إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

ليالي رضوية / الليلة الأولى: في تفصيل معاجزالرضا (ع) في طوس

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ليالي رضوية / الليلة الأولى: في تفصيل معاجزالرضا (ع) في طوس

    ليالي رضوية
    الليلة الأولى: في تفصيل معاجزالرضا (ع) في طوس
    .
    .

    روي عن الرجل المكرم والثقه المعظم ابي عبد الله الواقدي جد ابو المنذر هشام ابن السائب الكليني : ان الرضا عليه السلام ولدته أمه بالمدينه المنوره يوم الجمعه وقيل يوم الخميس 11 خلون من ذي القعده سنه 148 من الهجره النبويه على مهاجرها افضل الصلاه واكمل التحيه . فاقام بالمدينه الى ان نشا وكبر وترعرع ولحق بابيه موسى الكاظم عليه السلام ببغداد بقيه خلافه هارون الرشيد لعنه الله فلما توفي الامام موسى ابن جعفر الكاظم عليه السلام قضى مسموم مظلوم في حبس السندي بن شاهك بامر هارون الرشيد لعنه الله ودفن صلوات الله عليه بسرقه من حمى بغداد في الجانب الغربي في المقبره المعروفه بمقابر قريش . بعد ان اقام ابنه الرضا علماً للناس وإماماً وفهمه احكام الدين وعلوم الاولين والاخرين وسلم اليه مواريث الانبياء والمرسلين والائمه المعصومين وعلّمه الاسم الاعظم ونص على امامته فاطاعته الناس ودانت بدينه المسلمون واقتدت بامامته الصالحون وشاع ذكره وعلا قدره وظهر فخره وتبين برهانه واياته ومعجزاته . فاطاعته الامراء والوزراء والقضاة والعساكر والحجاب والنواب وسائر الناس .
    فلما عظم شانه وبان برهانه خاف منه هارون الرشيد لعنه الله فحبسه في سجن السندي كما حبس اباه الكاظم فاقام في حبس الزنديق الى ان هلك هارون الرشيد لعنه الله بخراسان وتولى من بعده ابنه محمد ابن زبيده العباسيه فاخرج الرضا عليه السلام من حبسه واكرمه وانعم عليه وعظمه وأتمَّ بامامته مدة خلافته . فازاحه اخاه المامون لعنه الله وتولى امر الخلافه على رغم انفه فاطاعوه كرهاص وقلوبهم مع الرضا عليه السلام لما راوا منه ظهور المعجزات والبراهين والايات البينات فعاين الرضا منه سوء الخلق والكراهيه والتجبر والجفا والعداوة والبغضاء والمكر والخديعه والقطيعه فطلبه المامون فاختفى عنه في بيت من بيوت بغداد مع رجل من اصحابه وشيعته ومحبيه الى ان سكن عنه الطلب .
    فقام من وقته وساعته فخلع اثوابه ولبس ثوب اثواباً رثَّة ودخل سوق بغداد واتى الى خباز هناك واشترى منه ثلاثه اقراص من خبز الحنطه النقيه ووضع الخباز في الخبز جمرة صلبه تتلألأ ناراً ولف عليها اقراص الخبز فتناولها الامام وعرج هارباً من السوق كما خرج موسى بن عمران من مصر ( خَائِفًا يَتَرَقَّبُ ۖ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) . ( وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ ) . قالت : ثم ان الرضا عليه السلام ولّى هارباً على وجهه يريد خراسان فأتى لشط بغداد يريد العبور منه فرأى قارباً مشحوناً وفيه ملاَّح يعبر الناس ومعه رجال ونساء يريدون العبور معه الى الجرف الشرقي من الزوراء .
    فصاح به الملاَّح وكان اسمه حميد ابن بريدة وقال : اراك تتخفى عن الناس كأنك خائف تريد العبور معنا . وماكان خوفهم سلام الله عليهم على انفسهم وهم المطهّرون المنتجبون وانما خوفهم كله على ضياع الدين وتشتت المسلمين . فقال الامام عليه السلام : اجل . فقال له الملّاح : إن كان تعطيني 12 درهم عبّرتك الى الجرف الشرقي وامضي الى حال سبيلك يا فتى وتنجو ممن تخاف وتحذر . فقال الرضا عليه السلام : يا حميد إني رجل غريب من آل محمد صلى الله عليه وآله وليس معي درهماً ولا دينار فإني رجل قد اخلى عليَّ الزمان في هذا المكان وقد اناخ عليَّ بكلاكل الحدَثان فهل لك ان تكسب معي الاجر والثواب ويرضى عنك جدي يوم القيامه وتحظى بشفاعته وتنجو من النار ؟ ، فعبّرني معكم واضمن لك يوم القيامه الجنة وانا علي بن موسى الرضا . قال فتبسم الملعون حميد بن بريده باستخفاف وقد اختار حطام الدنيا على نعيم الآخره وقال : مالي الى ذلك شغل فإن كان تعطيني الذي قلت لك به وإلا فاذهب الى حال سبيلك ولا ُتطل الكلام . ومضى عنه فدمعت عينا الامام وبكى لحال وغفلة الناس وقال : لا حول ولا قوه الا بالله العلي العظيم . ولاشك الامام كان قادر ان يعطيه ما طلب واكثر فهم عليهم السلام بحور الله الزاخرة ولكن ذاك كان امتحان وابتلاء لقلب حميد بن بريدة وقد خسر فيه ، فهم عليهم السلام الباب المبتلى به الناس . وكذلك كان موقف برهان لفضل وفضائل ومعاجز الامام الرضا (ع) .
    يقول : فلما اعرض حميد عنه ، تنحّى (ع) وصلى ركعتين ودعا الله سبحانه وتعالى وقال في دعائه :
    ( اللهم يا واهب العطايا ويا دافع البلايا يا من له الاسماء الحسنى والصفات العليا اسألك بمن دنى فتدلى فكان قاب قوسين او ادنى ان تكفيني شر الاعداء وتدفع عني الضر والاذى وتسخّر ليَ الماء لأعبر عليه ، فانت الله الذي لا اله الا انت الواحد الاحد الفرد الصمد الذي ( لمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ) .
    ؤثم سجد لله شكرا وقال في سجوده : ( سبُّوح قدُّوس ربُّ الملائكة والروح بسم الله الرحمن الرحيم اللهم لك سجدت واياك قصدت وبك اعتمدت وبك وثقت ومنك اردت وعليك توكلت وانت العالم بما اردت فلا تخيبني من جزيل كرمك يا كريم يا كريم سخر لي هذا الماء لأعبر عليه كما سخّرت الماء لمحمد صلى الله عليه وآله فعبَر عليه بجيشه وكما سخّرت البحر لموسى بن عمران عليه السلام فعبَر عليه هو وقومه ةارحمني برحمتك يا ارحم الراحمين انك على كل شيء قدير ) .
    يقول : ثم انه رفع راسه من سجوده وفرش إزاره على الماء وهو يقول :
    ( بسم الله وبالله ومن الله والى الله ولا حول ولا قوه الا بالله العلي العظيم ) .
    ثم ركب على إزاره وعبَر على الماء على بركات الله الى جرف الشرقي من الزوراء .


    ناشر بردته يمشي على ليزار
    ابن موسى الرضا يا نسل لطهار
    لهفي اعليه مطرود من الاوطان
    طلع خايف ومنه الدمع غدران
    يشبه للنبي موسى ابن عمران
    وصّل للنهر اوعاين البحّار
    يا عبّار انا باصير وياك
    جدي المصطفى في الحشر يجزاك
    قاله اعطيني من فايضة يمناك
    اجابه منين إلي درهم ولادينار
    نشر ليزار فوق الما ابحينه
    وسار اعليه كما سير السفينه
    والملعون ينظر له بعينه
    عض انامله بالأسف واحتار
    محتار ببراهينه ابن لطهار
    ووعيه غاب لمن شاف ماصار
    ودركته الندامة والعقل طار
    وجذب حسرة اومسكنه للنار


    واجتاز الامام الماء الى الجرف الشرقي هذا وحميد ابن بريده هو واصحابه ينظرون اليه ويتعجبون منه .فادركت حميد بن بريده الندامة حتى عض على راحه كفه اليمنى اسقاً وندماً على ما فعل بالامام الرضا وانشأ يقول شعرا :

    يا حسرةً قد ألمَّت في حشى كبدي
    فصرت منها حزيناً في شفا جُرُفِ
    من حفرة النار يوم الحشر اوردها
    ندمت حتى كظمت الكف من اسفي
    سار الرضا عابراً عني وخلفني
    أكابد الهم والاحزان في لهَفي
    لو كنت طاوعته نلت المُناءَ به
    وفزت يوم الجزا بالعز والشرفِ


    قال صاحب الحديث : فلما عبَر الرضا عليه السلام شال إزاره عن الماء وسار تلقاء وجهه يريد خراسان يجد السير قاصداً مدينة طوس وهو يحمد الله ويشكره ويسبحه ويعظمه وهو سائر وحده في ذلك الوادي فاشتد عليه الحر ووهج الشمس فلاحت له في تلك البريه دوحة عظيمة فقصدها ليستظل بها . فقام يصلي عندها فاخضرّت واورقت واثمرت ببركات الرضا عليه السلام .
    فلما صلى ورْده عقّب جالساً يسبّح الله تعالى ويكبّره ويعظّمه ويحمده ويشكره فاتاه عامر الراعي بغنمه يهش عليهم بعصا كانت في يده . وكان له شهران ما دخل ذلك الوادي. فلما وصلها رأى الوادي قد اعشب ورأى علي بن موسى الرضا (ع) جالساً عند ظل الشجرة اليابسة وقد اخضرّت واثمرت وارخَت عليه اغصانها ونور وجهه يسطع ويلمع من نور غرته وهو كانه البدر في ليلة تمامه وكماله . فتعجب من حسنه وجماله وقده واعتداله . فانكب على اقدامه يقبّلها ويقول له : يا سيدي من انت ومن تكون ؟!. فقال له (ع) : وما تريد مني ؟. فقال عامر : يا سيدي سألتك بالله العظيم إلا ما اخبرتني باسمك ومن تكون ! . فأجابه الامام بجواب جده الامام زين العابدين وقال (ع) : انا علي بن موسى الرضا ابن جعفر الصادق ابن محمد الباقر ابن علي ابن الحسين ابن ابي طالب ابن فاطمه الزهراء سيده النساء بنت محمد المصطفى ، انا ابن مكة ومنى انا ابن زمزم والصفا انا ابن عمَّ وطه وسبأ انا ابن من اشرفت عليه شجره طوبى انا ابن من صلى بالملائكه في السماء مثنى مثنى انا ابن خاتم النبيين وسيد المرسلين انا ابن حبيب رب العالمين انا ابن من رُدّت له الشمس مرتين انا ابن من انشق له القمر نصفين .
    قال صاحب الحديث : فلما سمع عامر الراعي هذا الكلام انكب على اقدامه يقبّلهما وقبّل ما بين عينيه . فقال له الرضا عليه السلام ليُظهر لاهل طوس البراهين والمعاجز فناداه بإسمه : ياعامر هل معك شيء من الحليب او اللبن ؟. فقال عامر : لا يا سيدي اعلم ان هذه الاغنام التي تراها ليست لي وانما هي للناس ارعاها لهم بالأجره ولست املك منها سوى شاة جرباء عرجاء هزلاء ليس فيها شيء من الحليب . فقال له الرضا عليه السلام : عليَّ بها يا عامر احضرها عندي . فقال له الراعي : حباً والف كرامه لله ولك يا سيدي . ومضى من وقته وساعته واتى بها اليه . فلما احضرها بين يديه ، مد الامام يده المباركه الشريفه ومسح على ابداننا بالعافية وقلوبنا بالهداية . على هامتها ومسح بكفه الشريف على ضِرعها وصدرها ، فأزال الله سُقمها وذهب عنها هُزالها وجرَبها وعِجافها وجبَر كسرها وكساها الله لحماً وشحماُ في تلك الساعه بقدرته تعالى ، وسمُن ضِرعها فامتلأ حليباً ، فلما مس ضرعها جرى منه الحليب وانسكب كما يجري المطر من الميزان .
    قال الامام الرضا عليه السلام : يا عامر هل معك جفنه او قدح ؟. فقال : لا يا سيدي . فتناول (ع) بيده المباركه حجراً من الارض وعجنه بكفه ودوّره وجعله قدحاً ووضعه في الارض مقابل ضرع الشاة والشاة واقفة لم ترفع يداً عن يد ولا رجلا ًعن رجل . فلما امتلأ القدح من حليبها امتنع جريانه من ضرعها ، وسرّحها مع الاغنام كأنها غزالة لم يصيبها شيء .
    ثم ان الرضا عليه السلام استخرج من مزودته ذلك الخبز الذي عنده ليثرده في ذلك الحليب ، فنظر عامر الراعي الى تلك الجمرة وهي لا تزال تتلألأ وتشتعل ناراً اظهاراً لبرهان الامام عليه السلام . فقال عامر : من اين لك هذا الخبز ياسيدي ؟!. فقال عليه السلام : اشتريته من سوق بغداد والجمرة من تنور الخباز . فتعجب عامر الراعي من كلام الرضا عليه السلام . قال فثرَد ذلك الخبز في ذلك الحليب وأكلا من ذلك الطعام دون ان يضرّهما شيء حتى اكتفيا فحمدا الله وشكراه . وهم سلام الله عليهم اهل الكرم والجود والضيافة والعطاء .
    فقال له الرضا عليه السلام : هل معك شربه من الماء ؟. فقال عامر : لا يا سيدي . فنهض الرضا عليه السلام من وقته الى صخرة في ذلك الوادي فاقتلعها من الارض ودحاها عن موضعها ، وغرز اصابع كفه اليمنى الطاهرة المعصومه في موضع الصخرة ، ورمق بطرفه الى السماء وتكلم بكلام لم يفهم منه الراعي شيء ، إلا انه قال في آخر كلامه عليه السلام :
    ( يا إله السماء اسقنا الماء فقد اضرَّ بنا الظمأ انك على كل شيء قدير ) . ثم رفع كفه الشريفه عن الأرض ، فنبع الماء من بين اصابعه وجرى في ذلك الوادي حتى خط نهراً بقدرة الله سبحانه وتعالى واعشب ما حوله ، ببركه الامام علي بن موسى الرضا عليه وعلى ابائه وابنائه افضل الصلاة والسلام .
    قال : وكان عامر الراعي قد اصيبت عينه اليمنى بعصاو فاعورَّت وذهب نورها فصار لا يرى بها شيئا . فقال عامر : يا سيدي اما عيني اليمنى قد ذهب بصرها فهل لك فيها علاج ينفعها ويُذهب ما نزل بها من العمى ؟. فقال الرضا عليه السلام: ادنُ مني يا عامر وابشر بشفائها . فدنا منه عامر وتكلم عليها بكلام لم يفهمه ، وقال في اخر كلامه :
    ( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ۖ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ۖ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ۚ نُورٌ عَلَىٰ نُورٍ ۗ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) . ( فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ). ثم بصق الامام في عين عامر ، فأزال الله اعورارها واضاء نورها واهتدت بقدرة الله سبحانه وتعالى وببركات الامام الرضا عليه السلام .
    فقال له عامر الراعي : يا سيدي سر معي الى طوس فانت ضيفي لتبارك لي في مالي وولدي . فقال له الرضا عليه السلام : جُزيت خيراً يا عامر امضي حيث شئت لحال سبيلك فها انا مقيم تحت هذه الشجرة اعبد الله ( حَتَّىٰ يَحْكُمَ اللَّهُ ۚ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ) . فانكب عليه عامر الراعي يقبّل يديه ورجليه وودّعه وسار عنه بغنمه الى خراسان . فلما وصلها نادى باعلى صوته : يا معاشر الناس إليَّ لترَون العجب العجيب الذي ليس فيه تكذيب . فاقبلت اليه الناس يهرعون من كل جانب يميناً وشمالاً ليسمعون كلامه . فقام عامر قائماً على قدميه وانشا يقول شعرا :


    ظهر المصباح من آل مضر .. فاضاء النور لما ان ظهر
    وسط واديكم امامٌ فاضلٌ .. نوره يعلو على نور القمر
    فاق بالحسن على كل الملا .. يُخجل البدر اذا البدر بدر
    أحور العين له جيد الضِبا .. وله العينان منها إن نظر
    ديلمي الوجه تركي القفا .. قمري الوجه ليليّ الشعر
    اخمص البطن نحيلٌ خِصره .. يًخجل الاغصان يوماً إذ خطَر
    جده المبعوث ازكى مرسلاً .. وهو نجل المرتضى خير البشر
    ساد بالفضل على كل الورى .. وزكى بالجد لما أن فخَر
    شرذف الله الهي قدرَه .. وحباَه الله ربي بالظفر
    جئته بالبَر اسعى عاجلا ً .. واهش الضان ما بين الشجر
    أورقت دوحتكم من فضله .. وكذا الوادي بالعشب زهر
    وشفا شاتي وعيني ردّها .. وأزال السقم عنها والضرر
    نبع الماء له في كفه .. وسقانا منه لمّا انهمر
    فعليه الله صلى دائماً .. ما أضا صبحٌ وما الليلُ اعتكر


