إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

برّ الوالدين في ضوء سيرة فاطمة الزهراء عليها السلام

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • برّ الوالدين في ضوء سيرة فاطمة الزهراء عليها السلام



    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله الذي جعل برّ الوالدين بابًا من أعظم أبواب الجنّة، والصلاة على محمد وآل محمد الطاهرين.

    نقف مع قيمة عظيمة، تُشكّل أساس العلاقات داخل الأسرة، وتمتد آثارها إلى حياة الإنسان كلّها… إنها قيمة برّ الوالدين.
    ولعلّ أجمل نموذج تربوي جسّد هذه القيمة بأعمق معانيها كانت السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام؛ تلك الروح الطاهرة التي لم تُعرف فقط بعبادتها وعلمها، بل أيضًا بحُسن تعاملها مع والدها.



    أولًا: برّ الوالدين… خلق الله العظيم

    القرآن الكريم حين أراد أن يُذكّر الإنسان بأعظم الحقوق، قرن التوحيد فورًا بـ برّ الوالدين:

    {وَقَضىٰ رَبُّكَ أَلاّ تَعبُدُوا إلّا إيّاهُ وَبِالوالِدَيْنِ إحسانًا}





    هذا الاقتران يدلّ على أنّ احترام الوالدين، رعايتهما، التلطّف معهما… هو عبادة، وليس مجرّد خُلق اجتماعي.



    ثانيًا: من سيرة الزهراء عليها السلام في البرّ

    1. خدمة الأم والأب قبل خدمة النفس ورعايتهم



    تذكر الروايات أنّ النبي صلى الله عليه وآله كان يقول:

    «إن الله ليرضى لرضى فاطمة ويغضب لغضبها»


    ومع ذلك… كانت فاطمة تقف أمام والدها النبي بكل احترام، لا تكلمه إلا بخضوع، ولا تسبقه بخطوة، ولا ترفع صوتها عليه.



    وكانت إذا رأته تعبًا، أسرعت لخدمته،.
    وفي حديث الكساء نرى أجمل مثال للخدمة من فاطمة الزهراء عليها السلام لوالدها رسول الله صلى الله عليه وآله عندما دخل عليها وهو متعب مرهق وانها كانت مقر راحته ومصدر استراحته.

    2. احترام العمق لا الظاهر



    في بيت يعطي فيه النبي صلى الله عليه وآله كل الحب والحنان، كانت فاطمة تتعامل معه بحياءٍ شديد وكأنها أمام معلم، لا فقط أمام أب.
    وهذه رسالة لكلّ إنسان:
    الحبّ لا يلغي الاحترام… والقرب لا يلغي الأدب.
    ورواية تسبيح فاطمة أعظم دليل.

    3. الدعاء للوالدين قبل النفس




    روى المجلسي في بحار الأنوار:

    «وَكَانَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلَام تَخْرُجُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله فِي بَعْضِ مَشَاهِدِهِ، فَتُدَاوِيهِ إِذَا جُرِحَ، وَتَدْعُو لَهُ وَلِلْمُسْلِمِينَ بِالنَّصْرِ.»



    وكم هو جميل أن يفهم الأبناء أنّ الوالدين هم القلب الأوسع والصدر الأرحب.




    ثالثًا: ما الذي تعلّمنا إيّاه الزهراء عن البرّ؟

    1. الكلمة الطيبة



    قد لا يملك المرء مالًا ليقدّمه، ولا وقتًا طويلًا ليقضيه، لكنّه يملك دائمًا كلمة طيّبة.
    ابتسامة… سؤال… دعاء… احترام…
    هذه كلّها أعمال برّ تُكتب عند الله.
    وفي الرويات كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا أراد الدخول على فاطمة، استأذن، وهي ابنته وروحه التي بين جنبيه. فإذا سمعت صوته قالت بأدب خاشع: ادخل يا أبتاه، بأبي أنت وأمي… فإني لك مؤدّبة.
    فأيّ خلق أسمى من خلقها؟ وأيّ منزل أعظم من منزلها.

    2. المبادرة وليس الانتظار



    الزهراء كانت تبادر لخدمة والديها دون أن تُطلب منها الخدمة.
    البرّ الحقيقي هو أن يسبق القلب الأوامر.

