الهجرة والجهاد | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
إعـــــــلان
تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.
الهجرة والجهاد
تقليص
X
-
الهجرة والجهاد
الكلمات الدلالية (Tags): لا يوجد
- اقتباس
-
ونلاحظ من النص القرآني أنّه لا يدخل المتخلفين ضمن حديثه عن القاعدين فهم غير منظور إليهم هنا، وإنّما حديثه هنا، عن القاعدين بعذر شرعي (هو وجود من به الكفاية من المجاهدين) فيقول: إنّ هؤلاء المجاهدين هم أعلى درجة وفضلاً وأجراً من القاعدين بعذر شرعي وهو وجود العدد الكافي من المجاهدين، ولكن في الوقت نفسه يؤكد النص أنّ هذا التفضيل لا يشمل أولي الضرر من القاعدين أي القادرين على الجهاد والمعذورين بسبب الأمراض المختلفة التي تعوقهم عن الجهاد - كفاقدي البصر، والمشلولين عن الحركة والمرضى الذين أقعدهم المرض فلا ينفي القرآن الكريم أنّ لهؤلاء فضلاً، ومن الممكن أن يصلوا إلى درجة المجاهدين، بل ويسبقوا الآخرين في ذلك، لو كان في قلوبهم عزم صادق ونيّة حقيقية، بأنّ لو زالت عنهم تلك العوائق لذهبوا إلى الجهاد في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم. وهذه القاعدة صحيحة عند توافر شروطها.
قال رجل لأمير المؤمنين الإمام عليّ عليه السلام وهو في طريق عودته من صفين12: "يا أمير المؤمنين إنّ لي أخاً كم تمنيت أن يحضر معنا صفين في معسكرك فينال صحبتك" فماذا كان جواب الإمام علي عليه السلام ؟! لقد سأل عليه السلام الرجل عن نيّة أخيه ما هي، وماذا في قلبه، وعلام عزمه، هل كان لديه عذر منعه من الحضور أم لم يكن لديه عذر؟!27
ثمّ يحدد الإمام عليه السلام الأجوبة الدقيقة عن كل تلك الاحتمالات، فإذا لم يكن معذوراً ولم يأت فعدم مجيئه خير لنا من مجيئه13، وإن كان معذوراً وقلبه معنا وعزمه أن يلحق بنا لو استطاع
فهو معنا، فأجاب الرجل إنّه كذلك يا أمير المؤمنين فأجابه الإمام عليه السلام: ليس أخوك وحده كان معنا بل ورجال آخرون ما زالوا في أرحام أُمّهاتهم بل وفي أصلاب آبائهم، فهذا حكم ثابت فكلّ شخص وحتى يوم القيامة إذا وُجد وكان في قلبه عزم صادق أنّه لو أدرك علياً في صفين لنصره فهو مع علي ويعتبر من أنصار علي وجيش علي في صفين وإن لم يحضر صفين بل ولم يعاصرها.28
خامساً: انتظار الفرج
ماذا يعني انتظار الظهور؟
وماذا يعني نص "أفضل الأعمال انتظار الفرج"؟ البعض يتوهّم ويظنّ أنّ "انتظار الفرج" وهو أفضل الأعمال يعني أن ننتظر ظهور إمام العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف مع جمع من خواص أصحابه وأنصاره وعدتهم "313" رجلاً ومعهم جمع آخر من غير الخواص، فيحاربون أعداء الإسلام ويطهرون الأرض من دنسهم، ويقيمون العدل والأمن في البلاد ويوفرون الرفاه والحرية بأكمل صورهما، بعد ذلك يقولون لنا: تفضلوا! البعض يتوهّم أنّ انتظار الفرج هو هذا، ويصفونه بأنّه أفضل الأعمال. ولكن الانتظار الحقيقي للفرج، هو بانتظارنا ظهور الإمام عليه السلام للانخراط في جيشه والقتال تحت إمرته حتى ولو استشهدنا في هذا القتال. الانتظار الحقيقي هو أن يكون أمل الإنسان كله وكل أمانيه حقاً الجهاد في سبيل الله، وليس الانتظار حتى يأتي الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف فتقول له: اذهب أنت وحدك فأنجز كلّ المهام الشاقة، وعندما يحين وقت جني الثمار سنأتي نحن،
هذا هو منطق أصحاب موسى، أما أصحاب محمّد فقد قالوا له: يا رسول الله! لا نقول لك ما قاله لموسى بنو إسرائيل، أصحاب موسى عندما وصلوا إلى فلسطين - بيت المقدس - ورأوا فيها جنداً متأهبين قالوا لموسى: ï´؟فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَï´¾14، كان هذا هو منطق أصحاب موسى، اذهب أنت وربك فقاتلا وطهرا فلسطين من دنس الأعداء، وسنأتي نحن بعد أن نطمئن إلى أنّه لم يبق خطر فيها. إنّ موسى عليه السلام قد سألهم مستنكراً: فما هو واجبكم إذن؟ عليكم أنتم أيضاً أن تخرجوا من دياركم الغاصب الذي أخرجكم منها، أما أصحاب النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أمثال المقداد، فما كان قولهم كهذا، وإنّما قالوا: "لقد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أنّ ما جئت به هو الحق وأعطيناك مواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أردت فنحن معك، فوالذي بعثك بالحقّ لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلّف منّا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غداً"15.29
إذن فالانتظار الحقيقي للفرج هو أن يترسخ في قلوبنا عزم صادق ونيّة حقيقية وأمل بأن نوفق لأن نكون في جيش إمام العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف فنشارك معه في إصلاح الدّنيا.