    **

    يهلِ لولايه واديكم اخضر .. يهلِ لولاية
    شوفوا الانوار بالبر تزهر .. يهلِ لولاية
    بوسط واديكم امام البرايا .. يهلِ لولاية
    مليحُ الجسمِ مُثلَج الثنايا .. يهلِ لولاية
    يشبه لجده حلو السجايا .. يهلِ لولاية
    كالقمر وجهه بل هو ازهر .. يهلِ لولاية
    كالقمر جالس ليلة كماله .. يهلِ لولاية
    نوره يلالي محلى خياله .. يهلِ لولاية
    جده المختار يشبه جماله .. يهلِ لولاية
    جده المختار والطهر لزهر.. يهلِ لولاية
    والحصى بيده يا ناس جمعها .. يهلِ لولاية
    الماي بايده الطاهر نبعها .. يهلِ لولاية
    والخبز عنده سيدي جمعها .. يهلِ لولاية
    بالخبز ملفوف جمرات تسعر ا.. يهلِ لولاية
    اخضرِّ واديكم واثمر بحينه .. يهلِ لولاية
    قد نبع الماي غاتي بيمينه .. يهلِ لولاية
    شاعت انواره بغرة جبينه .. يهلِ لولاية
    كالقمر وجهه والشال اخضر .. يهلِ لولاية
    يهلِ اولاية روحوا لعنده .. يهلِ لولاية
    شوفوا انواره تشبه لجده .. يهلِ لولاية
    وجنته حمراء تزهي بخده .. يهلِ لولاية
    يشبه الكرار جده الغضنفر .. يهلِ لولاية


    قال الراوي لهذا الخبر الظريف والمقتل الشريف : فلما فرغ الراعي من شعره نادى باعلى صوته : يا معاشر الناس قد حل بساحتكم العز الشامخ ونزل بواديكم الشرف الباذخ صاحب الدلائل والايات البينات والبراهين والمعجزات العلم اللائح والميزان الراجح والعبد الصالح علي بن موسى الرضا ،هلموا إليَّ لترون منه العجب العجيب وترشَدون ببركته وتهتدون بهدايته . ثم اخبرهم بما رأى منه من المعجزات والبراهين وقال لهم : يا قوم انظروا الى شاتي العجفاء وعيني العوراء . فلما نظروا اليه ازدادوا محبة الى الرضا عليه السلام وشاع خبره الى طوس لمّا شاهدوا عين عامر الراعي قد زال اعوارها والشاة قد ذهب الجرَب والعرج والهزال والسقم عنها وجُبِر كسرها .
    ثم ان اميرهم النظر ابن وهب ووزرائه استدعوا عامر وقالوا له : يا عامر دُلّنا عليه وسِرْ بنا اليه لعل الله يرشدنا به الى طريق الحق . فسار بهم عامر الراعي الى الرضا عليه السلام فلما دخلوا الوادي رأوه معشباً والشجره اليابسه خضراء مثمرة وعاينوا الماء يجري في ذلك الوادي وقد خط نهراً واعشب ما حوله. فوقفوا يعاينوا ذلك الوادي وقد حارت عقولهم وطاشت البابهم متعجبين من فضائل الرضا عليه السلام فأتوه وهو جالس تحت الشجرة يعبد الله تعالى فصافحوه وقبّلوا يديه ورجليه واخذوا التراب من تحت اقدامه يحثونه على رؤوسهم وينباركون به ، ويقولون له : سر معنا الى خراسان يا ابن بنت نبينا وابن إمامنا نكون لك شيعة وانصار نقاتل عدوك ونفديك باموالنا وارواحنا واولادنا فقال الرضا عليه السلام جزيتم خيرا لكن لا امضي معكم الا بشرط ان تبايعوني بيوتكم واملاككم فقالوا تفديك اموالنا واملاكنا وانفسنا واولادنا فانت مولانا واميرنا وإمامنا . فقال لهم (ع) : لا اقبل منكم شيء الا بأوفر الثمن . فتقدم اميرهم النظر ابن وهب ابن مدركة ابن عمر الطوسي وقال له : انا اول من يبايعك املاكي وباعه ذلك واشتراه الرضا منه بوافر الثمن. ومد الرضا عليه السلام يده الشريفه تحت بساطه واخرج من تحته دراهم ودنانير وعدّها عليه . وتقدم من بعده وزيره مبارك وباعه الذي يملكه فاعطاه الرضا عليه السلام ثمن مُلكه من تحت بساطه . وكان في القوم جِلفٌ من اهل خراسان اسمه عثمان ابن وردان ، فقال له : يا سيدي ان ابي له ثروة ومال جزيل فدفنه في هذا الموضع تحت بساطك هذا . فقال الرضا عليه السلام للنظر بن وهب والوزير : ردُّوا عليَّ الدراهم التي هي ثمن املاككما . فاخذها (ع) وردّها تحت بساطه وقام قائماً على قدميه ورفع بساطه ومضى الى مكان بعيد من ذلك الموضع ، وقال لهم : ايها الناس هل لكم في هذا الموضع شيء مدفون ؟. فقالوا : لا يا ابن بنت رسول محمد صلى الله عليه وآله . واما عثمان بن وردان فانه مضى وأتى بعمود ومسحاة وحفر ذلك المكان الذي كان عليه البساط فلم يجد فيه شيء . واما الرضا عليه السلام فمد يده تحت بساطه واخرج للأمير والوزير مبارك ثمن املاكهما . ثم ان اهل طوس بايعوه بيوتهم واملاكهم واشتراها منهم . فقالوا له : سر معنا الى طوس انت إمامنا . فقال (ع) : امضوا الى منازلكم بارك الله لكم فإن كانت طوس تريدني وتهواني تأتي الي في مكاني هذا وإلا فلا حاجة لي فيها . فانكبوا عليه وقبّلوا ما بين عينيه وودّعوه وساروا عنه الى بيوتهم ومنازلهم وباتوا فيها وهم متعجبون من الشجرة ومن عشب الوادي ومن الماء الذي يجري ومن الرضا عليه السلام ومن حسنه وجماله وقده واعتداله وحسن افعاله وسعة خلُقه وطيب شمائله . وباتوا ليلتهم فرحين مسرورين بقدومه .
    قال الراوي : فلما جنَّ الليل وهجعت العيون ولم يبقى الا الحي القيوم صلى الرضا عليه السلام ركعتين ودعا الله سبحانه وتعالى بكلمات لم تُحجب وأومى بيده المباركه الى طوس ، فانقلبت له طوس ببيوتها واملاكها وسلّمت عليه واهلها نيام في بيوتهم . ولم يبقى الا بيت القاضي عكرمة ، وكان عكرمه ناصبي سمع بأهل خراسان خرجوا للقاء الامام الرضا ولم يخرج معهم فبقى بيت القاضي عكرمة خراباً الى اليوم . وكانت هناك منارة على المسجد فكانت هي الوحيدة التي لم تتحرك للإمام .
    فلما اصبح الله الصباح واضاء بنوره ولاح انتبهوا ليصلوا صلاة الصبح فلم يروا المنارة وذهبوا للإمام . فبينما هم جلوس عند الرضا عليه السلام واذا بالمنارة قد اقبلت الى الإمام وهي منحنية تتمايل يميناً وشمالاً حتى وقفت بين يديه وسلّمت عليه فرد عليها السلام :


    جت المناره تسلم اعلى السلطان .. ضامن الجنة
    طوس او اهلها استبشرت بالريسان .. ضامن الجنة
    من راد يرحل من وطن جده احتار .. بضعة الزهرا
    للشط إجا بهمة وشاف العبّار .. نادى بعبرة
    وياك خذني والجزا اعلى المختار .. وامي الزهرا
    ويوم القيامه ايخلصك امن النيران .. ضامن الجنه
    الملعون عاند والرضا حط ازره .. ووكب بحده
    مثل السفينه سار بَمْر القدرة .. وهانت الشدة
    مو عجب عنه هذا ابن الزهرا .. والهادي جده
    اعلى الماي يمشي مثل داحي البيبان .. ضامن الجنه
    لمن اجا الطوس ونزل واديها .. سطعت انواره
    اخضرّت الدوحة ورد ثمرها بيها .. وزهرت اشجاره
    عامر إجىا واغنام له يرعيها.. وزاد انبهاره
    عامر تعجب من تنوّع برهان .. ضامن الجنه
    عامر إجا وسلّم عليه بلهفة .. وشاف الفضايل
    عينه رجعها وشافى شاته العجفا ..وقامت تِمايل
    شاف الفضايل والبدر ما يخفى .. لمن تكامل
    نوره يشع يزهي بذيك الوديان .. ضامن الجنه
    عامر إجا العد طوس بهمة ينادي .. يهل الولاية
    قوموا تلقوا ابن النبي الهادي .. حلو السجايا
    جت الخلق تسعى اببطن الوادي .. لن يجري مايه
    وبالليل طوس انتقلت لبن العدنان .. ضامن الجنه
    طوس اواهلها اصبحت بالوادي .. بس المنارة
    صار الصبح لنها اجت تنادي .. راعي الشارة
    جيتك نهار جهار يابن الهادي .. الزاد افتخاره
    انت الإمام اعلى الخلق إنس وجان .. ضامن الجنه
    جت المناره عانيه بضحو نهار .. تمشي اوتمايل
    تنادي السلام اعليك يابن الكرار .. راعي الفضايل
    اهلا وسهلا بيك يبن الأطهار .. حلو الشمايل
    الف التحيه للسَكَ+ن بخريسان .. ضامن الجنه


    فقال لها قفي في مكانك فوقفت مكانها وقال لها الرضا عليه السلام ليَسمع من حضر : لأي شيء تأخرتي لهذه الساعة ولمَ لم تأتي مع طوس ؟. فانطقها الله سبحانه بلسان فصيح فقالت له :لايا سيدي ان طوس تحوّلت اليك والناس نيام ولم يعلموا بسيرها اليك ولم يعلموا كيف تنقّلت وأما تأخري الى هذه الساعة ليعلموا شرفك ويفهموا برهانك فجئتك طائعة لله ولك يا سيدي لمَّا دَعوتني اجبتك فعليك مني السلام ورحمه الله وبركاته . فعند ذلك تقدم اميرهم النظر ابن وهب وانشا يقول :

    اضاء نورك الوهّاج في غسق الدجى .. واطفئ ضياء البدر لما تأججا
    وفاح عبير المسك من خيرة الورى .. فعطّر منه الرَبع لما تأرجَ
    فأعشب وادينا واخضرّ رَبعه .. بنور الرضا لما اضا وتبلّجا
    فطوس أتته والمنارة اقبلت .. لحضرته تسعى وتطلب ملتجا


    واقام الرضا عليه السلام برغد عيش يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويحل لهم الحلال ويحرم عليهم الحرام ( وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ) . ويؤمنهم من خوفهم فشاع فضله وعلا فخره وظهر عدله في سائر البلدان وسما قدره وشاع أمره ونهيه وعمّروا ببركته الاوطان ودانت بحكمه العرب والعجم .​

  • #2
    الليالي الرضوية
    الليلة الثانية : الامام الرضا (ع) وقصيدة دعبل الخزاعي (رض)
    .
    .

    قال الرجل المكرم علي بن روح السفري رضي الله عنه: ان الرضا عليه السلام اقام بطوس ومعه المامون لعنه الله يامر وينهى والرضا يعلم الناس ويفقههم في الدين والكتاب المستبين ويبين لهم الحلال والحرام وموضحه ومتشابهه وناسخه ومنسوخه ويعرفهم فرائض الصلاه والصوم والزكاه ويامرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويعبد الله تعالى ويصوم النهار ويقوم الليل واطاعته الناس وكبر في اعينهم فعظموه وشرفوه وكبروه لانه من عطر محمد المصطفى
    قال : فاتى اليه المامون الملعون وقال : يا ابن رسول الله اني اريد ان اجمع الناس اليك لاخذ لك البيعه عليهم حتى يخطبوا لك على منابرهم وتكون انت الخليفة لانك ابن رسول الله وانت العالم بما كان وما يكون وانت صاحب المعجزات والبراهين والعالم بتفسير السور والايات من كتاب الله تعالى ولا تجوز الخلافه في زماننا هذا ولا يتم الدين الا بك وانت سيدنا ومولانا وامامنا وابن امامنا . فقال الرضا عليه السلام : لا حاجه لي فيها ودعني من هذا . فقال المامون لعنه الله : لابد لك من الخلافه اما طائعا او مكرها . والح عليه بهذا الكلام مرارا وقال : اطعني فيما امرتك والا اهلكتك . واراد بذلك ان يسود الناس ويصدر احكامه الجائرة والفاسدة باسم الامام فحين يعترض الناس او يشكوا يقول لهم انه حكم الامام الرضا ابن رسول الله .
    فخرج المامون الملعون من عندالامام فلما جن الليل خرج الرضا عليه السلام من طوس الى المدينه كما خرج موسى من مصر خائفا يترقب على دين وأمة جده . (فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ ۖ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ، وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ ). فلحق بالمدينه وبقى يعبد الله سبحانه وتعالى فيها وييسعى في خدمة الناس وتعليمهم وارشادهم . بعد ان اتى قبر جده رسول الله صلى الله عليه واله وظل عنده يشكي حاله اليه واوجاعه ويعدد عليه ما تلقاه عترته من بني اميه وبني العباس من ظلم وجور وقتل وتشريد وقال : السلام عليك يا جداه السلام عليك يا نبي الله السلام عليك يا صفوة الله السلام عليك يا مهبط وحي الله السلام عليك يا خازن علم الله السلام عليك يا خاتم النبيين وسيد المرسلين ورحمه الله وبركاته بابي انت وامي يا رسول الله الم ترى ما حل بنا يا جداه بعدك وما نزل بنا من بني اميه وبني العباس بلينا بعدك بالخطب الشنيع والامر الفظيع حتى طردنا من منازلنا وابعدنا عن ديارنا وازعجونا عن اوطاننا وفنيت ابطالنا وتولت علينا اشرار بني اميه وال ابي سفيان وال حرب وطلبوا منا ثارات بدر واحد وحنين وسامونا العذاب الاليم والبلاء المقيم ولم يرحمونا بعدك يا رسول الله وخانوك فينا ونحن نسلك وقرابتك يا رسول الله فواغوثاه من بني اميه وبني العباس فانهم آلوا على انفسهم ان لا يتركوا منا شعرة واحدة على وجه الارض ويلهم ما اجرأهم على الله في سمِّنا وهلاكنا وسفك دماءنا اهل البيت حتى كاننا لم نكن منك ولا انت منا ولا انت جدنا ولا نحن ذريتك وانشا يقول

    صروف الدهر صيرني حزينا .. وجور الناس اورثني الانينا
    بلينا بالمصائب والرزايا .. واورثنا البلا كرها علينا
    طردنا من منازلنا فكنا .. باصعب حاله تاتي الينا
    بعدنا عن جوارك حيث كنا .. مضيت ونحن بعدك موجلينا
    تولتنا البزاة فهيمنتنا .. فصرنا في الفضاء مشتتينا
    وشتتنا الزمان بكل ارض .. فنحن اليوم بعدك ضائعينا
    تلم بنا المصائب كل حين .. فيوردنا الاذى رغما علينا
    قتلنا في الزمان بكل ارض .. بلا ذنب فصرنا هائمينا
    وذقنا السم كاسا بعد كاس .. فواغوثاه مما قد بلنا
    الى الرحمن نشكو ما دهانا .. فوا غوثاه مما قد لقينا

