السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صل على محمد وال محمد
+++++++++++++++++++من هو أبو الطُّفَيل ؟
هو عامر بن واثلة بن عبدالله... بن كنانة بن خُزَيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نِزار بن معد بن عدنان يُكنّى ( أبا الطُّفَيل ) وطُفَيل هو ابنه الذي قُتل في حروبه ضدّ الحَجّاج وكان عامر يُلقَّب بـ (خليل أبي الحسن) و( حبيب عليّ).
(ولادته) فقد ذكرت معظم المصادر أنّها وقعت في عام أُحد فأدرك أبو الطفيل ثماني سنين من حياة النبيّ صلّى الله عليه وآله لكنّ الصنعانيّ صرّح بأنّه كان من البدريّين وقال ابن حجر: رأى النبيَّ صلّى الله عليه وآله وهو شاب وحَفِظ عنه أحاديث.
وقد وردت روايات عن أبي الطفيل يظهرفيها أنّه كان أكبر ممّا حدّدوا له من العمر.. فهو يروي معاينةً (لا نقلاً )عن رسول الله صلّى الله عليه واله (مثلاً ) أنّه جاء يوماً فرأى عليّاً (عليه السّلام) على التراب فأيقظه وجعل يمسح الترابَ عن ظهره ويقول له: إنّما أنت أبو تراب
وروى الحُضَينيّ بسنده محاججةً وقعت بين الإمام عليّ (عليه السّلام) وأبي بكر أيام حكومته وكان فيما قال الإمام عليّ (عليه السّلام) لأبي بكر: فقد أخذ النبيّ عليك بيعتي في أربعة مواطن وعلى جماعةٍ معك فيهم عمر وعثمان: في يوم الدار وفي بيعة الرضوان وتحت الشجرة ويوم جلوسه في بيت أُمّ سَلَمة وأنا عن يمينه. أحضرك وعمرَ وعثمان وسلمان والمِقدادَ وجُنْدباً وعمّاراً وحُذَيفة وأبا الهيثم مالك بن التَّيِّهان وأبا الطفيل عامرَ بن واثلة... وقال لهمُ النبيّ صلّى الله عليه وآله: قُمْ يا سلمان قم يا مقداد... قُمْ يا عامر قم يا بُريدة فبايِِعُوا لأخي عليٍّ وسلِّموا عليه بإمرة المؤمنين. فقاموا بأجمعهم بلا مراجعة فبايَعوا لي وسلَّموا عَلَيّ بإمرة المؤمنين .
كان أبو الطفيل ممّن رأى النبيَّ صلّى الله عليه وآله وعاصره فهو من الصحابة الثقاة عند مَن يرى وثاقةَ وعدالة كلّ صحابيّ. أمّا ولاؤه لأهل البيت عليهم السّلام وتفضيله للإمام عليّ (عليه السّلام) خاصّة.. فهو ما لم يختلف عليه أحد وكانت له مواقف مشهودة.
وقد عدّه الشيخ الطوسيّ تارةً من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وأخرى في أصحاب أمير المؤمنين عليه السّلام وثالثة في أصحاب الإمام الحسن عليه السّلام.. ورابعة في أصحاب الإمام السجّاد عليّ بن الحسين عليه السّلام وقد عدّه ابن شهرآشوب في( المناقب)فصل في المفردات ـ من أصحاب الإمام الحسن عليه السّلام الذين هم من خواصّ أبيه .
وقال المرزبانيّ: كان من خيار أصحاب عليّ (عليه السّلام)وعرّفه طويس بقوله: شيخ من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله ومن شيعة عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام) وصاحب رايته. وأكّد ذلك ابن قتيبة الدينوريّ فكتب فيه: كان مِن أخصّ الناس بعليٍّ (عليه السّلام) وزاد ابن الأثير على ذلك بقوله: وكان من أصحاب عليٍّ المحبّين له وشهد معه مشاهدَه كلَّها وكان ثقةً مأموماً.. يُقدّم عليّاً عليه السّلام . وعرّف ابن عبد البَرّ بجوانب أخرى في شخصيّة أبي الطفيل فكتب: كان فاضلاً عاقلاً حاضرَ الجواب فصيحاً وكان متشيّعاً في عليٍّ (عليه السّلام) ويفضّله.
ومن وضوح شخصيّة أبي الطفيل الكنانيّ.. كتب ابن كثير: كان من أنصار عليٍّ (عليه السّلام) شهد معه حروبَه كلَّها فيما كتب ابن حجر: كان ثقةً وكان متشيّعاً.
وفيما خصّه اليعقوبيّ في تاريخه بشيءٍ آخر حيث كتب فيه: وكان أصحاب عليٍّ عليه السّلام الذين يحملونَ عنه العلم: الحارث الأعور أبو الطفيل عامر بن واثلة حبّة العَرَنيّ رُشَيد الهَجَريّ جويرية بن مُسهر الأصبغ بن نُباتة ميثم التمّار الحسن بن عليّ عليهما السّلام.
وحَسْبنا في ولاء أبي الطفيل وثباته على مبدئه.. أنّ الحَجاج الثقفيّ المتعطّش لدماء أتْباع أهل البيت عليهم السّلام كان واضعاً أبا الطفيل في قائمة مَن يريد تصفيتهم من رجال الشيعة لولا ما كان لأبي الطفيل من يدٍ عند عبدالملك بن مروان!
وكان أمير المؤمنين عليّ سلام الله عليه قد وصفه بأنّه من ثقاته ومن عصابة الحقّ وأثنى عليه خيراً في صفّين .
هذا فضلاً عمّا رواه أبو الطفيل من فضائل أمير المؤمنين (عليه السّلام) وما كان له من مواقف في حروبه وما جادت به قريحته الطافحة من شعرٍ ولائيّ. فقد روى حديث: الثقلَين والغدير ومَثَل أهل بيتي كسفينة نوح وحديث سدّ الأبواب وحديث سِبقة الإمام عليّ (عليه السّلام) إلى الإسلام.. وغيرها ما لو جُمعت لكانت مجلّداً كبيراً.
