بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلي على محمد المحمد الطاهرين الطيبين
على أن عِناية أهل البيت عليهم السّلام لم تقتصر على ما مرَّ، بل كانوا بالمرصاد لكل من يكيد للقرآن الكريم ويريد الاساءة إليه، أو حصلت له شبهة فراح يجري وراء شبهته، فكانوا يردُّون عن القرآن كيدَ الكائدين، وعادية المعادين، أو يدفعون عنه ما تُلقى حوله من شبهات.
وهذه بعض النماذج من هذا الموقف العظيم:
• قال هشام بن الحكم ( وهو من تلامذة الإمام الصادق عليه السّلام وأصحابه ): اجتمع ابنُ أبي العوجاء وأبو شاكر الديصاني الزنديق، وعبدُ الملك البصري، وابنُ المقفّع عند بيت الله الحرام يستهزئون بالحاجّ ويطعنون بالقرآن.
فقال ابن أبي العوجاء: تعالَوا ننقض كل واحدٍ منّا رُبْعَ القرآن، وميعادُنا مِن قابِل في هذا الموضع نجتمع فيه، وقد نَقَضنا القرآن كلَّه، فانَّ في نقض القرآن إبطال نبوّة محمّد، وفي إبطال نبوّته إبطال الإسلام، وإثبات ما نحن فيه.
فاتفقوا على ذلك وافترقوا، فلمّا كان مِن قابِل اجتمعوا عند بيت الله الحرام، فقال ابن أبي العوجاء:
أمّا أنا فمفكِّرٌ منذ افترقنا في هذه الآية: «فَلَمّا استَيأسُوا منه خَلصُوا نَجيّاً» ، فما أقدرُ أن أضمَّ إليها في فصاحتها وجميع معانيها شيئاً، فشغلتني هذه الآية عن التفكّر فيما سواها.
فقال عبدالملك: وأنا منذُ فارقتُكم مفكِّرٌ في هذه الآية: «يا أيّها الناسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فاستمعُوا لهُ إنَّ الذين تَدعُون مِن دون الله لن يَخلُقوا ذُباباً ولو اجتمعوا له وإن يَسلُبْهمُ الذُّباب شيئاً لا يَستنقذوه منه ضَعُفَ الطّالبُ والمطلوب» ، ولم أقدر على الإتيان بمثلها.
فقال أبو شاكر: وأنا منذ فارقتكم مفكّر في هذه الآية: «لو كان فيهما آلهةٌ إلاّ الله لَفَسدتا» لم أقْدر على الإتيان بمثْلها.
فقال ابن المقفع: يا قوم، إنَّ هذا القرآن ليس من جنس كلام البشر، وأنا منذُ فارقتكم مفكّرٌ في هذه الآية: «وقيل يا أرضُ اْبلَعي ماءَكِ ويا سماءُ أقلِعِي وغِيضَ الماء، وقُضِيَ الأمرُ، واستوَتْ على الجُوديِّ وقيلَ بُعداً للقَومِ الظّالمِين» ، لم أبلغْ غاية المعرفة بها، ولم أقِدرْ على الإتيان بمثلها.
قال هشام: فبينما هم في ذلك إذ مرَّ بهم جعفرُ بن محمد الصادق عليه السّلام فقال: «قلْ لَئنِ اْجتَمَعَتِ الإنسُ والجنُّ على أن يأتُوا بمِثلِ هذا القُرآنِ لا يأتون بِمِثلهِ ولو كان بعضُهم لبعضٍ ظَهيراً» .
فنظر القومُ بعضهم إلى بعضٍ وقالوا: لئن كان للإسلام حقيقةٌ لَما انتهى أمرُ وصيّة محمد إلاّ إلى جعفر بن محمّد، واللهِ ما رأيناه قطّ إلاّ هِبْناه، واقشعَرَّتْ جلودُنا لهَيبته. ثمّ تَفَرَّقوا مُقرِّين بالعَجز.
• وقد تصدى الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام لدحض شبهات الزنادقة حول القرآن الكريم، في أحاديث متعددة ومفصَّلة ورائعة. نلفت إخواننا الأعزاء إليها بذكر العنوان. (بحار الأنوار الجزء 93 من الصفحة 98 إلى الصفحة 142، باب ردّ التناقض في القرآن).
