اجتازت حكاياه القلب، وروت قصصه الكثير من الخواطر التي صار يسعفها كل يوم وهو يجلس بين اقرانه في جريدة صدى الروضتين، ليتحدث عن قصص كثيرة تعرف عليها في جولاته مع وفد العتبة العباسية المقدسة لقطعات المقاتلين في أغلب الجبهات، يروي الصحفي زين العابدين السعيدي، قلت لأحد المقاتلين في إحدى جلسات الاستراحة: أنا أبحث عن نمط نادر من البشر لا تظهره إلا المواقف النادرة، فهل اعثر على مثل هذه النوعية عندكم؟ فأجابني المقاتل دون تروٍ..
:ـ الكثير.. انصت وأنا اروي لك المذهل من المواقف الكثيرة..
موقف واحد يبدو أنه عرّش في رأسي من حكايات زين العابدين، وشكل له عدة مرادفات.. أعيد صياغة هذا الموقف بعدة اساليب متنوعة استمدها من ذاكرتي التي عاشت الجبهات المرة، ولا ادري لماذا يستفحل هذا الموقف في الراس قبل لحظات النوم؟ فينتابني الحزن أمنية.. كم اتمنى ان اجري حواراً مع بطل حكاية زين العابدين؛ لأكتشف فيه بواطن شجاعة نادرة، فمثل هؤلاء الرجال يحملون الكثير من المواقف الشجاعة في حياتهم، ويبدو أن النعاس قد غلبني، فنمت وإذا بي في صحراء قاحلة توزعت حفرها بشكل عشوائي، جعلها مرعبة ليس فيها سوى دوي الرصاص، يخيل إليّ أن مواجهة قريبة في أوج بدايتها، لا شيء هنا يمكن أن يذكرك بالحياة سوى هذا الأزيز المرعب ووميضه الخافت، ولا أدري الى أي اتجاه اسير، وأي اتجاه فيه الحياة، وأي اتجاه فيه الموت..؟
:ـ الى اين تريد؟
أرعبني هذا الصوت كثيراً رغم تمكن هدوئه الكبير، قلت:ـ لا أدري.. لكني جئت لأحاور بطل موقف سمعته هناك، جئت لأجري لقاء صحفياً..
:ـ ابتسم بوجهي مستغرباً الأمر:ـ لقاء صحفي؟ انت في فم الموت خطوات تفصلك عن مواضع الدواعش المجرمين، في هذه الاثناء رأيت الشباب خرجوا مهرولين باتجاه الهدف قمت معهم..
:ـ من انت؟ وأين سلاحك..؟
اخرجت لهم قلمي، فابتسم لي رغم حراجة الموقف وقال بلهجة تحمل عبق الجنوب:ـ والنّعِمْ.. تقدم الرهط نحو نقطة المواجهة، مجموعة من الشباب.. أدركت حينها أن في هذا الرهط المقاتل اثنين من الاخوة، دوى الرصاص بكل الاتجاهات، وبدأت المواجهة الفعلية، وأنا اركض مع الراكضين مصوباً قلمي باتجاه الدواعش، وأرى القلم يرمي ويصيب.. شعرت حينها أن الدنيا كلها تختصر بهذه الركضة، وستبقى هذه اللحظات مشعلاً ينير الحياة.
بدأت الخطوات تتسارع مع صرخات البأس والشجاعة، وإذا بأحد المقاتلين يصاب ويقع أرضاً.. اقتربت منه وإذا به يتوسلني: لا تخبروه ارجوكم، لا تقولوا له أني اصبت، لا تشغلوه بي..! ولكن يبدو ان احد المقاتلين فعلاً اراد ان يخبره:ـ وما ان فتح فمه حتى سمع جواباً لم يتوقعه احد:ـ نعم.. اعرف.. لقد رأيته.. لا عليك.. انا رأيته تقدم دون ان يشغلك شيء، صرخت مع روحي: ما هذا..؟ كيف له ان يحمل كل هذه الجراح ويتقدم صوب القتال؟ لا همّ له سوى العدو هذا الواقع خلفه هو اخوه ابن امه وأبيه.
وبعد انتهاء المعركة بفوز اليقين، تقرب الى اخيه حمله وادخله احدى الخيام وهو يقبل جبينه: الحمد لله على السلامة، قلت هي فرصة لأسأله:ـ أنى لك هذه الصلابة؟ ابتسم في وجهي:ـ نحن جئنا هنا لندافع عن امة وشعب ومصير عرض وارض ودين.. ويعني منذ الخطوة الاولى امتلكنا الصلابة، وهي ام المواقف، فيها لا يستغرب الانسان أن يقع هو قبل غيره، فأخي ما فرقه عن أي أخ من هؤلاء الذين معي هو أنه جاء بمحض ارادته ليلتحق بركب الحسين (عليه السلام).. والله ما كنت لأملك في داخلي سوى كلمة واحدة اقولها لأخي لحظتها: طوبى لك الشهادة..
