من غير المنطقي قراءة التاريخ قراءة متحفية، ونحن نمتلك يقينا بما تعرض له التأريخ من تحريف شمل معظم الاحداث الحساسة التي لها بؤر واقعية جذرية، امتلكت زمام الواقع الذي غيب بحرفنة التجاوز المر، والخيانة الصلفة بحق اهل بيت المصطفى (عليهم السلام)، ومن ثم راحوا يخدعون الأمة بروايات مدبلجة، ليحيدوا وجدانها ويدجنوا ضمائرها، في محاولة منهم لترسيخ هذا الزيف كواقع.
فكان كتاب العلامة السيد محمد مهدي السيد حسن الموسوي الخرسان، والمعنون (المحسن السبط.. مولود ام سقط) موضوع مناقشة فكرية مع المدون الموروثي يخاطب به عقلية المتلقي المخدوع ممن ترسخ الزيف واقعا في ذهنيته، ويكشف له الشواهد النصية والأحاديث والأخبار بآثار يدين هو لرواتها بالتصديق.
ثم وقف السيد الباحث متأملاً في قضية محورية معتبرها مدخلا لموضوع البحث وهي أحد التحريفات المهمة التي صاغها الاعلام السلطوي، وهي مسألة كنية الامام علي (عليه السلام) بـ(أبي حرب) اذ حاولوا ان يظهروا للعالم انه يمتلك رغبة ملحة في تسمية احد اولاده حرباً، وصوروا تعلقه بتلك الكنية، وللأسف نجحوا في تركيزها كحقيقة وسربت للمصادر الشيعية ايضا بشكل موهوب، رغم وجود ارباكات كثيرة في النصوص المروية، وفي حال الجميع تقريبا اتفقوا بأن الرواية غير موثوق بمصدرها.
فعرض السيد المؤلف استفهاماته: لماذا لم يسم احد ابنائه من غير الزهراء وبعد وفاة النبي (ص)؟ وأي سمة من سمات الحرب غير موجودة في تفاصيل حياته؟ وهذه البدعة وضعت لتغيير الفعل البطولي الشجاع وتحويله الى سمة مرضية حين يسفك الدماء ليقولوا: ان السقيفة كانت فعلا انسانيا لإنقاذ الامة من الفتك، بينما هو (عليه السلام) استطاع ان يميز حياته بالسلام رغم تلك الحروب التي كانت بعد النبي وهي مفروضة عليه بعلم جميع المؤرخين، وهم يريدون ان الامام خالف مشورة النبي (ص) بأن خير الاسماء ما حُمّد وعُبّد.
واسم حرب لا يشكل في تاريخ بني هاشم إلا الشؤم والنفاق، فهو جد معاوية (لعنه الله)، وإلا فالحقيقة كانت رغبة الامام (عليه السلام) بأن يسمي أحد اولاده جعفراً. ومال الامام وكنية حرب، وفي كنيته أبي تراب ما يكفي من الفخر والجمال، كناه بها النبي (ص) وأبو الريحانتين؟ فهم أرادوا ان يطمسوا هذه الكنية المباركة، ويرفعوا من اسم جدهم حرب.
وهناك مغاليق كثيرة خلقها المؤرخون فيما يخص المحسن السبط بن الامام علي (عليه السلام) من اجل ابعاد العقد الجرمية عن بعض رموز القبلية والشر، فلذلك كان هذا الاتقان والحذق في تفتيت هذا المضمون، فذكر بعض المؤرخين المحسن السبط انه مات صغيرا ولم يذكر شيئا عن ولادته، ولا عن الجريمة المرعبة التي انهت حياته. وارتكز السيد الباحث على المصادر السنية المعتبرة التي افرزت الكثير من التناقضات، فمادامت اقرت على وجد سبط اسمه المحسن، وعلى انه (درج صغيرا) أي انه مات صغيرا، فلماذا غفلت حيثيات هذا الموت وهذه عندهم معروفة؟ لعبة مرتبكة انكشف سترها وبانت الفجوة، هم يقرون بما جرى، لكنهم ينسبونه الى الشيعة، فالإعلام السلطوي الذي يدون التأريخ هو اعلام مناوئ لأهل هذا البيت (عليهم السلام)، فذكر الجريمة بالصورة الحقيقية سينسف شرعية السلطة، ولذلك التزموا الصمت، ومع هذا فهناك مصادر كثيرة اقرت بما حدث.
يروي ابو اسحاق ابراهيم النظام (شيخ الجاحظ) وهم من شيوخ المعتزلة، أن الخليفة الثاني قد تجاوز على بيت الزهراء، وارتكب أبشع جريمة ستحفظها له الأجيال وهو يصيح احرقوها بمن فيها، ومصادر كثيرة وثقت لنا الجريمة لتشكل ادانة تاريخية لكل رجال السلطة، علاوة على وجود اقرارات واعترافات من المجرمين انفسهم وهم يحتضرون: (وددت أني لم اكشف بيت فاطمة عن شيء، وان كانوا قد اغلقوه على حرب)، فبركوا الرواية في عملية تعتيم اعلامي سياسي لتبرير امر الخلافة، ويبقى منجز السيد الخرسان (أدام الله وجوده المبارك) يلج احداث التاريخ بدراية عارف متيقن.