إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

تأملات في آيات الذكر الحكيم

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • تأملات في آيات الذكر الحكيم


    اللهم صل على محمد وآل محمد
    قوله تعالى :
    "وَ بَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَ أُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً وَ لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَ هُمْ فِيها خالِدُونَ"
    سورة البقرة، آية 25،
    بعد أن عرض القرآن صورة مصير الكافرين، يفتح أمام القلب الآن نافذة من نور، فيقابل مشهد الرفض والجحود بلوحة أخرى تفيض رحمة وسلامًا. هكذا هي الطريقة القرآنية: يُظهر المعنى بنقيضه، ويُجلّي الحقيقة عبر المقارنة بين الظلمة والنور.
    يقول تعالى:
    ﴿وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾:

    إنها ليست مجرد بشارة؛ بل انتقال إلى عالم آخر. فالإيمان الممزوج بالعمل الصالح يصنع أهلاً لاستقبال نعمةٍ لا تُقاس بمقاييس الأرض.
    جنّات لا تعرف الذبول
    يصف الله الجنة بأن أنهارها تجري من تحت جنّاتها. ففي عالم الدنيا، يبقى البستان رهين المطر أو السقي المتقطع، يذبل إن غاب عنه الماء، ويتنفس حين يعود. أما في الجنّة فالحياة متصلة، لا تعرف جفافًا ولا انقطاعًا، لأن الماء فيها رمز الديمومة والفيض المتواصل.
    هذه بساتين ليست من تراب الأرض، بل من فيض الرحمة الإلهية التي لا تعتريها الآفات.
    ثمار تتجدّد ولا تتكرّر :
    كلما قُدّمت لأهل الجنة ثمرة قالوا:
    ﴿هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ﴾
    لم يكن هذا القول من باب التكرار، بل من دهشة اللقاء بين المألوف والجديد.
    وقد تنوّعت كلمات المفسّرين في معنى هذا التعجب:
    منهم من رأى أن أهل الجنة يدركون أن هذه النعم هي امتداد لما غرسوه في الدنيا من عمل صالح؛ فالثمرة ثمرتهم، لكنها بنَفَس الخلود.
    ومنهم من قال إنهم يتعرفون إلى الشكل الذي يشبه ما عرفوه، فإذا ذاقوه وجدوا فيه طعمًا غير الطعم، ولذة لا تشبه لذّات الدنيا.
    ومنهم من قال إن الثمار مألوفة في صورتها، غير أنّ حقيقتها وذوقها وروحها جديدة في كل مرة.
    ولعل الآية تحتمل كل هذه المعاني؛ فالقرآن يجمع الكثير في القليل، ويوسع المعنى دون أن يضيّق اللفظ.
    ثم يقول تعالى:
    ﴿وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا﴾
    أي أنّ كلّ نعمة في الجنّة بلغت من الكمال درجة يستحيل معها أن يفضَّل نوع على آخر؛ فالجمال هناك ليس مراتب، بل كمال مطلق، بخلاف عالم الدنيا حيث يتفاوت النضج واللون والرائحة والطعم.
    الأزواج المطهرة: الطمأنينة التي لا يشوبها نقص
    يأتي الحديث عن الأزواج المطهرة، فيقف عند وصف واحد: الطهارة.
    فالقرآن لم يشدّد على الجمال ولا على كثرة الصفات، بل على الطهر؛ لأنه الأصل الذي تُبنى عليه السكينة. وما سواه من أوصاف تابع لا أصل.
    وهذه الطهارة ليست جسدية فقط، بل طهارة القلب والروح والمشاعر، فلا غيرة تؤذي ولا سوء يكدّر صفو اللقاء.
    نعيم لا يهدده الفناء :
    ثم يختتم النداء بقوله:
    ﴿وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾
    فالنعيم الدنيوي مهما كان واسعًا، يظلّ ظلاً منغّصًا بالخوف من الزوال؛ إذ إن لقلق الفناء ظلًّا على كل متعة. أما في الجنة فالفناء غائب تمامًا، لذا تكون السعادة خالصة، والطمأنينة كاملة، والحضور ممتدًا بلا نهاية.
    تلازم الإيمان والعمل: جذر وثمرة
    لا يفارق القرآن بين الإيمان والعمل، بل يقرن بينهما دائمًا، كجذرٍ يرسخ في الأرض وثمرةٍ تصعد في السماء. فالإيمان الذي يخلو من أثر عملي هو نور لم يخرج من مصباحه، والعمل الذي لا ينهض على إيمان متين سرعان ما يذبل.
    الإيمان يصنع الدافع، والعمل يكشف الصدق.
    ولهذا قال تعالى:
    ﴿وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ
    والعمل الذي يقوم على غير إيمان قد يتحقق عارضًا، لكن لا يدوم أثره، ولا يملك القدرة على بناء الإنسان من الداخل. أما الإيمان، فإنه يحفظ العمل ويمنحه روح البقاء.
    النعيم المادي والنعيم المعنوي روح الجنة وسرّها :
    ذكرت الآية النعم الظاهرة:
    مساكن، أنهار، ثمار، أزواج مطهرة
    لكن القرآن يشير إلى نعمة أخرى أعمق وأعظم:
    ﴿وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾
    إنها نعمة لا تُقاس، لأنها ليست شيئًا يُؤكل أو يُلمس، بل حالٌ يغمُر الوجود كله. وإذا رضي العبد عن ربّه ورضي الله عنه، ارتفع عن حدود اللذّة الحسيّة إلى لذّة معنى، لذّة قرب، لذّة سكينة لا يستطيع قلم أن يصفها.
    وفي آية أخرى:
    ﴿رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾
    هذا هو ذروة النعيم، وروحه التي تُحيي كل النعم الأخرى. وإذا ذاقها الإنسان لم يعد يلتفت إلى ما دونها.
    ----------------------------
    منقول

    أين استقرت بك النوى
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X