 11 خلون من ذي القعده سنه 148 من الهجره النبويه على مهاجرها افضل الصلاه واكمل التحيه . فاقام بالمدينه الى ان نشا وكبر وترعرع ولحق بابيه موسى الكاظم عليه السلام ببغداد بقيه خلافه هارون الرشيد لعنه الله فلما توفي الامام موسى ابن جعفر الكاظم عليه السلام قضى مسموم مظلوم في حبس السندي بن شاهك بامر هارون الرشيد لعنه الله ودفن صلوات الله عليه بسرقه من حمى بغداد في الجانب الغربي في المقبره المعروفه بمقابر قريش . بعد ان اقام ابنه الرضا علماً للناس وإماماً وفهمه احكام الدين وعلوم الاولين والاخرين وسلم اليه مواريث الانبياء والمرسلين والائمه المعصومين وعلّمه الاسم الاعظم ونص على امامته فاطاعته الناس ودانت بدينه المسلمون واقتدت بامامته الصالحون وشاع ذكره وعلا قدره وظهر فخره وتبين برهانه واياته ومعجزاته . فاطاعته الامراء والوزراء والقضاة والعساكر والحجاب والنواب وسائر الناس .
فلما عظم شانه وبان برهانه خاف منه هارون الرشيد لعنه الله فحبسه في سجن السندي كما حبس اباه الكاظم فاقام في حبس الزنديق الى ان هلك هارون الرشيد لعنه الله بخراسان وتولى من بعده ابنه محمد ابن زبيده العباسيه فاخرج الرضا عليه السلام من حبسه واكرمه وانعم عليه وعظمه وأتمَّ بامامته مدة خلافته . فازاحه اخاه المامون لعنه الله وتولى امر الخلافه على رغم انفه فاطاعوه كرهاص وقلوبهم مع الرضا عليه السلام لما راوا منه ظهور المعجزات والبراهين والايات البينات فعاين الرضا منه سوء الخلق والكراهيه والتجبر والجفا والعداوة والبغضاء والمكر والخديعه والقطيعه فطلبه المامون فاختفى عنه في بيت من بيوت بغداد مع رجل من اصحابه وشيعته ومحبيه الى ان سكن عنه الطلب .
فقام من وقته وساعته فخلع اثوابه ولبس ثوب اثواباً رثَّة ودخل سوق بغداد واتى الى خباز هناك واشترى منه ثلاثه اقراص من خبز الحنطه النقيه ووضع الخباز في الخبز جمرة صلبه تتلألأ ناراً ولف عليها اقراص الخبز فتناولها الامام وعرج هارباً من السوق كما خرج موسى بن عمران من مصر ( خَائِفًا يَتَرَقَّبُ ۖ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) . ( وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ ) . قالت : ثم ان الرضا عليه السلام ولّى هارباً على وجهه يريد خراسان فأتى لشط بغداد يريد العبور منه فرأى قارباً مشحوناً وفيه ملاَّح يعبر الناس ومعه رجال ونساء يريدون العبور معه الى الجرف الشرقي من الزوراء .
فصاح به الملاَّح وكان اسمه حميد ابن بريدة وقال : اراك تتخفى عن الناس كأنك خائف تريد العبور معنا . وماكان خوفهم سلام الله عليهم على انفسهم وهم المطهّرون المنتجبون وانما خوفهم كله على ضياع الدين وتشتت المسلمين . فقال الامام عليه السلام : اجل . فقال له الملّاح : إن كان تعطيني 12 درهم عبّرتك الى الجرف الشرقي وامضي الى حال سبيلك يا فتى وتنجو ممن تخاف وتحذر . فقال الرضا عليه السلام : يا حميد إني رجل غريب من آل محمد صلى الله عليه وآله وليس معي درهماً ولا دينار فإني رجل قد اخلى عليَّ الزمان في هذا المكان وقد اناخ عليَّ بكلاكل الحدَثان فهل لك ان تكسب معي الاجر والثواب ويرضى عنك جدي يوم القيامه وتحظى بشفاعته وتنجو من النار ؟ ، فعبّرني معكم واضمن لك يوم القيامه الجنة وانا علي بن موسى الرضا . قال فتبسم الملعون حميد بن بريده باستخفاف وقد اختار حطام الدنيا على نعيم الآخره وقال : مالي الى ذلك شغل فإن كان تعطيني الذي قلت لك به وإلا فاذهب الى حال سبيلك ولا ُتطل الكلام . ومضى عنه فدمعت عينا الامام وبكى لحال وغفلة الناس وقال : لا حول ولا قوه الا بالله العلي العظيم . ولاشك الامام كان قادر ان يعطيه ما طلب واكثر فهم عليهم السلام بحور الله الزاخرة ولكن ذاك كان امتحان وابتلاء لقلب حميد بن بريدة وقد خسر فيه ، فهم عليهم السلام الباب المبتلى به الناس . وكذلك كان موقف برهان لفضل وفضائل ومعاجز الامام الرضا (ع) .
يقول : فلما اعرض حميد عنه ، تنحّى (ع) وصلى ركعتين ودعا الله سبحانه وتعالى وقال في دعائه :
( اللهم يا واهب العطايا ويا دافع البلايا يا من له الاسماء الحسنى والصفات العليا اسألك بمن دنى فتدلى فكان قاب قوسين او ادنى ان تكفيني شر الاعداء وتدفع عني الضر والاذى وتسخّر ليَ الماء لأعبر عليه ، فانت الله الذي لا اله الا انت الواحد الاحد الفرد الصمد الذي ( لمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ) .
ؤثم سجد لله شكرا وقال في سجوده : ( سبُّوح قدُّوس ربُّ الملائكة والروح بسم الله الرحمن الرحيم اللهم لك سجدت واياك قصدت وبك اعتمدت وبك وثقت ومنك اردت وعليك توكلت وانت العالم بما اردت فلا تخيبني من جزيل كرمك يا كريم يا كريم سخر لي هذا الماء لأعبر عليه كما سخّرت الماء لمحمد صلى الله عليه وآله فعبَر عليه بجيشه وكما سخّرت البحر لموسى بن عمران عليه السلام فعبَر عليه هو وقومه ةارحمني برحمتك يا ارحم الراحمين انك على كل شيء قدير ) .
يقول : ثم انه رفع راسه من سجوده وفرش إزاره على الماء وهو يقول :
( بسم الله وبالله ومن الله والى الله ولا حول ولا قوه الا بالله العلي العظيم ) .
ثم ركب على إزاره وعبَر على الماء على بركات الله الى جرف الشرقي من الزوراء .
