إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

زكاة الفطرة 8 : اشتراط الحرية في وجوب زكاة الفطرة

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • زكاة الفطرة 8 : اشتراط الحرية في وجوب زكاة الفطرة

    بسم الله الرحمن الرحيم
    والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين
    واللعنة الدائمة على اعدائهم الى قيام يوم الدين


    المقدّمة

    إنّ من المسائل الفقهية الدقيقة مسألة سقوط زكاة الفطرة عن المكلَّف عند العذر، كالذي يُغمى عليه عند هلال شوال، أو يغفل، أو ينام، أو ينسى، أو يُعذَر بأيّ عذرٍ يمنعه من أداء الفطرة في وقتها.

    فهل تسقط الفطرة في مثل هذه الحالات، أم تبقى الذمّة مشغولة بها؟

    وهل الحكم في المقام تكليفيٌّ محض، أم أنّ له جهةً وضعيةً توجب انشغال الذمّة بها كالدَّين؟


    المحور الأول: أصل المسألة ومورد الإجماع

    ثبت بالإجماع أنّ من أدرك الهلال وجبت عليه الفطرة، ومن لم يُدرك الهلال لم تجب عليه الفطرة.

    فالمعيار في الوجوب هو الإدراك للهلال.

    ومن خلال البحث السابق، تبيَّن أنّ المغمى عليه عند إهلال الهلال لا تجب عليه الفطرة، لأنّ إدراكه مفقود. وهذا هو مقتضى الإجماع التامّ بين الفقهاء.


    المحور الثاني: إضافة السيد الخوئي وتفصيل السيد الحكيم

    أضاف المرحوم السيد الخوئي رضوان الله تعالى عليه نقطةً دقيقة في المقام، وهي أنّ سقوط الفطرة لا يختصّ بالإغماء وحده، بل يجري في مطلق الأعذار.

    فقال:

    «ولا يختصّ ذلك بالإغماء، بل يجري في مطلق العذر من الغفلة والنسيان والنوم ونحوها.»

    أي إنّ أيَّ عذرٍ يمنع المكلَّف من أداء الفطرة في وقتها يسقط عنه التكليف، بشرط أن يكون هذا العذر مستوعبًا لتمام الوقت، من أوّل الهلال إلى نهاية وقت الوجوب، سواء أكان إلى صلاة العيد أو إلى الزوال أو إلى اليوم الثاني من العيد على اختلاف الأقوال.


    المحور الثالث: تحليل رأي صاحب المدارك

    صاحب المدارك قال:

    «إذا كان الإغماء مستوعبًا لتمام الوقت، سقط التكليف بالفطرة.»

    أي أنّ الاستيعاب الزمني للعذر شرطٌ في السقوط.

    وقد علّق السيد الحكيم رحمه الله على ذلك بقوله:

    «بل يشكل استثناء المدارك صورة استيعاب الإغماء للوقت.»

    أي إنّه استشكل في الاقتصار على الاستيعاب الكامل كشرط للسقوط، وتوقّف في إطلاق السقوط بسببه.


    المحور الرابع: مبنى السيد الخوئي في الحكم التكليفي دون الوضعي

    يُبنى رأي السيد الخوئي رحمه الله على أنّ الحكم في المقام تكليفيٌّ محض، لا وضعيّ.

    فليس هناك في زكاة الفطرة انشغال للذمّة بالمعنى الوضعي كما في الزكاة، بل التكليف هو مجرّد أمرٍ شرعيٍّ بأداء الفطرة في وقتها.

    فإذا كان المكلّف معذورًا – كالنائم أو المغمى عليه أو الغافل – سقط التكليف لعدم إمكان الامتثال في وقته.

    أما القول بوجود شغل ذمّة فهو يقتضي أثرًا وضعيًا، كالدَّين، وهذا ما ينفيه السيد الخوئي، إذ لا دليل على انشغال الذمّة في المقام.

    ويقول:

    «ليس في الفطرة حكم وضعي، وإنما فيها تكليف محض، فالمكلّف إذا لم يتمكن من الامتثال لعذرٍ قهريٍّ سقط عنه التكليف، ولم تنشغل ذمّته بشيء.»

    المحور الخامس: المناقشة في أثر الإغماء والعذر

    لو سلّمنا أنّ الفطرة تكليف فقط، فالسقوط حينئذٍ يثبت بالإجماع لا بالنصّ اللفظي.

    والإجماع دليل لبّي يؤخذ منه بالقدر المتيقَّن فقط، وهو حالة الإغماء المستوعب للوقت، دون غيره من الأعذار.

    ولذلك يعلّل السيد الخوئي موافقته لصاحب المدارك بأنّ القدر المتيقّن من الإجماع هو هذه الصورة فقط.

    فإذا كان العذر غير مستوعب، فلا دليل على السقوط، إذ لا إجماع عليه.