نموذج الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه30
"يا ليتنا كنّا معك فنفوز فوزاً عظيماً". هذه الجملة كثيراً ما نرددها ونخاطب بها أبا عبد الله عليه السلام. ولكن هل يا ترى ننتبه حقاً إلى معناها؟ إنّ معناها، هو أنْ يا أبا عبد الله يا ليتنا كنّا معك فنستشهد بين يديك وتحت رايتك وبذلك نفوز فوزاً عظيماً. فهل هذا التمني مجرد قول أم أنّه يعبّر عن صدق نيّة ورغبة حقيقية؟! هناك من يطلق هذه العبارة بصدق وعقيدة، لكن
أكثرنا يقرأها في الزيارة ولا تتعدى لقلقة اللسان.
وعندما اقترب وقت الظُّهر وفيه صلى الحسين عليه السلام يوم عاشوراء آخر صلاة له في هذه الدنيا وقد استشهد معظم أصحابه. إذ في هذا اليوم، قبل الظهر، وعند حلوله لم يكن قد بقي إلّا الحسين عليه السلام وأهل بيته ونفر من أصحابه، إذ استشهد القسم الأكبر منهم قبل ذلك في أثناء التراشق المتبادل للسهام - حرب الرماة -. كان جيش أبي عبد الله لا يزيد على اثنين وسبعين رجلاً، لكن هذا الجيش الصغير كان يتمتع بمعنويات عالية، وشجاعة منقطعة النظير، الإمام الحسين عليه السلام كان يأبى ويأنف من أن تظهر عليه أدنى إمارات الضعف والانكسار، كذلك نظم جيشه تنظيماً حربياً، جعل لهؤلاء الاثنين والسبعين قلباً وميمنة وميسرة كأي جيش نظامي آخر، فكان زهير بن القين على الميمنة وحبيب بن مظاهر على الميسرة وعقد راية جيشه لأخيه أبي الفضل العباس عليه السلام الذي أصبح منذ ذلك
اليوم يلقب بحامل لواء الحسين عليه السلام.31
أصحاب أبي عبد الله كانوا يتلهفون لبدء القتال، لكن الإمام عليه السلام كان يأبى ويصرّ على أن لا يقاتل حتى يبدأهم الأعداء بالقتال، وأما قصة بدء القتال فكانت على يد عمر بن سعد.
إنّ عمر بن سعد كان يريد أن يجمع الدّين والدّنيا معاً، الله والمادة معاً. كان يريد أن يحصل على ملك الري من ابن زياد، ولكن دون أن يلطخ يديه بدم الحسين عليه السلام ويسبب هذا الصراع الذي كان يعانيه مع نفسه. أرسل ابن سعد الرسائل المتوالية سعياً لتجنب القتال مع الحسين عليه السلام. وعندما علم ابن زياد بهذه المساعي، أرسل إلى ابن سعد رسالة شديدة اللهجة، عنّفه فيها وأمره أن يحسم الأمر سريعاً بقتل الحسين عليه السلام وهدده بأنّه سيعزله وينصب غيره إن لم يفعل. لم يستطع عمر بن سعد أن يتخلص من عبودية الدّنيا، وإذ تردّد الأمر بينها وبين الدّين باع دينه طمعاً بالدّنيا، فقال سمعاً وطاعة لأمر ابن زياد، فأظهر الكثير من الضعة والخسّة والغدر وارتكب أفظع الجرائم التي عرفها التاريخ. ويعلل ابن سعد ارتكابه لقسم من تلك الجرائم بأنّه كان يسعى من أجل أن ينفي عن نفسه تهمة الانحياز إلى الإمام الحسين عليه السلام، ومن أجل أن يؤكد لابن زياد إخلاصه وولاءه له بعد أن وصلت لابن زياد رسائل تتهم ابن سعد بالتردّد في قتال الإمام عليه السلام والميل إليه، ونفياً لهذه التهمة أقدم ابن سعد على ارتكاب سلسلة من الجرائم بحق آل الرسول تملقاً لابن زياد،
فأمر فرقة الرماة بالاستعداد بعد أن تقابل الجيشان، فاستعد الرماة وأخذ ابن سعد سهماً وأطلقه نحو خيام الإمام الحسين عليه السلام وقال: "اشهدوا لي عند الأمير إنّي أوّل من رمى"16.32
هذه هي قصة أوّل سهم أُطلق في واقعة الطف. وأنا كلّما وصلت إلى هذا المقطع من واقعة الطف في كربلاء تذكرت قولاً لصديقنا وصديقكم العزيز العالم الكبير المرحوم (آيتي)، فلقد سمعت منه أو قرأت له أنّ واقعة الطف بدأت بسهم وختمت بسهم، لقد بدأت بسهم عمر بن سعد فهل تعرفون السهم الذي ختمت به، أي الذي أنهى القتال بين الطرفين؟ لقد كان ذلك عندما وقف سيّد الشهداء وحده في الميدان وقد تعب من كثرة القتال وأخذ منه العطش مأخذاً عظيماً، ثم كان أن أصابته حجارة رماها أحد الأوغاد نحوه، فأصابت جبهته المباركة وسال منها الدم الزاكي فلما رفع الإمام ثوبه يمسح جبينه أتاه سهم مثلث مسموم فأصاب قلبه فختم بذلك جهاد سيّد الشهداء، ولم يعد الإمام يذكر شيئاً ولم يعد يخاطب إلّا ربّه قائلاً: "بسم الله وبالله وعلى ملّة رسول الله"17.