ناشر بردته يمشي على ليزار
ابن موسى الرضا يا نسل لطهار
لهفي اعليه مطرود من الاوطان
طلع خايف ومنه الدمع غدران
يشبه للنبي موسى ابن عمران
وصّل للنهر اوعاين البحّار
يا عبّار انا باصير وياك
جدي المصطفى في الحشر يجزاك
قاله اعطيني من فايضة يمناك
اجابه منين إلي درهم ولادينار
نشر ليزار فوق الما ابحينه
وسار اعليه كما سير السفينه
والملعون ينظر له بعينه
عض انامله بالأسف واحتار
محتار ببراهينه ابن لطهار
ووعيه غاب لمن شاف ماصار
ودركته الندامة والعقل طار
وجذب حسرة اومسكنه للنار
واجتاز الامام الماء الى الجرف الشرقي هذا وحميد ابن بريده هو واصحابه ينظرون اليه ويتعجبون منه .فادركت حميد بن بريده الندامة حتى عض على راحه كفه اليمنى اسقاً وندماً على ما فعل بالامام الرضا وانشأ يقول شعرا :
يا حسرةً قد ألمَّت في حشى كبدي
فصرت منها حزيناً في شفا جُرُفِ
من حفرة النار يوم الحشر اوردها
ندمت حتى كظمت الكف من اسفي
سار الرضا عابراً عني وخلفني
أكابد الهم والاحزان في لهَفي
لو كنت طاوعته نلت المُناءَ به
وفزت يوم الجزا بالعز والشرفِ
قال صاحب الحديث : فلما عبَر الرضا عليه السلام شال إزاره عن الماء وسار تلقاء وجهه يريد خراسان يجد السير قاصداً مدينة طوس وهو يحمد الله ويشكره ويسبحه ويعظمه وهو سائر وحده في ذلك الوادي فاشتد عليه الحر ووهج الشمس فلاحت له في تلك البريه دوحة عظيمة فقصدها ليستظل بها . فقام يصلي عندها فاخضرّت واورقت واثمرت ببركات الرضا عليه السلام .
فلما صلى ورْده عقّب جالساً يسبّح الله تعالى ويكبّره ويعظّمه ويحمده ويشكره فاتاه عامر الراعي بغنمه يهش عليهم بعصا كانت في يده . وكان له شهران ما دخل ذلك الوادي. فلما وصلها رأى الوادي قد اعشب ورأى علي بن موسى الرضا (ع) جالساً عند ظل الشجرة اليابسة وقد اخضرّت واثمرت وارخَت عليه اغصانها ونور وجهه يسطع ويلمع من نور غرته وهو كانه البدر في ليلة تمامه وكماله . فتعجب من حسنه وجماله وقده واعتداله . فانكب على اقدامه يقبّلها ويقول له : يا سيدي من انت ومن تكون ؟!. فقال له (ع) : وما تريد مني ؟. فقال عامر : يا سيدي سألتك بالله العظيم إلا ما اخبرتني باسمك ومن تكون ! . فأجابه الامام بجواب جده الامام زين العابدين وقال (ع) : انا علي بن موسى الرضا ابن جعفر الصادق ابن محمد الباقر ابن علي ابن الحسين ابن ابي طالب ابن فاطمه الزهراء سيده النساء بنت محمد المصطفى ، انا ابن مكة ومنى انا ابن زمزم والصفا انا ابن عمَّ وطه وسبأ انا ابن من اشرفت عليه شجره طوبى انا ابن من صلى بالملائكه في السماء مثنى مثنى انا ابن خاتم النبيين وسيد المرسلين انا ابن حبيب رب العالمين انا ابن من رُدّت له الشمس مرتين انا ابن من انشق له القمر نصفين .
قال صاحب الحديث : فلما سمع عامر الراعي هذا الكلام انكب على اقدامه يقبّلهما وقبّل ما بين عينيه . فقال له الرضا عليه السلام ليُظهر لاهل طوس البراهين والمعاجز فناداه بإسمه : ياعامر هل معك شيء من الحليب او اللبن ؟. فقال عامر : لا يا سيدي اعلم ان هذه الاغنام التي تراها ليست لي وانما هي للناس ارعاها لهم بالأجره ولست املك منها سوى شاة جرباء عرجاء هزلاء ليس فيها شيء من الحليب . فقال له الرضا عليه السلام : عليَّ بها يا عامر احضرها عندي . فقال له الراعي : حباً والف كرامه لله ولك يا سيدي . ومضى من وقته وساعته واتى بها اليه . فلما احضرها بين يديه ، مد الامام يده المباركه الشريفه ومسح على ابداننا بالعافية وقلوبنا بالهداية . على هامتها ومسح بكفه الشريف على ضِرعها وصدرها ، فأزال الله سُقمها وذهب عنها هُزالها وجرَبها وعِجافها وجبَر كسرها وكساها الله لحماً وشحماُ في تلك الساعه بقدرته تعالى ، وسمُن ضِرعها فامتلأ حليباً ، فلما مس ضرعها جرى منه الحليب وانسكب كما يجري المطر من الميزان .
قال الامام الرضا عليه السلام : يا عامر هل معك جفنه او قدح ؟. فقال : لا يا سيدي . فتناول (ع) بيده المباركه حجراً من الارض وعجنه بكفه ودوّره وجعله قدحاً ووضعه في الارض مقابل ضرع الشاة والشاة واقفة لم ترفع يداً عن يد ولا رجلا ًعن رجل . فلما امتلأ القدح من حليبها امتنع جريانه من ضرعها ، وسرّحها مع الاغنام كأنها غزالة لم يصيبها شيء .
ثم ان الرضا عليه السلام استخرج من مزودته ذلك الخبز الذي عنده ليثرده في ذلك الحليب ، فنظر عامر الراعي الى تلك الجمرة وهي لا تزال تتلألأ وتشتعل ناراً اظهاراً لبرهان الامام عليه السلام . فقال عامر : من اين لك هذا الخبز ياسيدي ؟!. فقال عليه السلام : اشتريته من سوق بغداد والجمرة من تنور الخباز . فتعجب عامر الراعي من كلام الرضا عليه السلام . قال فثرَد ذلك الخبز في ذلك الحليب وأكلا من ذلك الطعام دون ان يضرّهما شيء حتى اكتفيا فحمدا الله وشكراه . وهم سلام الله عليهم اهل الكرم والجود والضيافة والعطاء .
فقال له الرضا عليه السلام : هل معك شربه من الماء ؟. فقال عامر : لا يا سيدي . فنهض الرضا عليه السلام من وقته الى صخرة في ذلك الوادي فاقتلعها من الارض ودحاها عن موضعها ، وغرز اصابع كفه اليمنى الطاهرة المعصومه في موضع الصخرة ، ورمق بطرفه الى السماء وتكلم بكلام لم يفهم منه الراعي شيء ، إلا انه قال في آخر كلامه عليه السلام :
( يا إله السماء اسقنا الماء فقد اضرَّ بنا الظمأ انك على كل شيء قدير ) . ثم رفع كفه الشريفه عن الأرض ، فنبع الماء من بين اصابعه وجرى في ذلك الوادي حتى خط نهراً بقدرة الله سبحانه وتعالى واعشب ما حوله ، ببركه الامام علي بن موسى الرضا عليه وعلى ابائه وابنائه افضل الصلاة والسلام .