وممّا يدلّ على شدة إيمانه قوله لأمير المؤمنين (عليه السّلام) بعد أن قاتل بقومه قتال الأبطال: يا أمير المؤمنين إنّك أنبأتَنا أنّ أشرف القتل الشهادة وأحظى الأمر الصبر وقد واللهِ صبرنا حتّى أُصِبْنا... فقتيلنا شهيد وحيُّنا ثائر فاطلبْ بمَن بقيَ ثأرَ مَن مضى. فإنّا وإن كان قد ذهبَ صفونا وبقيَ كدَرُنا فإنّ لنا دِيناً لا يميل به الهوى ويقيناً لا تزحمه الشبهة. فأثنى الإمام عليٌّ (عليه السّلام) عليه خيراً.
خصائصه ومزاياه:
لقد خُصّ أبو الطفيل من بين أصحاب الإمام عليّ (عليه السّلام) هو وجماعة بأنّه كان من أهل السرّ قال أبان: لقيت أبا الطفيل في منزله فحدّثني في الرجعة عن أُناسٍ من أهل بدر وعن سلمان وأبي ذرّ والمقداد وأُبيّ بن كعب. قال أبو الطفيل: فعرضتُ ذلك الذي سمعته منهم على عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام) بالكوفة فقال لي: هذا علمٌ خاصّ يَسَع الأمّة جهلُه وردُّ علمه إلى الله تعالى. ثمّ صدّقني بكلّ ما حدّثوني فيها وقرأ علَيّ بذلك قرآناً كثيراً وفسّره تفسيراً شافياً حتّى صرت ما أنا بيوم القيامة بأشدّ يقيناً منّي بالرجعة.
ثمّ قال عليه السّلام: يا أبا الطفيل واللهِ لو دخلتُ على عامّة شيعتي.. فحدّثتهم ببعض ما أعلم من الحقّ في الكتاب الذي نزل به جبرئيل عليه السّلام على محمّدٍ صلّى الله عليه وآله وببعض ما سمعتُ من رسول الله صلّى الله عليه وآله لتفرّقوا عنّي.. حتّى أبقى في عصابةِ حقٍّ قليلة أنت وأشباهك من شيعتي... إنّ أمرنا صعبٌ مستصعَب لا يعرفه ولا يُقرّ بهِ إلاّ ثلاثة: مَلَكٌ مقرَّب أو نبيٌّ مرسل أو عبدٌ نجيب امتحن اللهُ قلبَه للإيمان. يا أبا الطفيل إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قُبِض فارتدّ الناس ضُلاّلاً وجُهّالاً إلاّ مَن عصمه اللهُ بنا أهلَ البيت .
ومِن مزايا أبي الطفيل أن كان من ثقاة أمير المؤمنين (عليه السّلام) ثبت ذلك فيما رواه السيّد بن طاووس من كتاب ( الرسائل ) للكلينيّ عن عليّ بن إبراهيم بسنده إلى أمير المؤمنين عليه السّلام أنّه دعا كاتبَه عبيدَالله بن أبي رافع فقال له: أدخِلْ إليَّ عشرةً مِن ثقاتي. فقال ابن أبي رافع يسأل: سَمِّهم لي يا أمير المؤمنين، فقال عليه السّلام: أدخِلِ الأصبغَ بن نُباتة، وأبا الطفيل عامرَ بن واثلة الكنانيّ.
ثمّ من خصائص هذا الرجل المؤمن رواياته الجمّة والمهمّة في أهل البيت صلوات الله عليهم منها: ما نقله الخزّاز بسنده عن أبي الطفيل عامر بن واثلة عن زيد بن ثابت قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول: عليّ بن أبي طالب قائد البررة... وأبو سِبطَيّ ومِن صُلب الحسين تخرج الأئمّة التسعة ومنهم مهديُّ هذه الأُمّة.
وروى الشيخ الطوسيّ في أماليه بسنده عن أبي الطفيل وسلمان الفارسيّ حديثاً طويلاً في دخول فاطمة الزهراء عليها السّلام على النبيّ صلّى الله عليه وآله وقوله لها: إنّ الله اختارني من أهل بيتي واختار عليّاً والحسن والحسين واختاركِ... ومن ذريّتكما المهديّ يملأ اللهُ به الأرضَ عدلاً كما مُلئت مِن قَبلهِ جورا.
وروى الخزّار بسنده عن أبي الطفيل أيضاً عن عمّار بن ياسر حديثاً عن النبيّ صلّى الله عليه وآله عند وفاته وفيه قولُه صلّى الله عليه وآله لابنته فاطمة عليها السّلام: ومِن صُلب الحسين يُخرِج اللهُ الأئمّةَ التسعة مُطهَّرون معصومون ومنّا مهديُّ هذه الأُمّة.
وقائع وأدوار
حاول البعض ألاّ يكون لأبي الطفيل أدوار مهمّة في تاريخ صدر الإسلام وبعده وحاول آخرون محوَ أو إخفاء ما اشتهر لهذا الرجل من مواقف كبيرة.. إلاّ أنّ التاريخ دوّن له صفحاتٍ ناصعةً في سجلّ المجد والجهاد.
في حياة النبيّ صلّى الله عليه وآله.. كان أبو الطفيل المسلمَ الصادق والصحابيّ المخلص وقد سمع رسول الله صلّى الله عليه وآله وحدّث عنه وهو المعروف بولائه ومشاركته في بعض الحروب.
وقد وصَفَ رسولَ الله صلّى الله عليه وآله فقال: كان رجلاً أبيضَ مليحاً مقصّداً كأنّما يهوي من صَبوب .