• ونكتفي هنا بذكر رواية عن موقف حفيده الإمام العسكري عليه السّلام في قضيةٍ مماثلة، وإليك نص الرواية:
كتب أبو القاسم الكوفي في كتاب (التبديل) أنّ إسحاق الكِندي كان فيلسوف العراق في زمانه، أخذ في تأليف (تناقض القرآن)، وشَغَلَ نفسَه بذلك، وتفرّدَ به في منزله.
وإنّ بعض تلامذته دخل يوماً على الإمام الحسن العسكري عليه السّلام فقال له أبو محمّد العسكري عليه السّلام: أما فيكم رجلٌ رشيد يرَدَعُ اُستاذكم (الكنديّ) عمّا أخذ فيه من تشاغله بالقرآن؟
فقال التلميذ: نحنُ من تلامذته، كيف يجوز منّا الاعتراض عليه في هذا أو في غيره؟!
فقال أبو محمّد عليه السّلام: أتؤدّي إليه ما اُلقيه إليك ؟ قال: نعم.
قال: فصِرْ إليه، وتلطَّفْ في مؤانسته ومعونته على ما هو بسبيله، فإذا وقعتِ الاُنسَةُ في ذلك فقل: قد حَضَرتْني مسألة أسألكَ عنها. فانّه يستدعي ذلك منك، فقل له: إن أتاكَ هذا المتكلم بهذا القرآن، هل يجوز أن يكون مرادُه بما تكلَّم به منه غير المعاني التي قد ظننتَها أنك ذهبتَ إليها ؟ فإنه سيقول: إنَّهُ من الجائز؛ لأنه رجلٌ يفهمُ إذا سمعَ، فإذا أوجب ذلكَ فقلْ له: فما يُدريك لعلَّهُ قد أرادَ غير الذي ذهبتَ أنتَ إليه، فتكون واضعاً لغير معانيه!
فصار الرجلُ إلى (الكِندي) وتلطَّفَ إلى أن ألقى عليه هذه المسألة.
فقال له: أعِدْ عليَّ! فأعاد عليه، فتفكَّر في نفسه، ورأى ذلك محتمَلاً في اللغة، وسائغاً في النظر.
وجاء في (المناقب) لابن شهر آشوب: أنّ الكِنديّ لما سمع من تلميذه ما علّمه الإمام العسكري قال: أقسمتُ عليكَ إلاّ أخبرتَني مِن أين لكَ هذا ؟
فقال: إنّه شيء عَرَضَ بقلبي فأوردتُه عليك، فقال: كلاّ، ما مِثلك مَن اْهتدى إلى هذا ولا مَن بلغَ هذه المنزلة، فعرِّفْني مِن أينَ لَكَ هذا ؟
فقال: أمَرَني به أبو محمد (وهو يعني الإمام الحسن العسكري عليه السّلام).
فقال: الآن جئتَ به (أي الآن جئتَ بالحق)، وما كانَ ليَخرُجَ مثلُ هذا إلاّ مِن ذلكَ البيت (يعني بيت الرّسالة والنّبوّة وأهله، أهل البيت عليهم السّلام).
ثمّ إنه (أي الكندي) دعا بالنّار، وأحرقَ جميع ما كان أَلّفَه .
• وفي قضية ما يسمّى بمِحنة (خلق القرآن) التي استغلّتها السلطات العباسّية لإشغال المسلمين، وصَرفِهم عن الجانب العمليّ للقرآن بطرح القضايا الجانبية التي لا ترتبط بما هو المهمّ من هدف القرآن الكريم.. وقف أهل البيت عليهم السّلام من هذه القضية الاستهلاكية موقفاً رائعاً ومعقولاً، فقد كتب الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السّلام الرسالة التالية:
«بسم الله الرحمن الرحيم عَصَمنا اللهُ وإياك من الفتنةِ، فانْ يفعلْ أَعظِمْ بها من نعمة، وإن لا يفعلْ فهي الهَلَكة. نحن نرى أن الجِدال في القرآن بدعة اشترك فيها السائلُ والمجيبُ، فيتعاطى السائلُ ما ليس له، ويتكلّف المجيبُ ما ليس عليه، وليس الخالق إلاّ الله، وما سواه مخلوق، والقرآنُ كلامُ الله، لا تجعلْ له اسماً من عندك فتكونَ من الضالّين. جعلنا اللهُ وإياكَ مِنَ الذين يخشَون ربَّهم بالغيب وهم من الساعة مُشفقُون» .