قال : وكان عامر الراعي قد اصيبت عينه اليمنى بعصاو فاعورَّت وذهب نورها فصار لا يرى بها شيئا . فقال عامر : يا سيدي اما عيني اليمنى قد ذهب بصرها فهل لك فيها علاج ينفعها ويُذهب ما نزل بها من العمى ؟. فقال الرضا عليه السلام: ادنُ مني يا عامر وابشر بشفائها . فدنا منه عامر وتكلم عليها بكلام لم يفهمه ، وقال في اخر كلامه :
( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ۖ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ۖ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ۚ نُورٌ عَلَىٰ نُورٍ ۗ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) . ( فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ). ثم بصق الامام في عين عامر ، فأزال الله اعورارها واضاء نورها واهتدت بقدرة الله سبحانه وتعالى وببركات الامام الرضا عليه السلام .
فقال له عامر الراعي : يا سيدي سر معي الى طوس فانت ضيفي لتبارك لي في مالي وولدي . فقال له الرضا عليه السلام : جُزيت خيراً يا عامر امضي حيث شئت لحال سبيلك فها انا مقيم تحت هذه الشجرة اعبد الله ( حَتَّىٰ يَحْكُمَ اللَّهُ ۚ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ) . فانكب عليه عامر الراعي يقبّل يديه ورجليه وودّعه وسار عنه بغنمه الى خراسان . فلما وصلها نادى باعلى صوته : يا معاشر الناس إليَّ لترَون العجب العجيب الذي ليس فيه تكذيب . فاقبلت اليه الناس يهرعون من كل جانب يميناً وشمالاً ليسمعون كلامه . فقام عامر قائماً على قدميه وانشا يقول شعرا :
ظهر المصباح من آل مضر .. فاضاء النور لما ان ظهر
وسط واديكم امامٌ فاضلٌ .. نوره يعلو على نور القمر
فاق بالحسن على كل الملا .. يُخجل البدر اذا البدر بدر
أحور العين له جيد الضِبا .. وله العينان منها إن نظر
ديلمي الوجه تركي القفا .. قمري الوجه ليليّ الشعر
اخمص البطن نحيلٌ خِصره .. يًخجل الاغصان يوماً إذ خطَر
جده المبعوث ازكى مرسلاً .. وهو نجل المرتضى خير البشر
ساد بالفضل على كل الورى .. وزكى بالجد لما أن فخَر
شرذف الله الهي قدرَه .. وحباَه الله ربي بالظفر
جئته بالبَر اسعى عاجلا ً .. واهش الضان ما بين الشجر
أورقت دوحتكم من فضله .. وكذا الوادي بالعشب زهر
وشفا شاتي وعيني ردّها .. وأزال السقم عنها والضرر
نبع الماء له في كفه .. وسقانا منه لمّا انهمر
فعليه الله صلى دائماً .. ما أضا صبحٌ وما الليلُ اعتكر
**
يهلِ لولايه واديكم اخضر .. يهلِ لولاية
شوفوا الانوار بالبر تزهر .. يهلِ لولاية
بوسط واديكم امام البرايا .. يهلِ لولاية
مليحُ الجسمِ مُثلَج الثنايا .. يهلِ لولاية
يشبه لجده حلو السجايا .. يهلِ لولاية
كالقمر وجهه بل هو ازهر .. يهلِ لولاية
كالقمر جالس ليلة كماله .. يهلِ لولاية
نوره يلالي محلى خياله .. يهلِ لولاية
جده المختار يشبه جماله .. يهلِ لولاية
جده المختار والطهر لزهر.. يهلِ لولاية
والحصى بيده يا ناس جمعها .. يهلِ لولاية
الماي بايده الطاهر نبعها .. يهلِ لولاية
والخبز عنده سيدي جمعها .. يهلِ لولاية
بالخبز ملفوف جمرات تسعر ا.. يهلِ لولاية
اخضرِّ واديكم واثمر بحينه .. يهلِ لولاية
قد نبع الماي غاتي بيمينه .. يهلِ لولاية
شاعت انواره بغرة جبينه .. يهلِ لولاية
كالقمر وجهه والشال اخضر .. يهلِ لولاية
يهلِ اولاية روحوا لعنده .. يهلِ لولاية
شوفوا انواره تشبه لجده .. يهلِ لولاية
وجنته حمراء تزهي بخده .. يهلِ لولاية
يشبه الكرار جده الغضنفر .. يهلِ لولاية
قال الراوي لهذا الخبر الظريف والمقتل الشريف : فلما فرغ الراعي من شعره نادى باعلى صوته : يا معاشر الناس قد حل بساحتكم العز الشامخ ونزل بواديكم الشرف الباذخ صاحب الدلائل والايات البينات والبراهين والمعجزات العلم اللائح والميزان الراجح والعبد الصالح علي بن موسى الرضا ،هلموا إليَّ لترون منه العجب العجيب وترشَدون ببركته وتهتدون بهدايته . ثم اخبرهم بما رأى منه من المعجزات والبراهين وقال لهم : يا قوم انظروا الى شاتي العجفاء وعيني العوراء . فلما نظروا اليه ازدادوا محبة الى الرضا عليه السلام وشاع خبره الى طوس لمّا شاهدوا عين عامر الراعي قد زال اعوارها والشاة قد ذهب الجرَب والعرج والهزال والسقم عنها وجُبِر كسرها .
