إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

مفردات قيّمة من القرآن الكريم، ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ۖ وَهَمَّ بِهَا﴾

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مفردات قيّمة من القرآن الكريم، ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ۖ وَهَمَّ بِهَا﴾

    بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
    اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد


    قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ۖ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ ۚ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ[1].

    يتصور القارئ أن الهم بالمعصية صدر من يوسف عليه السلام كما هي زليخة.
    ولكن الحق ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ﴾، أنها قصدت مخالطته قصدا اختياريّا، فإنّ الهمّ بالشيء قصده والعزم عليه، ومنه الهمّام الّذي إذا همّ بشيء أمضاه.
    ﴿وَهَمَّ بِهَا﴾، فإما المراد: - ومال إلى مخالطتها ميلا طبيعيّا بشريّا غير اختياريّ‌، مع المنازعة إليها عن شهوة الشباب الّتي هي تحت القدرة والاختيار، وهو ميل الطبع البشري مع الامتناع عنه، لا القصد الاختياري والعزم على الفعل الّذي هو ممّا يدخل تحت التكليف.
    والحقيق بالمدح الجميل والأجر الجزيل من الله الجليل من يكفّ نفسه عن الفعل عند قيام هذا الهمّ‌، ولو لم يكن ذلك الميل الشديد المسمّى همّا لشدّته لما كان صاحبه ممدوحا عند الله بالامتناع عنه، لأنّ استعظام الصبر على الابتلاء على حسب عظم الابتلاء وشدّته.
    ولو كان همّه كهمّها عن عزيمة اختياريّة، لما مدحه الله بأنّه من عباده الصالحين.
    أو المراد بهمّه مشارفة الهمّ‌، كقولك: قتلته لو لم أخف الله تعالى، تريد مشارفة القتل.
    أو من قبيل: هممت بفلان، أي: بضربه وإيقاع المكروه به.
    ويوجد اختلاف في معنى الهمّين ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ۖ وَهَمَّ بِهَا﴾.
    ولا يخفى أنه لو وجدت من يوسف عليه السّلام أدنى زلّة لنعيت عليه، وذكرت توبته واستغفاره، كما نعيت على آدم عليه السّلام زلّته، وهي ترك الأولى، وكذا على داود، وعلى نوح وعلى أيّوب وعلى ذي النون، وذكرت توبتهم واستغفارهم.
    كيف وقد أثني عليه وسمّي مخلصا! فعلم بالقطع أنّه ثبت في هذا المقام الدّحض، وهو أنّه جاهد نفسه مجاهدة أولي القوّة والعزم، ناظرا في دليل التحريم ووجه القبح، حتى استحقّ من الله الثناء فيما أنزل من كتب الأوّلين، ثمّ في القرآن الّذي هو حجّة على سائر كتبه ومصداق لها، ولم يقتصر إلاّ على استيفاء قصّته وضرب سورة كاملة عليها، ليجعل له لسان صدق في الآخرين، كما جعله لجدّه الخليل إبراهيم عليه السّلام، وليقتدي به الصالحون إلى آخر الدهر في العفّة وطيب الإزار.
    ﴿لَوْلَا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾، في قبح الزنا وسوء عاقبته لخالطها، لشبق الغلمة وكثرة المبالغة منها.
    ولا يجوز أن يجعل ﴿وَهَمَّ بِهَا﴾، جواب «لولا»، فإنّها في حكم أدوات الشرط، فلا يتقدّم عليها جوابها، بل الجواب محذوف يدلّ عليه قوله: ﴿وَهَمَّ بِهَا﴾.
    ﴿كَذَلِكَ﴾، الكاف في محلّ النصب، أي: مثل ذلك التثبيت ثبّتناه، أو في محلّ‌ الرفع، أي: الأمر مثل ذلك ﴿لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ﴾، خيانة السيّد ﴿وَالْفَحْشَاءَ﴾، الزنا.
    ﴿إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾، الّذين أخلصهم الله تعالى لطاعته.
    أما أهل الضلال من الحشويّة والجبريّة حيث أوردوا هذه القصّة على وجه يؤدّي إلى أنّ يوسف صلوات الله عليه عزم على ارتكاب الزنا الّذي هو أقبح القبائح وأفحش الفواحش، فقالوا: إنّه حلّ تكّة سراويله، وجلس من زليخا مجلس المجامع.
    وقالوا: كلّ ولد يعقوب له اثنا عشر ولدا إلاّ يوسف، فإنّه ولد له أحد عشر ولدا، من أجل ما نقص من شهوته حين همّ‌.
    وقالوا: بدت كفّ فيما بينهما ليس لها عضد ولا معصم، مكتوب فيها: ﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ* كِرَامًا كَاتِبِينَ
    [2]، فلم ينصرف.
    ثمّ رأى فيها ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ۖ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا
    [3]، فلم ينتبه.
    ثمّ رأى فيها: ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ
    [4]، فلم ينجع فيه، فقال الله لجبرئيل: أدرك عبدي قبل أن يصيب الخطيئة، فانحطّ جبرئيل وهو يقول: يا يوسف أتعمل عمل السفهاء وأنت مكتوب في ديوان الأنبياء!
    فيا له من مذهب ما أفحشه! ومن ضلال ما أبينه! الّذي يتضمّن الجبر والقسر الّذي يرتفع معه الاختيار الّذي هو مناط التكليف، ويقتضي ألا يستحقّ على الامتناع من القبيح مدحا ولا ثوابا.



    [1] سورة يوسف، الآية: 24.
    [2] سورة الانفطار، الآيتان: 10-11.
    [3] سورة الإسراء، الآية: 32.
    [4] سورة البقرة، الآية: 283.

المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X