صحوت حينها على يقين أن جيشاً فيه هذه الصلابة لا يهزم أبداً.. ويقيناً سينتصر بالعودة او بالالتحاق بالركب الحسيني المبارك.
:ـ الكثير.. انصت وأنا اروي لك المذهل من المواقف الكثيرة..
موقف واحد يبدو أنه عرّش في رأسي من حكايات زين العابدين، وشكل له عدة مرادفات.. أعيد صياغة هذا الموقف بعدة اساليب متنوعة استمدها من ذاكرتي التي عاشت الجبهات المرة، ولا ادري لماذا يستفحل هذا الموقف في الراس قبل لحظات النوم؟ فينتابني الحزن أمنية.. كم اتمنى ان اجري حواراً مع بطل حكاية زين العابدين؛ لأكتشف فيه بواطن شجاعة نادرة، فمثل هؤلاء الرجال يحملون الكثير من المواقف الشجاعة في حياتهم، ويبدو أن النعاس قد غلبني، فنمت وإذا بي في صحراء قاحلة توزعت حفرها بشكل عشوائي، جعلها مرعبة ليس فيها سوى دوي الرصاص، يخيل إليّ أن مواجهة قريبة في أوج بدايتها، لا شيء هنا يمكن أن يذكرك بالحياة سوى هذا الأزيز المرعب ووميضه الخافت، ولا أدري الى أي اتجاه اسير، وأي اتجاه فيه الحياة، وأي اتجاه فيه الموت..؟
:ـ الى اين تريد؟
أرعبني هذا الصوت كثيراً رغم تمكن هدوئه الكبير، قلت:ـ لا أدري.. لكني جئت لأحاور بطل موقف سمعته هناك، جئت لأجري لقاء صحفياً..
:ـ ابتسم بوجهي مستغرباً الأمر:ـ لقاء صحفي؟ انت في فم الموت خطوات تفصلك عن مواضع الدواعش المجرمين، في هذه الاثناء رأيت الشباب خرجوا مهرولين باتجاه الهدف قمت معهم..
:ـ من انت؟ وأين سلاحك..؟
اخرجت لهم قلمي، فابتسم لي رغم حراجة الموقف وقال بلهجة تحمل عبق الجنوب:ـ والنّعِمْ.. تقدم الرهط نحو نقطة المواجهة، مجموعة من الشباب.. أدركت حينها أن في هذا الرهط المقاتل اثنين من الاخوة، دوى الرصاص بكل الاتجاهات، وبدأت المواجهة الفعلية، وأنا اركض مع الراكضين مصوباً قلمي باتجاه الدواعش، وأرى القلم يرمي ويصيب.. شعرت حينها أن الدنيا كلها تختصر بهذه الركضة، وستبقى هذه اللحظات مشعلاً ينير الحياة.
بدأت الخطوات تتسارع مع صرخات البأس والشجاعة، وإذا بأحد المقاتلين يصاب ويقع أرضاً.. اقتربت منه وإذا به يتوسلني: لا تخبروه ارجوكم، لا تقولوا له أني اصبت، لا تشغلوه بي..! ولكن يبدو ان احد المقاتلين فعلاً اراد ان يخبره:ـ وما ان فتح فمه حتى سمع جواباً لم يتوقعه احد:ـ نعم.. اعرف.. لقد رأيته.. لا عليك.. انا رأيته تقدم دون ان يشغلك شيء، صرخت مع روحي: ما هذا..؟ كيف له ان يحمل كل هذه الجراح ويتقدم صوب القتال؟ لا همّ له سوى العدو هذا الواقع خلفه هو اخوه ابن امه وأبيه.
وبعد انتهاء المعركة بفوز اليقين، تقرب الى اخيه حمله وادخله احدى الخيام وهو يقبل جبينه: الحمد لله على السلامة، قلت هي فرصة لأسأله:ـ أنى لك هذه الصلابة؟ ابتسم في وجهي:ـ نحن جئنا هنا لندافع عن امة وشعب ومصير عرض وارض ودين.. ويعني منذ الخطوة الاولى امتلكنا الصلابة، وهي ام المواقف، فيها لا يستغرب الانسان أن يقع هو قبل غيره، فأخي ما فرقه عن أي أخ من هؤلاء الذين معي هو أنه جاء بمحض ارادته ليلتحق بركب الحسين (عليه السلام).. والله ما كنت لأملك في داخلي سوى كلمة واحدة اقولها لأخي لحظتها: طوبى لك الشهادة..
صحوت حينها على يقين أن جيشاً فيه هذه الصلابة لا يهزم أبداً.. ويقيناً سينتصر بالعودة او بالالتحاق بالركب الحسيني المبارك.
تعليق