تضيق الصدور بشوقها إلى وليّها.. وتضيق معها رئة الأرض.. والأنفاس انتظاراً..
وإن ألقيت السمع في أرجاء هذا الوجود الفسيح لسمعت أنين ذرّاته واحدة واحدة.. يحرقها الانتظار..
وأيّ انتظارٍ؟؟ إنه انتظار الفرج بظهور مخلّص البشرية المهديّ من آل محمد..
وفي حرقة الانتظار واشتياق القلوب الملتاعة قد نجترح ما يؤخّر الفرج ويطيل الانتظار.
فنغتاب مؤمناً هنا، ونحقد على آخر هناك.. نُسيء الظّن بأحدهم، ونرفض العفو عن مُسيء لنا.. غافلين عن الحقيقة.. وأيّ حقيقة؟؟
تلك التي عصارتها أنّ الشقاق والتجافي بين المؤمنين من أهم مسببات تأخير الفرج.
إذ جاء في حديث الإمام الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف الذي ورد من ناحيته المقدّسة بإملائه وخطّ أحد ثقاته إلى
الشيخ المفيد (قدس سره): "لو أنّ أشياعنا - وفَّقهم الله لطاعته - على اجتماعٍ من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم،
لما تأخّر عنهم اليُمنُ بلقائِنا ، ولتعَجّلَت لهمُ السعادة بمشاهدتنا على حقّ المعرفة، وصدقها منهم بنا".(1)
فمَن يبتغِ حقّاً أن يكون من المّمهدين للإمام الثاني عشر أرواحنا لتراب مقدمه الفداء، فإنّه سيسعى للإصلاح بين الناس،
وبعفو عن المسيئين، وسيمتهن التقريب بين القلوب المتنافرة؛ لأنّ ما ذُكر من أهم الأمور التي تمهّد للظهور.
فالقيّم السامية من قبيل العفو، والصفح، والتودّد إلى الناس واحترامهم، وبذل المحبّة لهم، وحسن الظن بهم..
تشكل فرصةً مُهمة لتآلف القلوب ووحدتها. وعندها لا تنشغل النفوس بسفاسف الأمور، بل تتعالى عنها وتنشغل بما هو أعظم بكثير.
وعندها فقط يمكننا أن نتكلّم عن مجتمع ممهّد لم يستنفد أفراده طاقاتهم في المنازعات والمشاحنات التي تصرف الإنسان عن الهدف.
ولذا نرى كم أنّ الأنبيّاء وأهل البيت عليهم السلام ركّزوا على هذه القيم وجسّدوها في سلوكيّاتهم.. فكم تعرّضوا للأذى والتعذيب والشتم..
وكانوا دائماً في موارد الأذى الشخصي يعفون ويصفحون، بل يقابلون الأذيّة بالإحسان؛ لأنهم يعملون للأهداف الكبرى!.
ويشتدّ بهؤلاء العظام الحرص على تآلف قلوب الشيعة، فها هو الإمام الصادق عليه السلام يوصي المفضّل قائلاً:
"إذا رأيتَ بين اثنينِ من شيعتنا مُنازعةً فافْتدِها من مالي"(2).
وها هو الكذب على الرغم من اعتباره من الكبائر والتحذير الشديد منه في الروايات، ووصفه بأنه شرٌّ من الشراب(3)،
فإنّه يصبح جائزاً إن أُريد به الإصلاح بين الناس، وليس ذلك إلّا لأهمية اجتماع القلوب. فما بعد اجتماعها التعجيل بالفرج.
ختاماً، مَن طلب إمامه بحقّ وكان شائقاً منتظراً لمقدمه المبارك لا ينشغل بالأحقاد وتسجيل هفوات الآخرين معه وأخطائهم..
كيفَ لا والعمر قصير والمقصد عظيم؟
..................................
(1) الاحتجاج: للطبرسي: ج2, ص499.
(2) الكافي: ج2, ص209.
(3) الكافي: ج2, ص338.
رحيل الحسيني
تم نشره في رياض الزهراء العدد95