ثم ان اميرهم النظر ابن وهب ووزرائه استدعوا عامر وقالوا له : يا عامر دُلّنا عليه وسِرْ بنا اليه لعل الله يرشدنا به الى طريق الحق . فسار بهم عامر الراعي الى الرضا عليه السلام فلما دخلوا الوادي رأوه معشباً والشجره اليابسه خضراء مثمرة وعاينوا الماء يجري في ذلك الوادي وقد خط نهراً واعشب ما حوله. فوقفوا يعاينوا ذلك الوادي وقد حارت عقولهم وطاشت البابهم متعجبين من فضائل الرضا عليه السلام فأتوه وهو جالس تحت الشجرة يعبد الله تعالى فصافحوه وقبّلوا يديه ورجليه واخذوا التراب من تحت اقدامه يحثونه على رؤوسهم وينباركون به ، ويقولون له : سر معنا الى خراسان يا ابن بنت نبينا وابن إمامنا نكون لك شيعة وانصار نقاتل عدوك ونفديك باموالنا وارواحنا واولادنا فقال الرضا عليه السلام جزيتم خيرا لكن لا امضي معكم الا بشرط ان تبايعوني بيوتكم واملاككم فقالوا تفديك اموالنا واملاكنا وانفسنا واولادنا فانت مولانا واميرنا وإمامنا . فقال لهم (ع) : لا اقبل منكم شيء الا بأوفر الثمن . فتقدم اميرهم النظر ابن وهب ابن مدركة ابن عمر الطوسي وقال له : انا اول من يبايعك املاكي وباعه ذلك واشتراه الرضا منه بوافر الثمن. ومد الرضا عليه السلام يده الشريفه تحت بساطه واخرج من تحته دراهم ودنانير وعدّها عليه . وتقدم من بعده وزيره مبارك وباعه الذي يملكه فاعطاه الرضا عليه السلام ثمن مُلكه من تحت بساطه . وكان في القوم جِلفٌ من اهل خراسان اسمه عثمان ابن وردان ، فقال له : يا سيدي ان ابي له ثروة ومال جزيل فدفنه في هذا الموضع تحت بساطك هذا . فقال الرضا عليه السلام للنظر بن وهب والوزير : ردُّوا عليَّ الدراهم التي هي ثمن املاككما . فاخذها (ع) وردّها تحت بساطه وقام قائماً على قدميه ورفع بساطه ومضى الى مكان بعيد من ذلك الموضع ، وقال لهم : ايها الناس هل لكم في هذا الموضع شيء مدفون ؟. فقالوا : لا يا ابن بنت رسول محمد صلى الله عليه وآله . واما عثمان بن وردان فانه مضى وأتى بعمود ومسحاة وحفر ذلك المكان الذي كان عليه البساط فلم يجد فيه شيء . واما الرضا عليه السلام فمد يده تحت بساطه واخرج للأمير والوزير مبارك ثمن املاكهما . ثم ان اهل طوس بايعوه بيوتهم واملاكهم واشتراها منهم . فقالوا له : سر معنا الى طوس انت إمامنا . فقال (ع) : امضوا الى منازلكم بارك الله لكم فإن كانت طوس تريدني وتهواني تأتي الي في مكاني هذا وإلا فلا حاجة لي فيها . فانكبوا عليه وقبّلوا ما بين عينيه وودّعوه وساروا عنه الى بيوتهم ومنازلهم وباتوا فيها وهم متعجبون من الشجرة ومن عشب الوادي ومن الماء الذي يجري ومن الرضا عليه السلام ومن حسنه وجماله وقده واعتداله وحسن افعاله وسعة خلُقه وطيب شمائله . وباتوا ليلتهم فرحين مسرورين بقدومه .
قال الراوي : فلما جنَّ الليل وهجعت العيون ولم يبقى الا الحي القيوم صلى الرضا عليه السلام ركعتين ودعا الله سبحانه وتعالى بكلمات لم تُحجب وأومى بيده المباركه الى طوس ، فانقلبت له طوس ببيوتها واملاكها وسلّمت عليه واهلها نيام في بيوتهم . ولم يبقى الا بيت القاضي عكرمة ، وكان عكرمه ناصبي سمع بأهل خراسان خرجوا للقاء الامام الرضا ولم يخرج معهم فبقى بيت القاضي عكرمة خراباً الى اليوم . وكانت هناك منارة على المسجد فكانت هي الوحيدة التي لم تتحرك للإمام .
فلما اصبح الله الصباح واضاء بنوره ولاح انتبهوا ليصلوا صلاة الصبح فلم يروا المنارة وذهبوا للإمام . فبينما هم جلوس عند الرضا عليه السلام واذا بالمنارة قد اقبلت الى الإمام وهي منحنية تتمايل يميناً وشمالاً حتى وقفت بين يديه وسلّمت عليه فرد عليها السلام :
جت المناره تسلم اعلى السلطان .. ضامن الجنة
طوس او اهلها استبشرت بالريسان .. ضامن الجنة
من راد يرحل من وطن جده احتار .. بضعة الزهرا
للشط إجا بهمة وشاف العبّار .. نادى بعبرة
وياك خذني والجزا اعلى المختار .. وامي الزهرا
ويوم القيامه ايخلصك امن النيران .. ضامن الجنه
الملعون عاند والرضا حط ازره .. ووكب بحده
مثل السفينه سار بَمْر القدرة .. وهانت الشدة
مو عجب عنه هذا ابن الزهرا .. والهادي جده
اعلى الماي يمشي مثل داحي البيبان .. ضامن الجنه
لمن اجا الطوس ونزل واديها .. سطعت انواره
اخضرّت الدوحة ورد ثمرها بيها .. وزهرت اشجاره
عامر إجىا واغنام له يرعيها.. وزاد انبهاره
عامر تعجب من تنوّع برهان .. ضامن الجنه
عامر إجا وسلّم عليه بلهفة .. وشاف الفضايل
عينه رجعها وشافى شاته العجفا ..وقامت تِمايل
شاف الفضايل والبدر ما يخفى .. لمن تكامل
نوره يشع يزهي بذيك الوديان .. ضامن الجنه
عامر إجا العد طوس بهمة ينادي .. يهل الولاية
قوموا تلقوا ابن النبي الهادي .. حلو السجايا
جت الخلق تسعى اببطن الوادي .. لن يجري مايه
وبالليل طوس انتقلت لبن العدنان .. ضامن الجنه
طوس اواهلها اصبحت بالوادي .. بس المنارة
صار الصبح لنها اجت تنادي .. راعي الشارة
جيتك نهار جهار يابن الهادي .. الزاد افتخاره
انت الإمام اعلى الخلق إنس وجان .. ضامن الجنه
جت المناره عانيه بضحو نهار .. تمشي اوتمايل
تنادي السلام اعليك يابن الكرار .. راعي الفضايل
اهلا وسهلا بيك يبن الأطهار .. حلو الشمايل
الف التحيه للسَكَ+ن بخريسان .. ضامن الجنه
فقال لها قفي في مكانك فوقفت مكانها وقال لها الرضا عليه السلام ليَسمع من حضر : لأي شيء تأخرتي لهذه الساعة ولمَ لم تأتي مع طوس ؟. فانطقها الله سبحانه بلسان فصيح فقالت له :لايا سيدي ان طوس تحوّلت اليك والناس نيام ولم يعلموا بسيرها اليك ولم يعلموا كيف تنقّلت وأما تأخري الى هذه الساعة ليعلموا شرفك ويفهموا برهانك فجئتك طائعة لله ولك يا سيدي لمَّا دَعوتني اجبتك فعليك مني السلام ورحمه الله وبركاته . فعند ذلك تقدم اميرهم النظر ابن وهب وانشا يقول :
اضاء نورك الوهّاج في غسق الدجى .. واطفئ ضياء البدر لما تأججا
وفاح عبير المسك من خيرة الورى .. فعطّر منه الرَبع لما تأرجَ
فأعشب وادينا واخضرّ رَبعه .. بنور الرضا لما اضا وتبلّجا
فطوس أتته والمنارة اقبلت .. لحضرته تسعى وتطلب ملتجا
واقام الرضا عليه السلام برغد عيش يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويحل لهم الحلال ويحرم عليهم الحرام ( وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ) . ويؤمنهم من خوفهم فشاع فضله وعلا فخره وظهر عدله في سائر البلدان وسما قدره وشاع أمره ونهيه وعمّروا ببركته الاوطان ودانت بحكمه العرب والعجم .
الليلة الأولى: في تفصيل معاجزالرضا (ع) في طوس
.
.