كان عابس بن شبيب الشاكري رجلاً من أصحاب الحسين عليه السلام، قد ملأت كيانه روح الشجاعة والبطولة الحسينية، فوقف في وسط الميدان يدعو جيش بني أميّة للمبارزة، فلم يجرؤ أي منهم على تحدي هذا الليث الغاضب، وبعد تكرار الدعوة لهم، وجد عابس أنّ لامة حربه تعيقه عن الحركة ومهاجمة أعداء الله، فخلعها كلها - درعه خوذته وغيرهما - وعاد إلى الميدان يهاجم أعداء الإسلام، فلم يجرؤ أحد على الوقوف في طريقه، وما استطاعوا قتله إلّا برميه بوابل من الحجارة والسهام فاستشهد بهذا الأسلوب الوحشي. ولقد رسم جميع أصحاب أبي عبد الله عليه السلام في يوم الطف أروع صور البطولة والفداء، رجالاً ونساءً، وزينوا تاريخ البشرية بلوحات مدهشة وصفحات مشرقة ليس لها نظير. ولو كانت قد وجدت مثل هذه الصور البطولية المشرقة في تاريخ الغرب، لرأيت كيف يعظمونها ويصنعون منها نماذج مشرقة.33
وعبد الله بن عمير الكلبي رجل آخر من أصحاب الحسين عليه السلام كان قد اصطحب معه إلى كربلاء زوجته ووالدته، وقد كان من الأبطال البارزين، وعندما أراد النزول إلى الميدان
في يوم عاشوراء، اعترضته زوجته وقالت له: إلى من تتركني وعند من تودعني - وكان جديد عهد بالزواج منها - ثم أردفت قائلة: "بالله لا تفجعني في نفسك". وما أن سمعت أُمّه ول زوجته حتى خاطبته: "يا بنيَّ لا تسمع لقولها. اذهب وقاتل بين يدي ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
ليكون غداً في القيامة شفيعك، ولا أرضى عنك حتى تقتل بين يدي الحسين عليه السلام". فرجع وقاتل حتى استشهد فأخذت أُمّه عمود الخيمة وهاجمت الأعداء، فردّها الحسين عليه السلام وقال: "جزيتم من أهل بيت خيراً ارجعي إلى النساء يرحمك الله فقد وضع عنك الجهاد". ويرتكب الأعداء جريمة بشعة جديدة إذ يقطعون رأس عبد الله ويرمون به صوب أُمّه فتأخذه وتمسح التراب عنه وتقبِّله وتحتضنه وتخاطبه بقولها: "قد رضيت عنك بنيّ قد رضيت" ثم ترميه إلى معسكر الأعداء وهي تقول: ما قدمنا في سبيل الله فلن نسترجعه.34
ومن الأنصار الآخرين الذين استأذنوا الحسين عليه السلام في الخروج للقتال، صبي ابن عشرة أعوام أو اثني عشر عاماً، كان أبوه قد قتل في المعركة، وقد شدّ الصبي حمائل سيفه، طالباً الإذن بالقتال لكن الإمام الحسين عليه السلام لم يأذن له بالقتال رأفة بأُمّه التي فجعت بزوجها منذ قليل فقال عليه السلام: "هذا غلام قتل أبوه في الحملة الأولى ولعلَّ أُمّه تكره ذلك" فأجابه الغلام مؤكّداً رضا والدته بقتاله دون الحسين وعدم رضاها بغير ذلك. فقال: "إنّ أُمّي هي التي أمرتني وقالت لا أرضى عنك حتى تقتل دون الحسين".
