اصول عقيدة الانسان المسلم (25)
الاصل الثالث : النبوة والرسالة
بعد ان انتهينا من الاصل الثاني من اصول العقيدة الاسلامية سوف نتحدث عن الاصل الثالث وهو النبوة والرسالة وفي ذلك مطالب .
المطلب الاول : تعريف النبوة
عرف الشيخ الطوسي رحمه الله : النبي هو الانسان المخبر عن الله بغير واسطة احد من البشر .؟
وفي هذا التعريف امران
الامر الاول : بقيد الانسان يخرج الملك فانه يخبر عن الله ولكنه ليس انسانا ،والنبي يخبر عن الله تعالى بعدة وسائط ومنها عن طريق جبرائيل عليه السلام
قال تعالى ( وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم )
الامر الثاني : بغير واسطة احد من البشر يخرج الامام والعالم فانهم يخبرون عن الله ولكن بواسطة النبي صلى الله عليه واله .
المطلب الثاني : الفرق بين النبي والرسول
*كل رسول نبي وليس كل نبي رسول ،فالرسول هو الحامل للرسالة سواء كانت خاصة كما في بعض الرسل او كانت عامة وكافة للناس كما عليه النبي صلى الله عليه واله فرسالته عامة وشاملة لكل البشر الى يوم القيامة ومخالفته تستتبع العقاب والعذاب الالهي كما صرح بذلك صاحب الميزان السيد الطباطبائي،* واما النبي فهو الذي يبين للناس امور معاشهم ومعادهم واصول الدين وفروعه بما تقتضيه عناية الله تعالى من هداية الناس لسعادتهم .
اصول عقيدة الانسان المسلم (26)
الاصل الثالث : النبوة والرسالة
المطلب الثاني : تعيين وتنصيب النبي والرسول بيد الله تعالى حصرا .
منصب النبوة منصب كبير وخطير؟ لان فيه قيادة الناس والمجتمع واخراجهم من الظلمات والجهل والضلال وفساد النفوس الى النور والعلم والهدى وصلاح النفوس وتزكيتهم والوصول بالمجتمع الى الكمال اللائق بهم كبشر .
ومن المعلوم ان هذه العملية ليست بسيطة وسهلة يمكن لاي انسان القيام بها ،بل تحتاج الى الانسان الكامل والصالح والاكثر صبرا وعلما ويقينا واخلاقا بحسب الواقع وليس بحسب الظاهر ....
ولذا مثل هذا الانسان لا يمكن للانتخابات العامة للناس من افرازه ولا يمكن للنخبة في المجتمع من اختياره وتنصيبه ومهما كان هؤلاء النخبة يملكون من النزاهة والامانة والاخلاص .
فينحصر الاصطفاء والاختيار والاجتباء للانبياء والرسل بالله تعالى ،لانه يعلم باطن الاشياء وظاهرها وعواقب الامور جميعا وما يكون عليه حال الانسان اولا واخرا وظاهرا وباطنا .
قال سيدي الامام علي بن موسى الرضا عليه الاف التحية والسلام (وإليه الصفوة يصطفي من يشاء من عباده، اصطفى محمدا (صلى الله عليه وآله) وبعثه بالرسالة إلى خلقه، ولو فوض اختيار اموره إلى عباده لأجاز لقريش اختيار امية بن أبي الصلت ومسعود الثقفي إذ كانا عندهم أفضل من محمد (صلى الله عليه وآله) لما قالوا * (لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم) * يعنونهما بذلك)
اصول عقيدة الانسان المسلم (27)
الاصل الثالث : النبوة والرسالة
المطلب الثالث : المواصفات المهمة التي على اساسها يختار الله انبيائه
اولا : الزهد في درجات هذه الدنيا الدنية ،
اكثر مشاكل العالم هو حرص الناس وتكالبهم على حب الدنيا والطمع فيها،فغرتهم بهرجتها وزينتها وزبرجها وزخرفها ، وبالتالي لا يفرق البعض ان ياتي الدنيا من حلال او حرام .
والانبياء عليهم السلام يحملون كامل الزهد والقناعة بما رزقهم الله تعالى . ولذلك في دعاء الندبة المنسوب للامام المعصوم نرى لزوم الزهد في الانبياء والاولياء عليهم السلام .«بعد أن شرطت عليهم الزهد في درجات هذه الدنيا الدنيّة وزخرفها وزبرجها، فشرطوا لك ذلك وعلمت منهم الوفاء به فقبلتهم وقرّبتهم وقدّمت لهم الذكر العليّ والثناء الجليّ»
ثانيا : اليقين :
اليقين هو اعلى درجات العلم والمعرفة الذي لا شك معه ، ولذلك الانبياء عليهم السلام لا بد ان تكون معرفتهم بالله معرفة يقينية ،ومن خلال اليقين الذي يمتلكه الانبياء عليهم السلام تكون الحركة نحو الاصلاح والعمل في المجتمع الانساني والبشري حركة صحيحة وواضحة غير مشوشة وفيها ضبابية ،
قال تعالى ( وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ )
ثالثا : الصبر :
دعوة الناس الى الله تعالى والدين الصحيح ليست بالامر الهين والسهل ، فالانسان يحمل في ذاته الهوى والعاطفة والتمرد والفساد والشيطان والمورثات التي ورثها سواء من محيطه وبيئته او ابائه واجداده والجهل وعدم التعقل وحب الدنيا والشبهات الكثيرة والشكوك .......
