بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى.
(وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)1، وهذه الآية الكريمة تأكد على حقيقة أن
الدعاء هو من مصاديق عبادة الله سبحانه وتعالى، فهما يشتركان في حقيقة واحدة، هي إظهار الخشوع والخضوع لله تعالى، وهو هدف
الخلق وعلته، قال تعالى:"وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ" 2، وهذا ما تشير إليه الروايات أيضاً، كالرواية عن رسول الله ص: "
الدعاء مخّ العبادة، ولا يهلك مع الدعاء أحد" 3، وعن الإمام الصادق عليه السلام: " إنّ الدعاء هو العبادة" 4، وفي رواية أخرى أن
شخصاً سأل الإمام الباقر عليه السلام: أي العبادة أفضل ؟ فقال عليه السلام: " ما من شيء أفضل عند الله عز وجل من أن يسأل
ويطلب مما عنده" 5.
وإذا كان الدعاء عبادة فهذا يعني أنّه مطلوب ومحبوب عند الله تعالى في جميع الحالات، وأنّه هدف بنفسه، ومصداق لأهم الأهداف
الإلهية، كما هو واضح في الآية التي أشرنا إليها سابقاً (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ).
وهذا يفسر الروايات التي تحدثت عن التأخر في استجابة ا لدعاء بعض الأحيان، حيث ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
"إنّ الله ليتعهّد عبده المؤمن بأنواع البلاء، كما يتعهّد أهل البيت سيّدهم بطرف الطعام، قال الله تعالى: "وعزتي وجلالي وعظمتي وبهائي
إنّي لأحمي وليّي أن أعطيه في دار الدنيا شيئاً يشغله عن ذكري حتى يدعوني فأسمع صوته، وإنّي لأعطي الكافر منيته حتى لا يدعوني
فأسمع صوته بغضاً له" 6. وعن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: "إنّ المؤمن ليدعو الله عز وجل في حاجته، فيقول الله عز وجل:
أخّروا إجابته شوقاً إلى صوته ودعائه، فإذا كان يوم القيامة قال الله عز وجل: عبدي، دعوتني فأخّرت إجابتك، وثوابك كذا وكذا،
ودعوتني في كذا وكذا فأخّرت إجابتك وثوابك كذا وكذا، قال: فيتمنى المؤمن أنه لم يستجب له دعوة في الدنيا مما يرى من حسن
الثواب" 7. وعن الإمام الرضا عليه السلام: "إن الله يؤخّر إجابة المؤمن شوقاً إلى دعائه، ويقول: صوت أحبّ أن أسمعه..." 8. وهذا
كله يؤكد على أنّ الدعاء نفسه غاية، ولعل بركته في كثير من الأحيان أهمّ من بركة استجابة مضمونه.
________________________________________
1- غافر:60
2- الذاريات:56
3- المجلسي-محمّد باقر -بحار الأنوار- مؤسسة الوفاء،الطبعة الثانية المصححة – ج90 – ص 300.
4- الحر العاملي - محمّد بن الحسن - وسائل الشيعة - مؤسسة أهل البيت - الطبعة الثانية 1414 هـ.ق..- ج 7 – ص 23.
5- الحر العاملي - محمّد بن الحسن - وسائل الشيعة - مؤسسة أهل البيت - الطبعة الثانية 1414 هـ.ق..- ج7 – ص30.
6- المجلسي-محمّد باقر -بحار الأنوار- مؤسسة الوفاء،الطبعة الثانية المصححة - ج90 – ص 371.
7- الحر العاملي - محمّد بن الحسن - وسائل الشيعة - مؤسسة أهل البيت - الطبعة الثانية 1414 هـ.ق..- ج7 – ص62.
8- المجلسي-محمّد باقر -بحار الأنوار- مؤسسة الوفاء،الطبعة الثانية المصححة - ج 90 – ص370.
تعليق