هذا الصبي امتاز بأدب رفيع وخلق عال وقد ضرب في يوم الطف مثلاً رائعاً في الرفعة والسمو امتاز بهما على الجميع، إذ إنَّ كل من كان يبرز إلى ميدان القتال من أصحاب الحسين عليه السلام كان يعرّف
نفسه رجزاً أو خطابة وهذا أمر تعارفت عليه العرب، وكان من يرتجز أو يتحدث يذكر - عادة - اسمه واسم أبيه وعشيرته، ولكن هذا الصبي لم يفعل ذلك، ولم يذكر اسمه أو اسم أبيه وعشيرته، بل ظل مجهولاً في التاريخ، وأرباب المقاتل لم يذكروا ابن أي من الأصحاب هو، ولم يكتبوا في تعريفه سوى "وخرج غلام قتل أبوه في المعركة"، فلماذا لم يعرف؟ ألم يرتجز ويعرف نفسه عندما برز القتال؟ بلى فعل ذلك، وأنشد رجزاً أبدع فيه كل الإبداع وبطريقة تفرَّد بها ولم يسبقه أو يلحقه فيها أحد. لقد ارتجز قائلاً:35
"أميري حسين ونعم الأمير سرور فؤادي البشير النذير
عليٌّ وفاطمة والداه فهل تعلمون له من نظير"
بهذا الرجز لا أكثر، عرَّف نفسه للعالم فلم يعرف نفسه بذكر اسمه والافتخار بأبيه وجده وعشيرته، ولم يعرّف نفسه بالافتخار بأبيه وجده وعشيرته، بل عرَّف نفسه بالافتخار بأنّه من جند الحسين عليه السلام وأنّ أميره الحسين وكفى.
36
- اقتباس
- تعليق
-
ونلاحظ من النص القرآني أنّه لا يدخل المتخلفين ضمن حديثه عن القاعدين فهم غير منظور إليهم هنا، وإنّما حديثه هنا، عن القاعدين بعذر شرعي (هو وجود من به الكفاية من المجاهدين) فيقول: إنّ هؤلاء المجاهدين هم أعلى درجة وفضلاً وأجراً من القاعدين بعذر شرعي وهو وجود العدد الكافي من المجاهدين، ولكن في الوقت نفسه يؤكد النص أنّ هذا التفضيل لا يشمل أولي الضرر من القاعدين أي القادرين على الجهاد والمعذورين بسبب الأمراض المختلفة التي تعوقهم عن الجهاد - كفاقدي البصر، والمشلولين عن الحركة والمرضى الذين أقعدهم المرض فلا ينفي القرآن الكريم أنّ لهؤلاء فضلاً، ومن الممكن أن يصلوا إلى درجة المجاهدين، بل ويسبقوا الآخرين في ذلك، لو كان في قلوبهم عزم صادق ونيّة حقيقية، بأنّ لو زالت عنهم تلك العوائق لذهبوا إلى الجهاد في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم. وهذه القاعدة صحيحة عند توافر شروطها.
قال رجل لأمير المؤمنين الإمام عليّ عليه السلام وهو في طريق عودته من صفين12: "يا أمير المؤمنين إنّ لي أخاً كم تمنيت أن يحضر معنا صفين في معسكرك فينال صحبتك" فماذا كان جواب الإمام علي عليه السلام ؟! لقد سأل عليه السلام الرجل عن نيّة أخيه ما هي، وماذا في قلبه، وعلام عزمه، هل كان لديه عذر منعه من الحضور أم لم يكن لديه عذر؟!27
ثمّ يحدد الإمام عليه السلام الأجوبة الدقيقة عن كل تلك الاحتمالات، فإذا لم يكن معذوراً ولم يأت فعدم مجيئه خير لنا من مجيئه13، وإن كان معذوراً وقلبه معنا وعزمه أن يلحق بنا لو استطاع
فهو معنا، فأجاب الرجل إنّه كذلك يا أمير المؤمنين فأجابه الإمام عليه السلام: ليس أخوك وحده كان معنا بل ورجال آخرون ما زالوا في أرحام أُمّهاتهم بل وفي أصلاب آبائهم، فهذا حكم ثابت فكلّ شخص وحتى يوم القيامة إذا وُجد وكان في قلبه عزم صادق أنّه لو أدرك علياً في صفين لنصره فهو مع علي ويعتبر من أنصار علي وجيش علي في صفين وإن لم يحضر صفين بل ولم يعاصرها.28
خامساً: انتظار الفرج
ماذا يعني انتظار الظهور؟