روي عن الرجل المكرم والثقه المعظم ابي عبد الله الواقدي جد ابو المنذر هشام ابن السائب الكليني : ان الرضا عليه السلام ولدته أمه بالمدينه المنوره يوم الجمعه وقيل يوم الخميس 11 خلون من ذي القعده سنه 148 من الهجره النبويه على مهاجرها افضل الصلاه واكمل التحيه . فاقام بالمدينه الى ان نشا وكبر وترعرع ولحق بابيه موسى الكاظم عليه السلام ببغداد بقيه خلافه هارون الرشيد لعنه الله فلما توفي الامام موسى ابن جعفر الكاظم عليه السلام قضى مسموم مظلوم في حبس السندي بن شاهك بامر هارون الرشيد لعنه الله ودفن صلوات الله عليه بسرقه من حمى بغداد في الجانب الغربي في المقبره المعروفه بمقابر قريش . بعد ان اقام ابنه الرضا علماً للناس وإماماً وفهمه احكام الدين وعلوم الاولين والاخرين وسلم اليه مواريث الانبياء والمرسلين والائمه المعصومين وعلّمه الاسم الاعظم ونص على امامته فاطاعته الناس ودانت بدينه المسلمون واقتدت بامامته الصالحون وشاع ذكره وعلا قدره وظهر فخره وتبين برهانه واياته ومعجزاته . فاطاعته الامراء والوزراء والقضاة والعساكر والحجاب والنواب وسائر الناس .
فلما عظم شانه وبان برهانه خاف منه هارون الرشيد لعنه الله فحبسه في سجن السندي كما حبس اباه الكاظم فاقام في حبس الزنديق الى ان هلك هارون الرشيد لعنه الله بخراسان وتولى من بعده ابنه محمد ابن زبيده العباسيه فاخرج الرضا عليه السلام من حبسه واكرمه وانعم عليه وعظمه وأتمَّ بامامته مدة خلافته . فازاحه اخاه المامون لعنه الله وتولى امر الخلافه على رغم انفه فاطاعوه كرهاص وقلوبهم مع الرضا عليه السلام لما راوا منه ظهور المعجزات والبراهين والايات البينات فعاين الرضا منه سوء الخلق والكراهيه والتجبر والجفا والعداوة والبغضاء والمكر والخديعه والقطيعه فطلبه المامون فاختفى عنه في بيت من بيوت بغداد مع رجل من اصحابه وشيعته ومحبيه الى ان سكن عنه الطلب .
فقام من وقته وساعته فخلع اثوابه ولبس ثوب اثواباً رثَّة ودخل سوق بغداد واتى الى خباز هناك واشترى منه ثلاثه اقراص من خبز الحنطه النقيه ووضع الخباز في الخبز جمرة صلبه تتلألأ ناراً ولف عليها اقراص الخبز فتناولها الامام وعرج هارباً من السوق كما خرج موسى بن عمران من مصر ( خَائِفًا يَتَرَقَّبُ ۖ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) . ( وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ ) . قالت : ثم ان الرضا عليه السلام ولّى هارباً على وجهه يريد خراسان فأتى لشط بغداد يريد العبور منه فرأى قارباً مشحوناً وفيه ملاَّح يعبر الناس ومعه رجال ونساء يريدون العبور معه الى الجرف الشرقي من الزوراء .
فصاح به الملاَّح وكان اسمه حميد ابن بريدة وقال : اراك تتخفى عن الناس كأنك خائف تريد العبور معنا . وماكان خوفهم سلام الله عليهم على انفسهم وهم المطهّرون المنتجبون وانما خوفهم كله على ضياع الدين وتشتت المسلمين . فقال الامام عليه السلام : اجل . فقال له الملّاح : إن كان تعطيني 12 درهم عبّرتك الى الجرف الشرقي وامضي الى حال سبيلك يا فتى وتنجو ممن تخاف وتحذر . فقال الرضا عليه السلام : يا حميد إني رجل غريب من آل محمد صلى الله عليه وآله وليس معي درهماً ولا دينار فإني رجل قد اخلى عليَّ الزمان في هذا المكان وقد اناخ عليَّ بكلاكل الحدَثان فهل لك ان تكسب معي الاجر والثواب ويرضى عنك جدي يوم القيامه وتحظى بشفاعته وتنجو من النار ؟ ، فعبّرني معكم واضمن لك يوم القيامه الجنة وانا علي بن موسى الرضا . قال فتبسم الملعون حميد بن بريده باستخفاف وقد اختار حطام الدنيا على نعيم الآخره وقال : مالي الى ذلك شغل فإن كان تعطيني الذي قلت لك به وإلا فاذهب الى حال سبيلك ولا ُتطل الكلام . ومضى عنه فدمعت عينا الامام وبكى لحال وغفلة الناس وقال : لا حول ولا قوه الا بالله العلي العظيم . ولاشك الامام كان قادر ان يعطيه ما طلب واكثر فهم عليهم السلام بحور الله الزاخرة ولكن ذاك كان امتحان وابتلاء لقلب حميد بن بريدة وقد خسر فيه ، فهم عليهم السلام الباب المبتلى به الناس . وكذلك كان موقف برهان لفضل وفضائل ومعاجز الامام الرضا (ع) .
يقول : فلما اعرض حميد عنه ، تنحّى (ع) وصلى ركعتين ودعا الله سبحانه وتعالى وقال في دعائه :
( اللهم يا واهب العطايا ويا دافع البلايا يا من له الاسماء الحسنى والصفات العليا اسألك بمن دنى فتدلى فكان قاب قوسين او ادنى ان تكفيني شر الاعداء وتدفع عني الضر والاذى وتسخّر ليَ الماء لأعبر عليه ، فانت الله الذي لا اله الا انت الواحد الاحد الفرد الصمد الذي ( لمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ) .
ؤثم سجد لله شكرا وقال في سجوده : ( سبُّوح قدُّوس ربُّ الملائكة والروح بسم الله الرحمن الرحيم اللهم لك سجدت واياك قصدت وبك اعتمدت وبك وثقت ومنك اردت وعليك توكلت وانت العالم بما اردت فلا تخيبني من جزيل كرمك يا كريم يا كريم سخر لي هذا الماء لأعبر عليه كما سخّرت الماء لمحمد صلى الله عليه وآله فعبَر عليه بجيشه وكما سخّرت البحر لموسى بن عمران عليه السلام فعبَر عليه هو وقومه ةارحمني برحمتك يا ارحم الراحمين انك على كل شيء قدير ) .
يقول : ثم انه رفع راسه من سجوده وفرش إزاره على الماء وهو يقول :
( بسم الله وبالله ومن الله والى الله ولا حول ولا قوه الا بالله العلي العظيم ) .
ثم ركب على إزاره وعبَر على الماء على بركات الله الى جرف الشرقي من الزوراء .
