لا يوجد هناك شيء، ولهذا قررت أن أنهض للمواجهة، العجيب بالأمر.. كيف لهذه السماء أن تكون بهذا الصحو والصفاء، وآلاف الاطلاقات تعربد لتمزق الهدوء، ودخان القذائف يملأ الجو سواداً فيربك النظر، قبل قليل كانت الريح عاتية ترعد بوابل من الرصاص، ومخالب الموت تدنو من حافة موضعي.
منذ ثلاثة أيام والموضع محاصر والهجوم مستمر.. قلت لأثبت لهم أني مقاتل لا يستهان به، لديه من الخبرات ما تليق به كمقاتل، ولهذا أذهلتهم: كيف يمكن لموضع صغير أن يصمد بوجه جيش وحشي وهو محاصر منذ ثلاثة أيام..
رنّ هاتفي الجوال وإذا به صوت أمي:ـ ماما... لا تخشي عليّ شيئاً.. أنا بخير.. أجابت أمي:ـ نعم يا ولدي.. انتبه على حالك يا بني.. تحفظك مولاتي الزهراء (عليها السلام) بدعائها.. مرت ثلاثة أيام وأنا صامد بوجه الموت، اندحروا وما زلت بخير لم انهك بعد.. وها انا قادر على القتال لأسابيع أخرى..
أخيراً سكتت النيران، وانطفأ الصوت، ودخل اصدقائي لموضعي..
قلت:ـ حياهم الله، فلم يسمعني أحد منهم..
قبلني حسين عبد كاظم من جبيني وهو يقول:ـ هذا فعل الأبطال يا حبيب.. مزقت جيشا بصمودك العجيب، وأربكت هجوماً كبيراً كاد يكتسحنا، هجوماً رسموا معانيه بدقة، تركني وراح يتحدث مع صديقي صاحب رزوقي:ـ حبيب بطل يا صاحب، لوحده كان جيشاً عرمرما..
ضحكت مع نفسي: ماذا يعني حسين بقوله (العرمرم).. هههه حلوة هذه العرمرم بفمه.. وراح حسين وبعض الأصدقاء يقلبون بالجثث المحيطة بالموضع.. عشرات الجثث تملأ الأرض قرب موضعي، كانوا يعرفون أني لوحدي، فاستسهلوا الهجوم على الموضع، وإلا كان بالإمكان تجاوزه والدخول بعمق اللواء.. عشرات القتلى تنام عند قدم موضعي.. صديقي باسم عبد الله مستغرب من حالة واحدة، فهو يسأل صاحب:ـ من أين له كل هذا العتاد؟ وكيف استطاع ادامة زخم المعركة لوحده؟
قلت:ـ ماذا تقصد بزخم المعركة يا جاسم؟ أتقصد العتاد أم الصبر أم الشجاعة التي تجعل الانسان يقف بقوة أمام جبروت هجوم، هذا الزخم اللوجستي الذي يتحدث المحللون عنه نحن نستمده من كربلاء الطف من موقف سيد الشهداء الحسين (عليه السلام)، ألم يقف وحده وقفة جيش كبير بلا خوف ولا تردد، بل بكل شجاعة وحزم واجه سبيله..؟
فما الغرابة أن اقتدي اليوم بمولاي الحسين (عليه السلام) الذي يرهقني الآن..؟ لماذا لا يعيرني الأصدقاء أذناً صاغية..؟ هل يا ترى هم فقدوا السمع في المعركة التي أعتقد انها كانت كبيرة جداً؟ والدليل هذه الجثث التي تنام على حافة موضعي، أم... أم يا ترى انا فقدت الصوت فما عدت قادراً على الكلام.
دخل تحسين الموضع وهو يبكي ويقبلني حبيب: أرجوك لا تذهب وأنت غاضب مني، والله انا كنت امزح معك، ولا ادري انك ستغضب مني.. أنا ذهلت.. كيف سيتزوج مثلك بإنسانة عمياء وكل بيوت اقربائك مفتوحة لك، وتتمنى أن تهبك عروساً، هذا كل ما في الأمر..!