لذلك لا بد ان يكون الانبياء عليهم السلام افضل الاطباء في العالم كي يخرجوا هذه النفوس المتلونه والمريضة والعليلة من مرضها وسقمها الى عالم الصلاح والفلاح .....؟
ومثل هذا النبي الطبيب يجب ان يحمل كامل الصبر من اجل ان ينقذ الانسانية والمجتمع الانساني ويتحمل كل المصاعب والمتاعب والاستهزاء به والسخرية منه والقتل والتهجير وكل انواع البلاءات من المجتمع .فاذا لم يملك الانبياء الصبر الكامل والكبير لا يمكن ان يقوموا بهذه المهمة العظيمة وهي رسالات الله تعالى .
ويمكن ان تعبر هذه الاية عن الشرط الثاني والثالث ( وَجَعَلنا مِنهُم أئِمّةً يَهدُون بِأمرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِئَاياتِنا يُوقِنُون ) .
اصول عقيدة الانسان المسلم (28)
الاصل الثالث : النبوة والرسالة
المطلب الرابع :ارسال الرسل والانبياء واجب على الله
ان الله خلق الانسان والغاية من خلقه الطاعة والعبادة والوصول الى مدارج الكمال الروحي والاخلاقي والقيمي بما يضمن له سعادة الدنيا والاخرة كما قال تعالى (وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون ) .
وهذا الانسان وان زود بالعقل ،ولكنه لا يستطيع ولا يمكن له ادراك ومعرفة ما يريد المولى تعالى منه بشكل تفصيلي من اجل العمل والسعي والحركة من اجل طاعة الله وعبوديته والقرب منه والعمل بالاحكام والقوانين الالهية التي تضمن له الحياة الكريمة .
بالاضافة الى ان هذا الانسان فيه نوازع الخير ونوازع الشر والشر يغلب عليه بفعل الشهوات والمغريات الدنيوية الكثيرة ............
لذلك ومن باب لطف الله واحسانه ومن اجل تحصيل غرضه تبارك وتعالى - وغرضه عبودية الناس وطاعتهم - وجب على الله تعالى ان يبعث الانبياء والرسل الى الناس من اجل سوقهم وهدايتهم الى الله تبارك وتعالى واقامة مجتمع يقوم على العدل والنظام والقانون .
وهذا الوجوب هو الذي كتبه على نفسه من باب لطفه وليس هناك من كتبه عليه.
اصول عقيدة الانسان المسلم (29)
الاصل الثالث : النبوة والرسالة
المطلب الخامس : اهداف بعثة الانبياء عليهم السلام
للانبياء والرسل عليهم السلام غايات واهداف من بعثتهم يمكن اجمال اهمها بما يلي
اولا : دعوة الناس الى الله تعالى وعبادته وطاعته ونبذ عبادة الاصنام الظاهرية من الاصنام والاوثان وكل ما يتعلق بعبادة غير الله تعالى ،وكذلك عبادة الاصنام الباطنية من من قبيل طاعة الطغاة والمستكبرين والظالمين والفاسدين الذين يستعبدون شعوبهم واممهم كما كان فرعون والنمرود وغيرهم على مر العصور.
ثانيا : قيادة المجتمع قيادة اجتماعية وسياسية واقامة مجتمع يقوم على الاساس العدل والقانون والنظام فالانبياء والرسل افضل من يستطيع قيادة المجتمع نحو تحقيق العدل والمساواة وتطبيق النظام والقانون على اكمل وجه .
ثالثا : اقامة مجتمع اخلاقي ونشر الفضيلة في المجتمع وتخليص الناس من رذائل الاخلاق الدنيئة وانانية النفس الأمارة بالسوء من خلال وجود النبي الرسول القدوة الذي سوف تراه الناس بشكل مباشر وكيفية تصرفه وتعامله واقواله وافعاله ، وهذا سوف يعطي دافع للناس والمجتمع للاقتداء بالانبياء والرسل عليهم السلام لان الانسان يحب تقليد العظماء وبشكل فطري اذا وجد المحفز .
رابعا : اقامة مجتمع علمي يستخدم ارقى العلوم في الوصول الى النتائج التي تخدم المجتمع والرقي به ليتحول الى حضارة عظيمة ،لان الجهل اكبر المصائب التي تؤدي الى الانحراف والفساد والتخلف ،لذلك يقول الله تعالى لنبيه (وقل ربي زدني علما ) وقال النبي (اطلبوا العلم من المهد الى اللحد)...