اللهم صلي على محمد المحمد الطاهرين الطيبين
على أن عِناية أهل البيت عليهم السّلام لم تقتصر على ما مرَّ، بل كانوا بالمرصاد لكل من يكيد للقرآن الكريم ويريد الاساءة إليه، أو حصلت له شبهة فراح يجري وراء شبهته، فكانوا يردُّون عن القرآن كيدَ الكائدين، وعادية المعادين، أو يدفعون عنه ما تُلقى حوله من شبهات.
وهذه بعض النماذج من هذا الموقف العظيم:
• قال هشام بن الحكم ( وهو من تلامذة الإمام الصادق عليه السّلام وأصحابه ): اجتمع ابنُ أبي العوجاء وأبو شاكر الديصاني الزنديق، وعبدُ الملك البصري، وابنُ المقفّع عند بيت الله الحرام يستهزئون بالحاجّ ويطعنون بالقرآن.
فقال ابن أبي العوجاء: تعالَوا ننقض كل واحدٍ منّا رُبْعَ القرآن، وميعادُنا مِن قابِل في هذا الموضع نجتمع فيه، وقد نَقَضنا القرآن كلَّه، فانَّ في نقض القرآن إبطال نبوّة محمّد، وفي إبطال نبوّته إبطال الإسلام، وإثبات ما نحن فيه.
فاتفقوا على ذلك وافترقوا، فلمّا كان مِن قابِل اجتمعوا عند بيت الله الحرام، فقال ابن أبي العوجاء:
أمّا أنا فمفكِّرٌ منذ افترقنا في هذه الآية: «فَلَمّا استَيأسُوا منه خَلصُوا نَجيّاً» ، فما أقدرُ أن أضمَّ إليها في فصاحتها وجميع معانيها شيئاً، فشغلتني هذه الآية عن التفكّر فيما سواها.
فقال عبدالملك: وأنا منذُ فارقتُكم مفكِّرٌ في هذه الآية: «يا أيّها الناسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فاستمعُوا لهُ إنَّ الذين تَدعُون مِن دون الله لن يَخلُقوا ذُباباً ولو اجتمعوا له وإن يَسلُبْهمُ الذُّباب شيئاً لا يَستنقذوه منه ضَعُفَ الطّالبُ والمطلوب» ، ولم أقدر على الإتيان بمثلها.
فقال أبو شاكر: وأنا منذ فارقتكم مفكّر في هذه الآية: «لو كان فيهما آلهةٌ إلاّ الله لَفَسدتا» لم أقْدر على الإتيان بمثْلها.
فقال ابن المقفع: يا قوم، إنَّ هذا القرآن ليس من جنس كلام البشر، وأنا منذُ فارقتكم مفكّرٌ في هذه الآية: «وقيل يا أرضُ اْبلَعي ماءَكِ ويا سماءُ أقلِعِي وغِيضَ الماء، وقُضِيَ الأمرُ، واستوَتْ على الجُوديِّ وقيلَ بُعداً للقَومِ الظّالمِين» ، لم أبلغْ غاية المعرفة بها، ولم أقِدرْ على الإتيان بمثلها.
قال هشام: فبينما هم في ذلك إذ مرَّ بهم جعفرُ بن محمد الصادق عليه السّلام فقال: «قلْ لَئنِ اْجتَمَعَتِ الإنسُ والجنُّ على أن يأتُوا بمِثلِ هذا القُرآنِ لا يأتون بِمِثلهِ ولو كان بعضُهم لبعضٍ ظَهيراً» .
فنظر القومُ بعضهم إلى بعضٍ وقالوا: لئن كان للإسلام حقيقةٌ لَما انتهى أمرُ وصيّة محمد إلاّ إلى جعفر بن محمّد، واللهِ ما رأيناه قطّ إلاّ هِبْناه، واقشعَرَّتْ جلودُنا لهَيبته. ثمّ تَفَرَّقوا مُقرِّين بالعَجز.
• وقد تصدى الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام لدحض شبهات الزنادقة حول القرآن الكريم، في أحاديث متعددة ومفصَّلة ورائعة. نلفت إخواننا الأعزاء إليها بذكر العنوان. (بحار الأنوار الجزء 93 من الصفحة 98 إلى الصفحة 142، باب ردّ التناقض في القرآن).
