بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
شاعت في مجتمعاتنا أقوال وأعمال يمارسها الكثير من النّاس، معتقدين أنها من أمور العبادة، كما شاعت أمور أخرى قصّر في أدائها النّاس، معتبرين أنّها من العادات والتقاليد. ولكن الكارثة الحقيقيّة، هي أن كثيراً من العبادات قد تحوّلت إلى عادات، والأشد كارثيّةً، أنّ العادات والتقاليد الاجتماعيّة قد تحوّلت في أفهام البعض إلى عبادات.
من هنا، رأينا الخلل يصيب الأعمال كلّها، ورأينا التكاسل يتسلّل إلى الهمم، فتتراجع الأعمال وتفقد أهميّتها وآثارها ونتائجها.
فكيف نرجو صلاحاً ممن أدّى صلاته كعادة يوميّة، بعد أن فقد الشعور بخشوعها وآدابها ومتطلّباتها؟ وكيف نرجو من الصائم تغييراً محموداً، وهو الذي يمتنع عن الطعام والشراب، فقط لأنّه تعوّد ذلك، وليس لأنّه استشعر معاني الصّيام وعبره...
الأمر ربما يعتقده البعض هيّناً، ولكنه في حقيقته أمر خطير، فنحن لم نبتعد عن دين الله حقيقةً، إلا حين تحوّلت عبادتنا إلى عادات، بل ونقول إنّ العبادة عند البعض، وللأسف، تحولت إلى تقاليد اجتماعيّة، ربما لم تعد بالنسبة إلى البعض تناسب العصر الحاضر.
فما الفرق بين العادة والعبادة؟ وما خطورة أن تختلط المفاهيم في عقول المسلمين؟ وكيف نعود بكلّ شيء إلى حقيقته وأصله؟ بل ومن المسؤول عن توعية النّاس وتوجيههم بهذه الأمور؟
التقينا القاضي الشيخ زكريّا غندور، وشرح لنا هذه القضيّة؟
* كيف نفرّق بين العادة والعبادة؟
- العبادة أمر خالص لله تعالى، يقوم به العبد، رجلاً كان أو امرأة، تقرّباً إلى الله تعالى، فالمرأة تتحجب خوفاً من الله، وليس تقليداً أو عادةً كما تفعل بعض النساء اللواتي يتحجبن خوفاً من أزواجهن أو آبائهن أو السّلطة، فإذا سمحت الفرصة نزعنه، حتّى يظن الناظر أنها ليست المرأة التي كان بالأمس يكلّمها... فمثل هذه المرأة كان لباسها عادةً وليس عبادة. فإن هذه الأفعال ليست تديّناً، وهذه المرأة لبست حجابها شكلاً دون المضمون، ولا نريد أن نقف أمام هذه النقطة عند النّساء، بل نقول أيضاً إنّ هناك كثيراً من الرّجال نراهم في المساجد أو في المتاجر، وقد وضعوا اليافطات باسم الحاجّ فلان أو فلان، وهو عنوان يرمز إلى التدين، فإذا تعاملنا معهم، وجدنا أنّ الإسلام قد فقد، وأنّ الشّكل فقط بقي دون عقيدة ودون مضمون..
.
ما قاله النبيّ(ص): «ربّ أشعثٍ أغبر مدفوع الأبواب، لو أقسم على الله لأبرّه». فهذا الإنسان بمنظره البسيط، هو أقرب إلى الله من أيّ إنسان آخر كان مظهره جميلاً، فلذلك نحن نحتاج إلى الدّين الفعلي عند التاجر، وعند القائد، وعند الرّئيس، وعند العامل، فإذا وجد الدّين عند هؤلاء، كنّا من أرقى المجتمعات في الدّنيا، وإذا ضاع الدّين عند هؤلاء، صرنا أسوأ البلاد.
ورحم الله الإمام شلتوت، عندما زار بلاد الغرب، ورأى الصّدق والأمانة والأخلاق واحترام الإنسان، وقف وقال باستغراب: "مالي أرى الإسلام ولا أرى المسلمين، وعندما عاد إلى بلاد الشّرق، ورأى واقع المسلمين، قال: مالي لا أرى المسلمين ولا أرى الإسلام".
* من يتحمّل مسؤوليّة التوعية عند النّاس؟
- لا بدّ من عودة صادقة إلى نهج النبيّ(ص)... فنحن اليوم جميعاً، وعلى كافّة الصّعد، نحتاج إلى العودة إلى الدّين لإحيائه بحياة المسلمين، قبل أن يكفر الآخرون بالإسلام...