وماذا يعني نص "أفضل الأعمال انتظار الفرج"؟ البعض يتوهّم ويظنّ أنّ "انتظار الفرج" وهو أفضل الأعمال يعني أن ننتظر ظهور إمام العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف مع جمع من خواص أصحابه وأنصاره وعدتهم "313" رجلاً ومعهم جمع آخر من غير الخواص، فيحاربون أعداء الإسلام ويطهرون الأرض من دنسهم، ويقيمون العدل والأمن في البلاد ويوفرون الرفاه والحرية بأكمل صورهما، بعد ذلك يقولون لنا: تفضلوا! البعض يتوهّم أنّ انتظار الفرج هو هذا، ويصفونه بأنّه أفضل الأعمال. ولكن الانتظار الحقيقي للفرج، هو بانتظارنا ظهور الإمام عليه السلام للانخراط في جيشه والقتال تحت إمرته حتى ولو استشهدنا في هذا القتال. الانتظار الحقيقي هو أن يكون أمل الإنسان كله وكل أمانيه حقاً الجهاد في سبيل الله، وليس الانتظار حتى يأتي الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف فتقول له: اذهب أنت وحدك فأنجز كلّ المهام الشاقة، وعندما يحين وقت جني الثمار سنأتي نحن،
هذا هو منطق أصحاب موسى، أما أصحاب محمّد فقد قالوا له: يا رسول الله! لا نقول لك ما قاله لموسى بنو إسرائيل، أصحاب موسى عندما وصلوا إلى فلسطين - بيت المقدس - ورأوا فيها جنداً متأهبين قالوا لموسى: ﴿فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾14، كان هذا هو منطق أصحاب موسى، اذهب أنت وربك فقاتلا وطهرا فلسطين من دنس الأعداء، وسنأتي نحن بعد أن نطمئن إلى أنّه لم يبق خطر فيها. إنّ موسى عليه السلام قد سألهم مستنكراً: فما هو واجبكم إذن؟ عليكم أنتم أيضاً أن تخرجوا من دياركم الغاصب الذي أخرجكم منها، أما أصحاب النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أمثال المقداد، فما كان قولهم كهذا، وإنّما قالوا: "لقد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أنّ ما جئت به هو الحق وأعطيناك مواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أردت فنحن معك، فوالذي بعثك بالحقّ لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلّف منّا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غداً"15.29
إذن فالانتظار الحقيقي للفرج هو أن يترسخ في قلوبنا عزم صادق ونيّة حقيقية وأمل بأن نوفق لأن نكون في جيش إمام العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف فنشارك معه في إصلاح الدّنيا.
نموذج الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه30
"يا ليتنا كنّا معك فنفوز فوزاً عظيماً". هذه الجملة كثيراً ما نرددها ونخاطب بها أبا عبد الله عليه السلام. ولكن هل يا ترى ننتبه حقاً إلى معناها؟ إنّ معناها، هو أنْ يا أبا عبد الله يا ليتنا كنّا معك فنستشهد بين يديك وتحت رايتك وبذلك نفوز فوزاً عظيماً. فهل هذا التمني مجرد قول أم أنّه يعبّر عن صدق نيّة ورغبة حقيقية؟! هناك من يطلق هذه العبارة بصدق وعقيدة، لكن
أكثرنا يقرأها في الزيارة ولا تتعدى لقلقة اللسان.
وعندما اقترب وقت الظُّهر وفيه صلى الحسين عليه السلام يوم عاشوراء آخر صلاة له في هذه الدنيا وقد استشهد معظم أصحابه. إذ في هذا اليوم، قبل الظهر، وعند حلوله لم يكن قد بقي إلّا الحسين عليه السلام وأهل بيته ونفر من أصحابه، إذ استشهد القسم الأكبر منهم قبل ذلك في أثناء التراشق المتبادل للسهام - حرب الرماة -. كان جيش أبي عبد الله لا يزيد على اثنين وسبعين رجلاً، لكن هذا الجيش الصغير كان يتمتع بمعنويات عالية، وشجاعة منقطعة النظير، الإمام الحسين عليه السلام كان يأبى ويأنف من أن تظهر عليه أدنى إمارات الضعف والانكسار، كذلك نظم جيشه تنظيماً حربياً، جعل لهؤلاء الاثنين والسبعين قلباً وميمنة وميسرة كأي جيش نظامي آخر، فكان زهير بن القين على الميمنة وحبيب بن مظاهر على الميسرة وعقد راية جيشه لأخيه أبي الفضل العباس عليه السلام الذي أصبح منذ ذلك
اليوم يلقب بحامل لواء الحسين عليه السلام.31
أصحاب أبي عبد الله كانوا يتلهفون لبدء القتال، لكن الإمام عليه السلام كان يأبى ويصرّ على أن لا يقاتل حتى يبدأهم الأعداء بالقتال، وأما قصة بدء القتال فكانت على يد عمر بن سعد.
