سئل أبو محمد الفضل بن شاذان النيشابوري - رحمه الله - فقيل له : ما الدليل على إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) ؟.. فقال : الدليل على ذلك من كتاب الله عزّ وجل ّ، ومن سنّة نبيه (ص) ، ومن إجماع المسلمين .
فأما كتاب الله تبارك وتعالى فقوله عزّ وجلّ : { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم } ، فدعانا سبحانه إلى طاعة أولي الأمر كما دعانا إلى طاعة نفسه وطاعة رسوله ، فاحتجنا إلى معرفة أولي الأمر ، كما وجبت علينا معرفة الله تعالى ، ومعرفة الرسول (ص) ، فنظرنا في أقاويل الأمة ، فوجدناهم قد اختلفوا في أولي الأمر ، وأجمعوا في الآية على ما يوجب كونها في علي بن أبي طالب (ع) ، فقال بعضهم : أولي الأمر هم أمراء السرايا ، وقال بعضهم : هم العلماء وقال بعضهم : هم القوّام على الناس ، والآمرون بالمعروف ، والناهون عن المنكر ، وقال بعضهم : هم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والأئمة من ذريته (ع) .
فسألنا الفرقة الأولى فقلنا لهم : أليس علي بن أبي طالب (ع) من أمراء السرايا ؟.. فقالوا : بلى ، فقلنا للثانية : ألم يكن (ع) من العلماء ؟.. قالوا : بلى ، فقلنا للثالثة : أليس علي (ع) قد كان من القوام على الناس بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؟.. فقالوا : بلى ، فصار أمير المؤمنين (ع) معيّناً بالآية باتفاق الأمة واجتماعها ، وتيقّنا ذلك بإقرار المخالف لنا في الإمامة والموافق عليها .
فوجب أن يكون إماما بهذه الآية لوجود الاتفاق على أنه معنيٌّ بها ، ولم يجب العدول إلى غيره والاعتراف بإمامته لوجود الاختلاف في ذلك ، وعدم الاتفاق وما يقوم مقامه من البرهان .
وأما السنّة فإنّا وجدنا النبي (ص) استقضى عليا (ع) على اليمن ، وأمّره على الجيوش ، وولاّه الأموال ، وأمره بأدائها إلى بني جذيمة الذين قتلهم خالد بن الوليد ظلماً ، واختاره لأداء رسالات الله سبحانه ، والإبلاغ عنه في سورة براءة ، واستخلفه عند غيبته على مَن خلّف ، ولم نجد النبي (ص) سنّ هذه السنن في أحد غيره ، ولا اجتمعت هذه السنن في أحد بعد النبي (ص) كما اجتمعت في علي (ع) ، وسنّة رسول الله (ص) بعد موته واجبة كوجوبها في حياته ، وإنما تحتاج الأمة إلى الإمام بهذه الخصال التي ذكرناها ، فإذا وجدناها في رجل قد سنّها الرسول (ص) فيه ، كان أولى بالإمامة ممن لم يسنّ النبي فيه شيئا من ذلك .
وما الإجماع فإنّ إمامته ثبتت من جهته من وجوه : منها أنهم قد أجمعوا جميعا أنّ عليا (ع) قد كان إماما ولو يوما واحدا ، ولم يختلف في ذلك أصناف أهل الإمامة ، ثم اختلفوا فقالت طائفة : كان إمام في وقت كذا وكذا ، وقالت طائفة : بل كان إماما بعد النبي (ص) في جميع أوقاته ، ولم تجمع الأمة على غيره أنه كان إماما في الحقيقة طرفة عين ، والإجماع أحقّ أن يُتّبع من الاختلاف.
ومنها أنهم أجمعوا جميعاً على أنّ عليا (ع) كان يصلح للإمامة ، وأنّ الإمامة تصلح لبني هاشم ، واختلفوا في غيره ، وقالت طائفة : لم يكن تصلح لغير علي بن أبي طالب (ع) ، ولا تصلح لغير بني هاشم ، والإجماع حقٌّ لا شبهةَ فيه ، والاختلاف لا حجة فيه .
ومنها أنهم أجمعوا على أنّ عليا (ع) كان بعد النبي (ص) ظاهر العدالة واجبة له الولاية ، ثم اختلفوا فقال قوم : كان مع ذلك معصوماً من الكبائر والضلال ، وقال آخرون : لم يكُ معصوماً ولكن كان عدلا برّاً تقيا على الظاهر ، لا يشوب ظاهره الشوائب ، فحصل الإجماع على عدالته (ع) ، واختلفوا في نفي العصمة عنه (ع) .
ثم أجمعوا جميعا على أن أبا بكر لم يكن معصوماً ، واختلفوا في عدالته فقالت طائفة : كان عدلا ، وقال آخرون : لم يكن عدلا ، لأنه أخذ ما ليس له ، فمن أجمعوا على عدالته ، واختلفوا في عصمته أولى بالإمامة وأحقّ ممن اختلفوا في عدالته ، وأجمعوا على نفي العصمة عنه .
المصدر: | الفصول المختارة 1/77 |
تعليق