    قال الراوي : ثم انه عليه السلام انتحب باكيا واغشي عليه فانكب على قبر جده رسول الله صلى الله عليه وآله فرآه في عالم الرؤيا وقد احتضنه الى صدره وقبّل ما بين عينه وجعل يشمه ويقبّله ويقول له : كاني بك عن قريب تذوق السم من خصمك المأمون لعنه الله فالعجل العجل يا بني فانك تصير الينا عن قريب ونحن كلنا مشتاقون اليك ونحن لك منتظرون الى قدومك ومتوقعون لمجيئك فلعل الله يجمعنا بك عن قريب فاصبر على البلاء العظيم تكسب الاجر الجسيم وتصير معنا في جنات النعيم . قال : فافاق الرضا (ع) من غشوته .واقام في حرم جده رسول الله في المدينه مدة
    قال صاحب حديث : اما المأمون الملعون لما افتقد الرضا جعل يسال عنه فقيل انه ارتحل الى المدينه الى حرم جده رسول الله صلى الله عليه واله فدعا بدواة وبياض فخط له طوية يسلم عليه في اوله ويعتذر اليه وخط له هذا العهد وفيه يُذكّر المنافق المأمون حجة الله وابن رسوله المفترض طاعته على الخلق اجمعين بما أمر الله ونهى في إفامة الدين وحفظ المسلمين ويرغمه على قبول ولاية العهد ليقرّبه منه ويُبقيه تحت رقابته فيغدر به متى شاء ومن ثم يبرىء نفسه من جرم سمِّ الامام بعدها . يقول في اوله بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب كتبه عبد الله المأمون لعنه الله ابن هارون الرشيد امير المفسدين الى الامام علي بن موسى الرضا عليه السلام فان الله عز وجل اصطفى الاسلام دينا واصطفى من عباده رسلا دالين عليه يبشروا اولهم باخرهم ويصف اليه ماضيهم حتى انتهت الى نبيه محمد صلى الله عليه واله على فتره من الرسل واندراس من العلم وانقطاع من الوحي واقتراب من الساعه فختم به النبيين وجعله شاهدا عليهم ومهيمنا وانزل عليه كتاب عزيز الذي ( لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ۖ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ). بما احل وحرم ووعد ونهى وامر وانذر لتكون له الحجه البالغه على خلقه ( لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ۗ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ ) .فبلغ عن الله رسالته ودعاه الى سبيله بالحكمه والموعظه الحسنه والمجادله بالتي هي احسن ثم بالجهاد والموعظه حتى قبضه واختاره ونقله الى ما اعد له من النعيم الدائم حتى انقضت النبوه وختم الله بمحمد صلى الله عليه واله الوحي والرساله وجعل قوام الدين ونظام امر المسلمين في الخلافه واتمها واعزها بحق الله وبالطاعه التي تبين لنا بها فرائض الله وحدوده وشرائع الاسلام وسنته ومجاهد حدوده فعلى خلفاء الله طاعته فيما استخصهم به واسترعاهم بدينه واختارهم لعباده واوجب على المسلمين طاعه خلفائه ومعاونتهم على اقامه حق الله وعدله وحقن دماء المسلمين واصلاح ذات البين وفي خلاف ذلك تفرق الكلمه وخسران الدنيا والاخره فوجب على من استخلفه الله على خلقه وأتمنه على عباده في ارضه ان يجاهد بنفسه في طاعه الله ويحكم بالعدل والحق فيما حمله الله اياه وكلفه به وقلده اياه من الجهاد في سبيل الله وغيره وقد قال الله لنبيه داوود ( يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ ) .وقال عز وجل : ( فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ، عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) . فكيف المسؤول عن رعايه الاسلام وبالله الثقه وغايه الرغبه والعصمه والتسديد والهدايه الى ما فيه من ثبوت الحجه والفوز من الله بالرضوان والرحمه علي بن موسى الرضا عليه السلام فهو إمام الأمه وافصحهم لله في دينه وجهادا في سبيله وارأفهم بمخلوقاته واولاهم بسائر خلقه وعباده من خلفائه في ارضه من قبل الله تعالى فهو المفسّر لكتابه والقائم بسنه جده رسول الله صلى الله عليه واله فواجب على المأمون عهده ويختاره لإمامه المسلمين وينصّبه للناس لإصلاح شانهم وحقن دمائهم ودفع نزغ الشيطان عنهم واكمال دينهم لما راينا من فضله البارع وعلمه الناصح وعلمه الزاخر وزهده الخالص وورعه الظاهر وتخليته من الدنيا فلم تزل الاخبار عليه متواتره والالسن على فضله متفقة والكلمه عليه مجتمعة لما فيه من الفضل والعلم والورع والتقوى والعباده فاخترتك على نفسي للخلافه على المسلمين لإصلاحهم طالبا السلامه واثبات الحجه البالغه والنجاه في يوم القيامه ( يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ) .لانه اولى منها مني وهي ارثه من ابائه واجداده وعليَّ عهد اللوميثاقه ان ابايعه انا واهل بيتي ومن هو تحت حكمي وامري ونهي طاعه لله والرسول محمد ولشرفه وفضله ومعجزاته وبرهانه وقرابته من رسول الله محمد صلى الله عليه واله وقد قال الله جل وعلا في محكم كتابه العزيز : ( قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) .اي اقرباء النبي واشهد الله على ذلك وكفى بالله شهيدا اني ما اردت الا حقن دمائكم اهل البيت ولم شعثكم وسد ثغوركم وقوة دينكم وقمع عدوكم وصلة ارحامكم ولقربكم من رسول الله وقربكم من العباس بن عبد المطلب فاسرع الى طاعه الله وطاعه جدك علي بن ابي طالب عليه السلام ولك الامان ان سارعت اليه وحمدت الله عليه والسلام عليك ورحمه الله وبركاته .
    وكتبه المامون لعنه الله بن هارون الرشيد يوم الاثنين لسبع خلونا من شهر رجب سنه احدى ومئتين من الهجره النبويه على مهاجرها واله افضل الصلاه واكمل التحيه وختمه بخاتمه المشؤوم وطواه ولفه في خرقه حرير بيضاء ودفعه الى خادمه وامره ان يسير به الى المدينه المنوره وان يدفعه الى الامام الرضا فسار به الى المدينه ودفعه الى الامام الرضا بعد ان صافحه وقبّل يديه ورجليه ودفع اليه كتاب المأمون الملعون ففضه وقرأه وعرف معناه ووضعه بباطن كفه وبسطها ورفع طرفه الى السماء ونادى : يا عظيم العظماء ويا داح الارض ورافع السماء اللهم انك نهيتني عن الالقاء بيدي الى التهلكه وقد اشرفت من قبل المامون على القتل ان لم اقبل منه الخلافه لانه لا ذمة له ولا يوفي بعهد الله اذا عاهد فها هو بكفك وانت تعلم به وانت علام الغيوب وانت تعلم اني هربت عنه الى حرم جدي رسول الله لاقيم في جواره
    فلاحقني واضطربت منه كما اضطرب دانيال ويوسف اذ قبل كل واحد منهما ولاية طاغيه زمانه اللهم لا عهد الا عهدك ولا ولايه الا من قبلك فوفقني باقامه دينك واحياء سنه نبيك محمد صلى الله عليه واله فانت حسبي ونعم الوكيل ونعم المولى ونعم النصير ولا حول ولا قوه الا بالله العلي العظيم . ثم قبِل الرضا ولايه العهد وكتب اليه كتابا فيه رد جوابه وختمه بخاتمه الشريف وافه في خرقه حرير بيضاء ودفعه الى خادم المامون وامره ان يسير به الى المامون لعنه الله فسار به الى ان وصل الى المأمون ودفعه اليه ففضه وقرأه وعرف معناه فقوض رحله وسار من وقته وساعته الى المدينه ومعه ابنته ام حبيب ليزوجه بها فلما وصل الى المدينه ودخل على الرضا وصافحه واعتذر واخذ له البيعه على اهل المدينه ومكه وزوجه بابنته ام حبيب
    قال ابراهيم ابن العباس : لما اخذ المأمون البيعة للرضا على اهل مكه والمدينه وسار الى بغداد في اليوم الرابع من شهر شوال واخذ له البيعه على اهلها من شهر ذي القعده الحرام بتسعه خلون منه وسارا جميعا الى طوس واخذ له البيعه على اهلها
    قال ابو الصلت الهروي: كنت جالسا مع الرضا (ع) ومعه اصحابه وهو كالبدر في ليله تمامه وكماله فبينما نحن جلوس اذ دخل عليه دعبل الخزاعي فقال له : يبن بنت رسول الله اني قد قلت فيك ابيات من الشعر فهل تامرني ان انشدها بين يديك يا سيدي فقال الرضا هات ما عندك يادعبل فقام دعبل الخزاعي رضي الله عنه وانشا يقول

    تَجاوَبنَ بِالإِرنانِ وَالزَفَراتِ
    نَوائِحُ عُجمُ اللَفظِ وَالنَطِقاتِ
    يُخَبِّرنَ بِالأَنفاسِ عَن سِرِّ أَنفُسٍ
    أَسارى هَوىً ماضٍ وَآخَرَ آتِ
    فَأَسعَدنَ أَو أَسعَفنَ حَتّى تَقَوَّضَت
    صُفوفُ الدُجى بِالفَجرِ مُنهَزِماتِ
    عَلى العَرَصاتِ الخالِياتِ مِنَ المَها
    سَلامُ شَبَحٍ حَسبٍّ عَلى العَرَصاتِ

    الى ان قال :
    نَجِيٌّ لِجِبريلَ الأَمينِ وَأَنتُمُ
    عُكوفٌ عَلى العُزّي مَعاً وَمَناةِ

    كنت جالسا مع الرضا ومعه اصحابه ودعبل الخزاعي واقف بين يديه ينشد هذه القصيده فلما وصل الى هذه الابيات
    عُكوفٌ عَلى العُزّي مَعاً وَمَناةِ
    تبسم الرضا في وجهه وقال : يا دعبل نطقت بالحق وقلت بالصواب اي وأم الكتاب رحمك الله كما نصرتنا بلسانك ذلك والله جدي علي بن ابي طالب امير المؤمنين حين جائه جبرائيل قبل ان يستقيم الاسلام والناس كلهم عكوف على العزه يعبدون الاصنام فاعترفت بحقنا واعانته في الحروب على قريش واوغادها واسروا له البغضاء لما نصر الحق وشيد اركان الدين واقام الاسلام على رغم انوفهم بشبا حد حسامه وهو وصي رسول رب العالمين وقائد الغر المحجلين وامام المتقين وهو الحجه على المخلوقين فلما تم الاسلام واستقام الدين اتاه جبرائيل يوم غدير خم بالخلافه والتامير عليهم بامر رب العالمين فلما نصبه لهم رسول الله هاديا اليهم وخليفه عليهم في حجه الوداع وانتقل الى رضوان الله تواثبوا عليه وغصبوه تراثه وحقه وانكروا ولايته فانطقك الله بالحق حتى قلت تراثا بلا قربا وملكا بلا هذه وحكم بلا شوره يا دعبل استهضمتنا قريش واغادها وغصبونا فدك والعوادي وظلمونا وانكروا ولايتنا وتقدموا علينا وضيعونا وتركوا وصيه جدنا فينا وهي قوله تعالى ( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ۗ ). فنحن القربى يا دعبل الخزاعي وسيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون قل ما شئت من باقي قصيدتك يا دعبل فانشا دعبل يقول

    بَكَيتُ لِرَسمِ الدارِ مِن عَرَفاتِ
    وَأَذرَيتُ دَمَعَ العَينِ في الوَجَناتِ
    وَفَكَّ عُرى صَبري وَهاجَت صَبابَتي
    رُسومُ دِيارٍ قَد عَفَت وَعِراتِ
    مَدارِسُ آياتٍ خَلَت مِن تِلاوَةٍ
    وَمَنزِلُ وَحيٍ مُقفِرُ العَرَصاتِ
    لِآلِ رَسولِ اللَهِ بِالخَيفِ مِن مِنىً
    وَبِالرُكنِ وَالتَعريفِ وَالجَمَراتِ
    دِيارُ عَلِيٍّ وَالحُسَينِ وَجَعفَرٍ
    وَحَمزَةَ وَالسُجّادِ ذي الثَفِناتِ

    الى ان قال
    وَصَلّى عَلَيهِ اللَهُ ماذَرَّ شارِقٌ
    وَلاحَت نُجومُ اللَيلِ مُبتَدِراتِ

    قال ابو الصلت الهروي رضي الله عنه : لما وصل دعبل الخزاعي الى هذا البيت رايت الرضا يتمايل يمينا وشمالا ويهتز كاهتزاز القضيب كتمايل جده رسول الله لقصيده انشاها زهير بن سلمان في مجلسه صلوات الله عليه ورايت وجهه قد علاه الغبار من الحزن حين دعاه الشوق الى تلك المعالم والسادات من بني هاشم والقرون الماضيه التي ذكرها دعبل الخزاعي في هذه الابيات وخنقته العبره وبكى وقال : يا دعبل الخزاعي يرحمك الله لقد ذكرتني جدي رسول الله ومهبط وحي الله وذكرتني اجدادي بني هاشم السادات الكرام وانتحب باكيا وكفكف دموعه بكمه ورفع طرفه الى السماء فاقبل بوجهه نحودعبل الخزاعي وقال له : قل ما شئت ما باقي قصيدتك فانشا يقول
    أَفاطِمُ لَو خِلتِ الحُسَينَ مَجَدَّلاً
    وَقَد ماتَ عَطشاناً بِشَطِّ فُراتِ
    إِذَن لَلَطَمتِ الخَدَّ فاطِمُ عِندَهُ
    وَأَجرَيتِ دَمعَ العَينِ في الوَجَناتِ
    أَفاطِمُ قومي يا اِبنَةَ الخَيرِ وَاِندُبي
    نُجومَ سَمَواتٍ بِأَرضِ فَلاةِ
    قُبورٌ بِكوفانٍ وَأُخرى بِطيبَةٍ
    وَأُخرى بِفَخٍّ نالَها صَلَواتي
    وَأُخرى بِأَرضِ الجوزَجانِ مَحَلُّها
    وَقَبرٌ بِباخَمرا لَدى القُرُباتِ
    وَقَبرٌ بِبَغدادٍ لِنَفسٍ زَكِيَّةٍ
    تَضَمَّنَها الرَحمَنُ في الغُرُفاتِ
    وقـبـر بـطـوس يــا لـها مـن مـصيبة
    ألــحـت عـلـى الاحـشـاء بـالـزفراتِ

    قال الو الصلت : لمن انتهى دعبل الى هذا البيت علت زفرات الرضا وتاججت حسراته وتحدرت عبراته وبكى وقال : واقتيلاه واغريباه واجداه واحسيناه واعظم مصيبتاه ليت الموت اعدمنى الحياه بنفسي افدي جدي اسير الكروبات وساكب العبرات وقتيل الطغاة فيا لها من مصيبه ما اعظمها ورزيه ما اكبرها واغمي عليه فلما افاق قال : يا دعبل لقد هيجت علي احزانا كانت كامنه في فؤادي لقد حل بهم الرزء الجليل والخطب المهول والمصيبة العظمى التي تزلزلت منها الجبال الرواسي وبكت لها السماء دما يادعبل اما القبر الذي في طوس فهو قبري يا دعبل ستراني فيه بعد ايام قلائل فما تنقضي الليالي والايام حتى ترى طوس تُختلف من شيعتنا ومحبينا فمن زارني في غربتي وبعد مدتي ضمنت له الجنه على الله يوم القيامه يا دعبل قل ما شئت من باقي قصيدتك فانشا دعبل الخزاعي يقول
    الى الحشر حتى يبعث الله قائما
    يفرج عنا الهم والكربات

    فقال من حضر مجلس الرضا عليه السلام: لما نطق دعبل بهذا البيت تهلهل وجه الرضا فرحا وسرورا وطأطأ براسه الى الارض وبسط كفاه ورمق بطرفه الى السماء وقال : اللهم عجل فرجه ومخرجه وانصره وانصرنا به وانصره نصرا عزيزا واهلك عدوهم من الجن والانس امين يا رب العالمين يا دعبل هو قائم اهل البيت يملأ الارض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا يا دعبل قل ما شئت من باقي قصيدتك فانشا يقول
    علي بن موسى ارشد الله امره وصلى عليه افضل الصلوات قبورا ببطن النهر من جنب كربلاء معرسهم فيها بشط فراتي الى ان قال اولئك لا من توج هندا وحزبها سميه لا نوكي ولا قدراتي قال الراوي لما وصل دعبا الى هذه البيت دامن توج هند وحزبها رايت الرضا يتبسم وهو يقول يا تعبد هم والله اجدادي صلوات الله عليهم انارت بهم الديار وعمرت بهم الاوطان واستقام بهم دين الاسلام هم والله لا من توج هند وحزبهم هم والله الشرف العلي والفخر السني هبط جبرائيل بالوحي في منازلهم وافتخر على الملائكه لما ساواهم في الكساء يا دعبل الخزاعي قل ما شئت من باقي قصيدتك فانشا يقول

    عـلـي بــن مـوسـى أرشــد الله أمـره
    وصــلـى عـلـيـه أفـضـل الـصـلواتِ
    فـأمـا الـمـمضات الـتـي لـسـت بـالغا
    مـبـالـغـهـا مــنــى بــكـنـه صــفــاتِ
    قـبورٌ بـبطنِ الـنَّهرِ مـن جـنبِ كربلا
    مـعـرَّسُـهـم مــنـهـا بــشــطِّ فــــراتِ
    تــوفـوا عـطـاشى بـالـفراتِ فـلـيتني
    تـوفِّـيـتُ فـيـهِـم قــبـلَ حـيـنِ وفـاتـي
    إلــى اللهِ أشـكـو لـوعـةً عـندَ ذكـرِهم
    سـقـتـني بــكـأسِ الـثّـكلِ والـفـظعاتِ

    الى ان قال
    بـنـفـسي أنــتـم مــن كـهـول و فـتـية
    لـــفــك عـــنــاة أو لــحـمـل ديــــاتِ