إنّ عمر بن سعد كان يريد أن يجمع الدّين والدّنيا معاً، الله والمادة معاً. كان يريد أن يحصل على ملك الري من ابن زياد، ولكن دون أن يلطخ يديه بدم الحسين عليه السلام ويسبب هذا الصراع الذي كان يعانيه مع نفسه. أرسل ابن سعد الرسائل المتوالية سعياً لتجنب القتال مع الحسين عليه السلام. وعندما علم ابن زياد بهذه المساعي، أرسل إلى ابن سعد رسالة شديدة اللهجة، عنّفه فيها وأمره أن يحسم الأمر سريعاً بقتل الحسين عليه السلام وهدده بأنّه سيعزله وينصب غيره إن لم يفعل. لم يستطع عمر بن سعد أن يتخلص من عبودية الدّنيا، وإذ تردّد الأمر بينها وبين الدّين باع دينه طمعاً بالدّنيا، فقال سمعاً وطاعة لأمر ابن زياد، فأظهر الكثير من الضعة والخسّة والغدر وارتكب أفظع الجرائم التي عرفها التاريخ. ويعلل ابن سعد ارتكابه لقسم من تلك الجرائم بأنّه كان يسعى من أجل أن ينفي عن نفسه تهمة الانحياز إلى الإمام الحسين عليه السلام، ومن أجل أن يؤكد لابن زياد إخلاصه وولاءه له بعد أن وصلت لابن زياد رسائل تتهم ابن سعد بالتردّد في قتال الإمام عليه السلام والميل إليه، ونفياً لهذه التهمة أقدم ابن سعد على ارتكاب سلسلة من الجرائم بحق آل الرسول تملقاً لابن زياد،
فأمر فرقة الرماة بالاستعداد بعد أن تقابل الجيشان، فاستعد الرماة وأخذ ابن سعد سهماً وأطلقه نحو خيام الإمام الحسين عليه السلام وقال: "اشهدوا لي عند الأمير إنّي أوّل من رمى"16.32
هذه هي قصة أوّل سهم أُطلق في واقعة الطف. وأنا كلّما وصلت إلى هذا المقطع من واقعة الطف في كربلاء تذكرت قولاً لصديقنا وصديقكم العزيز العالم الكبير المرحوم (آيتي)، فلقد سمعت منه أو قرأت له أنّ واقعة الطف بدأت بسهم وختمت بسهم، لقد بدأت بسهم عمر بن سعد فهل تعرفون السهم الذي ختمت به، أي الذي أنهى القتال بين الطرفين؟ لقد كان ذلك عندما وقف سيّد الشهداء وحده في الميدان وقد تعب من كثرة القتال وأخذ منه العطش مأخذاً عظيماً، ثم كان أن أصابته حجارة رماها أحد الأوغاد نحوه، فأصابت جبهته المباركة وسال منها الدم الزاكي فلما رفع الإمام ثوبه يمسح جبينه أتاه سهم مثلث مسموم فأصاب قلبه فختم بذلك جهاد سيّد الشهداء، ولم يعد الإمام يذكر شيئاً ولم يعد يخاطب إلّا ربّه قائلاً: "بسم الله وبالله وعلى ملّة رسول الله"17.
كان عابس بن شبيب الشاكري رجلاً من أصحاب الحسين عليه السلام، قد ملأت كيانه روح الشجاعة والبطولة الحسينية، فوقف في وسط الميدان يدعو جيش بني أميّة للمبارزة، فلم يجرؤ أي منهم على تحدي هذا الليث الغاضب، وبعد تكرار الدعوة لهم، وجد عابس أنّ لامة حربه تعيقه عن الحركة ومهاجمة أعداء الله، فخلعها كلها - درعه خوذته وغيرهما - وعاد إلى الميدان يهاجم أعداء الإسلام، فلم يجرؤ أحد على الوقوف في طريقه، وما استطاعوا قتله إلّا برميه بوابل من الحجارة والسهام فاستشهد بهذا الأسلوب الوحشي. ولقد رسم جميع أصحاب أبي عبد الله عليه السلام في يوم الطف أروع صور البطولة والفداء، رجالاً ونساءً، وزينوا تاريخ البشرية بلوحات مدهشة وصفحات مشرقة ليس لها نظير. ولو كانت قد وجدت مثل هذه الصور البطولية المشرقة في تاريخ الغرب، لرأيت كيف يعظمونها ويصنعون منها نماذج مشرقة.33
وعبد الله بن عمير الكلبي رجل آخر من أصحاب الحسين عليه السلام كان قد اصطحب معه إلى كربلاء زوجته ووالدته، وقد كان من الأبطال البارزين، وعندما أراد النزول إلى الميدان
في يوم عاشوراء، اعترضته زوجته وقالت له: إلى من تتركني وعند من تودعني - وكان جديد عهد بالزواج منها - ثم أردفت قائلة: "بالله لا تفجعني في نفسك". وما أن سمعت أُمّه ول زوجته حتى خاطبته: "يا بنيَّ لا تسمع لقولها. اذهب وقاتل بين يدي ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
