بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ﴾[1].
﴿وَأَخَافُ﴾، خوف مسبوق بعلم من خلال رؤيا يوسف (عليه السلام) إذا ذهبتم به إلى الصحراء ﴿أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ﴾، وهي رمية إلى هدفين، بيان سبب، وارشاد الى عاذرة لهم حين يرجعون، فإنهم ولا بد سوف يبحثون عن عذر، فليكن: أكله الذئب، فقد «قرب يعقوب لهم العلة اعتلوا بها في يوسف».
وهو تلقين للكذب حيث الذئب لا يأكل الإنسان وإنما يفترسه، وحتى إذا يأكله.
﴿أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ﴾، صدق في ناحية حيث الافتراس أكل، وتعليم لعاذرة، باحتياط لكيلا يقتلوه ويكتفوا في امره بأن اكله الذئب من أخرى، فقد لقنهم هذا الجواب، وتلقين الكذب حفاظا على النفس فرض لا محالة، قضية الدوران بين واجب كبير ومحرم صغير، بل ليس محرما على أية حال حيث الذئب يفترس ويأكل، ام إن ﴿أَخَافُ﴾، ينحو منحى خوفه عما يفعلون، ثم يفتعلون ﴿فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ﴾.
وكلام يعقوب (عليه السلام) ﴿أَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ﴾، في حال كونكم مشغولين عنه، وكانت أرضهم أرض ذئاب، وكانت الذئاب ضارية في ذلك الوقت كثيرا.
وفي الآيات اللاحقة تستمر اللجاجة من قبل أبناء يعقوب (عليه السلام): ﴿قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ﴾، من بيننا وَ ﴿وَنَحْنُ عُصْبَةٌ﴾، من الرجال وجماعة من الشبّان ﴿إِنَّا إِذًا لَّخَاسِرُونَ﴾، لا لأخينا فقط بل لأموالنا وأنفسنا ايضا فإن اهل الجرأة لا يهابوننا بعد ذاك ﴿فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ﴾، من أبيه وخرجوا به الى الصحراء بدت منهم البغضاء فأخذوا يضربونه ويؤذونه شيمة كل حاقد ﴿وَ﴾، اجمع رأيهم ﴿أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ﴾، هنالك ارتكبوا الخطيئة الكبرى فأدنوه من حافة البئر بالضرب واللدم وهو يستغيث بهم ولا يغاث وشدّوا في وسطه حبلا وانتزعوا قميصه منه وأرسلوه الى وسط البئر والقوه بعد ذلك بلا رحمة، وجاءت النوبة الى عناية الله به وحفظه من الموت واستقرّ على صخرة صادفها في قعر البئر وربط الله على قلبه وغذّاه بالتكوين ما حفظ به وجوده فلم يشك جوعا مبرّحا ولا عطشا وفي تلك الحالة أوحينا اليه بمجمل ما يجرى عليه وإنه في نهاية المطاف سيكون ملكا ويكون هؤلاء الاخوة في حاجة اليه فيقصدونه على جهل منهم به إنّه هو فيحصل ما يحصل.
﴿وَ﴾، لمّا فعلوا فعلتهم وانسلخ النهار وكان لا بدّ لهم من العودة الى أبيهم ﴿جَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ﴾، ليكون بكاؤهم امارة صدقهم فيما يدّعونه من أكل الذئب له، ﴿قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا﴾، فأحسّ به ذئب فقصده لأنه وجده مفردا ناشئا اعزل فافترسه واكله ووجه هذا الاعتذار لقفوه من أبيهم عندما قال لهم: وأخاف أن يأكله الذئب فصرّوا تلك الكلمة لموقع المحاكمة ومن هنا جاء حرمة تلقين القاضي للخصوم حججهم بما هو عارف وهم جاهلون، نقول هذا القول مع علمنا بأنك لا تقبل منّا لاتهامك لنا حتى لو كنّا صادقين في الواقع لكن الصدق عنهم بمراحل فقد ﴿جَاءُوا﴾، بقميصه سالما من التمزيق وعليه لطخات دم متفرقة تشعر بأنها مصنوعة، ولذلك قال لهم أبوهم بعد ما نشر قميص يوسف فرآه سالما يا بنيّ والله ما عهدت كاليوم ذئبا احلم من هذا الذئب أكل ابني ولم يمزّق قميصه، ، لذا ورد عَنْ أَبِي جَمِيلَةَ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ: ((لَمَّا أُوتِيَ بِقَمِيصِ يُوسُفَ إِلَى يَعْقُوبَ فَقَالَ: اَللَّهُمَّ لَقَدْ كَانَ ذِئْباً رَفِيقاً حِينَ لَمْ يَشُقَّ اَلْقَمِيصَ، قَالَ: وَكَانَ بِهِ نَضْحٌ مِنْ دَمٍ))[2].
وجاء في بعض الآثار أن يعقوب لمّا قال لهم ذلك قالوا لا بل قتله اللصوص.
﴿قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا﴾، قتل أخيكم ﴿فَصَبْرٌ﴾، على المصيبة أجمل من الجزع عندها، ونستعين بالله ﴿عَلَى مَا تَصِفُونَ﴾[3]، من قتل هذا العزيز عند هذه الكلمات تظهر كياسة هذا الشيخ ومتانته ومكث يوسف في الجبّ ثلاثة أيام.
[1] سورة يوسف، الآية: 13.
[2] تفسير العياشي، ج 2، ص 171.
[3] سورة يوسف، الآيات: 14 - 18.