    قال صاحب الحديث فلما وصل دعبل الخزاعي الى هذا البيت قال له الرضا : يا دعبل صدقت وبالحق نطقت وما قلت الا الصواب اي وام الكتاب يا دعبل اذا قامت القيامه وعرضت الخلائق للحساب وجاءت الانفس ( كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ ) يقف جدي رسول الله على شفير الحوض ونحن وقوف بين يدي جدي علي ابن ابي طالب وبيده لواء الحمد وبيده الاخرى كاس يسقي به محبينا وشيعتنا بكاسه من الحوض فتقدم عليه قريش واوغادها وتاتي تيم وعديها وهم اعدائنا فيصدرون عنده على الحوض ظمايا عطاشى سود الوجوه ورايتهم اشد سوادا منهم فيبهت رسول الله حين يراهم فيقول لهم بعد ذلك : ما فعلتم بعدي وقد خلفت فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي اهل بيتي ؟. فيقولون : اما الكتاب فقد نبذناه وراء ظهورنا واما وصيتك فقد تركناها ونقضنا البيعة وتقدمنا على وصيك وجحدنا ولايته علينا واما ابنتك فاطمه فغصبناها ارثها فدك والعوالي وانتهكناها ضربا حتى اسقطناها محسنا .فيقول لهم جدي : سحقا سحقا وبعدا بعدا كما بعدت ثمود .فيؤمر بهم الى النار فيصدرون عطاشى ظمايا ثم تاتي رايه اخرى سوداء مدلهمة اشد سوادا من الاولى وتحتها رجال سود الوجوه عمي القلوب ويقدمهم اميرهم يزيد ابن معاويه لعنه الله وجنوده وعنده طائفه من بني العباس وجوههم كقطع الليل المظلم او كسواد القير ورايتهم اشد سوادا منهم وهم عطاشى ظمايا فيقفون عند حوض جدي رسول الله فيقول لهم : مالي اراكم سود الوجوه ورايتكم اشد سوادا منكم وانتم عطاشى ظمايا ألم اخلّف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي اهل بيتي ألم اوصيكم بالتمسك بهما ؟. فيقولون : اما كتاب الله فنبذناه وراء ظهورنا واما وصيتك فخالفناها وعترة اهل بيتك خالفناهم وحاربناهم وحرصنا ان لا نبقي منهم شعرة واحده على وجه الأرض . فيقول لهم جدي رسول الله صلى الله عليه واله : سحقا سحقا وبعدا بعدا كما بعُدت ثمود .فيؤمروا بهم الى النار وتقودهم الملائكه عطاشى ظمايا .فبعد ذلك يا دعبل تقدم على جدي رسول الله رايه اخرى بيضاء مشرقه بالنور وتحتها رجال بيض الوجوه يمشون بسكينه ووقار عليهم سيماء الصالحين ينادون فرحين بما هم فيه من محبتنا اهل البيت فيقفون عند جدي رسول الله برايتهم فيسالهم عن الثقلين كتاب الله وعترة اهل بيته فيقولون : اما كتاب الله عز وجل فآمنا به وصدقناه وعملنا به واما وصيتك فاطعناها وامتثلنا بما امرتنا به واما وصيك علي بن ابي طالب وعترة اهل بيتك فنصرناهم باسيافنا وحامينا عليهم برماحنا وسهامنا واطعناهم وتمسكنا بهم وفديناهم بانفسنا واموالنا ابتغاء مرضاه الله عز وجل وطاعه لك يا رسول الله . فيقول لهم جدي : جزاكم الله عني احسن الجزاء فيسقيهم جدي علي بن ابي طالب من الحوض شربة لا ظمأ بعدها وتتلقاهم الملائكه ويزفونهم الى الجنه فيصبرون مرويين امنين من كل خوف وفزع يا دعبل الخزاعي قل ما شئت من باقي قصيدتك فانشا يقول
    ولـلـخيل لـمـا قـيـد الـمـوت خـطوها
    فــأطــلـقـتـم مــنــهــن بــالــذربــاتِ
    احـب قـصي الـرحم مـن أجـل حبكم
    وأهــجـر فـيـكـم زوجــتـي وبـنـاتـي
    وأكــتــم حـبـيـكـم مــخـافـة كــاشــح
    عـنـيـد لاهـــل الـحـق غـيـر مــواتِ
    فــيـا عـيـن بـكـيهم وجــودي بـعـبرة
    فـــقــد آن لـلـتـسـكـاب والــهــمـلاتِ

    الى ان قال :
    أرى فـيـئـهم فـــي غـيـرهم مـتـقسما
    وأيــديـهـم مــــن فـيـئـهم صــفـراتِ

    قال ابو الصلت الهروي رضي الله عنه : ولما وصل دعبل الخزاعي الى قوله صفراتِ. نكس الرضا راسه الى الارض ثم رفع راسه وانتحب باكيا ورفع طرفه الى السماء وقال : اللهم احكم بيننا وبين قوم ظلمونا ومنعونا حقنا اهل البيت وانت خير الحاكمين يا دعبل قل ما شئت من باقي قصيدتك فانشا يقول
    وكـيف اداوي من جوى بي والجوى
    امـــيــة أهــــل الــكـفـر والـلـعـنـاتِ
    وآل زيـــاد فـــي الـحـرير مـصـونة
    وآل رســـــــــول الله مــنــهــتـكـاتِ

    قال هرثمة : فتزفر الرضا زفرة كادت روحه ان تخرج معها فقال : اللهم صبرا على قضاءك ولا معبود سواك اللهم انك تعلم انهم هتكوا بنات نبيك محمد وسفكوا دم ذريته وما جرى عليهم من الهتك والسب والضرب فما احلمك على عبادك الظالمين يا رب العالمين ثم قال س: ( سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ) ( وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ) ( هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا ) يا دعبل قل ما شئت من باقي قصيدتك فانشا يقول شعرا
    سـأبـكيهم مــا ذر فـي الافـق شـارق
    ونـــادى مــنـاد الـخـيـر بـالـصلواتِ

    الى ان قال
    يــمـيـز فــيـنـا كـــل حـــق وبــاطـل
    ويـجـزي عـلـى الـنـعماء والـنـقماتِ

    قال ابو الصلت الهروي : لما سمع الرضا هذا البيت قام قائما على قدميه وطاطا براسه الى الارض بعد ان وضع براحه كفه اليمنى على هامته وقال : اللهم عجل فرجه وسهل مخرجه وانصرنا به وانصره نصرا عزيزا يا دعبل قد نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين اللذين اولهما خروج امام لا محاله خارجا ويجزي على النعماء والنقمات فلله درك يا دعبل اتدري من هو يا دعبل الخزاعي ؟. قال له : يا سيدي اني سمعت خبرا يشعر بخروج امام منكم يملا الارض قسطا وعدلا بعد ما ملأت ظلما وجورا . فقال الرضا (ع) : يخرج من نسلي وصلبي من ابني محمد الجواد اسمه محمد بن الحسن وهو القائم المهدي صلوات الله عليه وعلى ابائه وهو قائمنا اهل البيت ياخذ بثارنا ويكشف عارنا وهو لطف الله في ارضه وحجته على خلقه اذا هلك هلك ما في الارض جميعا يا دعبل قل ما شئت من باقي قصيدتك فانشا يقول
    فـيا نـفس طـيبي ثـم يا نفس فابشري
    فــغـيـر بــعـيـد كــــل مـــا هـــو آتِ

    الى ان قال :
    كـأنـكَ بـالأضلاعِ قـد ضـاقَ رحـبها
    لــمـا ضُـمـنت مــن شــدة الـزفـراتِ

    قال هرثمة : لما وصل دعبل الى هذا البيت الذي هو تمام قصيدته تنفس الرضا صعدا وأنَّ كمدا وقال : يا دعبل يا لها من مصائب وفوادح حملت اضلاعي ما لا اطيقه من الاحزان والزفرات ثم بكى وقال : وامحمداه واعلياه واحسناه واحسيناه وانشا عليه السلام يقول
    بكيت وقلبي دائم الحسرات .. ونحت بصوت عالي النغمات
    على خيرة حازوا المكارم والتقى .. ومنبع علم شامخ الهضبات
    ديار خلت من اهلها ثم اصبحت .. منازلها بالقفر مندرسات
    ديار خلت من اهلها فتشتتوا .. عباديد في الاقطار والفلوات
    فمن بين مصلوب قضى فوق جدعه .. وهذا شهيد نازح الغربات
    مهابط وحي الله اضحت محيله .. خرابا ارابا بعد فقد حماتي
    وقفت بها سكران من عظم حزنهم .. حزينا كئيبا دائم الحسرات
    فيا حسره لا تنقضي بعد فقدهم .. ويا سكرة فاقت على السكرات

    قال صاحب الحديث : فلما فرغ الرضا عليه السلام من شعره وتزفر زفرة كادت روحه ان تخرج من بدنه معها وانشا الامام الرضا عليه السلام يقول
    يعيب الناس كلهم الزمانا .. وما بزماننا عيب سوانا
    نعيب زماننا والعيب فينا .. ولو نطق الزمان لنا هجانا
    وليس الذئب ياكل لحم ذئب .. وياكل بعضنا بعضا عيانا

    قال دعبل الخزاعي : فنهض الرضا (ع) وقال : يا دعبل لا تبرح من مكانك حتى اتيك واعود اليك . فسار الرضا الى منزله واتاني سريعا واعطاني صره فيها مئة دينار فابيت ان اخذها منه وقلت له : يا سيدي ما بهذا مدحتكم ولكني ارتجي شفاعتكم وشفاعه جدك ورضا ربي عز وجل . فقال الرضا : بحقي عليك الا ما اخذتها مني فانها ليست بصدقه وانما هي هديه مني اليك . واخذتها منه فقال لي مره ثانيه : يا دعبل قف هنا مكانك حتى ياتيك خادمي . فنهض عني ساعه وبعث لي بجبه من خز مع خادمه فاتاني بها خادمه ودفعها الي وقال لي : ان مولاي يقرؤك السلام ويقول لك خذ هذه الجبه واياك ان تحتاج الى حاجه ولا تعود اليه . واخذتها وسرت مع القافله يريدون قم فلما وصلنا الى بعض الطريق طلعت غزاة ونهبونا واخذوا ما كان معنا واخذوا الجبة مني وجلسوا يتقاسمون الدراهم والدنانير التي اخذوها مني وكذلك الذين من القافله فتمثل رجل من القافله يقول :
    أرى فـيـئـهم فـــي غـيـرهم مـتـقسما
    وأيــديـهـم مــــن فـيـئـهم صــفـراتِ

    فقال له رجل من الغزاة لمن هذا البيت الذي انشدته يا فتى ؟. فقال دعبل : لدعبل الخزاعي . فقال واين هو ؟. فقال لهم : ها هو الرجل المكتف الاسير بينكم . فقال له : انت دعبل ؟. فقال دعبل : نعم . فقال له : انشدني هذه القصيده التي فيها هذا البيت . قال دعبل : فانشدتها بين يديه فحل كتافي وردوا علي جميع ما اخذوه مني ومن اصحابي وكذلك ردوا علي الجبة التي اخذوها مني اكراما للرضا (ع) وردوا على القافله المال الذي اخذوه منها وسرنا جميعا ودخلنا قم فانشدتهم القصيده فاعطوني الف دينار وسالوني ان ابيعهم الجبة بالف دينار فأبيت وسرت من قم فلحقني قوم منهم ونهبوا الجبة وساروا الى قم فلحقتهم وسالتهم ان يردوها علي فقالوا : ما لنا بذلك من سبيل فخذ ثمنها منا الف دينار فنحن نريد ان نتبرك بها لانها جبة سيدنا ومولانا علي بن موسى الرضا فلا تحرمنا بركتها وان شئت اعطيناك منها شيئا فاخذت منهم ثمنها الف دينار واعطوني بعضها فرجعت الى وطني فوجدت اللصوص في داري فقالوا لي : ما ابطئك علينا فنحن راينا الرضا (ع) في منامنا فاخبرنا عنك وعن الجبه وتبنا على يده وبشرنا بها فبايعنا ما بقي من عندك من الجبه بالف دينار فبعتهم واعطوني جزء منها اتبرك به
    واما الامام الرضا عليه السلام فلم يزل المأمون الملعون يستجدي الوسائل ويكيد له حتى ظفر بمقصوده فدس له السم الذي ارقده على فراش المرض يكابد الاوجاع ويأن من قلب حزين مكروب :

    فَاغْتَالَهُ بِالْعِنَبِ الْمَسْمُوْمِ .. وَيْلٌ لِذَاكَ الظَّالِمِ الْغَشُوْمِ
    وَمَادَتِ الْأَرْضُ بِلَابِثِيْهَا .. وَسَاخَتِ الْأَرْضُ بِمَنْ عَلَيْهَا
    تَقَطَّعَتْ أَمْعَاؤُهُ بِالسُّمِّ .. فِدَاهُ نَفْسِيْ وَأَبِيْ وَأُمِّيْ

    **

    تعليق


    • #3
      الليالي الرضوية
      الليلة الثالثة
      ( معجزة الامام الرضا (ع) في نزول المطر وتحول الاسدين في الصورة )
      مع لطمية من التراث الحسيني
      .
      .

      يقول ابو الصلت : وكان الرضا يكلم الناس بلغتهم وكان هو افصح الناس لسانا واعلمهم وازهدهم واتقاهم وكانت فضائله لا تحصى فقلت له : يا ابن رسول الله اني ارى عجبا عجيب. فقال لي : وما ذلك يا ابا الصلت ؟. فقلت : اني اراك تكلم الناس بلغتهم المختلفه .فقال لي : انا حجة الله على خلقه وما كان الله ليتخذ حجه على قوم الا ويعرف لغتهم يا ابا الصلت اما سمعت قول جدي رسول الله واوتينا العلم والحكمه وفصل الخطاب وهو اللغات.
      وحدثنا ابو الحسن محمد بن القسم المفسر (رض) عن محمد بن علي ان الرضا علي بن موسى (ع) لما جعله المأمون ولي عهده احتبس المطر فجعل بعض حاشيه المأمون والمتعصبين على الرضا (ع) يقولون : انظروا لما جائنا علي بن موسى وصار ولي عهدنا حبس الله عنا المطر واتصل ذلك بالمأمون فاراد المأمون ان يثير الفتنة ويؤلب القلوب ضد الامام اذا ان من المعلوم ان النبي وعترته هم خير وبركة أينما حلوا فكيف احتبس الماء عن الناس ونوره بينهم ولم يعلم المأمون ان ذلك كان لبرهان وفضيلة ستحصل للامام الرضا وتنتشر بين الملأ .
      فقال للرضا (ع ) : لقد احتبس المطر فلو دعوت الله عز وجل ان يُمطر الناس . قال الرضا (ع) : نعم . فسأله : فمتى تفعل ذلك ؟. وكان ذلك يوم الجمعه فقال (ع) : يوم الاثنين ان شاء الله فان رسول الله اتاني البارحه في منامي ومعه علي امير المؤمنين (ع) وقال : يا بني انتظر يوم الاثنين وابرز الى الصحراء واستق فان الله عز وجل سيسقيهم واخبرهم بما يريك الله ما لا يعلمون حاله ليزداد علمهم بفضلك ومكانك من ربك عز و جل .
      فلما كان يوم الاثنين اقبل الناس يهرعون اليه من كل جانب ومكان وهم يقولون : لبيك لبيك يا ابن بنت رسول الله فارتجت طوس باهلها فرحا وسرورا فلما تكاملوا حول بيته خرج اليهم مع اصحابه وهو كانه البدر في ليله تمامه وكماله وهو مشمر اثوابه الى نصف ساقه وكذلك اصحابه وساروا الى المصلى والناس معهم عنقا عنقا واقبل الناس يهرعون اليه من كل جانب ومكان وهم يقولون لبيك لبيك يا ابن بنت رسول الله فارتجت طوس باهلها فرحا وسرورا فلما تكاملوا حول بيته خرج اليهم مع اصحابه وهو كانه البدر في ليله تمامه وكماله وهو مشمر اثوابه الى نصف ساقه وكذلك اصحابه وساروا الى المصلى والناس معهم عنقا عنقا وقد شاقهم نور الامام وشمائله وهو يمشي بينهم كمشية جده رسول الله وهو يقول السلام على ابواي ادم ونوح السلام على ابواي ابراهيم واسماعيل السلام على ابواي محمد المصطفى وعلي المرتضى السلام على امي خديجه الكبرى وفاطمه الزهراء السلام على ابائي الغر الميامين السلام على الانبياء والمرسلين السلام على الاوصياء والصديقين والشهداء والصالحين ورجال الله المؤمنين السلام عليكم ورحمه الله وبركاته هذا والناس يهرعون اليه من كل ناحيه ومكان وهم يقبلون يديه ورجليه :

      ابن موسى الرضا يا ناس محلاه .. طلع مثل القمر شايل مصلاه
      طلع مثل القمر محلى خياله .. قاصد للصلاه مشمر اذياله
      وكل الناس تهرع لا جلاله .. هذا يقبله وذا يشم يمناه
      طلع مثل القمر يا ناس لونه .. ناشر بردته اعلى متونه
      وكل الناس ضلوا يصافحونه .. الكل يقبله ويلثم ثناياه
      وشمحلاه يمشي بالسكينه .. والانوار تسطع من جبينه
      الكل يصافحه ويلزم يمينه .. مشية سلطنه يمشي على اهواه
      يمشي كالقمر ليله تمامه .. وكل الناس تهوي على اقدامه
      وهو بلين ولطف يبدي سلامه .. جده المصطفى يشبه مزاياه
      يمشي كالبدر ما بين لنجوم .. وهو يسلم على جده ولعموم
      اعيذك بالنبي يا حلو لرسوم .. الله يحرسه من شر اعداه
      يشيعه اتاملوا الطاغي اشسوى .. من عاين براهينه تلوى
      على سبط النبي قلبه تكوى .. قصده يخجله من الخجل حاشاه