وروى أنّه رأى النبيَّ صلّى الله عليه وآله في حجّة الوداع يطوف بالبيت الحرام على ناقته ويستلم الركنَ بمحجنهِ .
وروى أبو الطفيل أيضاً أنّه رأى النبيّ صلّى الله عليه وآله يقسّم لحماً بالجِعرّانة فجاءت امرأةٌ فبسط لها رداءه فقلتُ: مَن هذه ؟! قالوا: أمُّه التي أرضعَتْه ( أي حليمة السعديّة ) .
وبعد النبيّ صلّى الله عليه وآله.. كان أبو الطفيل في الشورى التي اقترحها عمر على باب الدارأو في الدار يردّ الناس عنهم وذلك بعد أن اختاره أصحاب الشورى لذلك فروى مناشدةَ أمير المؤمنين عليه السّلام واحتجاجه مع القوم في شأن أحقّيته بالخلافة كما روى كيف أنّ القوم لم يعبأوا فساقوا الأمر إلى عثمان.
وفي أوّل حكومة عثمان شارك أبو الطفيل ضمن جيش أهل العراق في فتح أرمينية سنة 24 أو 25 هجريّة.
وفي خلافة أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام.. شارك أبو الطفيل في معركة الجَمَل وقال: سمعتُ عليّاً عليه السلام يوم الجمل وهو يحرّض الناس على قتالهم ويقول: واللهِ ما رُميَ أهلُ هذه الآية بكنانة قبلَ اليوم: قاتِلُوا أئمّة الكُفْرِ إنّهم لا أيمانَ لهم لعلّهم ينتهون.
وكان أبو الطفيل قاد كنانةَ في معركة يوم الخميس وهو اليوم الأوّل من الأيّام الأربعة بصِفّين فأبلى بلاءً حسناً وأثنى عليه الإمام عليّ عليه السّلام خيراً.
وقد جعله عليه السّلام في صفّين على الكمين مع عمّار بن ياسر وعمرو بن الحَمِق الخُزاعيّ وقبيصة بن جابر الأسديّ.
وكان الخوارج يذمّون أبا الطفيل لولائه المطلق للإمام عليّ عليه السّلام ولقوله بفضله وفضل أهل بيته ولمقاتلته للخوارج ومشاركته في جميع الحروب ضدّ الناكثين والقاسطين والمارقين. وقد أرسل أمير المؤمنين عليه السّلام جيشاً فيه الريّان بن ضمرة وأبو الطفيل في أوّل ذي الحجّة من سنة 39 هجريّة لردّ غارة يزيد بن شجرة الرهاويّ على مكّة، فلمّا وصلوها وجدوهم قد خرجوا من مكّة، فتبعوهم وعليهم معقل بن قيس فأدركوهم وقد رحلوا عن وادي القرى فظفروا بنفرٍ منهم فأخذوهم أُسارى وأخذوا ما معهم ورجعوا إلى أمير المؤمنين عليه السّلام.
وبعد شهادة أمير المؤمنين عليه السّلام.. روى أبو الطفيل خُطبةَ الإمام الحسن المجتبى عليه السّلام كما روى عنه أنّه عليه السّلام قال لمولىً له: أتعرف معاوية بن خديج ؟ قال: نعم إن رأيته فأعلِمْني. فرآه خارجاً من دار عمرو بن حريث فقال له: هذا. فدعاه عليه السّلام فقال له: أنت الشاتم عليّاً عند ابن آكلة الأكباد ؟! أمَا واللهِ لئن وردتَ الحوض ولم تَرِدْه لَترينّه مشمِّراً عن ساقيه حاسراً عن ذراعيه يذود عنه المنافقين.
ولمّا استقام لمعاوية أمره في الشام لم يكن شيء أحبَّ إليه من لقاء عامر بن واثلة فلم يزل يكاتبه ويلطف له حتّى أتاه فدخل عمرو بن العاص ونفر معه فقال معاوية: يا أبا الطفيل ما بلغ مِن حبّك عليّاً ؟ قال: حُبَّ أمِّ موسى لموسى. قال: فما بلغ من بكائك عليه ؟ قال: بكاءَ العجوز المِقلات والشيخ الرقوب وإلى الله أشكو تقصيري.
ولمّا اندلعت ثورة المختار الثقفي.. خرج أبو الطفيل طالباً بدم الإمام الحسين عليه السّلام وقد ذكر بعضُهم أنّه كان صاحبَ راية المختار.
وبقي مع المختار حتى قُتل صاحب الثورة الحسينيّة المختار الثقفيّ رحمه الله قيل: بقيَ أبو الطفيل مع صاحبه حتّى حصار القصر فلمّا استُشهد المختار سنة 67 هجريّة رمى أبو الطفيل بنفسه قبل أن يؤخذ.
وشارك أبو الطفيل هو وابنه الطفيل في الثورة ضدّ الحجّاج وله خطبة في خلع الحجّاج والتحريض على قتاله وكانت الثورة قد بدأت سنة 81 هجريّة وقُتل فيها الطفيل سنة 82 هجريّة وانتهت بهزيمة عبدالرحمن بن محمّد بن الأشعث ثمّ مقتله سنة 85 هجريّة.
وجاء عمر بن عبدالعزيز فمنع عطاء أبي الطفيل فسأله: لِمَ منعتَني عطائي ؟ فأجابه: بلغني أنّك صقلتَ سيفَك وشحذت سِنانك ونصلتَ سهمك وعلّقت قوسك تنتظر الإمامَ القائم حتّى يخرج فإذا خرج وفّاك عطاءَك! فقال أبو الطفيل: إنّ الله سائلك عن هذا. فاستحيا عمر من هذا وأعطاه.
(وفاته)
اختلفت المصادر في تحديد وفاة أبي الطفيل رحمه الله وإن اتّفقت على أنّه كان آخر الصحابة وفاةً ممّن رأى النبيَّ صلّى الله عليه وآله. ولكنّها طوّقت زمانَ وفاته بين سنة 100 ـ 110 هجريّة كما طوّقت مكانها بين المدينة ومكّة والكوفة وإن كان الراجح أنّ وفاته وقعت في مكّة المكرّمة سنة 110 هجريّة.
