بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ ۚ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ۚ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ﴾[1].
التخصيص في هذه الآية بعنوان الصلاة طرفي النهار حيث يختصان بصلاتي الفجر والعصر، وزلفا من الليل حيث تعم صلاة الليل إلى العشاءين، قد يفوّت صلاة الظهر وهي من الصلاة الوسطى.
علّ الحل هو أن النهار في الأصل هو قضية جري الشمس منذ فجرها حتى غروبها، ولا سيما في حقل الصلاة، وقد يختلف النهار إفرادا وتثنية وجمعا في مختلف الحقول الاشتغالية والأحوالية، وهنا في حقل الصلاة التي تعرف الظهيرة في الدرجة الثانية من مخمسها قد يشملها النهار بطرفي الثاني.
فللشمس جريان، جري أوّل وجري ثان، فالأول هو منذ فجرها حتى دلوكها، والثاني هو منذ دلوكها حتى غروبها، وعليه فللنهار طرفان، طرفه الأول هو منذ الفجر، وله صلاة الفجر، وطرفه الثاني منذ دلوك الشمس حتى الغروب وله الظهران، ف ﴿أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً﴾[2]، تقرّر كلّ زمن دلوكها زمنا للصلاة، فأول دلوكها للظهيرة، ومن ثم لصلاة العصر، وكما تقرر الفجر لقرآن الفجر، و ﴿إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ﴾، تقرر العشاءين. إضافة إلى صلاة الليل ولكنها مفروضة خاصة بالرسول (صلى الله عليه وآله) حيث الخطاب هنا يخصه كما وفي أخرى: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ﴾[3]، هذا، وقد يتأيد عناية صلاة الليل إلى العشاءين من جمعية ﴿وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ﴾، دون «زلفتين» حتى تختصان بالعشاءين، فكيف تصدق على الرسول (صلى الله عليه وآله) المخاطب بهذه الجمعية، المفروضة عليه صلاة الليل: «هما زلفتا الليل» اللّهم إلاّ بتأويل أنهما فرض أمته، إذ لم تفرض عليهم صلاة الليل، ولأن زلف الليل هي الزلفى من منازله ومراقيه، فلتكن صلواته الثلاث منقطعة عن بعضها البعض في أفضل أوقاتها، فالمغرب في أوله والعشاء قبل غسقه وصلاة الليل كلما كانت أقرب إلى الفجر فأقرب، وكما لمحت لها آيات، ووردت بها السنة.
﴿أَقِمِ﴾، ف ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾، إذا فهذه الصلوات هي قمة الحسنات، وترى كيف يذهبن السيئات؟ الإذهاب هنا بين دفع ورفع، دفع عن السيئات كبيرة وصغيرة حتى لا تحصل ف ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ﴾[4]، ورفع للسيئات الصغيرة لأن الصلاة من الحسنات الكبيرة فتركها من السيئات الكبيرة، ثم ﴿إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا﴾[5]، هي ضابطة عامة في تكفير الصغائر بترك الكبائر.
فتكون ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾، هي ضابطة شاملة لا تختص بالصلوات، بل هي كبيرة الحسنات إيجابية كما الصلاة وسلبية كترك كبائر المنهيات و ﴿يُذْهِبْنَ﴾، بين دفع ورفع السيئات، حيث تكون الحسنات أقوى من السيئات دفعا ورفعا فلتكن المذهبة منها للسيئات أقوى منها، وإلاّ فكيف يذهبها؟ وهنا ﴿السَّيِّئَاتِ﴾، هي صغائر المعاصي والتي تتغلب عليها الحسنات، فليس إن الحسنات أيّا كانت هن يذهبن السيئات أيّا كانت، كأن تأتي بحسنة مستحبة فترجو أن تذهب سيئة كبيرة، حيث الكفاح الصارم هو شرط الإذهاب في ذلك الميدان.
ذلك وكما أن الحسنات يذهبن السيئات شرط كونها أقوى منها، كذلك السيئات يذهبن الحسنات شرط كونها أقوى منها، تحابطا من الجانبين دون تهافت.
وترى أن الحسنات إنما يذهبن رفعا السيئات السالفة دون ما ذكرى وتوبة؟
﴿ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ﴾، أن يتذاكروا ذلك السماح الرباني فيما بينهم، إغماضا عن السيئات أمام الحسنات، تأدبا بأدب الله.
فحين ترى مؤمنا تترجح حسناته على سيئاته، ليس لك أن تحاسبه بسيئاته، اللّهم إلاّ بموعظة حسنة ودعوة لينة أديبة. وهكذا تصلح الجماعة المؤمنة وتتصالح في العشرة الإيمانية، أخذا للحسنات بعين الاعتبار إيجابية في فعل كبائر الحسنات، وسلبية في ترك كبائر السيئات، على رقابة دائبة ورعاية أخوية ودّية، ف - ﴿إِنَّمَا اَلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾[6].
[1] سورة هود، الآية: 114.
[2] سورة الإسراء، الآية: 78.
[3] سورة الإسراء، الآية: 79.
[4] سورة العنكبوت، الآية: 45.
[5] سورة النساء، الآية: 31.
[6] سورة الحجرات، الآية: 10.


تعليق