قلت له:ـ لا تبكِ يا تحسين.. نحن هنا جميعنا اخوان.. آه لو رأيت (شذاي) ستشعر حينها أن لها قلباً تبصر به العالم كله.. للأسف حتى صفحي ومسامحتي لتحسين لم تعد مسموعة، يبدو أن القتال ما زال مستعراً، والهدوء الذي أعيشه هو غير معني بما يحدث الآن.
استطيع في وضعي الجديد أن ابصر الجميع وأراهم في وقت واحد، وتلك شذاي اراها لأول مرة مبصرة تستقبل طيفي..
ينادي حسين عبد كاظم: ما إن يهدأ القتال اخلوا حبيب بسرعة..
صحت: ما بك يا حسين عبد كاظم.. لماذا يخلونني، وأنا الذي اصبحت كما تقول جيشاً عرمرماً.. وهل يخلى العرمرم في ساعات المواجهة..؟ دعني اتنفس المعركة عساي ارفع رأسي بعراق أبيّ، عصيّ على الدواعش..
كل هؤلاء الوحوش التي جعلتُ رؤوسهم في الوحل عجزت عن تنحيتي عن القتال، فكيف اصدقائي يريدون تخليتي، لا ارجوكم دعوني ارزم لكم جثث الدواعش رزما رزما..
:ـ أين الاصابة؟ هذا سؤال قصي وهو يدخل الموضع، ويراني سالماً معافى..
اجابه حسين:ـ في رأسه..
صحت:ـ حسين لقد ذهب الألم لا تقلق عليّ.. لقد زال تماما مني الوجع، انا الآن بخير.. ويعيد حسين على مسامعي ما يؤذيني:ـ استعجلوا بإخلائه... هل جهزتم اوراقه؟ جهزوا التابوت بسرعة..
استغربت.. رحت اسأل: ماذا يجهزون؟ وحزنت فعلاً، على ما يبدو اني قُتلت في المعركة او هكذا يتخيل لجماعتي.. وبين هذا الصمت المريع رنّ هاتفي الجوال نظرت اليه انها امي، انها امي يا اصدقائي.. ليرفع احدكم هاتفي ليجيبها انها امي، لا احد يجيب، الجميع ينظرون لبعضهم بحيرة وهم يبكون، مددت يدي حتى الهاتف اللعين لا يستجيب لي، فصرخت باكياً: أمي أمي الغالية.. أوه يبدو اني استشهدت فعلاً..
منذ ثلاثة أيام والموضع محاصر والهجوم مستمر.. قلت لأثبت لهم أني مقاتل لا يستهان به، لديه من الخبرات ما تليق به كمقاتل، ولهذا أذهلتهم: كيف يمكن لموضع صغير أن يصمد بوجه جيش وحشي وهو محاصر منذ ثلاثة أيام..
رنّ هاتفي الجوال وإذا به صوت أمي:ـ ماما... لا تخشي عليّ شيئاً.. أنا بخير.. أجابت أمي:ـ نعم يا ولدي.. انتبه على حالك يا بني.. تحفظك مولاتي الزهراء (عليها السلام) بدعائها.. مرت ثلاثة أيام وأنا صامد بوجه الموت، اندحروا وما زلت بخير لم انهك بعد.. وها انا قادر على القتال لأسابيع أخرى..
أخيراً سكتت النيران، وانطفأ الصوت، ودخل اصدقائي لموضعي..
قلت:ـ حياهم الله، فلم يسمعني أحد منهم..
قبلني حسين عبد كاظم من جبيني وهو يقول:ـ هذا فعل الأبطال يا حبيب.. مزقت جيشا بصمودك العجيب، وأربكت هجوماً كبيراً كاد يكتسحنا، هجوماً رسموا معانيه بدقة، تركني وراح يتحدث مع صديقي صاحب رزوقي:ـ حبيب بطل يا صاحب، لوحده كان جيشاً عرمرما..