ناشر بردته يمشي على ليزار
ابن موسى الرضا يا نسل لطهار
لهفي اعليه مطرود من الاوطان
طلع خايف ومنه الدمع غدران
يشبه للنبي موسى ابن عمران
وصّل للنهر اوعاين البحّار
يا عبّار انا باصير وياك
جدي المصطفى في الحشر يجزاك
قاله اعطيني من فايضة يمناك
اجابه منين إلي درهم ولادينار
نشر ليزار فوق الما ابحينه
وسار اعليه كما سير السفينه
والملعون ينظر له بعينه
عض انامله بالأسف واحتار
محتار ببراهينه ابن لطهار
ووعيه غاب لمن شاف ماصار
ودركته الندامة والعقل طار
وجذب حسرة اومسكنه للنار
واجتاز الامام الماء الى الجرف الشرقي هذا وحميد ابن بريده هو واصحابه ينظرون اليه ويتعجبون منه .فادركت حميد بن بريده الندامة حتى عض على راحه كفه اليمنى اسقاً وندماً على ما فعل بالامام الرضا وانشأ يقول شعرا :
يا حسرةً قد ألمَّت في حشى كبدي
فصرت منها حزيناً في شفا جُرُفِ
من حفرة النار يوم الحشر اوردها
ندمت حتى كظمت الكف من اسفي
سار الرضا عابراً عني وخلفني
أكابد الهم والاحزان في لهَفي
لو كنت طاوعته نلت المُناءَ به
وفزت يوم الجزا بالعز والشرفِ
قال صاحب الحديث : فلما عبَر الرضا عليه السلام شال إزاره عن الماء وسار تلقاء وجهه يريد خراسان يجد السير قاصداً مدينة طوس وهو يحمد الله ويشكره ويسبحه ويعظمه وهو سائر وحده في ذلك الوادي فاشتد عليه الحر ووهج الشمس فلاحت له في تلك البريه دوحة عظيمة فقصدها ليستظل بها . فقام يصلي عندها فاخضرّت واورقت واثمرت ببركات الرضا عليه السلام .
فلما صلى ورْده عقّب جالساً يسبّح الله تعالى ويكبّره ويعظّمه ويحمده ويشكره فاتاه عامر الراعي بغنمه يهش عليهم بعصا كانت في يده . وكان له شهران ما دخل ذلك الوادي. فلما وصلها رأى الوادي قد اعشب ورأى علي بن موسى الرضا (ع) جالساً عند ظل الشجرة اليابسة وقد اخضرّت واثمرت وارخَت عليه اغصانها ونور وجهه يسطع ويلمع من نور غرته وهو كانه البدر في ليلة تمامه وكماله . فتعجب من حسنه وجماله وقده واعتداله . فانكب على اقدامه يقبّلها ويقول له : يا سيدي من انت ومن تكون ؟!. فقال له (ع) : وما تريد مني ؟. فقال عامر : يا سيدي سألتك بالله العظيم إلا ما اخبرتني باسمك ومن تكون ! . فأجابه الامام بجواب جده الامام زين العابدين وقال (ع) : انا علي بن موسى الرضا ابن جعفر الصادق ابن محمد الباقر ابن علي ابن الحسين ابن ابي طالب ابن فاطمه الزهراء سيده النساء بنت محمد المصطفى ، انا ابن مكة ومنى انا ابن زمزم والصفا انا ابن عمَّ وطه وسبأ انا ابن من اشرفت عليه شجره طوبى انا ابن من صلى بالملائكه في السماء مثنى مثنى انا ابن خاتم النبيين وسيد المرسلين انا ابن حبيب رب العالمين انا ابن من رُدّت له الشمس مرتين انا ابن من انشق له القمر نصفين .
قال صاحب الحديث : فلما سمع عامر الراعي هذا الكلام انكب على اقدامه يقبّلهما وقبّل ما بين عينيه . فقال له الرضا عليه السلام ليُظهر لاهل طوس البراهين والمعاجز فناداه بإسمه : ياعامر هل معك شيء من الحليب او اللبن ؟. فقال عامر : لا يا سيدي اعلم ان هذه الاغنام التي تراها ليست لي وانما هي للناس ارعاها لهم بالأجره ولست املك منها سوى شاة جرباء عرجاء هزلاء ليس فيها شيء من الحليب . فقال له الرضا عليه السلام : عليَّ بها يا عامر احضرها عندي . فقال له الراعي : حباً والف كرامه لله ولك يا سيدي . ومضى من وقته وساعته واتى بها اليه . فلما احضرها بين يديه ، مد الامام يده المباركه الشريفه ومسح على ابداننا بالعافية وقلوبنا بالهداية . على هامتها ومسح بكفه الشريف على ضِرعها وصدرها ، فأزال الله سُقمها وذهب عنها هُزالها وجرَبها وعِجافها وجبَر كسرها وكساها الله لحماً وشحماُ في تلك الساعه بقدرته تعالى ، وسمُن ضِرعها فامتلأ حليباً ، فلما مس ضرعها جرى منه الحليب وانسكب كما يجري المطر من الميزان .
قال الامام الرضا عليه السلام : يا عامر هل معك جفنه او قدح ؟. فقال : لا يا سيدي . فتناول (ع) بيده المباركه حجراً من الارض وعجنه بكفه ودوّره وجعله قدحاً ووضعه في الارض مقابل ضرع الشاة والشاة واقفة لم ترفع يداً عن يد ولا رجلا ًعن رجل . فلما امتلأ القدح من حليبها امتنع جريانه من ضرعها ، وسرّحها مع الاغنام كأنها غزالة لم يصيبها شيء .
ثم ان الرضا عليه السلام استخرج من مزودته ذلك الخبز الذي عنده ليثرده في ذلك الحليب ، فنظر عامر الراعي الى تلك الجمرة وهي لا تزال تتلألأ وتشتعل ناراً اظهاراً لبرهان الامام عليه السلام . فقال عامر : من اين لك هذا الخبز ياسيدي ؟!. فقال عليه السلام : اشتريته من سوق بغداد والجمرة من تنور الخباز . فتعجب عامر الراعي من كلام الرضا عليه السلام . قال فثرَد ذلك الخبز في ذلك الحليب وأكلا من ذلك الطعام دون ان يضرّهما شيء حتى اكتفيا فحمدا الله وشكراه . وهم سلام الله عليهم اهل الكرم والجود والضيافة والعطاء .
فقال له الرضا عليه السلام : هل معك شربه من الماء ؟. فقال عامر : لا يا سيدي . فنهض الرضا عليه السلام من وقته الى صخرة في ذلك الوادي فاقتلعها من الارض ودحاها عن موضعها ، وغرز اصابع كفه اليمنى الطاهرة المعصومه في موضع الصخرة ، ورمق بطرفه الى السماء وتكلم بكلام لم يفهم منه الراعي شيء ، إلا انه قال في آخر كلامه عليه السلام :
( يا إله السماء اسقنا الماء فقد اضرَّ بنا الظمأ انك على كل شيء قدير ) . ثم رفع كفه الشريفه عن الأرض ، فنبع الماء من بين اصابعه وجرى في ذلك الوادي حتى خط نهراً بقدرة الله سبحانه وتعالى واعشب ما حوله ، ببركه الامام علي بن موسى الرضا عليه وعلى ابائه وابنائه افضل الصلاة والسلام .