(شاعريّته)
إلى كونه سيّدَ كنانة وبطلاً من أبطال فرسانها وفضلاً عن صلابة عقيدته وثبات مواقفه القتاليّة والمبدأية.. تمتّع أبو الطفيل بشاعريّة جذّابة احتلّت موقعاً في الأدب الرساليّ لم تستطع الأيدي الحاقدة خنقَه. حتّى أنّ معاوية اعترف بشاعريته حين دخل أبو الطفيل عليه في مجلسٍ ضمّ عمرو بنَ العاص ومروان بن الحكم وسعيد بن العاص وغيرهم.. فقال لهم معاوية: هذا حبيب عليّ وفارس أهل صِفّين وشاعرهم
أوعلى رواية أخرى ـ: هذا خليل عليّ بن أبي طالب، وفارس صفِّين وشاعر أهل العراق . ويوم سأل بِشرُ بن مروان حين كان على العراق الشاعر الكنانيّ أنسَ بن زُنَيم: أنشِدْني أفضلَ شعرٍ قالته كنانة أنشده قصيدة أبي الطفيل: أيدعونني شيخاً.. فقال له بشر: هذا أشعرُ شعرائكم
وصرّح أبو مِخنَف بشاعريّة أبي الطفيل وقال: حدّثني مطرف بن عامر بن واثلة الكنانيّ ( ابنه ) أنّ أباه كان أوّل متكلّم يوم خلع الحجّاج وكان شاعراً خطيباً. وترجم له أبو الفَرَج الإصفهانيّ ( الأغاني) ترجمةً جيّدة، ونقل عنه أخباراً كثيرة. كما ترجم له المرزبانيّ في ( أخبار شعراء الشيعة 26 ـ 29 )فذكره في طليعة سبعةٍ وعشرين شاعراً من شعراء الشيعة. وصرّح بشاعريّته أيضاً ابن عبدالبَرّ فقال: كان أبو الطفيل شاعراً محسناً.
أمّا الزركليّ فقد عرّفه بهذه العبارات: شاعر كنانة وأحد فرسانها ومن ذوي السيادة فيها.
لكنّ ما وصلنا من شعر أبي الطفيل يشير إلى أنّه بعض شعره وأن كثيراً منه لم يصلنا وقد تكشف المخطوطات عن مزيد منه خصوصاً من خلال إشارات بعد المؤلّفين في قولهم: وقال فيه أبياتاً أُخَر. وفي العصر الحديث جمع بعضَ شعره الطيّبُ العشّاش ونشره في حوليّات الجامعة التونسيّة سنة 1973 م ـ العدد العاشر ـ وكان كلّ ما جمعه 13 قطعة شعريّة. ثمّ استدرك عليه الأستاذ ضياء الدين الحيدريّ ونشر مستدركاته في مجلّة البلاغ الكاظميّة سنة 1975 م ـ العدد 27 إلى 31.
وهذه نماذج من شعر أبي الطفيل:
ومـِن عجَبِ الإيّامِ والدهرِ أنّها***قـريـشٌ عـلى آلِ النـبيِّ تُحَرِّبُ
قضـى اللهُ في الفُرقان أنّ عدوَّه***وإن كـان ذا كـيـدٍ يُـذَلّ ويُغلَبُ
فـلا تَحسَبوا أنّ الرَّخاءَ لأهـلهِ***يـدومُ.. ولا أنّ الـبـليّةَ تُـرتَـبُ
فـإنّ لأهـل الحـقّ لابُدَّ دولةً***على الناسِ إيّاها أُرجّي وأرقُب
وقال قصيدة عُنونت بـ ( عليٌّ لنا والد ) قالها في وقعة صِفّين:
حـامَـتْ كـِنانةُ في حربِهـا***وحـامتْ تميمٌ وحامت أسَدْ
وحـامت هوازنُ يومَ اللِّقـاءْ***فـمـا خابَ منّا ومنهم أَحَدْ
لَـقـِينـا قـبائلَ أنسابُـهـم***إلى حضرَموتٍ وأهلِ الجَنَدْ
وأمـدادُهـم خَلْفَ آذانِـهـم***ولـيـس لنا مِن سوانا مَدَدْ
فَـظَلْنـا نُـفـلِّق هـامـاتِهم***ولـم نـكُ فـيها بِبَيضِ البَلَدْ
ونـِعْـم الفوارسُ يومَ اللِّقـاء***فقُلْ في عديـدٍ وقُلْ في عَدَدْ
وقُلْ في طِعانٍ كفُرْغِ الـدِّلاء***وضـربٍ عـظيمٍ كنارِ الوَقَدْ
ولكنْ عصَفْنا بهم عـصـفـةً***وفي الحـربِ يُمنٌ وفيها نَكَدْ
طَحَنّا الفوارسَ وَسْطَ العَجاج***وسُقْنا الزّعـانفَ سوقَ النَّقَدْ
وقـأُلنـا: عـلـيٌّ لنـا والدٌ***ونـحنُ له طاعةً كالولَدْ
وقال في مدح أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام:
صِهْرُ النبيِّ بذاك اللهُ أكرمَـهُ***إذِ اصـطـفاهُ وذاك الصِّهْرُ مُدَّخَرُ
فقام بالأمر والتقوى أبو حسنٍ***بَـخْ بَـخْ هـنالكَ فضلٌ ما لَه خَطَرُ
لا يسلم القَرنُ منه إن ألمَّ بـهِ***ولا يَـهـابُ وإن أعـداؤه كَـثُروا
مَـن رام صـولتَه وافى منيّتَه***لا يَدفعُ الثَّكْلَ عن أعدائهِ الحَذَرُ
اللهم صل على محمد وال محمد
+++++++++++++++++++من هو أبو الطُّفَيل ؟
هو عامر بن واثلة بن عبدالله... بن كنانة بن خُزَيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نِزار بن معد بن عدنان يُكنّى ( أبا الطُّفَيل ) وطُفَيل هو ابنه الذي قُتل في حروبه ضدّ الحَجّاج وكان عامر يُلقَّب بـ (خليل أبي الحسن) و( حبيب عليّ).