• ونكتفي هنا بذكر رواية عن موقف حفيده الإمام العسكري عليه السّلام في قضيةٍ مماثلة، وإليك نص الرواية:
كتب أبو القاسم الكوفي في كتاب (التبديل) أنّ إسحاق الكِندي كان فيلسوف العراق في زمانه، أخذ في تأليف (تناقض القرآن)، وشَغَلَ نفسَه بذلك، وتفرّدَ به في منزله.
وإنّ بعض تلامذته دخل يوماً على الإمام الحسن العسكري عليه السّلام فقال له أبو محمّد العسكري عليه السّلام: أما فيكم رجلٌ رشيد يرَدَعُ اُستاذكم (الكنديّ) عمّا أخذ فيه من تشاغله بالقرآن؟
فقال التلميذ: نحنُ من تلامذته، كيف يجوز منّا الاعتراض عليه في هذا أو في غيره؟!
فقال أبو محمّد عليه السّلام: أتؤدّي إليه ما اُلقيه إليك ؟ قال: نعم.
قال: فصِرْ إليه، وتلطَّفْ في مؤانسته ومعونته على ما هو بسبيله، فإذا وقعتِ الاُنسَةُ في ذلك فقل: قد حَضَرتْني مسألة أسألكَ عنها. فانّه يستدعي ذلك منك، فقل له: إن أتاكَ هذا المتكلم بهذا القرآن، هل يجوز أن يكون مرادُه بما تكلَّم به منه غير المعاني التي قد ظننتَها أنك ذهبتَ إليها ؟ فإنه سيقول: إنَّهُ من الجائز؛ لأنه رجلٌ يفهمُ إذا سمعَ، فإذا أوجب ذلكَ فقلْ له: فما يُدريك لعلَّهُ قد أرادَ غير الذي ذهبتَ أنتَ إليه، فتكون واضعاً لغير معانيه!
فصار الرجلُ إلى (الكِندي) وتلطَّفَ إلى أن ألقى عليه هذه المسألة.
فقال له: أعِدْ عليَّ! فأعاد عليه، فتفكَّر في نفسه، ورأى ذلك محتمَلاً في اللغة، وسائغاً في النظر.
وجاء في (المناقب) لابن شهر آشوب: أنّ الكِنديّ لما سمع من تلميذه ما علّمه الإمام العسكري قال: أقسمتُ عليكَ إلاّ أخبرتَني مِن أين لكَ هذا ؟
فقال: إنّه شيء عَرَضَ بقلبي فأوردتُه عليك، فقال: كلاّ، ما مِثلك مَن اْهتدى إلى هذا ولا مَن بلغَ هذه المنزلة، فعرِّفْني مِن أينَ لَكَ هذا ؟
فقال: أمَرَني به أبو محمد (وهو يعني الإمام الحسن العسكري عليه السّلام).
فقال: الآن جئتَ به (أي الآن جئتَ بالحق)، وما كانَ ليَخرُجَ مثلُ هذا إلاّ مِن ذلكَ البيت (يعني بيت الرّسالة والنّبوّة وأهله، أهل البيت عليهم السّلام).
ثمّ إنه (أي الكندي) دعا بالنّار، وأحرقَ جميع ما كان أَلّفَه .
• وفي قضية ما يسمّى بمِحنة (خلق القرآن) التي استغلّتها السلطات العباسّية لإشغال المسلمين، وصَرفِهم عن الجانب العمليّ للقرآن بطرح القضايا الجانبية التي لا ترتبط بما هو المهمّ من هدف القرآن الكريم.. وقف أهل البيت عليهم السّلام من هذه القضية الاستهلاكية موقفاً رائعاً ومعقولاً، فقد كتب الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السّلام الرسالة التالية:
«بسم الله الرحمن الرحيم عَصَمنا اللهُ وإياك من الفتنةِ، فانْ يفعلْ أَعظِمْ بها من نعمة، وإن لا يفعلْ فهي الهَلَكة. نحن نرى أن الجِدال في القرآن بدعة اشترك فيها السائلُ والمجيبُ، فيتعاطى السائلُ ما ليس له، ويتكلّف المجيبُ ما ليس عليه، وليس الخالق إلاّ الله، وما سواه مخلوق، والقرآنُ كلامُ الله، لا تجعلْ له اسماً من عندك فتكونَ من الضالّين. جعلنا اللهُ وإياكَ مِنَ الذين يخشَون ربَّهم بالغيب وهم من الساعة مُشفقُون» .
تعليق