قال : وكان عامر الراعي قد اصيبت عينه اليمنى بعصاو فاعورَّت وذهب نورها فصار لا يرى بها شيئا . فقال عامر : يا سيدي اما عيني اليمنى قد ذهب بصرها فهل لك فيها علاج ينفعها ويُذهب ما نزل بها من العمى ؟. فقال الرضا عليه السلام: ادنُ مني يا عامر وابشر بشفائها . فدنا منه عامر وتكلم عليها بكلام لم يفهمه ، وقال في اخر كلامه :
( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ۖ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ۖ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ۚ نُورٌ عَلَىٰ نُورٍ ۗ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) . ( فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ). ثم بصق الامام في عين عامر ، فأزال الله اعورارها واضاء نورها واهتدت بقدرة الله سبحانه وتعالى وببركات الامام الرضا عليه السلام .
فقال له عامر الراعي : يا سيدي سر معي الى طوس فانت ضيفي لتبارك لي في مالي وولدي . فقال له الرضا عليه السلام : جُزيت خيراً يا عامر امضي حيث شئت لحال سبيلك فها انا مقيم تحت هذه الشجرة اعبد الله ( حَتَّىٰ يَحْكُمَ اللَّهُ ۚ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ) . فانكب عليه عامر الراعي يقبّل يديه ورجليه وودّعه وسار عنه بغنمه الى خراسان . فلما وصلها نادى باعلى صوته : يا معاشر الناس إليَّ لترَون العجب العجيب الذي ليس فيه تكذيب . فاقبلت اليه الناس يهرعون من كل جانب يميناً وشمالاً ليسمعون كلامه . فقام عامر قائماً على قدميه وانشا يقول شعرا :
ظهر المصباح من آل مضر .. فاضاء النور لما ان ظهر
وسط واديكم امامٌ فاضلٌ .. نوره يعلو على نور القمر
فاق بالحسن على كل الملا .. يُخجل البدر اذا البدر بدر
أحور العين له جيد الضِبا .. وله العينان منها إن نظر
ديلمي الوجه تركي القفا .. قمري الوجه ليليّ الشعر
اخمص البطن نحيلٌ خِصره .. يًخجل الاغصان يوماً إذ خطَر
جده المبعوث ازكى مرسلاً .. وهو نجل المرتضى خير البشر
ساد بالفضل على كل الورى .. وزكى بالجد لما أن فخَر
شرذف الله الهي قدرَه .. وحباَه الله ربي بالظفر
جئته بالبَر اسعى عاجلا ً .. واهش الضان ما بين الشجر
أورقت دوحتكم من فضله .. وكذا الوادي بالعشب زهر
وشفا شاتي وعيني ردّها .. وأزال السقم عنها والضرر
نبع الماء له في كفه .. وسقانا منه لمّا انهمر
فعليه الله صلى دائماً .. ما أضا صبحٌ وما الليلُ اعتكر
**
يهلِ لولايه واديكم اخضر .. يهلِ لولاية
شوفوا الانوار بالبر تزهر .. يهلِ لولاية
بوسط واديكم امام البرايا .. يهلِ لولاية
مليحُ الجسمِ مُثلَج الثنايا .. يهلِ لولاية
يشبه لجده حلو السجايا .. يهلِ لولاية
كالقمر وجهه بل هو ازهر .. يهلِ لولاية
كالقمر جالس ليلة كماله .. يهلِ لولاية
نوره يلالي محلى خياله .. يهلِ لولاية
جده المختار يشبه جماله .. يهلِ لولاية
جده المختار والطهر لزهر.. يهلِ لولاية
والحصى بيده يا ناس جمعها .. يهلِ لولاية
الماي بايده الطاهر نبعها .. يهلِ لولاية
والخبز عنده سيدي جمعها .. يهلِ لولاية
بالخبز ملفوف جمرات تسعر ا.. يهلِ لولاية
اخضرِّ واديكم واثمر بحينه .. يهلِ لولاية
قد نبع الماي غاتي بيمينه .. يهلِ لولاية
شاعت انواره بغرة جبينه .. يهلِ لولاية
كالقمر وجهه والشال اخضر .. يهلِ لولاية
يهلِ اولاية روحوا لعنده .. يهلِ لولاية
شوفوا انواره تشبه لجده .. يهلِ لولاية
وجنته حمراء تزهي بخده .. يهلِ لولاية
يشبه الكرار جده الغضنفر .. يهلِ لولاية
قال الراوي لهذا الخبر الظريف والمقتل الشريف : فلما فرغ الراعي من شعره نادى باعلى صوته : يا معاشر الناس قد حل بساحتكم العز الشامخ ونزل بواديكم الشرف الباذخ صاحب الدلائل والايات البينات والبراهين والمعجزات العلم اللائح والميزان الراجح والعبد الصالح علي بن موسى الرضا ،هلموا إليَّ لترون منه العجب العجيب وترشَدون ببركته وتهتدون بهدايته . ثم اخبرهم بما رأى منه من المعجزات والبراهين وقال لهم : يا قوم انظروا الى شاتي العجفاء وعيني العوراء . فلما نظروا اليه ازدادوا محبة الى الرضا عليه السلام وشاع خبره الى طوس لمّا شاهدوا عين عامر الراعي قد زال اعوارها والشاة قد ذهب الجرَب والعرج والهزال والسقم عنها وجُبِر كسرها .