ليكون غداً في القيامة شفيعك، ولا أرضى عنك حتى تقتل بين يدي الحسين عليه السلام". فرجع وقاتل حتى استشهد فأخذت أُمّه عمود الخيمة وهاجمت الأعداء، فردّها الحسين عليه السلام وقال: "جزيتم من أهل بيت خيراً ارجعي إلى النساء يرحمك الله فقد وضع عنك الجهاد". ويرتكب الأعداء جريمة بشعة جديدة إذ يقطعون رأس عبد الله ويرمون به صوب أُمّه فتأخذه وتمسح التراب عنه وتقبِّله وتحتضنه وتخاطبه بقولها: "قد رضيت عنك بنيّ قد رضيت" ثم ترميه إلى معسكر الأعداء وهي تقول: ما قدمنا في سبيل الله فلن نسترجعه.34
ومن الأنصار الآخرين الذين استأذنوا الحسين عليه السلام في الخروج للقتال، صبي ابن عشرة أعوام أو اثني عشر عاماً، كان أبوه قد قتل في المعركة، وقد شدّ الصبي حمائل سيفه، طالباً الإذن بالقتال لكن الإمام الحسين عليه السلام لم يأذن له بالقتال رأفة بأُمّه التي فجعت بزوجها منذ قليل فقال عليه السلام: "هذا غلام قتل أبوه في الحملة الأولى ولعلَّ أُمّه تكره ذلك" فأجابه الغلام مؤكّداً رضا والدته بقتاله دون الحسين وعدم رضاها بغير ذلك. فقال: "إنّ أُمّي هي التي أمرتني وقالت لا أرضى عنك حتى تقتل دون الحسين".
هذا الصبي امتاز بأدب رفيع وخلق عال وقد ضرب في يوم الطف مثلاً رائعاً في الرفعة والسمو امتاز بهما على الجميع، إذ إنَّ كل من كان يبرز إلى ميدان القتال من أصحاب الحسين عليه السلام كان يعرّف
نفسه رجزاً أو خطابة وهذا أمر تعارفت عليه العرب، وكان من يرتجز أو يتحدث يذكر - عادة - اسمه واسم أبيه وعشيرته، ولكن هذا الصبي لم يفعل ذلك، ولم يذكر اسمه أو اسم أبيه وعشيرته، بل ظل مجهولاً في التاريخ، وأرباب المقاتل لم يذكروا ابن أي من الأصحاب هو، ولم يكتبوا في تعريفه سوى "وخرج غلام قتل أبوه في المعركة"، فلماذا لم يعرف؟ ألم يرتجز ويعرف نفسه عندما برز القتال؟ بلى فعل ذلك، وأنشد رجزاً أبدع فيه كل الإبداع وبطريقة تفرَّد بها ولم يسبقه أو يلحقه فيها أحد. لقد ارتجز قائلاً:35
"أميري حسين ونعم الأمير سرور فؤادي البشير النذير
عليٌّ وفاطمة والداه فهل تعلمون له من نظير"
بهذا الرجز لا أكثر، عرَّف نفسه للعالم فلم يعرف نفسه بذكر اسمه والافتخار بأبيه وجده وعشيرته، ولم يعرّف نفسه بالافتخار بأبيه وجده وعشيرته، بل عرَّف نفسه بالافتخار بأنّه من جند الحسين عليه السلام وأنّ أميره الحسين وكفى.
36 هوامش 1- سورة النساء، الآية: 100.
2- سورة الأنفال، الآية: 74.
3- سورة الحديد، الآية: 16.
4- عندما فتحت الجارية الباب كانت أصوات الغناء والعيدان تصل إلى الشارع من داخل دار بشر وسمعها الإمام عليه السلام.
5- الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج11، ص 124.
6- نهج البلاغة، وللإمام عليّ عليه السلام حكمة بالغة توضح هذا المعنى إذ يقول عليه السلام: "ما ظفر من ظفر الإثم به، والغالب بالشرّ مغلوب". نهج البلاغة، ص 533 (تحقيق صبحي الصالح).
7- وممّا يؤسف له أنّ هذه المعنويات فقدت بين رياضيي هذا العصر، ففي السابق كان الرياضيون يرون في الإمام علي عليه السلام النموذج الأكمل للبطل، لأنّه عليه السلام كان بطلاً على كلا الجبهتين، جبهة الصراع مع أعداء الله في ميادين الحرب، وجبهة الصراع مع النفس الأمّارة بالسوء وأهوائها.
القوّة الحقيقية والبطولة المثلى لا يمكن أن تحقّق إلّا إذا تحرر الإنسان من عبودية الهوى والشهوة، أي إنّ البطل والشجاع حقّاً من لا يتصدى لأعراض الناس، لأنّ روح الشجاعة الحقّة تمنعه من ذلك، وهو لا يزني لأنّ روح الشجاعة والبطولة لا تسمح له بذلك، وهو لا يشرب الخمر لأنّ روح الشجاعة ترفض ذلك.