ضحكت مع نفسي: ماذا يعني حسين بقوله (العرمرم).. هههه حلوة هذه العرمرم بفمه.. وراح حسين وبعض الأصدقاء يقلبون بالجثث المحيطة بالموضع.. عشرات الجثث تملأ الأرض قرب موضعي، كانوا يعرفون أني لوحدي، فاستسهلوا الهجوم على الموضع، وإلا كان بالإمكان تجاوزه والدخول بعمق اللواء.. عشرات القتلى تنام عند قدم موضعي.. صديقي باسم عبد الله مستغرب من حالة واحدة، فهو يسأل صاحب:ـ من أين له كل هذا العتاد؟ وكيف استطاع ادامة زخم المعركة لوحده؟
قلت:ـ ماذا تقصد بزخم المعركة يا جاسم؟ أتقصد العتاد أم الصبر أم الشجاعة التي تجعل الانسان يقف بقوة أمام جبروت هجوم، هذا الزخم اللوجستي الذي يتحدث المحللون عنه نحن نستمده من كربلاء الطف من موقف سيد الشهداء الحسين (عليه السلام)، ألم يقف وحده وقفة جيش كبير بلا خوف ولا تردد، بل بكل شجاعة وحزم واجه سبيله..؟
فما الغرابة أن اقتدي اليوم بمولاي الحسين (عليه السلام) الذي يرهقني الآن..؟ لماذا لا يعيرني الأصدقاء أذناً صاغية..؟ هل يا ترى هم فقدوا السمع في المعركة التي أعتقد انها كانت كبيرة جداً؟ والدليل هذه الجثث التي تنام على حافة موضعي، أم... أم يا ترى انا فقدت الصوت فما عدت قادراً على الكلام.
دخل تحسين الموضع وهو يبكي ويقبلني حبيب: أرجوك لا تذهب وأنت غاضب مني، والله انا كنت امزح معك، ولا ادري انك ستغضب مني.. أنا ذهلت.. كيف سيتزوج مثلك بإنسانة عمياء وكل بيوت اقربائك مفتوحة لك، وتتمنى أن تهبك عروساً، هذا كل ما في الأمر..!
قلت له:ـ لا تبكِ يا تحسين.. نحن هنا جميعنا اخوان.. آه لو رأيت (شذاي) ستشعر حينها أن لها قلباً تبصر به العالم كله.. للأسف حتى صفحي ومسامحتي لتحسين لم تعد مسموعة، يبدو أن القتال ما زال مستعراً، والهدوء الذي أعيشه هو غير معني بما يحدث الآن.
استطيع في وضعي الجديد أن ابصر الجميع وأراهم في وقت واحد، وتلك شذاي اراها لأول مرة مبصرة تستقبل طيفي..
ينادي حسين عبد كاظم: ما إن يهدأ القتال اخلوا حبيب بسرعة..
صحت: ما بك يا حسين عبد كاظم.. لماذا يخلونني، وأنا الذي اصبحت كما تقول جيشاً عرمرماً.. وهل يخلى العرمرم في ساعات المواجهة..؟ دعني اتنفس المعركة عساي ارفع رأسي بعراق أبيّ، عصيّ على الدواعش..
كل هؤلاء الوحوش التي جعلتُ رؤوسهم في الوحل عجزت عن تنحيتي عن القتال، فكيف اصدقائي يريدون تخليتي، لا ارجوكم دعوني ارزم لكم جثث الدواعش رزما رزما..
:ـ أين الاصابة؟ هذا سؤال قصي وهو يدخل الموضع، ويراني سالماً معافى..
اجابه حسين:ـ في رأسه..
صحت:ـ حسين لقد ذهب الألم لا تقلق عليّ.. لقد زال تماما مني الوجع، انا الآن بخير.. ويعيد حسين على مسامعي ما يؤذيني:ـ استعجلوا بإخلائه... هل جهزتم اوراقه؟ جهزوا التابوت بسرعة..
استغربت.. رحت اسأل: ماذا يجهزون؟ وحزنت فعلاً، على ما يبدو اني قُتلت في المعركة او هكذا يتخيل لجماعتي.. وبين هذا الصمت المريع رنّ هاتفي الجوال نظرت اليه انها امي، انها امي يا اصدقائي.. ليرفع احدكم هاتفي ليجيبها انها امي، لا احد يجيب، الجميع ينظرون لبعضهم بحيرة وهم يبكون، مددت يدي حتى الهاتف اللعين لا يستجيب لي، فصرخت باكياً: أمي أمي الغالية.. أوه يبدو اني استشهدت فعلاً..