(ولادته) فقد ذكرت معظم المصادر أنّها وقعت في عام أُحد فأدرك أبو الطفيل ثماني سنين من حياة النبيّ صلّى الله عليه وآله لكنّ الصنعانيّ صرّح بأنّه كان من البدريّين وقال ابن حجر: رأى النبيَّ صلّى الله عليه وآله وهو شاب وحَفِظ عنه أحاديث.
وقد وردت روايات عن أبي الطفيل يظهرفيها أنّه كان أكبر ممّا حدّدوا له من العمر.. فهو يروي معاينةً (لا نقلاً )عن رسول الله صلّى الله عليه واله (مثلاً ) أنّه جاء يوماً فرأى عليّاً (عليه السّلام) على التراب فأيقظه وجعل يمسح الترابَ عن ظهره ويقول له: إنّما أنت أبو تراب
وروى الحُضَينيّ بسنده محاججةً وقعت بين الإمام عليّ (عليه السّلام) وأبي بكر أيام حكومته وكان فيما قال الإمام عليّ (عليه السّلام) لأبي بكر: فقد أخذ النبيّ عليك بيعتي في أربعة مواطن وعلى جماعةٍ معك فيهم عمر وعثمان: في يوم الدار وفي بيعة الرضوان وتحت الشجرة ويوم جلوسه في بيت أُمّ سَلَمة وأنا عن يمينه. أحضرك وعمرَ وعثمان وسلمان والمِقدادَ وجُنْدباً وعمّاراً وحُذَيفة وأبا الهيثم مالك بن التَّيِّهان وأبا الطفيل عامرَ بن واثلة... وقال لهمُ النبيّ صلّى الله عليه وآله: قُمْ يا سلمان قم يا مقداد... قُمْ يا عامر قم يا بُريدة فبايِِعُوا لأخي عليٍّ وسلِّموا عليه بإمرة المؤمنين. فقاموا بأجمعهم بلا مراجعة فبايَعوا لي وسلَّموا عَلَيّ بإمرة المؤمنين .
كان أبو الطفيل ممّن رأى النبيَّ صلّى الله عليه وآله وعاصره فهو من الصحابة الثقاة عند مَن يرى وثاقةَ وعدالة كلّ صحابيّ. أمّا ولاؤه لأهل البيت عليهم السّلام وتفضيله للإمام عليّ (عليه السّلام) خاصّة.. فهو ما لم يختلف عليه أحد وكانت له مواقف مشهودة.
وقد عدّه الشيخ الطوسيّ تارةً من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وأخرى في أصحاب أمير المؤمنين عليه السّلام وثالثة في أصحاب الإمام الحسن عليه السّلام.. ورابعة في أصحاب الإمام السجّاد عليّ بن الحسين عليه السّلام وقد عدّه ابن شهرآشوب في( المناقب)فصل في المفردات ـ من أصحاب الإمام الحسن عليه السّلام الذين هم من خواصّ أبيه .
وقال المرزبانيّ: كان من خيار أصحاب عليّ (عليه السّلام)وعرّفه طويس بقوله: شيخ من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله ومن شيعة عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام) وصاحب رايته. وأكّد ذلك ابن قتيبة الدينوريّ فكتب فيه: كان مِن أخصّ الناس بعليٍّ (عليه السّلام) وزاد ابن الأثير على ذلك بقوله: وكان من أصحاب عليٍّ المحبّين له وشهد معه مشاهدَه كلَّها وكان ثقةً مأموماً.. يُقدّم عليّاً عليه السّلام . وعرّف ابن عبد البَرّ بجوانب أخرى في شخصيّة أبي الطفيل فكتب: كان فاضلاً عاقلاً حاضرَ الجواب فصيحاً وكان متشيّعاً في عليٍّ (عليه السّلام) ويفضّله.
ومن وضوح شخصيّة أبي الطفيل الكنانيّ.. كتب ابن كثير: كان من أنصار عليٍّ (عليه السّلام) شهد معه حروبَه كلَّها فيما كتب ابن حجر: كان ثقةً وكان متشيّعاً.
وفيما خصّه اليعقوبيّ في تاريخه بشيءٍ آخر حيث كتب فيه: وكان أصحاب عليٍّ عليه السّلام الذين يحملونَ عنه العلم: الحارث الأعور أبو الطفيل عامر بن واثلة حبّة العَرَنيّ رُشَيد الهَجَريّ جويرية بن مُسهر الأصبغ بن نُباتة ميثم التمّار الحسن بن عليّ عليهما السّلام.
وحَسْبنا في ولاء أبي الطفيل وثباته على مبدئه.. أنّ الحَجاج الثقفيّ المتعطّش لدماء أتْباع أهل البيت عليهم السّلام كان واضعاً أبا الطفيل في قائمة مَن يريد تصفيتهم من رجال الشيعة لولا ما كان لأبي الطفيل من يدٍ عند عبدالملك بن مروان!
وكان أمير المؤمنين عليّ سلام الله عليه قد وصفه بأنّه من ثقاته ومن عصابة الحقّ وأثنى عليه خيراً في صفّين .
هذا فضلاً عمّا رواه أبو الطفيل من فضائل أمير المؤمنين (عليه السّلام) وما كان له من مواقف في حروبه وما جادت به قريحته الطافحة من شعرٍ ولائيّ. فقد روى حديث: الثقلَين والغدير ومَثَل أهل بيتي كسفينة نوح وحديث سدّ الأبواب وحديث سِبقة الإمام عليّ (عليه السّلام) إلى الإسلام.. وغيرها ما لو جُمعت لكانت مجلّداً كبيراً.