    بل يحتمل بقاء الوجوب التكليفي من حيث الخطاب العام الوارد في الروايات الدالة على وجوب الفطرة على كلّ مسلم.

    المحور السادس: الإشكال في القول بسقوط التكليف مطلقًا

    إذا قيل إنّ كلّ عذرٍ يسقط الفطرة، فهذا يُفضي إلى تعطيل أصل التكليف، لأنّ النسيان أو الغفلة أو النوم لا ترفع التكليف الفعلي، بل ترفع تنجيزه فقط.

    فكما لا تسقط الصلاة بالنوم، كذلك لا تسقط الفطرة بمجرد الغفلة.

    وعليه، القول بالسقوط في كلّ عذرٍ مشكل، لأنّه لم يرد دليل عامّ يرفع التكليف مطلقًا، بل ورد السقوط في موردٍ خاصٍّ (الإغماء المستوعب) بالإجماع لا أكثر.

    المحور السابع: الفرق بين الزكاة والفطرة

    بيّن السيد الخوئي أن الفرق الجوهري بين الزكاة والفطرة هو أنّ الزكاة تنشغل بها العين نفسها، فهي حكم وضعي متعلق بالمال، بينما الفطرة حكم تكليفي متعلق بالمكلَّف لا بعين المال.

    فالزكاة على المال واجبة سواء علم المالك أم لم يعلم، أما الفطرة فلا تتعلق إلا بخطابٍ تكليفي يُوجَّه للمكلَّف، فإن كان قادراً على الامتثال وجبت، وإلا سقط التكليف لانتفاء القدرة.

    المحور الثامن: تطبيقات عملية على انشغال الذمّة

    لو أُغمِيَ على شخصٍ فكسر أثناء إغمائه شيئًا في المستشفى، فإنه يضمن، لأنّ الضمان أثر وضعيّ متعلق بالذمّة.

    لكن الفطرة ليست من هذا القبيل، إذ هي تكليف تعبدي، لا ضمان مالي.

    ومن هنا قال بعض الفقهاء: من فاتته الفطرة لأي سبب تبقى دينًا في ذمته حتى بعد الموت.

    لكن السيد الخوئي يرفض هذا، لأنّ هذا القول مبني على اعتبارها حكمًا وضعيًا، وهو لا يراه كذلك.

    المحور التاسع: دليل السقوط في الإغماء

    إنّ الدليل على السقوط هو الإجماع، كما تقدم.

    وحيث إنّ الإجماع دليل لبّي، يؤخذ منه بالمقدار المتيقن، وهو خصوص الإغماء المستوعب لتمام الوقت.

    أما ما عداه من الأعذار كالنوم أو الغفلة، فلا يشمله دليل السقوط.

    المحور العاشر: اشتراط الحرية في وجوب الفطرة

    انتقل المصنف إلى الشرط الثالث من شروط الوجوب وهو الحرية.

    قال: «فلا تجب على المملوك، وإن قلنا إنه يملك».

    وقد اتفق الفقهاء على هذا الشرط.

    يقول صاحب الجواهر رحمه الله:

    «بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع محكي عليه مستفيضاً إن لم يكن محصلاً.»




    وكذلك نقل عن «المنتهى» أنه مذهب جميع العلماء إلا داود.

    فحتى علماء العامة اتفقوا على اشتراط الحرية في وجوب الفطرة.









    المحور الحادي عشر: مناقشة الاستدلال على اشتراط الحرية




    المدارك رحمه الله استند في هذا الاشتراط إلى أمرين:

    1. الأصل: أصالة عدم التكليف.

    2. الروايات: التي دلّت على أنّ فطرة العبد والمجنون والصبي تكون على المولى أو الوليّ.




    لكن هذا الأصل في غير محلّه، لأنّ الروايات المطلقة شملت المملوك نصًّا.

    وعليه، لا بدّ من دليلٍ خاصٍّ يرفع هذا الإطلاق.

    والروايات التي حمّلت الوليَّ فطرةَ من تحت يده تصلح أن تكون شاهداً للجمع العرفي بين الدليلين:

    فالأصل وجوب الفطرة، لكن الشارع نقل التكليف إلى الولي في حالات خاصّة.









    المحور الثاني عشر: النتيجة النهائية




    يتلخص البحث في النقاط الآتية:

    1. وجوب الفطرة أصلٌ شرعي ثابت بالروايات والإطلاقات.

    2. السقوط في حالات العذر إنما ثبت بالإجماع لا بالنص، والقدر المتيقَّن منه هو الإغماء المستوعب.

    3. القول بالتعميم إلى مطلق الأعذار غير تامّ، لعدم الدليل عليه.

    4. الحكم في الفطرة تكليفيٌّ محض، لا وضعي، فلا تشتغل الذمّة بها بعد فوات الوقت.

    5. اشتراط الحرية في الوجوب محلّ إجماع، والروايات الدالة على انتقال التكليف إلى الولي مؤيّدة لذلك.
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X