      وصعد المنبر فحمد الله واثنى عليه وذكر جده فصلى عليه ثم قال اليهم : اللهم يارب انك عظمت حقنا اهل البيت فتوسلوا بنا كما امرت وأملوا فضلك ورحمتك وتوقعوا احسانك ونعمتك فاسقهم سقيا نافعا عاما غير رائث ولا ضائر وليكن ابتداء مطرهم بعد انصرافهم من مشهـدهم هذا إلى منازلهم ومقارهم . قال : فوالذي بعث محمد بالحق نبيا لقد نسجت الرياح في الهواء الغيوم ورعدت و برقت وتحول كانهم يريدون التنحي عن المطر فقال الرضا (ع) : على رسلكم ايها الناس فليس هذا الغيم لكم انما هو لا هل بلد كذا . فمضت السحب وعبرت ثم جاءت سحابه اخرى تشتمل على رعد و برق فتحركوا فقال : على رسلكم ليست هذه لكم انما هي لاهل بلد كذا فما زال حتى جاءت عشر سحابات و عبرت ويقول علي بن موسى الرضا فى كل واحدة : على رسلكم ليست هذه لكم انما هي لاهل بلد كذا . ثم اقبلت سحابه حاديه عشر فقال : ايها الناس هذه بعثها الله عز وجل لكم فاشكروا الله عز وجل على تفضله عليكم فقوموا الى منازلكم ومقاركم فانها مسامته لكم وممسكه عنكم الى ان تدخلوا مقاركم ثم ياتيكم من الخير ما يليق بكرم الله جل جلاله . ونزل عن المنير وانصرف الناس فما زالت السحابة ممسكه إلى ان قربوا من منازلهم ثم جاءت بوابل من المطر فملئت الاوديه والحياض والغدران والفلوات فجعل الناس يقولون : هنيئا لولد رسول الله (ص) کرامات الله عز وجل .
      ثم برزا لهم الرضا وحضره الجماعة الكثيره منهم فقال : ايها الناس اتقوا الله في نعم الله علیکم فلا تنفروها عنكم بمعاصيه بل استديموها بطاعته وشكره على نعمه وأياديه واعلموا انكم لا تشكرون الله عز وجل بشيء بعد الايمان بالله وبعد الاعتراف بحقوق اولياء الله من آل محمد رسول الله (ص) احب اليه من معاونتكم لاخوانكم المؤمنين على دنیاهم التي هي معبر لهم إلى جنان ربهم فان من فعل ذلك كان من خاصة الله تبارك وتعالى وقد قال رسول الله (ص) في ذلك قولا ما ينبغى لقائل ان يزهد فى فضل الله تعالى عليه في ان تأمله واعمل عليه قبل يا رسول الله هلك فلان يعمل من الذنوب كيت وكيت فقال رسول الله (ص) : بل قد نجا ولا يختم الله تعالى عمله الا بالحسنى وسيمحوا الله عنه السنيات ويبدلها له حسنات
      وانه كان مؤمن يمر في الطريق اذ عرض له مؤمن قد انكشفت عورته وهو لا يشعر فسترها عليه ولم يخيره بها مخافه ان يخجل ثم ان ذلك المؤمن عرفه فهواه فقال له اجزل الله لك الثواب واكرم لك المتاب ولا ناقشك الحساب فاستجاب الله له فيه فهذا العبد لا يختم له الا بخير بدعاء ذلك المؤمن فاتصل قول رسول الله (ص) بهذا الرجل فتاب واناب واقبل على طاعه الله عز وجل فلم يأتى عليه سبعه ايام حتى اغير على سرح المدينه فوجد رسول الله في اثرهم جماعه ذلك الرجل احدهم فاستشهد فيهم .
      قال الامام محمد بن علي بن موسى : واعظم الله تبارك وتعالى البركة في البلاد بدعاء الرضا (ع) ، وقد كان للمأمون من يريد ان يكون هو ولي عهده من دون الرضا وحساد كانوا بحضره المأمون فقالوا للمأمون : يا امير المفسدين اعيذك بالله ان تكون تاريخ الخلفاء في اخراجك هذا الشرف العميم والفخر العظيم من بيت ولد العباس الى بيت ولد علي ولقد اعنت على نفسك واهلك جئت بهذا الساحر ولد السحرة وقد كان خاملاً فاظهرته ومتضعا فرفعته ومنسيا فذكرت به ومستخفا فنوهت به قد ملأ الدنيا مخرقه وتشوقا بهذا المطر الواردة عند دعائه ما اخوفني ان تخرج هذا الرجل هذا الامر من ولد العباس الى ولد علي بل ما اخوفنى ان يتوصل سحره لازالة نعمتك والتوثب إلى مملكتك هل جنى احد على نفسه وملكه مثل جناتيك . فقال المأمون : قد كان هذا الرجل مستراً عنا يدعو الى نفسه فاردنا ان نجعله ولي عهدنا ليكون دعائه الينا وليعترف بالملك والخلافه لنا وليعتقد فيه المفتونون به انه ليس مما ادعى في قليل ولا كثير وان هذا الامر لنا من دونه وقد خشينا أن تركناه على تلك الحاله ان يفتق علينا ما لا نسده ويأتي علينا منه ما لا نطيقه والان فانا قد فعلنا به ما فعلنا واخطأنا فى امره بما اخطأنا واشرفنا من الهلاك بالتنويه به على ما اشرفنا فليس يجوز التهاون في امره ولكنا نحتاج ان نضع منه قليلا حتى نصوره عند الرعيه بصورة من لا يستحق لهذا الامر تم ندبر امره بما يحسم عنا بلائه فقال الرجل له : يا امير المفسدين فولني مجادلته فاني افحمه واصحابه واضع من قدره فلولا هيبتك في صدري لا نزلته منزلته وبينت للناس قصوره عما رشحته له . فقال المأمون : ما شيء أحب إلى من هذا .فقال له : فاجمع وجوه اهل مملكتك والقواد والقضاة وخيار الفقهاء لا بين نقصه بحضرتكم فيكون اخذا له عن محله الذي احللته فيه على علم منهم بصواب فعلك . قال : فجمع الخلق الفاضلين من رعيته في مجلس واسع قعد فيه لهم واقعدوا الرضا (ع) بين يديه فى مرتبته التي جعلها الله له مراءاة للناس وابعاد للشبهة عن المأمون وتجميل صورته بانه متواضع وصاحب علم ويهتم له . فابتدأ هذا الحاجب المتضمن للوضع من الرضا (ع) وقال له : ان الناس قد اكثروا عنك الحكايات واسرفوا في وصفك بما ارى انك لو وقفت عليهم برئت اليهم منه فاول ذلك انك دعوت الله في المطر المعتاد فجاء فجعلوه آيه لك ومعجزة واوحوا لك بها ان لا نظير لك في الدنيا وهذا امير المفسدين ادام الله ملكه وبقائه لا يوازن لاحد الا رجح به وقد احلك المحل الذي عرفت افليس من حقه عليك ان تسوغ الكاذبين لك وعليه وما يتكذبونه . فقال الرضا : ما ادفع عباد الله عن
      التحدث بنعم الله علي وان كنت لا ابغى له لا اشرا ولا بطرا واما ذكرك صاحبك الذي احلنى فما احلنى الا المحل الذي احله ملك مصر يوسف الصديق (ع) وكانت حالهما ما قد علمت . فغضب الحاجب عند ذلك وقال : یابن موسی لقد عدوت طورك وتجاوزت قدرك ان بعث الله المطر مقدر وقته لا يتقدم ولا يتأخر جعلته آيه تستطيل بها وصولة تصول بها كأنك جئت بمثل آية الخليل إبراهيم لما اخذ رؤوس الطير بيده ودعا أعضائها التي كان فرقها على الجبال فأتينه سعيا وتركبن على الرؤوس وخفقن وطرن باذن الله تعالى فان كنت صادقا فيما توهم فاحيي هذين وسلطهما علي فان ذلك يكون آية ومعجزة فاما المطر الكعتاد مجيئه فلست احق بان يكون جاء بدعائك من غيرك الذي دعا كما دعوت . وكان الحاجب قد أشار الى اسدين مصورين على مسند المامون الذي كان مستندا اليه وكانا متقابلين على المسند فغضب الامام علي ابن موسى الرضا (ع) لغضب الله من جحود وتجبر هذا العنيد المعادي وصاح بالصورتين : دونكما الفاجر فافترساه ولاتبقيا له عينا ولا اثر .
      فوثبت الصورتان وقد عادتا اسدین فتناولا الحاجب ورضاه و هشماه واكلاه ولحسا دمه والقوم ينظرون متحيرين مما يبصرون فلما فرغا منه اقبلا على الرضا (ع) وقالا : يا ولي الله في ارضه ماذا تأمرنا ان تفعل بهذا انفعل به كما فعلنا بهذا و يشيران إلى المأمون ؟. فعشي على المأمون مما سمع منهما فقال الرضا (ع) : قفا . فوقفا قال الرضا (ع) : صبوا عليه ماء ورد و طيبوه . ففعلوا ذلك به فافاق .فعاد الاسدان يقولان : اتأذن لنا ان تلحقه بصاحبه الذي افنيناه ؟. قال (ع) : لا فان الله عز وجل فيه تدبير هو معينه. فقالا : فماذا تأمرنا ؟.فقال :عودا إلى مقركما الذي كنتما فيه .فعادا الى المسند وصارا صورتين كما كانتا. فقال المأمون : الحمد لله الذي كفاني شر حمید بن مهران يعني الرجل المفترس ثم قال للرضا (ع) : يا بن رسول الله هذا الامر لجدكم رسول الله ثم لكم فلو شئت لنزلت عنه لك . فقال الرضا (ع) : لو شئت لما ناظرتك ولم اسئلك فان الله عز وجل قد اعطاني من طاعة سائر خلقه مثل ما رأيت من طاعه هاتين الصورتين إلا جهّال بني آدم فإنهم
      وان خسروا حظوظهم فلله عز وجل فيهم تدبير وقد امرنى بترك الاعتراض عليك واظهار ما أظهرت من العمل من تحت يدك كما عمل يوسف بالعمل من تحت يد فرعون مصر قال فما زال المأمون ضئيلا الى ان قضى في علي بن موسى الرضا ع ما قضى ومامكنه من ذلك الا قضاء الله على اوليائه بالكرامة والفوز بالشهادة في سبيله . فمازال يكيد للامام ويقتل من حوله حتى قتل أخيه السيد حمزة الذي كان له بمثابة العباس للحسين . ثم دبر الامر في دس السم للامام الرضا عليه السلام لينهي وجوده من الدنيا اذ لم يتمكن من حجب فضائله وفضله .​

      تعليق


      • #4
        الليالي الرضوية
        الليلة الرابعة
        ( في فضل زيارة الإمام الرضا وكراماته مع زواره )
        ​.
        .

        روي الصدوق في عيون اخبار الرضا (ع) عن رجل من الصالحين : انه رأى في المنام رسول الله (ص) فقال له : يا رسول الله أياً من ابناءك أزور . قال : بعضهم وفدوا علي مسموماً وبعضهم وفدوا مقتولاً . فقال : أيهم أزور مع تفرّق مشاهدهم . قال : زر أقربهم اليك وهو مدفون بارض الغربة. قلت : يا رسول الله تعني بذلك الرضا (ع) . قال : قل صلى الله عليه قل صلى الله عليه . قل صلى الله عليه. قالها ثلاثاً وعنه (ص) قال : ستدفن بضعة مني بخراسان ما زارها مؤمن الا أوجب الله له الجنة وحرم جسده على النار
        وقال ايضاً : ستند فل بضعة مني بخراسان ما زارها مكروب إلا نفس الله كريته ولا مذنب إلا غفر الله ذنوبه وقال إمام الإنس والجن سلام الله عليه : إن في خراسان بقعه سيأتي عليها زمان تكون مختلف الملائكه لا تزال تهبط فيها فوج من الملائكة وتصعد فوج حتى ينفخ في الصور . فقالوا : يابن رسول الله (ص) وما هي البقعه . قال : هي بأرض طوس وإنها والله روضة من رياض الجنة من زارتي فيها كان كما لو زار رسول الله (ص) وكتب الله له بذلك الف حجة مقبولة والف عمرة مقبولة وكنت انا وآبائي شفعاؤه يوم القيامة .
        وقال (ع) : من زارني على بعد داري اتيته يوم القيامة في ثلاث مواطن حق أخلصه من أهوالها . إذا تطايرت الكتب يميناً وشمالاً وعند الصراط وعند الميزان
        وروي عن موسى بن جعفر (ع) قال: من زار قبر ولدي علي كان له عند الله عز وجل سبعون حجة مبرورة . قال : من زاره أوبات عنده ليلة كان كمن زار الله في عرشه . فاذا كان يوم القيامة كان على عرش الله عز وجل اربعة من الأولين واربعة من الآخرين فأما الاولون فتوح و ابراهيم وموسى وعيسى واما الاربعة الآخرون فمحمد وعلي والحسن والحسين ثم يحمد المطمار فيقعد معنا زوار قبور الائمة ألا وان اعلاهم درجة واوفرهم حبوة زوار قبر ولدي علي عليه السلام
        وروي عن الامام محمد التقي (ع) قال : إن بين جبلي طوس قبضة قُبضت من الجنة من دخلها كان آمنا يوم القيامة من النار .
        وعن الامام علي النقي (۴) قال : ( من كانت له إلى الله حاجة فليزر قبر جدي الرضا (ع) بطوس مغتسلاً فيصلي عند رأسه ركعتين فيذكر حاجته في قنوت صلاته فتستجاب له حاجته إلا إذا كانت في معصية او قطيعة رحم . ان موضع قبره بقعة من بقع الجنة ولا يزوره مؤمن إلا اعتقه الله من النار وادخله الجنة )
        وذكر الامام المجلسي رحمه الله انه من زار الرضا (ع) أو غيره من الائمة (ع) فصلى عنده صلاة جعفر كتب له بكل ركعة أجر من حج الف حجة واعتمر الف عمرة واعتق في سبيل الله الف رقبة ووقف للجهاد مع نبي مرسل الف مرة وكان له بكل خطوة يخطوها اجرمائة حجة ومائة عمرة وعتق مائة رقبة في سبيل الله تعالى وكتب له مائة حسنة ومحي عنه مائة سيئه
        وروي عن السجستاني قال : لما ورد البريد باشخاص الرضا الى خراسان دخل المسجد ليودع رسول الله (ص) فودعه مراراً كل ذلك يرجع إلى القبر ويعلو صوته بالبكاء والنحيب فتقدمت اليه وسلمت عليه فرد السلام وهنأته. فقال: زرني فاني اخرج من جوار جدي (ص) فأموت في غربة وادفن في جنب هارون.
        وروى الشيخ الشامي عن الرضا (ع) قال : لما اردت الخروج من المدينه الى خراسان جمعت عيالي فامرتهم ان يبكوا علي حتى اسمع بكاءهم ثم فرقت فيهم اثني عشر الف دينار ثم قلت لهم اني لا ارجع الى عيالي ابدأ ثم اخذت ابا جعفر الجواد فادخلته المسجد ووضعت يده على حافة القبر والصقته به واستحفظته برسول الله (ص) و امرت جميع وكلائي وحشمي له بالسمع والطاعة وترك مخالفته وعرفتهم انه القيم مقامي .
        وذكر انه لما طلب المأمون الرضا (ع) من المدينة الى خراسان سار (ع) من المدينه الى البصرة ولم يذهب الى الكوفة ثم توجه من البصرة الى بغداد على طريق الكوفة ومن هناك الى مدينة قم . ودخل قم . فاستقبله اهلها فتخاصموا في ضيافته كل يبغي ان يحل (ع) داره . فقال (ع) : ان جملي هو المأمور اي انه (ع) يحل حيثما برك الجمل . فأتى الجمل داراً واستناخ على بابه وكان صاحب الدار قد رأى في المنام في ليلته ان الرضا (ع) سيكون ضيفه غداً. فلم تمضي مدة طويلة حتى صار ذلك الدار مقاماً من المقامات الرفيعة وهو في عصرنا مدرسة معمورة .
        وروى الصدوق قال : انه لما وافى ابو الحسن الرضا (ع) نيسابور واراد ان يرحل منها اجتمع اليه اصحاب الحديث فقالوا له : يابن رسول الله (ص) ترحل عنا ولا تحدثنا بحديث فنستفيده منك وقد كان قعد في العمارية فاطلع راسه وقال : سمعت ابي موسى بن جعفر (ع) يقول : سمعت ابي جعفر بن محمد يقول : سمعت ابي محمد بن علي يقول : سمعت ابي علي بن الحسين يقول : سمعت ابي الحسين بن علي يقول : سمعت ابي امير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع) يقول : سمعت رسول الله (ص) يقول : سمعت جرائيل يقول : سمعت الله عز وجل يقول : ( لا إله إلا الله حصني فمن دخل دخل حصني أمن من عذابي ) . فلما مرت الراحلة نادانا : بشروطها وأنا من شروطها )
        وروى أبي الصلت . ان الرضا (ع) في طريقه الى المأمون لما بلغ القرية الحمراء . قيل له : يا بن رسول الله (ص) قد زالت الشمس افلا نصلي . فنزل (ع) فقال : أتوني بماء فقيل : ما معنا ماء. فبحث بيده الأرض. فنبع من الماء ما توضأ به هو ومن معه وأثره باقي الى اليوم
        فلما دخل - سناباد - أسند إلى الجيل الذي ينحت منه القدور فقال : اللهم انفع به وبارك فيما يجعل فيما يتحت منه ، ثم امر (ع) فنحت له قدور من الجبل. وقال: لا يأكل إلا ما طبخ فيها .فا هندى الناس اليه من ذاك اليوم وظهرت بركة دعاءه فيه
        وأرخ صاحب مطلع الشمس ان الملك الشاه عباس الأول تزل مشهد الرضا (ع) في الخامس والعشرين من ذي الحجة سنة الف وست . وذلك بعد ما نهب عبد الرحمن الاوزبكي الحرم الطاهر فلم يترك فيها شيئا سوى السياج الذهبي. وفي الثامن والعشرين من الشهر، شهر ذي الحجة توجه الملك الى مدينة هرات فاستردها ونظم شؤونها . فرجع الى مدينه خراسان ولبث فيها شهراً رمم خلاله الصحن المقدس وانعم على خدام البقعة المباركة ورعاهم بعطفه ثم عاد الى العراق وفي أواخر السنة الثامنة بعد الالف قدم الملك ثانيا الى خراسان فقضى فيه فصل الشتاء وتقلد خدمة الاستانة المقدسة وباشرها بنفسه وكان الشاه قد نذر ان يرحل الى زيارة الرضا (ع) راجلاً فوفى بنذره في السنة التاسعة بعد الالف قطع تلك المسافة الشاسعة على قدميه خلال ثمانية وعشرين يوماً. فلما بلغ مدينه خراسان أمر بان يرحب الصحن المبارك وكان المدخل الى الروضة حينذاك في ايوان علي شير في جانب من جوانب الصحن الشريف بشكل غير انيق فأمر بتشييد الصحن بحيث يتوسطه الايوان ويطوي المدينة من بابها الغربي الى بابها الشرقي واحدث للمدينه عيوناً وقنوات ومد في منتصف الشارع المركزي ساقيه تجري الى حوض كبير قد احدثه في سط الصحن الشريف فتخترقه الى الجانب الشرقي من الشارع . وكسا القيه الظاهرة بالذهب. كما هو مكتوب على القيه الظاهرة . وما ورد من جملة معجزات المرقد الشريف وما ظهر بعد وفاته من بركة مشهده المقدس التي شاهدها الخلق واذعن العام والخاص له واقر المخالف الى يومنا فكثير . فلقد ابرئ فيه الاكمه والابرص واستجيبت الدعوات وقضيت ببركته الحاجات وكشفت الملمات ونحن في غنى عن ذكر الكرامات التي برزت من تلك الروضه المقدسة في سوالف الازمان بما يتجدد منها في كل عصر و زمان .
        فقد ظلت عتباتهم المقدسة في كل بقعة مناراً لمجيبهم ورحمة لقاصديهم فهم رحمة الله التي وسعت كل شيئ بما تفيض به من كرامات بهية ومعاجز سنيه ومن هذه البقاع ارض طوس المشرفة باحتضان جسد اما منا وشفيعنا وضامن جنتنا ابي المحسن علي بن موسى الرضا ( صلوات الله وسلامه عليه وعلى آبائه اجمعين
        فمن معاجزه الباهرة ما روي عن جماعة من زواره (ع) انه وبعد انتهاؤهم من أداء حق الزيارة والوداع رزقنا الله واياكم الوصول الى ذاك الضريح المزكى في يسر وعافيه منه انشاء الله . ركبوا على متن الباخرة ليلاً من المحمرة عائدين الى اراضيهم في البحرين . لكنهم وبعد قليل من مغادرة الباخرة وقعت امرأة عجوز في الشط ولم يعلم بها احد الاصباحاً حيث كانت الباخرة قد ابتعدت عن الشط كثيراً فقاموا عندها بتفتيش جميع زوايا الباخرة عنها حتى يئسوا من ان يعثروا لها على اثر وتيقنوا من انها ولا بد وقعت فى غفله منهم في احضان البحر وعند وصولهم البحرين نووا الحداد عليها لكن وبعد ثلاثه أيام جاءت برقيه من المحمرة تذكر خبر عنها فذهب ابنها الحاج علي بن الحاج محمد البوعلي وعاد بها . وهناك افضت الى اهلها بما جرى لها منذ ان وقعت في البحر حيث صارت تنادي : ادر كني يا ابا الحسن وتكرر الاستغاثه فمرت بها سفينه فيها جماعة من اهل تنكسير فانتشلوها وجاؤا بها الى جمرك المحمرة وبعد ان استجوبوها وعرفوا حقيقتها وحقيقة ما جرى لها ابرقوا الى اهلها في البحرين ليبشروهم بنجاتها وليطلبوا منهم القدوم لارجاعها لموطنها بعدها امتناناً من الابن الذي قر بعودة امه بعد يأس وتقديراً منه لهذه النعمة اقام قراءة لآل الرسول ولمدة عشر لیال :
        امتنانا من الابن الذي قر بعودة امه بعد يأس وتقديراً منه لهذه النعمة اقام قراءة لآل الرسول ولمدة عشر ليال :