وممّا يدلّ على شدة إيمانه قوله لأمير المؤمنين (عليه السّلام) بعد أن قاتل بقومه قتال الأبطال: يا أمير المؤمنين إنّك أنبأتَنا أنّ أشرف القتل الشهادة وأحظى الأمر الصبر وقد واللهِ صبرنا حتّى أُصِبْنا... فقتيلنا شهيد وحيُّنا ثائر فاطلبْ بمَن بقيَ ثأرَ مَن مضى. فإنّا وإن كان قد ذهبَ صفونا وبقيَ كدَرُنا فإنّ لنا دِيناً لا يميل به الهوى ويقيناً لا تزحمه الشبهة. فأثنى الإمام عليٌّ (عليه السّلام) عليه خيراً.
خصائصه ومزاياه:
لقد خُصّ أبو الطفيل من بين أصحاب الإمام عليّ (عليه السّلام) هو وجماعة بأنّه كان من أهل السرّ قال أبان: لقيت أبا الطفيل في منزله فحدّثني في الرجعة عن أُناسٍ من أهل بدر وعن سلمان وأبي ذرّ والمقداد وأُبيّ بن كعب. قال أبو الطفيل: فعرضتُ ذلك الذي سمعته منهم على عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام) بالكوفة فقال لي: هذا علمٌ خاصّ يَسَع الأمّة جهلُه وردُّ علمه إلى الله تعالى. ثمّ صدّقني بكلّ ما حدّثوني فيها وقرأ علَيّ بذلك قرآناً كثيراً وفسّره تفسيراً شافياً حتّى صرت ما أنا بيوم القيامة بأشدّ يقيناً منّي بالرجعة.
ثمّ قال عليه السّلام: يا أبا الطفيل واللهِ لو دخلتُ على عامّة شيعتي.. فحدّثتهم ببعض ما أعلم من الحقّ في الكتاب الذي نزل به جبرئيل عليه السّلام على محمّدٍ صلّى الله عليه وآله وببعض ما سمعتُ من رسول الله صلّى الله عليه وآله لتفرّقوا عنّي.. حتّى أبقى في عصابةِ حقٍّ قليلة أنت وأشباهك من شيعتي... إنّ أمرنا صعبٌ مستصعَب لا يعرفه ولا يُقرّ بهِ إلاّ ثلاثة: مَلَكٌ مقرَّب أو نبيٌّ مرسل أو عبدٌ نجيب امتحن اللهُ قلبَه للإيمان. يا أبا الطفيل إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قُبِض فارتدّ الناس ضُلاّلاً وجُهّالاً إلاّ مَن عصمه اللهُ بنا أهلَ البيت .
ومِن مزايا أبي الطفيل أن كان من ثقاة أمير المؤمنين (عليه السّلام) ثبت ذلك فيما رواه السيّد بن طاووس من كتاب ( الرسائل ) للكلينيّ عن عليّ بن إبراهيم بسنده إلى أمير المؤمنين عليه السّلام أنّه دعا كاتبَه عبيدَالله بن أبي رافع فقال له: أدخِلْ إليَّ عشرةً مِن ثقاتي. فقال ابن أبي رافع يسأل: سَمِّهم لي يا أمير المؤمنين، فقال عليه السّلام: أدخِلِ الأصبغَ بن نُباتة، وأبا الطفيل عامرَ بن واثلة الكنانيّ.
ثمّ من خصائص هذا الرجل المؤمن رواياته الجمّة والمهمّة في أهل البيت صلوات الله عليهم منها: ما نقله الخزّاز بسنده عن أبي الطفيل عامر بن واثلة عن زيد بن ثابت قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول: عليّ بن أبي طالب قائد البررة... وأبو سِبطَيّ ومِن صُلب الحسين تخرج الأئمّة التسعة ومنهم مهديُّ هذه الأُمّة.
وروى الشيخ الطوسيّ في أماليه بسنده عن أبي الطفيل وسلمان الفارسيّ حديثاً طويلاً في دخول فاطمة الزهراء عليها السّلام على النبيّ صلّى الله عليه وآله وقوله لها: إنّ الله اختارني من أهل بيتي واختار عليّاً والحسن والحسين واختاركِ... ومن ذريّتكما المهديّ يملأ اللهُ به الأرضَ عدلاً كما مُلئت مِن قَبلهِ جورا.
وروى الخزّار بسنده عن أبي الطفيل أيضاً عن عمّار بن ياسر حديثاً عن النبيّ صلّى الله عليه وآله عند وفاته وفيه قولُه صلّى الله عليه وآله لابنته فاطمة عليها السّلام: ومِن صُلب الحسين يُخرِج اللهُ الأئمّةَ التسعة مُطهَّرون معصومون ومنّا مهديُّ هذه الأُمّة.
وقائع وأدوار
حاول البعض ألاّ يكون لأبي الطفيل أدوار مهمّة في تاريخ صدر الإسلام وبعده وحاول آخرون محوَ أو إخفاء ما اشتهر لهذا الرجل من مواقف كبيرة.. إلاّ أنّ التاريخ دوّن له صفحاتٍ ناصعةً في سجلّ المجد والجهاد.
في حياة النبيّ صلّى الله عليه وآله.. كان أبو الطفيل المسلمَ الصادق والصحابيّ المخلص وقد سمع رسول الله صلّى الله عليه وآله وحدّث عنه وهو المعروف بولائه ومشاركته في بعض الحروب.
وقد وصَفَ رسولَ الله صلّى الله عليه وآله فقال: كان رجلاً أبيضَ مليحاً مقصّداً كأنّما يهوي من صَبوب .