والبطل القوي والشجاع، لا يكذب، فالشجاعة تأبى أن تكون حليف الكاذب، والشجاع لا يتملق فالملق ضدّ الشجاعة والقوّة.
فالبطل الحقيقي، ليس ذلك الذي يقدر على رفع ثقل كبير أو صخرة ضخمة بل الأهم هو أن يقدر على هوى نفسه وينتصر عليها.
8- وسبب تسميته بهذا الاسم هو أنّه كان مقبلاً في ركب من قريش حتى إذا وصلوا إلى وادي يليل - وهو واد قريب من بدر - تعرضت لهم بنو بكر في عدد من الفرسان. فقال عمرو بن عبد ود لأصحابه: أمضوا، فمضوا، وتصدى وحده لبني بكر ومنعهم من أن يصلوا إليه فعرف بذلك".
تفسير الميزان: ج 16، ص 197 في تفسير سورة الأحزاب".
9- الرواية التي وجدناها ينقلها المجلسي في البحار: ج 41، ص 51.
وفيها: "إنّه لما أدرك عمرو بن عبد ود، لم يضربه. فوقعوا في عليّ عليه السلام - ويقصد أنّ أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم انتقدوا علياً بسبب تركه الإجهاز على عمرو - فردّ عنه حذيفة فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: مه يا حذيفة فإنّ علياً سيذكر سبب وقفته. ثمّ إنّه ضربه - أي إنّ الإمام قتل عمراً - فلما عاد عليه السلام، سأله النبي عن ذلك - التأخير في قتل عمرو - فقال عليه السلام: "لقد كان - عمرو - شتم أمّي وتفل في وجهي، فخشيت أن أضربه لحظ نفسي - غضباً لها - فتركته حتى سكن ما بي ثمّ قتلته في الله".
- ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب، ج1، ص381.
10- صحيح مسلم: ج3، ص1517، وص1910.
11- سورة النساء، الآية: 95.
12- الرواية التي وجدنا في نهج البلاغة تذكر أنّ هذا الحوار حدث أثناء عودة الإمام من البصرة بعد أن نصره الله على أصحاب الجمل لا بعد عودته من صفين كما ذكر الأستاذ الشهيد ونحن إذ ذكرنا الترجمة التوضيحية للنص كما ذكرها الشيخ الشهيد، نثبت هذا الذي وجدناه في النهج: ومن كلام له عليه السلام: "لما أظفره الله بأصحاب الجمل، وقد قال له بعض أصحابه: وددت أنّ أخي فلاناً كان شاهدنا ليرى ما نصرك الله به على أعدائك" فقال له عليه السلام: "أهوى أخيك معنا؟ فقال: نعم، قال عليه السلام: فقد شهدنا، ولقد شهدنا في عسكرنا هذا أقوام في أصلاب الرجال وأرحام النساء، سيرعف - يجود بهم عن غير انتظار - بهم الزمان ويقوى بهم الإيمان". - نهج البلاغة، ج1، ص55.
13- ﴿وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ * لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ﴾. سورة التوبة، الآيتان: 46 و47.
هذا بالنسبة للطائفة الأولى. أما بالنسبة للطائفة الثانية التي يذكرها الإمام عليه السلام فيتلطف القرآن الكريم في وصفهم فيقول في سياق الآيات السابقة.
﴿لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّواْ وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ﴾. سورة التوبة، الآيتان: 91 و 92.
عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال لما رجع من غزوة تبوك وعند اقترابه من المدينة: "إنّ بالمدينة لقوماً، ما سرتم من مسير ولا قطعتم وادياً إلّا كانوا معكم فيه" قالوا يا رسول الله وهم بالمدينة؟ قال عليه السلام: "وهم بالمدينة، حبسهم العذر". - سُنن ابن ماجة، ج 2، ص923.
14- سورة المائدة، الآية: 24.
15- القول لسعد بن معاذ وقد قاله جواباً للرسول صلى الله عليه وآله وسلم الذي استشار الأنصار في الخروج إلى المشركين في معركة بدر، تجده في السيرة النبوية لابن هشام، ج2، ص448.
16- جدير بالذكر أنّ أباه سعد بن أبي وقاص كان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن الرماة المشهورين بين العرب بالمهارة وقد أبلى في الحروب الإسلامية بلاءً حسناً وقدّم خدمات جليلة للإسلام في هذا المضمار.
17- جلاء العيون للسيّد عبد الله شبر، وقد اعتمدنا عليه في ضبط النصوص المتعلقة بواقعة الطف في المحاضرات الثلاث.
- اقتباس
- تعليق
تعليق
تعليق