        حي ابو محمد ملاذ الضايعات .. كنز الاسرار ومحل المشكلات
        نور بالعالم سفح بحر العلم .. فوق ساق العرش يسطع له رسم
        ورحمه الله اعلى الخلق بسمه تعم .. نطلب من الله اعلى حبه الثبات
        شبل موسى الشيعته ابكل وقت سور .. ضامن الجنات للرايح بزور
        حاكم من الله اوعلى رعيته غيور .. يسعى بالتدبير سر الكائنات
        بحر اوبر بالحماية شيعته .. ا نبشرك ياللي فزت بزيارته
        مغفرة امن الله وفوز بجنته .. اخلص الربك ما بقت لك سيئات
        ما بقت سيئه عليك اولا ذنب .. كان طبيت الحما لا ترتهب
        بالحشر لازم تشوفه الكل محب .. بالخلد رتب منازل عاليات
        بید ابوه مفتاح جنات الخلد .. يطرد الناصب ويرحب باليود
        حیدر ايذود العدا عن الورد .. مروي ایکاسه مهجنا الصاديات
        سادة العالم مثلهم ما يصير .. ما لهم رب العرش صور مثيل
        بالفضل كل الوجود الهم بشير .. كان بالعالم مثلهم شفت هات
        مثلهم يحصل بهالوادم امنين .. ما يغير فضلهم مر السنين
        حبهم المفروض اهو عمدة الدين .. شايع ابكل وقت منها المعجزات

        ان معاجزهم صلوات الله وسلامه عليهم لا تحصى وما نذكره عنه هو قليل من كثير ففي خبر آخر ذكر الرواة : عن جماعة اخرى انهم ركبوا القطار قاصدین ارض طوس المقدسة لزيارة اما منا الرضا (ع) لكنهم وفي طريقهم ساق القدر لاحد العائلات حادث مفجع في طفلة لهم حيث قامت بجهالة منها بفتح احد نوافذ القطار والقاء نفسها منها فاخذت الام الثكلى تضج بالصراخ والعويل راجيه العون لانقاذ ابنتها الوحيدة مع يقينها بان هذا شيء مستحيل ولكنها حرارة الألم . ألم الفقد من دفعها لذلك فاكملت رحلتها نادبة نائحة واهلها حائرون بين ان يسلوها او يشاركوها ما هي فيه الى ن وصلوا إلى هدفهم فقصد الاهل الفندق بينما سارعت الأم الفاقدة الى المشهد الشريف بلهفة واقتربت من الضريح وتشبثت بقضيبه بحرقة صائحه نائحة منتخية ومتضرعة لربها ان يرحمها بحق صاحبه ويشملها بلطفه فيعيد إليها ابنتها التي اختفت من حضنها في غمضة عين فضلت الأم على هذا الحال لازمة الضريح ثلاثة ايام حتى ظن الزوار بها الجنون فنفروا منها وتقاعس بعضهم عن الزيارة خوفاً منها ومن اذاها وفي اليوم الرابع دخل سدنة المشهد كعادتهم الى الضريح ليشرفوا على المكان فلما اقبلوا عليها وهي مستلقية نائمة وقد انهكها النياح تفاجئوا بوجود طفلة صغيرة مستلقيه لجانبها فادركوا انها ولا بد طفلتها التي تندبها وتندب فقدها فقد تفضل عليها الرحمان بارجاعها اليها سالمة كرامة للامام (ع) الي الذي توسلت به اليه . فعلوا عندها التهليل والتكبير لله سبحانه والصلوات على محمد وآله . ثم اخذوا الطفله قاطعموها والبسوها وايقضوا أمها ليبشروها بعودتها عندها عادت الحياة والاطمئنان للأم وقرت عينها بسلامة ابنتها واستبشر الاهل بهذا وابتهلوا الى الله بالشكر والحمد
        **
        وفي كراماته المنظومة (ع) :

        اقصد لبو محمد بطوس وزور مثواه ..كلمن قصد له استر قلبه وزال بلواه
        كم مفخره الضامن الجنه اوكم دلاله .. اوكم ضال عن درب الهدى الضامن هدى له
        اوكم زاير اتعطل وبو امحمد لفي له .. سهل طريقه امن الصعوبه او بلغه امناه
        كم من جماعه اتعطل المركب عليهم .. في ارض صحرا لا اكل لا شرب ليهم
        وتحيروا اوضامن الجنه قصد ليهم .. دلهم اوسيرهم او وصلهم المثواه
        حرمه اوضعت طفلين ليله في سفرها .. ترکت طفل شالت الثاني في صدرها
        واتوجهت صوب الرضا او نشرت شعرها .. او نادت اوليدي ابذمتك يلي قصدناه
        اوراحت مع الزوار إلى ضامن الجنات .. زارت او نالت في زيارتها المثوبات
        صدفه اوليد الشالته في هالسفر مات .. اوردت مع الحمله او قلبها اعلى الولد تاه
        وصلت مكان الي ولدها خلته فيه .. راحت الخفيه للمكان ابتشرف اعليه
        شافت ولدها مضطجع والحجر في فيه .. كون الباري له غذا منه او غذاه
        ردت به الحمله او قلبها ممتلي اسرور .. او من سايلوها شلخبر كشفت المستور
        أو قالت كرامه للذي رحنا له انزور .. أمنته او رد الأمانـه الـــــــي إئتمنـــــــاه
        صارت الحملة اتهلهل أو نشروا الفضيله .. أو هذي العوائد للرضا او هذا سبيله
        حاشاه ما ينضام هلي يلتجي له .. يكشف اكروبه لينخاه و یزیل بلواه
        وحرمه بجزيره سافروا عنها أهلها .. ركبوا سفينتهم او هي ضلت محلها
        من غير والي لكن الضامن كفلها .. بحفظ أو أمانه جابها او وصلها مثواه
        او نادى بعلها قوم واتلقى الوديعه .. هاللي اتركتها في ارض غربه او ضيعه
        اللي نخيته صاحب النفس المنيعة .. اتعنى او قطع ليها المسافه اوجابها اوياه
        قام ابعجل فرحان قلبه امن الحزن طاب .. وصل ولنها واقفه تنتظر بلباب
        ضمها ابصدره اوضمته والتقت لحباب .. قرت اعيونه اوعينها واسترت ابنـاه
        قلها اخبريني من نجدش امن الجزيرة .. قالت مضيتوا أوصرت في امري بحيرة
        ساعه اولفاني شاب مثل البدر نوره .. قلي انزلي لا تحزني كسرش جبرناه
        قلت له من انته قال الي ما تعرفيني .. آنا الأغيث اللي بشدة وينتخيني
        آنا الذي امن اجوار جدي طارديني .. آنا الذي في طوس مات او ما حدا اوياه
        آنا الذي امغرّب يحرمة عن الأوطان .. آنا الذي مدفون جسمه في خراسان
        آنا الذي في عنب سمّوني أورمان .. أنا الذي المأمون غاله او ذوب احشاه
        ودني يزوجي الحضرته بجري ادموعي .. وبلطم على راسي او باحنّي اضلوعي
        ما قصر الضامن نجدني اوذهب روعي .. خلني بنوح بحضرته وباموت وياه
        ودني إلى اللي عن اوطانه امغربينه .. ودني إلى اللي ابسـم قلبه امفطرينه
        ودني بعزي فاطم الزهرا الحزينه .. معلوم عنده جالسه بالحزن تنعاه

        **

        تعليق


        • #5
          الليالي الرضوية
          الليلة الخامسة : ( في سمّه ووفاته )
          .
          .

          قال هرثمة : كنت اخدم المامون لكن انا محب الى اهل البيت واكرمهم الرضا وكنت التقط الاخبار من المامون واخبر الرضا بما يسره وبما يضره .فقال لي :لاجزاك الله خيرا عنا اهل البيت وحشرك الله معنا في زمرتنا يا هرثمه سيسمني المامون في عنقود عنب مسموم وحب رمان وذلك انه ياخذ ابره فيها خيط منقع بالسم يوما وليلة فياخذه وهو يقطر سما قتال ويمر به ما بين ذلك الحب يا هرثمة فاما الرمان فانه يضع فيه السم في حبه وهو منزوع القشر مفتوح الافواه مره بعد مره ويكون فيه سبب هلاكي على يده فاذا فعل ذلك غيّر الله ما به من نعمه بذلك ابي موسى بن جعفر الكاظم عن ابيه عن جدي رسول الله .ثم قال: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} ثم استعبر باكيا وخنقته العبره وانشا يقول :
          اهرثمة لقد حان الرحيلُ .. الى الجنات لي فيها مقيلُ
          قصور شامخات قد اعدت .. وحور العين عندي تستطيلُ
          الى الجنات جدي يا خليل .. دعاني خالقي الرب الجليلُ
          لقد حان الفراق وحل خطبي .. فها دمعي على خدي يسيلُ
          سكبت مدامعي والقلب مني .. حزين والبكا مني طويلُ
          لما لاقيت من جور الاعادي .. وقد اسلمني الخلُ الوصولُ

          قال هرثمة : فخنقتني العبره وبكيت لبكائه لما سمعت منه هذا الكلام والابيات .فقلت له : بابي انت وامي يا ابن رسول الله ما هذا البكاء والنحيب. فقال لي: يا هرتمة اما تعلم ما نزل بنا اهل البيت من القتل والسبي وغصب الاموال وسفك الدماء وما نلقاه من السم والقتل والمكر والخديعه وجور الاعداء اما سمعت بواقعه كربلاء وما جرى فيها على جدي الحسين وحرمه اما كان جدنا محمد المصطفى ولا ابونا علي المرتضى ولا امنا فاطمه الزهراء فواغوثاه من جور اهل الدنيا وما نلقاه من شر اهلها في ظلمنا اهل البيت . ثم انه عليه السلام تزفر زفره عاليه وقال : ( إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ ) ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ربي يفعل ما يشاء اذا نزل القضاء فلا مرد له ( وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ) انا لله وانا اليه راجعون ( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ )
          قال هرثمة : فخرجت وانا ابكي وبقيت ازوره وقلبي متعلق به لما عاينت منه من براهين وفضائل ومعجزات ومناقب. قال هرثمة : فدعاني الامام يوما من الايام وكان في خلوه من الناس فاتيته وقبّلت ما بين عينيه وانا ابكي وقال لي : مهلا يا هرثمة ما هذا البكاء فقلت له شفقه مني عليك يا سيدي فقد ساءني ما ذكرته لي من فوادحكم اهل البيت. ثم قلت : فهل لك معي حاجه ؟. فقال لي : يا هرثمة دنى الرحيل وقرب الاجل الذي لابد منه ولا مفر عنه ولا محيص منه اعلم يا هرثمة ان المأمون بعد ايام قلائل سيسمني في عنب وحب رمان يكون فيه هلاكي وانا مطلعك على ما في قلبي وهذا سر بيني وبينك فلا تُظهر به على احد غيرك فاذا مت فاقصد المامون ان يجعل قبري خلف قبر ابيه هارون الرشيد وسياتيكم ومعه نفر من اصحابه ليحفروا قبري فلا يقدرون على حفره وتتصلب عليهم الارض باذن الله سبحانه وتشتد عليهم حتى تنكسر اعمدتهم ومعاولهم ولايستطيعون ان يحفروا منه شيء فاخبره انت عن موضع قبري فانه امام قبر ابيه هارون الرشيد وامره ان يتريث في حفره ويتاهب للصلاه ويصبر ساعه فسياتيكم رجل اعرابي راكب على بعير يحثه وعليه وعث السفر فيبرك بعيره عند جنازتي ويصلي بكم ويأمكم في الصلاه علي فاذا صلى بكم وفرغتم من الصلاه فاقصدوا المكان الذي وصفته لك فاحفروا منه يسيرا من الارض فستجدون فيه قبرا محفورا وفي وسطه ماء ابيض كالحليب فاذا كشف انصب عنه الماء الابيض وغار ولكن يا هرثمة اخبره عني باني قد اوصيت قبل موتي خادمي ابو الصلت ان يحفر قبل ذلك حفيره صغيره بمحضر المامون واصحابه وسترى فيها عجائب وبراهين يتعجب منها المامون واصحابه ثم قال لي : يا هرثمة اعجب المامون انه يعاهدني ويتمنى هلاكي وانشا يقول :

          نعق الغراب بفرقتي وبعادي .. عند الرحيل فاسال اهالي ودادي
          راموا هلاكي عند نقض عهودهم .. وانا لحبهم صفيت ودادي
          عن جيره نقضوا العهود وما وفوا .. عهدي ورامو ذلتي وبعادي
          عج بالبقيع مغردا يا حادي .. واقرا سلامي النبي الهادي
          واساله عن صحبي واهل مودتي .. والآل والاهلين والاجدادِ
          رحلوا عن الاوطان والدار التي .. كانوا بها في نعمه وسدادِ
          سكنوا اللحود وخلفوني باكيا .. من بعدهم ابكي بقلب صادي
          وانوح طورا ثم اصرخ تاره .. فلاجل فقدهم لبست سوادي
          بالله بالله ارجعوني سادتي .. طلوا وحيوني بلا ميعادِ
          دعوت رب العرش يجمع بيننا .. جميعا نصير بنعمه وسدادِ
          فيكون طيب العيش بعد فراقنا .. يا سادتي والله كان مرادي