وروى أنّه رأى النبيَّ صلّى الله عليه وآله في حجّة الوداع يطوف بالبيت الحرام على ناقته ويستلم الركنَ بمحجنهِ .
وروى أبو الطفيل أيضاً أنّه رأى النبيّ صلّى الله عليه وآله يقسّم لحماً بالجِعرّانة فجاءت امرأةٌ فبسط لها رداءه فقلتُ: مَن هذه ؟! قالوا: أمُّه التي أرضعَتْه ( أي حليمة السعديّة ) .
وبعد النبيّ صلّى الله عليه وآله.. كان أبو الطفيل في الشورى التي اقترحها عمر على باب الدارأو في الدار يردّ الناس عنهم وذلك بعد أن اختاره أصحاب الشورى لذلك فروى مناشدةَ أمير المؤمنين عليه السّلام واحتجاجه مع القوم في شأن أحقّيته بالخلافة كما روى كيف أنّ القوم لم يعبأوا فساقوا الأمر إلى عثمان.
وفي أوّل حكومة عثمان شارك أبو الطفيل ضمن جيش أهل العراق في فتح أرمينية سنة 24 أو 25 هجريّة.
وفي خلافة أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام.. شارك أبو الطفيل في معركة الجَمَل وقال: سمعتُ عليّاً عليه السلام يوم الجمل وهو يحرّض الناس على قتالهم ويقول: واللهِ ما رُميَ أهلُ هذه الآية بكنانة قبلَ اليوم: قاتِلُوا أئمّة الكُفْرِ إنّهم لا أيمانَ لهم لعلّهم ينتهون.
وكان أبو الطفيل قاد كنانةَ في معركة يوم الخميس وهو اليوم الأوّل من الأيّام الأربعة بصِفّين فأبلى بلاءً حسناً وأثنى عليه الإمام عليّ عليه السّلام خيراً.
وقد جعله عليه السّلام في صفّين على الكمين مع عمّار بن ياسر وعمرو بن الحَمِق الخُزاعيّ وقبيصة بن جابر الأسديّ.
وكان الخوارج يذمّون أبا الطفيل لولائه المطلق للإمام عليّ عليه السّلام ولقوله بفضله وفضل أهل بيته ولمقاتلته للخوارج ومشاركته في جميع الحروب ضدّ الناكثين والقاسطين والمارقين. وقد أرسل أمير المؤمنين عليه السّلام جيشاً فيه الريّان بن ضمرة وأبو الطفيل في أوّل ذي الحجّة من سنة 39 هجريّة لردّ غارة يزيد بن شجرة الرهاويّ على مكّة، فلمّا وصلوها وجدوهم قد خرجوا من مكّة، فتبعوهم وعليهم معقل بن قيس فأدركوهم وقد رحلوا عن وادي القرى فظفروا بنفرٍ منهم فأخذوهم أُسارى وأخذوا ما معهم ورجعوا إلى أمير المؤمنين عليه السّلام.
وبعد شهادة أمير المؤمنين عليه السّلام.. روى أبو الطفيل خُطبةَ الإمام الحسن المجتبى عليه السّلام كما روى عنه أنّه عليه السّلام قال لمولىً له: أتعرف معاوية بن خديج ؟ قال: نعم إن رأيته فأعلِمْني. فرآه خارجاً من دار عمرو بن حريث فقال له: هذا. فدعاه عليه السّلام فقال له: أنت الشاتم عليّاً عند ابن آكلة الأكباد ؟! أمَا واللهِ لئن وردتَ الحوض ولم تَرِدْه لَترينّه مشمِّراً عن ساقيه حاسراً عن ذراعيه يذود عنه المنافقين.
ولمّا استقام لمعاوية أمره في الشام لم يكن شيء أحبَّ إليه من لقاء عامر بن واثلة فلم يزل يكاتبه ويلطف له حتّى أتاه فدخل عمرو بن العاص ونفر معه فقال معاوية: يا أبا الطفيل ما بلغ مِن حبّك عليّاً ؟ قال: حُبَّ أمِّ موسى لموسى. قال: فما بلغ من بكائك عليه ؟ قال: بكاءَ العجوز المِقلات والشيخ الرقوب وإلى الله أشكو تقصيري.
ولمّا اندلعت ثورة المختار الثقفي.. خرج أبو الطفيل طالباً بدم الإمام الحسين عليه السّلام وقد ذكر بعضُهم أنّه كان صاحبَ راية المختار.
وبقي مع المختار حتى قُتل صاحب الثورة الحسينيّة المختار الثقفيّ رحمه الله قيل: بقيَ أبو الطفيل مع صاحبه حتّى حصار القصر فلمّا استُشهد المختار سنة 67 هجريّة رمى أبو الطفيل بنفسه قبل أن يؤخذ.
وشارك أبو الطفيل هو وابنه الطفيل في الثورة ضدّ الحجّاج وله خطبة في خلع الحجّاج والتحريض على قتاله وكانت الثورة قد بدأت سنة 81 هجريّة وقُتل فيها الطفيل سنة 82 هجريّة وانتهت بهزيمة عبدالرحمن بن محمّد بن الأشعث ثمّ مقتله سنة 85 هجريّة.
وجاء عمر بن عبدالعزيز فمنع عطاء أبي الطفيل فسأله: لِمَ منعتَني عطائي ؟ فأجابه: بلغني أنّك صقلتَ سيفَك وشحذت سِنانك ونصلتَ سهمك وعلّقت قوسك تنتظر الإمامَ القائم حتّى يخرج فإذا خرج وفّاك عطاءَك! فقال أبو الطفيل: إنّ الله سائلك عن هذا. فاستحيا عمر من هذا وأعطاه.
(وفاته)
اختلفت المصادر في تحديد وفاة أبي الطفيل رحمه الله وإن اتّفقت على أنّه كان آخر الصحابة وفاةً ممّن رأى النبيَّ صلّى الله عليه وآله. ولكنّها طوّقت زمانَ وفاته بين سنة 100 ـ 110 هجريّة كما طوّقت مكانها بين المدينة ومكّة والكوفة وإن كان الراجح أنّ وفاته وقعت في مكّة المكرّمة سنة 110 هجريّة.