    3. حماية مشاعر الوالدين



    من أعظم البرّ أن يتعامل الإنسان مع والديه بوعي… فلا يجرح شعورهما، ولا يقلّل من قيمتهما، ولا ينشغل عنهما بما هو أقل قيمة.

    4. الحفاظ على إرثهما الروحي



    برّ الوالدين ليس فقط في خدمتهما وهما على قيد الحياة…
    بل في حفظ وصاياهما، الدعاء لهما، والعمل بما يحبانه من صلاح ونقاء.

    وفي بعض الأخبار المروية:
    عندما بشّر النبي ابنته فاطمة بزواجها من عليّ بكت، وسألت:

    > «يا أبتاه، وما يكون مهري؟»


    فقال النبي:
    «مهركِ استنقاذ شيعتك من النار».



    وروي أنها قالت:

    > «رضيتُ يا رسول الله».





    وفي رواية أخرى أعمق معنًى:
    إنّ النبي توضّأ ثم رفع يديه إلى السماء وقال:

    > «اللهم اجعل صداق فاطمة شفاعةً لأمّتي».


    فهبط جبرائيل عليه السلام وقال:
    «يا محمد، إنّ الله قد جعل صداق فاطمة أن يشفع الله لمن أحبّها».

    هذه الروايات تحمل معانٍ تربوية وروحية عميقة:

    1. هذا أعلى درجات البرّ بالوالد والرسالة



    فاطمة لم تهتم بمهر مادي ولا بمتاع دنيا،
    بل كان همّها نجاة الأمة التي جاهد أبوها من أجلها.

    فهي تقول بلسان حالها:
    إن كانت قربي منك ـ يا رسول الله ـ يكون بإنقاذ أمتك، فأنا راضية.

    2. هذه الحادثة تكشف أن الزهراء ترى نفسها خادمة لرسالة أبيها



    برّ الوالدين ليس فقط احترامًا وكلمة طيبة…
    بل الوقوف بجانب رسالتهما ومبادئهما بعد رحيلهما.

    فاطمة لم تختر مهرًا شخصيًا…
    اختارت ما يُرضي الله وما يسرّ قلب رسول الله.

    3. معنى "حفظ إرث الوالد الروحي"



    حين جعلت فاطمة صداقها “استنقاذ الأمة”، فهي تثبت أن رسالتها في الحياة استمرار لرسالة رسول الله،
    وأنها وفية لأبيها حتى في آخر تفاصيل حياتها، حتى في تفاصيل الزواج.

    لقد حفظت إرثه الروحي بالمعاني التالية:

    استمرار حمل الرسالة

    حماية مبادئ الدين

    الدعاء للأمة

    التضحية من أجل الناس

    تقديم رضا الله فوق كل شيء

    ---

    رابعًا: إرشادات عملية للأسرة

    1. خلق لحظات احترام يومية



    – كلمة شكر.
    – قبلة على يد أم أو أب.
    – اتصال هادئ للاطمئنان.
    – الاستماع لحديثهما دون مقاطعة.

    هذه التفاصيل الصغيرة تُربّي النفس على البرّ.

    2. تعليم الأبناء قيمة "لا ترفع صوتك"



    من أعذب ما في سيرة الزهراء أنها لم تُعرف يومًا برفع صوتها على والدها.
    علّموا أبناءكم جمال الهدوء… وتأثير اللطف على علاقة الأسرة.

    3. تخصيص وقت للوالدين مهما كانت الانشغالات



    من برّ فاطمة أنها كانت تُوازن بين بيتها وبين كونها أم أبيها.
    الوقت القليل لكن الثابت… أجمل من الغياب الطويل مهما كانت الأعذار.

    4. الدعاء للوالدين في كل سجدة



    الدعاء يربط القلب بحب أبوي… حتى لو كان أحدهما أو كلاهما قد رحل عن الدنيا.


    برّ الوالدين ليس واجبًا فقط…
    إنه طريق إلى رضا الله، وبوابة توفيق، وسرّ سعادة، وسبب بركةٍ في العمر والرزق.

    والأجمل… أن نستلهمه من روح الزهراء عليها السلام؛ لأنها لم تترك لنا كلمات فقط، بل تركت سلوكًا مقدّسًا يُنير الطريق.
    التعديل الأخير تم بواسطة يازهراء; الساعة 23-11-2025, 08:28 PM.
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X