بسم الله الرحمن الرحيم
والسؤال انها لماذا وردت مبهمة، وبعبارة أخرى لماذا لم يعينها الشرع المقدس وجعلهما في ضمن ثلاث ليال، مع إنها معلومة محددة عند الإمام عليه السلام لما روى صاحب البصائر عن ابي الهذيل عن ابي جعفر الباقر عليه السلام، قال: يا ابا الهذيل إنا لا يخفى علينا ليلة القدر، إن الملائكة يطوفون بنا فيها[1].؟
في المقام جوابان:
الأول: لضرب من المصلحة، فهو تعالى كما أخفى ساعة الإجابة ضمن ساعات يوم الجمعة واخفى الاسم الأعظم بين اسمائه الحسنى واخفى الصلاة الوسطى ، اخفى ليلة القدر لزيادة الذكر في طول هذه الليالي.
قال الطبرسي في المجمع: والفائدة في أخفاء هذه الليلة أن يجتهد الناس في العبادة، ويحيوا جميع ليالي رمضان طمعاً في إدراكها، كما إن الله تعالى اخفى الصلاة الوسطى في الصلوات الخمس، واسمه العظم في الأسماء، وساعة الإجابة في ساعات الجمعة[2].
وقال المولى أحمد الردبيلي في آيات أحكامه في ذيل الآية الكريمة: Pحَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَىO[3]، قيل: هي مخفية مثل ليلة القدر وساعة الإجابة وأسم الأعظم ، لأن يهتموا بالكل غاية الاهتمام، ويدركوا الفضيلة في الكل.[4]
الثاني: إن لكل ليلة من هذه الليالي الثلاث دور في القضاء والقدر، لذا ورد الاهتمام بها، وقد بينت روايات أئمة اهل البيت عليهم السلام هذا الدور ، وان لكل ليلة من هذه الليالي وظيفة ومدخل في تقدير اعمال السنة، فليلة التاسع عشر يحصل بها وضع التقادير والتفاصيل اي جعل رزق فلان كذا وحياته كذا ومقدار الهداية التي يستحقها كذا ...الخ، لكن هذا التقدير ليس حتمياً ولم يصل الى درجة القضاء بل هو قابل للتغير، واما في ليلة الحادي والعشرين فيحصل بها الحكم والقضاء بالتقدير، لكنه ايضا قابل للتغيير من خلال حصول البداء، واما ليلة الثالث والعشرين فهي ليلة الحتم والختم اي ان القرار النهائي والحكم النهائي يكون فيها، ومن هنا يتضح وجه اهمية ليلة الحادي والعشرين على ليلة التاسع عشر، وكذا افضلية ليلة الثالث والعشرين عليهما، واليكم بعض الروايات المشيرة لذلك:
فعنْ حَسَّانَ أَبِي عَلِيٍّ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ قَالَ اطْلُبْهَا فِي تِسْعَ عَشْرَةَ وَاحْدَى وَعِشْرِينَ وَثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ.
وعَنْ زُرَارَةَ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام التَّقْدِيرُ فِي لَيْلَةِ تِسْعَةَ عَشَرَ وَالْإِبْرَامُ فِي لَيْلَةِ إِحْدَى وَعِشْرِينَ وَالْإِمْضَاءُ فِي لَيْلَةِ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ.
و عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ فِي لَيْلَةِ تِسْعَ عَشْرَةَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ التَّقْدِيرُ وَفِي لَيْلَةِ إِحْدَى وَعِشْرِينَ الْقَضَاءُ وَفِي لَيْلَةِ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ إِبْرَامُ مَا يَكُونُ فِي السَّنَةِ إِلَى مِثْلِهَا لِلَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنْ يَفْعَلَ مَا يَشَاءُ فِي خَلْقِهِ.
[1]بصائر الدرجات: ص221 حديث رقم: 5.
[2]مجمع البيان: ج5 ص520.
[3]البقرة: 238.
[4]زبدة البيان: ص49.
تعليق