          يقول هرثمة : فنظرت الى الامام علي بن موسى الرضا وانا ابكي ورايته بعد انشاد هذه الابيات انتحب وتزفر زفرة ظننت روحه خرجت معها ثم اغشي عليه فلما افاق من غشوته قال : يا هرثمة هيهات هيهات رجوع الاباء والاجداد بعد الممات ولكني لاحق بهم عن قريب ان شاء الله في الجنه يا هرثمه اعلم ان الموت اربع وخامسهم موت الانبياء والاولياء الصالحين واهون لان لهم فيه كرامه ونعمه وسرور اما موت الاربعه فاولهم موت الامراء والسلاطين وثانيهم موت العلماء الزاهدين وثالثهم موت الاغنياء المتلذذين ورابعهم موت الفقراء المحقورين اما موت الامراء والسلاطين فهو فتنه واما موت العلماء الزاهدين فهو ثلم واما موت الاغنياء المتلذذين فهو حسرة واما موت الفقراء المحقورين فهو راحه واما معاشر الانبياء والصالحين فانهم لا يموتون وانما موتهم الذي ترونه فهو انتقال من دار الى دار فهم في نعمه عند ربهم يتقلبون يا هرثمه اما سمعت قول الله ( وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} . قال هرثمة : فانصرفت عنه وخرجت من عنده وانا كالسكران من شده البكاء والحزن فدخلت على المامون فلما رآني وعاين في وجهي الكآبه وسوء المنظر وهيئه الحزن قال : ما لي اراك يا هرثمة كأنك محزون وانك مهموم فقلت له : يا خليفه الزمان الصدور لها ضيعات والدهر له اوقات يوم حزن ويوم فرح . ولم اطلعه على ما سرّني به الرضا (ع) من شعره ومقاله
          قال ابو الصلت : فلم يزل الرضا سخين العين يترقب الشر والاذى ووقوع البلاء عليه من المأمون وهو يعبد الله سبحانه وتعالى ويبكي ويتضرع بين يديه ويقول : اللهم بارك لي في الموت وما بعد الموت وما قبل الموت والحقني بجدي رسول الله في اعلى عليين مع الانبياء والصالحين
          قال ابو الصلت الهروي رضي الله عنه : دعاني سيدي الرضا ذات يوم من الايام ودخلت عليه فعاينته يبكي وقد بل لحيته بدموعه فقلت له : يا سيدي ما يبكيك لا ابكى الله لك عين ؟.فقال لي : يا ابا الصلت قد قرب الاجل وحان الرحيل الى الجنان وخير مقيل يا ابا الصلت كنت نائما في هذه الساعه فرايت في منامي جدي رسول الله صلى الله عليه واله في روضه خضراء من رياض الجنه جالسا على فرش الديباج الاخضر ومعه جدي علي بن ابي طالب وفاطمه الزهراء سيده نساء العالمين وامها خديجه الكبرى والحسن والحسين عليهم السلام اجمعين وجدي علي ابن الحسين وابنه محمد الباقر وابنه جعفر الصادق وابي موسى الكاظم ومعهم جعفر الطيار وعقيل وابنه مسلم وحمزه اسد الله كلهم جلوس مع جدي رسول الله وانوارهم تضيء وتشتعل وجوههم نورا والروضه تضيء من وجوههم وعليهم حلل الجنه فحين وصلتهم سلمت عليهم فضمني جدي رسول الله الى صدره وقبّل ما بين عيني وجعل يشم فاي ويلثمه ويبكي وهم يبكون حوله فقلت : يا جداه ما يبكيك ولم تلثمني في فمي ؟.فقال لي وهو سخين حزين القلب ودموعه تجري : يا ولدي انك تذوق السم من خصمك المامون وتصير الينا عن قريب فالعجل العجل يا بني الوحى الوحى فان جنان عدن قد تزينت لروحك والحور العين مشتاقون اليك وكلنا مشتاقون اليك .فقلت لهم : متى اصير اليكم في الجنان ؟.فقال لي : في يوم 23 من شهر رمضان - والراوية المعتمدة في 17 شهر صفر - .
          فودعته وانا في حضنه وانتبهت وانا ابكي لفراقهم يا ابا الصلت قم معي لتشيعني فاني سائر الى المأمون في هذه الساعه. ونهض الرضا وسار وانا معه اشيعه الى ان وصلنا باب المأمون فقال لي : يا ابو الصلت كن جالسا ها هنا لتنتظر قدومي اليك فان خرجت اليك وانا مغطي الراس فكلمني وان رايتني خرجت اليك وانا مكشوف الراس فلا تكلمني فاني مشغول بنفسي
          قال ابو الصلت الهروي : فدخل عني الرضا (ع) الى المأمون فلما عاينه قام اجلالاً له على قدميه وتصافحا ثم ادخله دارا خاليا عن الناس واحضر له سفره فيها انواع الطعام وفيه صحن فيه عنقود عنب ورمان مفتوح الافواه فاكلا جميعا فلما اكتفيا من الاكل رفعت السفره عنهما وغسل ايديهما فلما فرغ اخذ المأمون لعنه الله الصحن وقدمه للرضا (ع) فقال : يا ابن رسول الله كل من هذا العنب الجنين والرمان الشهي . فتناول (ع) حبه واحده وابتلعها فلما ذاقها وجد كأن من فيه الى سرته من يقطعه بالسكاكين او يشرحه بالمواسي وايقن الامام الرضا بالموت
          قال ابو الصلت الهروي : ولم يزل الرضا (ع) جالسا حتى اتاه المأمون فهمّ الرضا بالخروج والانصراف عنه فقال له المأمون : الى اين تمضي ؟.قال (ع) : الى الوجه الذي وجهتني اليه وانت تعلم ما صنعت بي بعد ان عاهدتني فالله يجازيك بما صنعت بي أكان هذا جزائي منك حتى اوقعتني الهلاك لطلب الدنيا ورئاستها أنى والخلود يا مأمون ستحصد ما زرعت فهيهات هيهات الخلود فيها ( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ) وانشا عليه السلام يقول

          صرف الزمان وريب الدهر ابكانا
          فنغص العيش منا ثم اضنانا
          كنا بطيبه مسرورين في فرح
          بربعها نسحب الاذيال تلقانا
          جبريل يخدمنا بالوحي يؤنسنا
          والله يعصمنا والكل يرعانا
          والدهر شتتنا والسم غادرنا
          والجور حل بنا والسيف افنانا
          فبعضنا مات مسموما بغصته
          يعالج السم فوق الفرش سكرانا
          واخرا بذباب السيف منعفرا
          مجدلا عاريا بالطف عريانا
          نساؤنا سبيت من بعد ما سلبت
          اطفالنا ذبحت ظلما وعدوانا
          اين النبي يرانا في القيود على
          قتب المطايا اسارى بين ادانا
          اين النبي يرى راس الحسين على
          رمح طويل اعلى الافق قد بان
          اين النبي يرى ما نال عترته
          صرعا جرى دمهم في الارض غدرانَ
          اين النبي يرى جسم الحسين على
          الرمضاء منعفرا بالطف عريانا
          اين النبي يرى المصلوب زيد قضى
          بجذعه علقوه القوم ازمانا
          اين النبي يرى العباس قد قطعوا
          كفيه ظلما قضى بالسيف ظمانا
          اين النبي يراني صرت مضطهدا
          بالسم من بعده كابت احزانا
          لكان يلطم منه الخد اذ نظرت
          عيناه ما نالنا من كيد اعدانا
          الو ان فاطمه الزهراء تنظرنا
          وعاينت عينها منا الذي كانَ
          لكان تلطم خديها وتندبنا
          حزنا وتبكي علينا ثم تنعانا
          لو ان حيدره الكرار ينظرنا
          عند الشدائد يحمينا ويرعانا
          ماتوا وراحوا وصرنا في شفا جرف
          من الاذى نشتكي ظلما وعدوانا

          قال صاحب الحديث : ثم ان الرضا بكى بكاء شديد وخرج وهو يتلظى بسمه ويكابد حراره السم وهو مكشوف الراس وسار الى بيته ومعه أبو الصلت الهروي يشيعه الى ان وصل بيته ورمى بنفسه على فراشه وهو ما يدري ما يصنع بنفسه فبكت عليه ونعى نفسه فخرجت عنه وانا ابكي وقد ايست منه فلما كان اليوم الذي توفى فيه يوم الاثنين دعاني الامام الرضا فاتاني رسوله فايقنت انه نزل به الموت الذي لابد منه فاتيته ودخلت عليه وانا ابكي فقال لي : يا ابا الصلت اغلق علينا الباب فغلقته وجلست بين يديه فقال لي : يا ابا الصلت دنا الرحيل وحانت المنيه وحضرني الموت الذي لا محيص عنه واني ساوصيك خيرا باهلي واولادي فاخدمهم من بعدي وثاني وصية اوصيك بها فلا تضيعها اعلم يا ابا الصلت اذا انا مت ياتيكم المأمون باصحابه يريد غسلي وتجهيزي والصلاه علي وحفر قبري خلف قبر ابيه هارون لعنه الله ليجعل قبله قبري فتتصلب عليهم الارض وسياتيكم ومعه نفر من اصحابه ومعهم الاعمده والمعاول والمساحي فاسمع وقع المعاول والاعمده في الارض كدق المطارق فيعجزون عن حفر قبري فخبر المأمون عن كلامي فانه يطيعك على رغم انفه وقد اوصيت بهذه الوصيه الى هرثمه فاذا اطاعك فتقدم انت امام قبر ابيه هارون الرشيد فخذ بيدك مسحات واحفر لي في هذا الموضع حفيرة طولها ذراع وعمقها بقدر شبر وعرضها ذراع فاخرج عنها وانظر انت والمأمون وهرثمة فسترى تلك الحفيره تطول وتعرض وتعمق بقدره الله تعالى حتى تصير قبرا كاملا بقدرة الله فيه قبر عظيم اعده الله لي قبل ان يخلق الله آدم وسيخرج لكم فيه ماء ينبع في وسط اللحد وسترون فيه حيتان صغار يجرين فيه وهو الماء الذي بوسط اللحد ففتت لهن هذين القرصين الذي اعطيكهما في هذه الساعه واخرهما لهن لياكلن فيكبرن في تلك الساعه وهن يومئذ اربعون حوتا لا يزدن ولا ينقصن فتخرج له حوته كبيره من بطن اللحد فتلتقطهن جميعا وتغيب عن الابصار بقدرة الله تعالى وساعلمك يا ابي الصلت كلاما تقرأه على الماء الذي في اللحد ويكون كفك اليمين موضوع على فمك فيغور الماء وينشق فادفني انت بنفسك وقل للمأمون لا يهتم في غسلي وتكفيني ولا الصلاة علي وقل له يصبر ساعه الى ان ياتيكم امام عصركم الامام محمد الجواد فهو الامام بعدي والحجه عليكم وستسالون عن امامته وطاعته فرض عليكم في الدنيا والاخره ثم صلوا علي خلفه فهو يأمكم في الصلاة علي
          قال ابو الصلت الهروي : ثم ان الرضا علمني الكلمات ثم اغمي عليه فلما افاق من غشوته قال لي : يا ابا الصلت اتني بالطشت فاتيته به وقدمته بين يديه ومضيت لاتيه بالابريق فاتيته به فوجدته قد تقيأ قطعه من كبده في ذلك الطشت وتقيأ مره ثانيه فخرجت كبده قطعه بعد قطعه فبكيت عليه بكاء شديد ثم اغشي عليه ورفعت الطشت من بين يديه فلما افاق قال : اتيني بطشت غيره فاتيته بالابريق لاستباحه الصلاة وصلى ركعتين من جلوس ثم بسط كفيه ورمى بطرفه الى السماء ودعا الله بكلمات لم افهمها وأومى بيده الى نحو المدينه وخر لله ساجدا قال ابو الصلت الهروي : فوالله ما استتم دعائه ورفع راسه من سجوده حتى رايت رجلا امامي واقف كهيئه الرضا فتاملت واذا هو شاب حسن الشباب كغصن بان او قضيب خيزران صبيح الوجه عريض الصدر عظيم المنكبين قوي الساعدين ملتف العضدين عذب الكلام فصيح اللسان حلو المبسم مليح الثنايا بهي اللون يلمع النور من بين ثناياه فتعجبت منه فانكب عليه وقبل ما بين يديه فجعلت انظر اليهما وهما يلثمان بعضهما بعضا ويبكيان واعتنق مليا هذا والامام محمد الجواد يبكي ويصيح : واابتاه وامحمداه واعلياه واحسناه واحسيناه وانقطاع ظهراه واعظم مصيبتاه بك يا ابتاه واغشي عليهما وانا ابكي لبكائهما فلما افاق الامام محمد الجواد بكى وانشا يقول

          جار الزمان علينا ثم افنانا .. وصدعنا الذي قد كان يهوانا
          فنحن في خطر من غير ما جرمٍ .. من البلاء وصرف الدهر اودانا
          مشردين عن الاوطان في محن .. من الانام وزارتنا منايانا
          لو اننا ورسول الله يجمعنا .. لكان يكرمنا من كان عادانا
          فاليوم يحسدنا من كان يبغضنا .. واليوم يظلمنا من كان يتنانا
          اشكو الى الله مما حل بي وبكم .. من الانام وممن كان اذانا

          قال ابو الصلت الهروي رضي الله عنه : فلما فرغ الامام الجواد من شعره بكيت عليه واحتضنته وجعلت اقبّل ما بين عينيه وانا ابكي فقلت له : من انت يا سيدي؟. فقال : يا ابا الصلت انا الذي فرض طاعتي عليك وانا ابن مولاك علي بن موسى الرضا .فقلت له : انت محمد بن علي الجواد الذي اوصانا ابوك بطاعته ؟.فقال : نعم .فانكببت على قدميه اقبلهما فقلت له :ىيا سيدي من اين اقبلت ؟. فقال : اقبلت من المدينه المنوره لما دعاني والدي الرضا اجبته واتيت اليه لان طاعته فرض واجب وسمعته ينادي بكلمات ما يعلم تاويلها الا الله تعالى والدنيا خطوة مؤمن ولا يبعد علينا مكان ولا يعوزنا شيء الا اعطانا الله اياه .فقلت : كيف دخلت والباب مغلق علينا ؟.فقال : فضائلنا لا تحصى اهل البيت والذي اجتبانا وهدانا وحبانا وعظمنا واكرمنا وملكنا الاسم الاعظم المكنون المخزون الذي هو بين الكاف والنون وهون علينا كل صعب شديد وسهل لنا كل عسير وطوى لنا البعيد وملكنا
          ما نتمنى ونريد والهمنا الصبر على البلاء وولانا رقاب المسلمين وفقهنا بالدين وعلمنا علوم الاولين والاخرين وصيرنا حرسا لاهل الارض اضاءت بنا الدنيا وانارت بنا الاخره وويل لمن عصانا وطوبى لمن اطاعنا وسيحشر معنا في زمرتنا ويفوز بجوارنا وانشا محمد بن علي الجواد يقول

          نحن نسل النبي جميعا خصصنا .. بنبا الوحي من نبا جبريل
          اكرم الله جدنا وابانا .. حيدر من اتى له النزيل
          فرض الله حبنا وولانا .. يوم خم فجاء فينا الدليل
          من توالى بنا وعقد ولانا .. فله في الجنان ظل ظليل
          ويل لمن حل عقدنا وولانا .. عقابه في الجحيم ويل طويل

          قال ابو الصلت الهروي : ثم ان الرضا قال : يا بني ادنو مني فقد نزل بي الموت الذي لابد منه ولا محيص عنه فدنى منه ابنه محمد الجواد وضمه الى صدره وقبّل ما بين عينيه وجعل يشمه ويلزمه ويقول: يا بني حان الفراق فلا لقاء بعده الا في الجنه فاوصيك باهلي ونسلي وقرابتي ورحمي وصاحبي فرفقا بهم وعليك بتقوى الله وطاعته وحسن عبادته والامر بالمعروف والنهي عن المنكر واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين وعليك بالاحسان الى محسنهم والتجاوز عن مسيئهم واكرم من قصدك واعفوا عمن ظلمك وكن في الدنيا كريما وعابر سبيل
          قال ابو الصلت الهروي : ثم ان الرضا سلم اليه خاتمه وفرسه وبغلته ولامة حربه وما كان معه من مكارم الانبياء والمرسلين ثم انه ادار وجهه الى القبله وغمض عينيه ومد يديه ورجليه واطبق فاه وقال : هذا ما وعد الله ورسوله وصدق المرسلون واشهدوا ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله ارسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون واشهد ان الخليفه من بعده علي بن ابي طالب ثم من بعده الحسن والحسين ثم التسعه المعصومين من ذريه الحسين خاتمهم قائمهم اللهم عجل فرجه وسهل مخرجه صلوات الله وسلامه عليه اجمعين ( وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ ) ثم قرا سوره ياسين فلما ختمها فاضت روحه الشريفة المقدسه وااماماه وامسموماه واغريباه
          قال ابو الصلت الهروي : فتاهبت لغسل الرضا (ع) وقمت قائما على قدمي وشددت وسطي بمحزما معي وشمرت اذيالي الى ورائي ونظرت الي الامام محمد الجواد فقال لي : الى ما هذا التشمير يا ابا الصلت ؟.فقلت : لاعينك على غسله وانال من ربي الرحمه والرضا .فقال لي : مهلا يرحمك الله ان معي من يساعدني ويعينني على غسله غيرك .فقلت : من هو يا سيدي ؟.فقال : الملائكه ملائكه رب العالمين ولكن امضي الى الخزانه وآتني بالمغتسل والتابوت والماء .فقلت : يا سيدي ما في الخزانه مغتسل ولا تابوت ولا ماء .فقال : امضي على بركات الله تجدهم فهيا .فمضيت الى الخزانه فوجدت كلما وصف لي فاتيت به اليه فقال لي: يا أبا الصلت امضي ثانيا الى الخزانه واتني بالسفط الذي فيه كفن ابي الرضا وحنوطه. فقلت : يا سيدي ما في الخزانه شيء .فقال : امضي على بركات الله تجده فيها .فانطلقت واتيت الخزانه ودخلتها واتيت بالسفط له وانا متعجب منه واستخرج كفن الرضا وحنوطه ووضعه في ذلك التابوت وصلى بنا عليه فلما فرغنا من الصلاه عليه تقدم الامام ودعا الله بكلام لم افهمه وانشق السقف وسار التابوت بالرضا وانا انظر اليه الى ان غاب عن الابصار فتعجبت وبقيت باهتا لما عاينته فقلت له : يا ابن رسول الله لا حول ولا قوه الا بالله العلي العظيم الساعه ياتينا المأمون ويطالبنا بالرضا .فقال : يا ابا الصلت ما من نبي يموت ويموت وصيه الا ويجمع الله بين روحيهما وجسديهما ولو كان بالمشرق ووصيه بالمغرب ثم يعود كل واحد منهما الى ضريحه وكذلك الائمه عليهم السلام .قال : فما استتم كلام الامام الا والتابوت قد اقبل وانشق السقف بقدرة الله تعالى فقام الامام واخرج ابيه الرضا وجرده من كفنه والبسه ثيابا طاهرة فقلت له : يا سيدي الى اين طار التابوت ؟.فقال لي: الى البيت المعمور في السماء الرابعه لتصلي عليه الملائكه ويطوفون به .ثم قال : يا أبا الصلت قم وافتح الباب للمأمون وقمت وفتحت الباب واذا بالمأمون لعنه الله وغنمانه بالباب فدخلوا فعاينوا الرضا ميتا على فراشه فصرخ المأمون ولطم خده وشق جيبه وبكى وصاح ونادى واعلياه وانقطاع ظهراه نفاقا وتملقا خوفا من الناس لا خوفا من الله قهو من سمه وسعى في انهاء وجوده من الدنيا فواحسرتاه على الامام الرؤوف وواحزناه الغريب المسموم