(شاعريّته)
إلى كونه سيّدَ كنانة وبطلاً من أبطال فرسانها وفضلاً عن صلابة عقيدته وثبات مواقفه القتاليّة والمبدأية.. تمتّع أبو الطفيل بشاعريّة جذّابة احتلّت موقعاً في الأدب الرساليّ لم تستطع الأيدي الحاقدة خنقَه. حتّى أنّ معاوية اعترف بشاعريته حين دخل أبو الطفيل عليه في مجلسٍ ضمّ عمرو بنَ العاص ومروان بن الحكم وسعيد بن العاص وغيرهم.. فقال لهم معاوية: هذا حبيب عليّ وفارس أهل صِفّين وشاعرهم
أوعلى رواية أخرى ـ: هذا خليل عليّ بن أبي طالب، وفارس صفِّين وشاعر أهل العراق . ويوم سأل بِشرُ بن مروان حين كان على العراق الشاعر الكنانيّ أنسَ بن زُنَيم: أنشِدْني أفضلَ شعرٍ قالته كنانة أنشده قصيدة أبي الطفيل: أيدعونني شيخاً.. فقال له بشر: هذا أشعرُ شعرائكم
وصرّح أبو مِخنَف بشاعريّة أبي الطفيل وقال: حدّثني مطرف بن عامر بن واثلة الكنانيّ ( ابنه ) أنّ أباه كان أوّل متكلّم يوم خلع الحجّاج وكان شاعراً خطيباً. وترجم له أبو الفَرَج الإصفهانيّ ( الأغاني) ترجمةً جيّدة، ونقل عنه أخباراً كثيرة. كما ترجم له المرزبانيّ في ( أخبار شعراء الشيعة 26 ـ 29 )فذكره في طليعة سبعةٍ وعشرين شاعراً من شعراء الشيعة. وصرّح بشاعريّته أيضاً ابن عبدالبَرّ فقال: كان أبو الطفيل شاعراً محسناً.
أمّا الزركليّ فقد عرّفه بهذه العبارات: شاعر كنانة وأحد فرسانها ومن ذوي السيادة فيها.
لكنّ ما وصلنا من شعر أبي الطفيل يشير إلى أنّه بعض شعره وأن كثيراً منه لم يصلنا وقد تكشف المخطوطات عن مزيد منه خصوصاً من خلال إشارات بعد المؤلّفين في قولهم: وقال فيه أبياتاً أُخَر. وفي العصر الحديث جمع بعضَ شعره الطيّبُ العشّاش ونشره في حوليّات الجامعة التونسيّة سنة 1973 م ـ العدد العاشر ـ وكان كلّ ما جمعه 13 قطعة شعريّة. ثمّ استدرك عليه الأستاذ ضياء الدين الحيدريّ ونشر مستدركاته في مجلّة البلاغ الكاظميّة سنة 1975 م ـ العدد 27 إلى 31.
وهذه نماذج من شعر أبي الطفيل:
ومـِن عجَبِ الإيّامِ والدهرِ أنّها***قـريـشٌ عـلى آلِ النـبيِّ تُحَرِّبُ
قضـى اللهُ في الفُرقان أنّ عدوَّه***وإن كـان ذا كـيـدٍ يُـذَلّ ويُغلَبُ
فـلا تَحسَبوا أنّ الرَّخاءَ لأهـلهِ***يـدومُ.. ولا أنّ الـبـليّةَ تُـرتَـبُ
فـإنّ لأهـل الحـقّ لابُدَّ دولةً***على الناسِ إيّاها أُرجّي وأرقُب
وقال قصيدة عُنونت بـ ( عليٌّ لنا والد ) قالها في وقعة صِفّين:
حـامَـتْ كـِنانةُ في حربِهـا***وحـامتْ تميمٌ وحامت أسَدْ
وحـامت هوازنُ يومَ اللِّقـاءْ***فـمـا خابَ منّا ومنهم أَحَدْ
لَـقـِينـا قـبائلَ أنسابُـهـم***إلى حضرَموتٍ وأهلِ الجَنَدْ
وأمـدادُهـم خَلْفَ آذانِـهـم***ولـيـس لنا مِن سوانا مَدَدْ
فَـظَلْنـا نُـفـلِّق هـامـاتِهم***ولـم نـكُ فـيها بِبَيضِ البَلَدْ
ونـِعْـم الفوارسُ يومَ اللِّقـاء***فقُلْ في عديـدٍ وقُلْ في عَدَدْ
وقُلْ في طِعانٍ كفُرْغِ الـدِّلاء***وضـربٍ عـظيمٍ كنارِ الوَقَدْ
ولكنْ عصَفْنا بهم عـصـفـةً***وفي الحـربِ يُمنٌ وفيها نَكَدْ
طَحَنّا الفوارسَ وَسْطَ العَجاج***وسُقْنا الزّعـانفَ سوقَ النَّقَدْ
وقـأُلنـا: عـلـيٌّ لنـا والدٌ***ونـحنُ له طاعةً كالولَدْ
وقال في مدح أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام:
صِهْرُ النبيِّ بذاك اللهُ أكرمَـهُ***إذِ اصـطـفاهُ وذاك الصِّهْرُ مُدَّخَرُ
فقام بالأمر والتقوى أبو حسنٍ***بَـخْ بَـخْ هـنالكَ فضلٌ ما لَه خَطَرُ
لا يسلم القَرنُ منه إن ألمَّ بـهِ***ولا يَـهـابُ وإن أعـداؤه كَـثُروا
مَـن رام صـولتَه وافى منيّتَه***لا يَدفعُ الثَّكْلَ عن أعدائهِ الحَذَرُ