ثم ان اميرهم النظر ابن وهب ووزرائه استدعوا عامر وقالوا له : يا عامر دُلّنا عليه وسِرْ بنا اليه لعل الله يرشدنا به الى طريق الحق . فسار بهم عامر الراعي الى الرضا عليه السلام فلما دخلوا الوادي رأوه معشباً والشجره اليابسه خضراء مثمرة وعاينوا الماء يجري في ذلك الوادي وقد خط نهراً واعشب ما حوله. فوقفوا يعاينوا ذلك الوادي وقد حارت عقولهم وطاشت البابهم متعجبين من فضائل الرضا عليه السلام فأتوه وهو جالس تحت الشجرة يعبد الله تعالى فصافحوه وقبّلوا يديه ورجليه واخذوا التراب من تحت اقدامه يحثونه على رؤوسهم وينباركون به ، ويقولون له : سر معنا الى خراسان يا ابن بنت نبينا وابن إمامنا نكون لك شيعة وانصار نقاتل عدوك ونفديك باموالنا وارواحنا واولادنا فقال الرضا عليه السلام جزيتم خيرا لكن لا امضي معكم الا بشرط ان تبايعوني بيوتكم واملاككم فقالوا تفديك اموالنا واملاكنا وانفسنا واولادنا فانت مولانا واميرنا وإمامنا . فقال لهم (ع) : لا اقبل منكم شيء الا بأوفر الثمن . فتقدم اميرهم النظر ابن وهب ابن مدركة ابن عمر الطوسي وقال له : انا اول من يبايعك املاكي وباعه ذلك واشتراه الرضا منه بوافر الثمن. ومد الرضا عليه السلام يده الشريفه تحت بساطه واخرج من تحته دراهم ودنانير وعدّها عليه . وتقدم من بعده وزيره مبارك وباعه الذي يملكه فاعطاه الرضا عليه السلام ثمن مُلكه من تحت بساطه . وكان في القوم جِلفٌ من اهل خراسان اسمه عثمان ابن وردان ، فقال له : يا سيدي ان ابي له ثروة ومال جزيل فدفنه في هذا الموضع تحت بساطك هذا . فقال الرضا عليه السلام للنظر بن وهب والوزير : ردُّوا عليَّ الدراهم التي هي ثمن املاككما . فاخذها (ع) وردّها تحت بساطه وقام قائماً على قدميه ورفع بساطه ومضى الى مكان بعيد من ذلك الموضع ، وقال لهم : ايها الناس هل لكم في هذا الموضع شيء مدفون ؟. فقالوا : لا يا ابن بنت رسول محمد صلى الله عليه وآله . واما عثمان بن وردان فانه مضى وأتى بعمود ومسحاة وحفر ذلك المكان الذي كان عليه البساط فلم يجد فيه شيء . واما الرضا عليه السلام فمد يده تحت بساطه واخرج للأمير والوزير مبارك ثمن املاكهما . ثم ان اهل طوس بايعوه بيوتهم واملاكهم واشتراها منهم . فقالوا له : سر معنا الى طوس انت إمامنا . فقال (ع) : امضوا الى منازلكم بارك الله لكم فإن كانت طوس تريدني وتهواني تأتي الي في مكاني هذا وإلا فلا حاجة لي فيها . فانكبوا عليه وقبّلوا ما بين عينيه وودّعوه وساروا عنه الى بيوتهم ومنازلهم وباتوا فيها وهم متعجبون من الشجرة ومن عشب الوادي ومن الماء الذي يجري ومن الرضا عليه السلام ومن حسنه وجماله وقده واعتداله وحسن افعاله وسعة خلُقه وطيب شمائله . وباتوا ليلتهم فرحين مسرورين بقدومه .
قال الراوي : فلما جنَّ الليل وهجعت العيون ولم يبقى الا الحي القيوم صلى الرضا عليه السلام ركعتين ودعا الله سبحانه وتعالى بكلمات لم تُحجب وأومى بيده المباركه الى طوس ، فانقلبت له طوس ببيوتها واملاكها وسلّمت عليه واهلها نيام في بيوتهم . ولم يبقى الا بيت القاضي عكرمة ، وكان عكرمه ناصبي سمع بأهل خراسان خرجوا للقاء الامام الرضا ولم يخرج معهم فبقى بيت القاضي عكرمة خراباً الى اليوم . وكانت هناك منارة على المسجد فكانت هي الوحيدة التي لم تتحرك للإمام .
فلما اصبح الله الصباح واضاء بنوره ولاح انتبهوا ليصلوا صلاة الصبح فلم يروا المنارة وذهبوا للإمام . فبينما هم جلوس عند الرضا عليه السلام واذا بالمنارة قد اقبلت الى الإمام وهي منحنية تتمايل يميناً وشمالاً حتى وقفت بين يديه وسلّمت عليه فرد عليها السلام :
جت المناره تسلم اعلى السلطان .. ضامن الجنة
طوس او اهلها استبشرت بالريسان .. ضامن الجنة
من راد يرحل من وطن جده احتار .. بضعة الزهرا
للشط إجا بهمة وشاف العبّار .. نادى بعبرة
وياك خذني والجزا اعلى المختار .. وامي الزهرا
ويوم القيامه ايخلصك امن النيران .. ضامن الجنه
الملعون عاند والرضا حط ازره .. ووكب بحده
مثل السفينه سار بَمْر القدرة .. وهانت الشدة
مو عجب عنه هذا ابن الزهرا .. والهادي جده
اعلى الماي يمشي مثل داحي البيبان .. ضامن الجنه
لمن اجا الطوس ونزل واديها .. سطعت انواره
اخضرّت الدوحة ورد ثمرها بيها .. وزهرت اشجاره
عامر إجىا واغنام له يرعيها.. وزاد انبهاره
عامر تعجب من تنوّع برهان .. ضامن الجنه
عامر إجا وسلّم عليه بلهفة .. وشاف الفضايل
عينه رجعها وشافى شاته العجفا ..وقامت تِمايل
شاف الفضايل والبدر ما يخفى .. لمن تكامل
نوره يشع يزهي بذيك الوديان .. ضامن الجنه
عامر إجا العد طوس بهمة ينادي .. يهل الولاية
قوموا تلقوا ابن النبي الهادي .. حلو السجايا
جت الخلق تسعى اببطن الوادي .. لن يجري مايه
وبالليل طوس انتقلت لبن العدنان .. ضامن الجنه
طوس اواهلها اصبحت بالوادي .. بس المنارة
صار الصبح لنها اجت تنادي .. راعي الشارة
جيتك نهار جهار يابن الهادي .. الزاد افتخاره
انت الإمام اعلى الخلق إنس وجان .. ضامن الجنه
جت المناره عانيه بضحو نهار .. تمشي اوتمايل
تنادي السلام اعليك يابن الكرار .. راعي الفضايل
اهلا وسهلا بيك يبن الأطهار .. حلو الشمايل
الف التحيه للسَكَ+ن بخريسان .. ضامن الجنه
فقال لها قفي في مكانك فوقفت مكانها وقال لها الرضا عليه السلام ليَسمع من حضر : لأي شيء تأخرتي لهذه الساعة ولمَ لم تأتي مع طوس ؟. فانطقها الله سبحانه بلسان فصيح فقالت له :لايا سيدي ان طوس تحوّلت اليك والناس نيام ولم يعلموا بسيرها اليك ولم يعلموا كيف تنقّلت وأما تأخري الى هذه الساعة ليعلموا شرفك ويفهموا برهانك فجئتك طائعة لله ولك يا سيدي لمَّا دَعوتني اجبتك فعليك مني السلام ورحمه الله وبركاته . فعند ذلك تقدم اميرهم النظر ابن وهب وانشا يقول :
اضاء نورك الوهّاج في غسق الدجى .. واطفئ ضياء البدر لما تأججا
وفاح عبير المسك من خيرة الورى .. فعطّر منه الرَبع لما تأرجَ
فأعشب وادينا واخضرّ رَبعه .. بنور الرضا لما اضا وتبلّجا
فطوس أتته والمنارة اقبلت .. لحضرته تسعى وتطلب ملتجا
واقام الرضا عليه السلام برغد عيش يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويحل لهم الحلال ويحرم عليهم الحرام ( وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ) . ويؤمنهم من خوفهم فشاع فضله وعلا فخره وظهر عدله في سائر البلدان وسما قدره وشاع أمره ونهيه وعمّروا ببركته الاوطان ودانت بحكمه العرب والعجم .

تعليق