ولا شكّ في أنّ للأهل دوراً كبيراً في تعليم الأولاد الفرق بين العادة والعبادة، فنقول لهم ما قاله النبيّ(ص): "أدّبني ربّي فأحسن تأديبي". فنحن اليوم نقول للآباء والأزواج والأمّهات: عودوا إلى الدّين عقيدةً وأخلاقاً، لتكونوا قدوةً لغيركم، فلا نريد أن نرغم أبناءنا على أمر لا يكونوا مؤمنين به، فربّوا أبناءكم على الإسلام والقيم والأخلاق يكونوا لكم...
ولا يقلّ دور المدرسة والعلماء عن دور الأهل في توضيح هذا الفارق بين العادة والعبادة.
* وما خطورة تحوّل العبادة إلا عادة من حيث الأداء؟
- عندما تتحوّل العبادة إلى عادة، فإنها لا تقبل عند الله تعالى، ولا تكون صحيحة، لأن الإنسان لا يؤدي العبادة إلا قربةً لله تعالى، فإذا لم يكن عنده عقيدة صحيحة، فإنّ ذلك ييسّر للمرأة وللرّجل الخروج عن أوامر الدّين...
وختم بدعوة جميع المسلمين إلى العودة لله تعالى، وأن لا يقولوا قولاً لا يؤمنون به... فالعبادة يجب أن تكون قلباً وقالباً وروحاً وصورةً، وإنّ التّغيير الصّحيح، هو ما يصيب الإنسان من الدّاخل، وأن يستشعر داخلياً إرادة التّغيير، وان تكون نابعة من العبادة والمعاملة، وليس لمجرد المحافظة على تقاليد معيّنة أو عادات.
بدوره، اعتبر الشيخ علي أبو مرعي، أنّ الخشوع هو المقياس الصّادق لأداء المسلم لكلّ عباداته، ومنعها من التحوّل إلى عادة، ففي الصّلاة مثلاً، فإنّ مقياس تحوّلها إلى عادة، هو مقدار الإحساس بالخشوع واللّذّة فيها، فإن كانت الصّلاة حركات وأقوالاً مجرّدة لا تحرّك في الوجدان ساكناً، سواء بالتأخّر عنها، أو بما فيها من أقوال وأذكار، فهي إذاً عادة.
وأشار إلى أنّ من يؤدّي العبادة كعادة، أشبه بمن أصيب بمرض خطير فأهمله حتّى انتقل إلى كافة العبادات الأخرى، فنجده في الصّوم مصداقاً لقوله(ص): "ربّ صائم حظّه من صيامه الجوع والعطش"، ومن يفعل ذلك، لا يجد لذّة الصيام وثمرته، بل يصوم لمجرّد أنّه في رمضان، وأنّه تعود على هذا. ونجده في قراءة القرآن، وقد قال أنس بن مالك: "ربّ تال للقرآن والقرآن يلعنه، فإذا كان يظلم وهو يقرأ قول الله تعالى: {أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} فإنه يلعن نفسه"، بل وحتّى في العطاء والصّدقات، نجد الكثير من النّاس يقدم عليها، ولكنه فاقد لآدابها وآثارها، فيتبعها بالمنّ والأذى، ويفعلها فقط لأنّه تعوّد عليها... وأشار إلى أنّ العبادة هي طريق الإنسان في الأرض وسبب استخلافه، وهي غذاء للرّوح، ومصدر للسعادة، وأساس للعزّة، وبالتالي لا يجوز للمسلم أن يهملها أو يقصّر في أدائها، فبعض النّاس ـ للأسف ـ قد حوّلوا عبادتهم إلى عادات، من خلال ممارستها بصورة ثابتة ومتكرّرة، دون الشعور بأهميتها، فخلت من لذّتها وخشوعها، وأصبحت صنعة بلا روح، وهيئة دون مضمون.
إنّ أخطر آثار تحوّل العبادة في نفوس النّاس إلى عادة، هي أننا فقدنا كلّ علاقة بين العبادة ومجريات الحياة، فلم نعد نجد للصّلاة أثراً في سلوك الفرد، علماً أنّ الله تعالى قد أخبرنا {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}، والصّيام ما عدنا نعيش جوهره، والله يقول للصّائمين: {لعلّكم تتّقون}، وهكذا، حتّى انفصلت سلوكياتنا وأفعالنا ومناهج حياتنا عن العبادة، حتى أصبحنا مسلمين بالهويّة فقط..!!