          مات الامام الذي قد كان يؤنسنا .. فغاب عن ناظري واليوم يوحشنا
          حسره قد اباتت في حشا كبدي .. من فقده صرت مبهوتا فواحزنا
          وكنت اعلم ما القاه من اسفِ .. فديته واسكنت اللحد والكفنَ
          لكن قضى خالقي هذا فقدره .. من عظم وجدي هجرت الاهل والوطن

          قال صاحب الحديث : فعلت الرنة وكثر البكاء والنحيب وارتجت الارض وماجت السماء وتعطلت الافلاك وضجت الاملاك وبكت الجن والانس واظلمت الدنيا وغارت المياه وتدكدكت الجبال وتزعزعت الاوطان واضطربت الحيتان في البحور وعاف الكلأ وحش الفلا وماجت طوس باهلها وانكسفت الشمس بالنهار وانخسف القمر بالليل واقبلت الناس يهرعون من كل جانب ومكان فلم تلقى في ذلك اليوم الا باكي وباكيه وصارخ وصارخه واما ابنه محمد الجواد فانه شق جيبه ولم يتمالك دون ان اغشي عليه فلما افاق من غشوته نادى : واابتاه واعلياه واحسيناه واحسناه وانقطاع ظهراه وانشا يقول
          مضى سروري وراحت ربع لذاتي .. وسال دمعي على خدي ووجناتي
          مات الكريم الذي قد كنت اعهده .. واحسرتاه له واطول لوعاتي
          يا عين سحي دماً وابكيه حين قضى .. مضى بروحي وزارتني منياتي
          مات الذي كان يرعاني ويحفظني .. من العدا ويقيني من ملماتي
          هذا ابي ميتاً في الترب منجدلاً .. يا دمع سحي على خدي ووجناتي

          قال صاحب الحديث : فلما فرغ من شعره غاب عن الابصار واما زوجة الامام فانها شقت جيبها ولطمت خدها وبكت وانشات تقول
          صرف الزمان دهاني ثم ابكاني .. ففاض دمعي بخدي ثم افناني
          راح الحبيب الذي قد كنت الفه .. مضى بروحي فليت الموت افناني
          شرقت بالريق فيه واضنى جسدي .. راح الحبيب الذي قد كان يرعاني
          فصرت من بعده ابكي واندبه .. اكفكف الدمع من عيني بارداني
          يا موت هل من فدى بالروح تقبََلُهُ .. فديت روحي لخلٍ ما له ثاني
          لا خير في زمن من بعد مصرعه .. راح الذي كان ارعاه ويرعاني
          مضى لحورٍ وجنات مزخرفه .. وحور عين وروح ثم ريحانِ

          قال صاحب الحديث : ثم انها قالت : واسفاه عليك يا نور عيني ومهجه فؤادي واحزناه عليك يا من الفته والفني ورباني واكرمني وحباني وضيعتاه بعدك يا من حفظني وكلأني واطول حزني عليك يا من يانسني في وحشتي وراح عني وخلاني من للارامل واليتامى يا حبيب القلوب وكهف كل مكروب واحر قلباه عليك ووامصيبتاه يا صاحب المعجزات والبراهين والايات البينات فوالله لا اسلوك ولا انساك الى ان اموت وتراني واراك بعد الممات ما اسرع اللحوق بك يا علم الهدى ومصباح الدجى يا قدوه الراكعين والساجدين يا خليفه رسول رب العالمين وامام المسلمين وامان الخائفين وكنز الفقراء والمساكين وصرخت صرخه عظيمه وخرت مغشيا عليها فشققن الجيوب ولطمن الخدود وتداعين بالويل والثبور وعظائم الامور وصحن واعلياه وااماماه من ذا الذي يرشدنا بعدك يا غريب طوس وبكين عليه وقلن واضيعتاه وانقطاع ظهراه واقمنا عليه النوح والعويل حتى صار كأنه اليوم الذي مات فيه رسول الله ثم صببن الماء على وجهها فافاقت من غشوتها ولم تسكن زفراتها وانتها حتى كادت ان تخرج روحها من بدنها وقالت :
          عسى الله ان يجمعني به وسط روضة
          بجنات عدن صفوها لايكدر
          فيارب عجل موتتي بعد موته
          سريعا سريعا انني لست اقدر
          على هجره ياسيدي وفراقه
          فموتي عندي فهو شهدٌ وسكر

          قال صاحب الحديث : ثم ان المأمون نادى وصاح باعلى صوته : قوموا في غسل الرضا وتكفينه قال ابو الصلت : انه طاهر مطهر نظيف من حدث الموت وحنطه وكفنه ابنه محمد الجواد واعانته الملائكه على غسله واخبره بما صار من امره فتعجب المأمون من ذلك وقال رياءا امام الناس ليبعد عنه الشبهة في اغتيال الامام : ( ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ ۗ ) لا شك انهم خلفاء الله من بعد جدهم وحجج الله على خلقه وامناءه على دينه بهم قد انقذنا الله من الكفر والشرك والضلال وهدانا بهم سواء السبيل
          هدينا بآل المصطفى علم الهدى .. وخير نبي جاء في اخر الرسل
          حباهم إله العرش بالفضل والتقى .. وخصهم بالجود والعلم والعدل
          ولولاهم لم يخلق الله خلقه .. ربوا في فخار العز في كللِ الفضل
          سقى الله اجداثا لهم وقبورهم .. سواكب مزن الغيث غلا من النهل

          قال ابو الصلت : فوضعنا الرضا في كفنه وتابوته كما كان اول وسرنا به الى موضع تربته الشريفه فلما وصلناها امرنا المأمون لعنه الله ان نحفر له قبرا خلف قبر ابيه هارون لنجعله امام قبر الرضا واحضر المعاول والاعمده والمساحي وامر غلمانه بحفر ذلك الموضع فاشتدت الارض عليهم حتى تكسرت اعمدتهم ومساحيهم ولم يقدروا على حفر شيء منها بقدرة الله تعالى قال ابو الصلت الهروي : تقدمت انا للمأمون ووقفت بين يديه وقلت له: يا سيدي مهلا يرحمك الله اعلم ان الرضا اوصاني اليك في زمان حياته قال لي يا ابا الصلت قل للمأمون ليس قبري خلف قبر ابيه وعلمه بموضع قبره فاذا اشتدت عليه الارض فليحفر لي حفيره صغيره بحضرتي حتى يرى مني امور عجيبه وبراهين ومعجزات يتعجب منها وتكلم له بمثل كلام الرضا حين اوصاه به وقال المأمون : حبا وكرامة لله وللرضا .واتى الموضع الذي امرني به الرضا ان احفر له حفيره صغيره طولها ذراع وعرضها ذراع وعمقها شبرا واحد فحفر بها فوجدنا فيها نداوة فتكلمت بكلام الذي امرني به الرضا فنبع الماء واتسعت الحفيره عرضا وطولا وعمقا حتى صارت قبرا فيه لحد مشقوق من الصخر وامتلا ماء كالزجاج ابيض كبطون الحيات فخرجت منه اربعين حوتا وصرنا يعمن فيه على وجه الماء ويجلن فيه عرضا وطولا يطلبن القوت مني ففتيت القرصين لهن فاكلنها جميعا والمامون ينظر لهن فكبرنا في تلك الساعه فخرجت له النحوته عظيمه كبيره الهيئه بهيئه بهيه الصوره حسنه المنظر فالتقطتهن عن اخرهن وغابت عن الابصار فوضعت كفي اليمنى على فمي وتكلمت بالاسم مره ثانيه فغار الماء ودفنت الحفيره حتى تساوت الارض عليها كما كان اولا فتعجب المأمون وقال : لا زال الرضا يرينا العجائب حيا وميتا باقوم ما تاويل ما راينا من الماء والحيات والحيتان الصغار والحوت الكبيره التي احاطت بهن وابتلعتهن عن اخرهن وغابت عن الابصار ؟. فقال له بعض الاصحاب وكان من خواصه واعز الناس اليه: اخبرني الامام الرضا عليه السلام عن ابائه عن جده رسول الله صلى الله عليه واله انه قال لامير المؤمنين يا ابا الحسن يخرج من صلب عمي العباس بن عبد المطلب اربعون رجل يدّعون الخلافه من بعدي ويغصبون السلاله المحمديه والعتره العلويه الذي هم نسلك وصلبي المنصوص عليهم بالامامة والخلافه بامر رب العالمين فيظلمونهم ويقهرونهم ويزيلونهم عن مراتبهم التي رتبهم الله عليها يوم غديرخم ويغتالونهم بالسم والقتل حتى يهلكونهم عن اخرهم فاذا فعلوا ذلك سلط الله عليهم رجل من نسلك ياخذ بتارنا وانا بريء منهم يوم القيامه فهذا شرح ما قاله الرضا فالحوت الصغار خلفاء بني العباس والحوت الكبيره فهو الذي ياخذ الثار من بني العباس فبكى المأمون المنافق وقال : وااسفاه مضى الامر بما فيه . فبينما نحن كذلك واذا باعرابي راكب على بعيره يحثه حثا شديدا وقد ضيق لثامه وتقلد حسامه فلما وصلنا حسر عن لثامه فتاملناه فاذا هو شاب حسن الوجه افرق الثنايا اشبه الناس بالرضا فلما اتى الى ابيه الرضا عرفناه محمد الجواد فتقدمنا وصلى بنا على ابيه الرضا وقال بعد الصلاه : السلام عليك يا ابتاه واحزناه عليك اما انت فقد استرحت من كرب الدنيا وغمها وبقيت انا بعدك اكابد احزانها فاقرا جدي السلام مني واخبره بما انا فيه من الاحزان وانشا يقول
          بكيت ودمعي ساكبا فوق لامتي .. وامسيت محزونا اكابد زفرتي
          وقفت بجنب الدار من ارض طيبه .. اسائل عن صحبي واهل مودتي
          صرخت اناديهم واسال عنهم .. واينهم يا دار مالي اراهم
          نأوا بفؤادي حين قلبي دعاهم .. فاينهم يا دار اين احبتي
          واين رسول الله اعني محمدا .. واين علي مرتضى علم الهدى
          وأين شبيرا ثم شبر بعده .. واين ابي والأم واين جدتي
          هي البضعه الزهراء سيده النسا .. عليها سلام الله في الصبح والمسا
          فاينهم يا دار مت من الاسى .. فاينهم يا دار اين قرابتي
          فقالت دعاهم داعي الموت والفنا .. فنالوا نقيع السم والقتل والفنا
          خلا ربعهم مني وعمرهم دنا .. وغابوا عن الابصار يا لك غيبةً
          فهم اوحشوني يوم غاب خيالهم .. وكنت ارى من حسنهم وجمالهم
          فروض زهى من حسن طيب فعالهم .. وكانوا مصابيح الدجى والهدايةِ
          فها دورهم قفر الرسوم بلاقع .. وها نسلهم بين البريه ضائع
          ينحن حنين الإلف ما لاح لامع.. ويبكي عليهم كل حين وساعةِ
          مهابط وحي الله جميعا تعطلت .. من الوحي لما ان ديارهم خلت
          واضحت خرابا بعدهم وتبدلت .. ولله حكم في الورى والبريةِ

          قال صاحب الحديث : فلما فرغ الامام من شعره سوى القبر ثم غاب عن الابصار واختفى عن الناس هو وبعيره صلوات الله عليه وعلى ابائه واجداده وابنائه الكرام مصابيح الدجى وانوار الظلام فرجعنا الى منازلنا واقمنا عزائه سبعه ايام وبعد ذلك بعث المأمون الي ابى الصلت الهروي وقال له : علمني بالاسم الذي تكلمت به على الماء فنبع وتكلمت به ثانيا فغار . فقلت له أبا الصلت : نسيته يا خليفه الزمان .فامر بسجني وضيق علي في سجني بعد ان قيد رجلي وغلل يدي الى عنقي ووضع الزنجيل في عنقي وقال لي : تعلمني الاسم الذي علمك به الرضا والا ضربت عنقك فضاق صدري وايقنت بالهلاك وكلف بي غلمانه يحرسوني تلك الليله وجلسوا على باب السجن فلما جن الليل ونامت العيون ولم يبقى الا الحي القيوم صرت ادعو الله عز وجل وابكي واقول : يا دافع البلايا ويا مفرج الكربات ويا غافر الزلات انت تعلم ما نزل بي من الكرب العظيم والبلاء المقيم ففك اسري وادفع ضري وفرج همي وغمي وادركني ففرجك قريب يا ارحم الراحمين .فبينما انا ابكي وادعو الله بهذا الدعاء واذا بالنور مضيء فتاملته فاذا هو سيدي محمد الجواد واقفا امامي فسلمت عليه فرد علي السلام وقال لي : لا باس عليك بعد هذه الساعه يا ابا الصلت الهروي اتيتك من المدينه المنوره في هذه الساعه لما سمعتك تدعو الله عز وجل وتستغيث فابشر بالفرج ثم اشار بيده الشريفه الى القيود والاغلال التي كانت في عنقي ورجلي ويدي ودعا الله بدعاء لم افهمه فانحلت الاغلال والاقياد من عنقي ويدي ورجلي فقبض علي بكفه الايمن وقال لي : قم يا ابا الصلت وسر معي ولا تخاف من المأمون وشره فانت في حماي وذمتي. فخرجنا من السجن والغلمان ينظرون الينا ولم يرونا فلما بعدنا عنهم واراد الامام الانصراف عني قبلت يديه ورجليه وودعته واختفى عني فاتيت منزلي وانا احمد الله واشكره على سلامتي من المأمون ولم يعارضني الى الآن ببركه الرضا (ع)
          وكان وفاه الامام يوم الجمعه في يوم 23 من شهر رمضان وقيل يوم الاثنين يوم السابع عشر من شهر صفر ودفن في طوس في دار حميد بن قحطبه في القبه التي بخراسان فيها قبره هارون الرشيد واما عمره 55 سنه وقال المرتضى رحمه الله عاش 47 سنه وسته اشهر واما عدد اولاده على ما روته الثقات فهم سته وابنة واحده وهم الامام محمد الجواد ومحمد القانع وجعفر وابراهيم والحسن والحسين وابنته عائشه وفي روايه اخر ما ترك الرضا بعد موته الا محمد الجواد والله اعلم
          فياشيعة الرضا ويامحبين ةياموالين ابكوا على مصاب امامكم المسموم الغريب بالدموع الغزيرة واندبوه فان
          مصابه عظيم ومحنته شديدة ولكن
          حصّل غسل حصّل كفن واتشيع ابساع
          ودوه القبره واندفن ما حصل منّاع
          لاچن حسين الماحصل شيله عن القاع
          محد حضر جثته اوعن الرمضى رفعها
          ظل بالشمس مطروح محد وصل يمه
          بس الحريم اتنوح والأطفال لمه
          هاي التجيه اتقبله اوذيچ التشمه
          شيفيد لمة هالحرم يمه اوجمعها
          أسأل من الناس من شالوا النعش
          للقبر ماشين الكل خده خمش
          بالدمع قبره ابدال الماي رش
          ورش ضريح حسين سجاد ابدموع
          أسأل على حسين منهو الغسله
          من حفر قبره اويا هو النـزله
          لو بقى مطروح عاري ابكربلا
          والعوادي هشمت منه لضلاع
          ​نادى ابن سعد گوموا يفرسان
          العبوا فوگ صدر احسين ميدان
          تعنّت خيل عشره الفخر عدنان
          خبوها اعلى صدره اشلون قاسين
          داست خيلهم ظهر المچنّة
          بحوافرها يويلي جلبنّة
          ظهره فوگ صدره رضرضنّه
          ردّن من بعد ما فعلن الشين

          نادت المحزونة الممتحنة بالوان البلايا :
          يخويه فوگ اصاويبك يرضّوك
          ولا راعوا شرف جدّك ولا ابوك
          عطشان من الورد منعوك
          وچثته امعفّرة فوگ الوطيّة

          اليمة تنصب ابعاشور ، عشره
          على الداست اضلوعة اخيول ، عشره
          متنسى الشابكه اعلى الراس .. عشره
          لو متنسى كفوف ابو فاضل وخيّة​
          ***

          تعليق

          المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
          حفظ-تلقائي
          Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
          x
          يعمل...
          X