خامسا : اقامة الحجة على العباد في الدنيا ،حتى لا يتحجج الناس يوم القيامة على الله تعالى اننا لم ياتي الينا نبي او رسول (يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير والله على كل شيء قدير).
اصول عقيدة الانسان المسلم (30)
الاصل الثالث : النبوة والرسالة
المطلب السادس : لزوم المعجزة مع الانبياء والرسل
مع ان الانبياء والرسل يتحلون بالقيم العالية والاخلاق الرفيعة والعلم الكثير والامانة والصدق ، يجب ان يكون مع الانبياء والرسل عليهم السلام - المعجزة - التي بها يحتجون على اممهم وشعوبهم واقوامهم ، والمعجزة امر خارق للعادة والطبيعة يزود الله انبيائه به ليكون دليلا على صدقهم فيفرق بين الصادق والكاذب وكذلك من اجل ان يتحدوا الناس ان ياتوا بمثله فلا يقدرون على الاتيان بمثله .
سأل أبو بصير، الصادق عليه السلام: لأيّ علّة أعطى الله عز وجل أنبياءه ورسله وأعطاكم المعجزة؟ فقال: (ليكون دليلاً على صدق من أتى به والمعجزة علامة لله لا يعطيها إلاّ أنبياءه ورسله وحججه ليُعرف به صدق الصادق من كذب الكاذب ).
وكذلك يجب ان تكون المعجزة تتلائم مع عصر النبي الذي يعيش فيه ،ففي زمن موسى عليه السلام وصل السحر الى اعلى مراحله ولكن موسى استطاع بواسطة العصا ان يهزم اكبر السحرة حتى اقروا بعجزهم فسجدوا واسلموا لموسى عليه السلام .
وكذلك وصل الطب في زمن عيسى عليه السلام الى مراحل متقدمة ولكن عيسى عليه السلام كما اخبر الله في القران الكريم جاء بمعجزة احياء الموتى، وابراء الأكمه ، والأبرص ،وهذا ما لم يتوصل اليه حتى الطب الحديث .
واما الحديث عن زمن نبينا صلى الله عليه واله ،فيمكن القول ان المعاجز التي جاء بها النبي على شكلين
الشكل الاول : المعجزة الخالدة وهي القران الكريم:حيث وصل الشعر والادب والخطابة عند العرب الى التمام والكمال وقد تحدى القران فحول العرب وشعرائهم وخطبائهم ان ياتوا بمثله ، بما حواه هذا القران العظيم في الفصاحة والبلاغة والتشريع الدقيق والتناسق وعدم الاختلاف والاخبار بالمستقبل والمعارف والعلوم .
الشكل الثاني : المعاجز الحسية : وهي كثيرة قد صدرت من النبي صلى الله عليه واله ،مثل شق القمر ،والاسراء والمعراج ،ومباهلته مع اهل الكتاب وقوله لعمار تقتلك الفئة الباغية وقوله لعائشة تنبحك كلاب الحواب ، ............الخ .
اصول عقيدة الانسان المسلم (31)
الاصل الثالث : النبوة والرسالة
المطلب السابع : لزوم عصمة الانبياء والائمة عليهم السلام
يمكن الحديث عن عصمة الانبياء والائمة عليهم السلام من خلال عدة نقاط
اولا : تعريف العصمة : وقاية الله لعبده من المعصية لاعتصام العبد به مع قدرة العبد على المعصية .
ثانيا : سبب العصمة : يمكن القول ان المحبة والعشق الالهي والمعرفة بالله الذي ترسخ في نفوس الانبياء والاولياء والائمة عليهم السلام لله تعالى جعلهم يستقبحون المعصية سواء كانت صغيرة ام كبيرة وهذا جاء من طهارة نفوسهم حتى اصبحوا قابلين لان يؤيدهم الله بروح القدس .
ثالثا : الدليل على العصمة :وهو ما ذكره العلامة المظفر وهو سديد جدا .وخلاصته
لو جاز للنبي ان يرتكب الخطا او المعصية والنسيان ؟فاما يجب اتباعه ، او لا يجب اتباعه، فان وجب اتباعه ،فقد جوزنا المعصية برخصة من الله وهذا باطل لان الله لا يامر بالمعصية .؟
واما لا يجب اتباعه ؟ وهذا ينافي النبوة والامامة التي يجب ان تقترن بوجوب الطاعة للانبياء والائمة عليهم السلام . وعلى هذا فيجب ان يكون النبي والرسول والامام معصوما.
رابعا : دائرة العصمة : العصمة للانبياء والرسل والائمة عليهم السلام، تشمل دائرة واسعة سواء كان في الاحكام الالهية وتبليغها او المعصية والذنب او الامور الحياتية والفردية والاجتماعية، وعلى هذا فدائرة العصمة واسعة وشاملة لكل الامور سواء في علاقتهم مع الله عموديا او مع المجتمع افقيا ..............؟