المعالجة والمداواة |
مسألة: تستحب المعالجة والمداواة في الجملة، وقد تجب فيما إذا توقفت الحياة عليها. قال النبي (صلى الله عليه وآله): (تداووا فإن الله عز وجل لم ينزل داءً إلا وأنزل له شفاءً)(1). وروي عنه (صلى الله عليه وآله) قال: (اثنان عليلان: صحيح محتم وعليل مخلط)(2). وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إن نبيا من الأنبياء مرض فقال: لا أتداوى حتى يكون الذي أمرضني هو الذي يشفيني، فأوحى الله عز وجل: لا أشفيك حتى تتداوى، فإن الشفاء مني والدواء مني، فجعل يتداوى فأتى الشفاء)(3). وقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): (تداووا فإنّ الّذي أنزل الدّاء أنزل الدّواء)(4). وروي في سبب هذا الحديث أنّ رجلاً جرح على عهد رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) فقال (صلى الله عليه وآله): (ادعوا له الطبيب) فقالوا: يا رسول اللّه وهل يغني الطّبيب من شيء؟ فقال (صلى الله عليه وآله): (نعم ما أنزل اللّه من داء إلا انزل له شفاء)(5). قال العلامة المجلسي (رحمه الله): وفائدة الحديث الحث على التداوي والتشفي بالمعالجة ومراجعة الطب وأهل العلم بذلك والممارسة(6). وفي الغرر عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: (من لم يحتمل مرارة الدّواء دام ألمه)(7). وقال (عليه السلام): (لكل علة دواء)(8). وقال (عليه السلام): (لا دواء لمشغوف بدائه)(9). وقال (عليه السلام): (لا شفاء لمن كتم طبيبه داءه)(10). وقال (عليه السلام): (لكل حي داء)(11). وقال (عليه السلام): (من كتم الأطباء مرضه خان بدنه)(12). وقال (عليه السلام): (من كتم مكنون دائه عجز طبيبه عن شفائه)(13). وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (تعالجوا ولا تتكلموا)(14). قال العلامة المجلسي (رحمه الله): فإن الله الذي أمرض قد خلق الأدوية المتعالج بها بلطيف صنعه وجعل بعض الحشائش والخشب والصموغ والأحجار أسبابا للشفاء من العلل والأدواء فهي تدل على عظيم قدرته وواسع رحمته. وهذا الحديث يدل على خطأ من ادعى التوكل في الأمراض ولم يتعالج (عليه السلام) وفائدة الحديث الحث على معالجة الأمراض بالأدوية... وسئل طبيب العرب الحارث بن كلدة عن إدخال الطعام على الطعام؟ فقال: هو الذي أهلك البرية وأهلك السباع في البرية فجعل إدخال الطعام على الطعام الذي لم ينضج في المعدة ولم ينزل منها داء مهلكا وهذا على عادة أكثرية أجراها الله تعالى وقد تنخرم بأصحاب المعد النارية الملتهبة التي تهضم ما ألقي فيها وكله متعلق بقدرة الله جلت عظمته. وروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: (إن الله أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء، فتداووا، ولا تتداووا بحرام)(15). وعن جابر أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: (إن لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله تعالى)(16). وفي الحديث: قالت الأعراب: يا رسول الله أ لا نتداوى قال: نعم يا عباد الله تداووا فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء ودواء إلا داءً واحدا، قالوا: يا رسول الله وما هو؟ قال: الهرم)(17). وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (ما أنزل الله من داء إلا أنزل له دواء ـ وفي حديث ابن مسعود بعد ذلك ـ علمه من علمه وجهله من جهله)(18). قال العلامة المجلسي: قال بعضهم: المراد بالإنزال إنزال علم ذلك على لسان الملك للنبي مثلا، أو عبر بالإنزال عن التقدير، وفي بعض الأخبار التقييد بالحلال، فلا يجوز التداوي بالحرام، وفي حديث جابر الإشارة إلى أن الشفاء متوقف على الإصابة بإذن الله تعالى، وذلك أن الدواء قد تحصل له مجاوزة الحد في الكيفية أم الكمية فلا ينجع، بل ربما أحدث داء آخر، وفيها كلها إثبات الأسباب وإن ذلك لا ينافي التوكل على الله لمن اعتقد أنها بإذن الله وبتقديره وأنها لا تنجع بدوائها، بل بما قدره الله تعالى فيها، وإن الدواء قد ينقلب داء إذا قدر الله تعالى، وإليه الإشارة في حديث جابر بإذن الله فمدار ذلك كله على تقدير الله وإرادته. والتداوي لا ينافي التوكل كما لا ينافيه دفع الجوع والعطش بالأكل والشرب، وكذلك تجنب المهلكات والدعاء لطلب العافية ورفع المضار وغير ذلك، ويدخل في عمومه أيضا الداء القاتل الذي اعترف حذاق الأطباء بأن لا دواء له وبالعجز عن مداواته. ولعل الإشارة في حديث ابن مسعود بقوله وجهله من جهله إلى ذلك، فتكون باقية على عمومها، ويحتمل أن يكون في الخبر حذف تقديره لم ينزل داء يقبل الدواء إلا أنزل له شفاء، والأول أولى، ومما يدخل في قوله (جهله من جهله) ما يقع لبعض المرضى أنه يداوي من داء بدواء فيبرأ ثم يعتريه ذلك الداء بعينه فيتداوى بذلك الدواء بعينه فلا ينجع، والسبب في ذلك الجهل بصفة من صفات الدواء فرب مرضين تشابها ويكون أحدهما مركبا لا ينجع فيه ما ينجع في الذي ليس مركبا فيقع الخطأ من هناك، وقد يكون متحدا لكن يريد الله أن لا ينجع فلا ينجع وهناك تخضع رقاب الأطباء. وقد روي أنه قيل: (يا رسول الله أ رأيت رقى نسترقيها ودواء نتداوى به هل يرد من قضاء الله شيئا، قال: هي من أقدار الله تعالى). و الحاصل أن حصول الشفاء بالدواء إنما هو كدفع الجوع بالأكل والعطش بالشرب فهو ينجع في ذلك في الغالب وقد يتخلف لمانع والله أعلم. واستثناء الموت في بعض الأحاديث واضح ولعل التقدير إلا داء الموت أي المرض الذي قدر على صاحبه الموت، واستثناء الهرم في الرواية الأخرى إما لأنه جعله شبيها بالموت، والجامع بينهما نقص الصحة أو لقربه من الموت وإفضائه إليه، ويحتمل أن يكون الاستثناء منقطعا، والتقدير لكن الهرم لا دواء له)(19). هذا وقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) والأئمة الطاهرون يراجعون الأطباء، لهم أو لغيرهم، فعن معاوية بن حكم قال: إن أبا جعفر(عليه السلام) دعا طبيبا ففصد عرقا من بطن كفه(20). وعن محسن الوشاء قال: شكوت إلى أبي عبد الله (عليه السلام) وجع الكبد فدعى بالفاصد ففصدني من قدمي وقال: (اشربوا الكاشم لوجع الخاصرة)(21). إلى غير ذلك من الروايات. الهوامش: 1- مكارم الأخلاق: ص362. 2- مكارم الأخلاق: ص362. 3- مكارم الأخلاق: ص362. 4- الدعوات: ص180 فصل في التداوي بتربة مولانا وسيدنا أبي عبد الله الحسين(عليه السلام) ح498. 5- بحار الأنوار: ج59 ب71 ب50 ح25. 6- بحار الأنوار: ج59 ص71ـ 72 ب50 ذيل ح25. 7- غرر الحكم ودرر الكلم: ص484 دستورات طبية ح11192. 8- غرر الحكم ودرر الكلم: ص484 دستورات طبية ح11186. 9- غرر الحكم ودرر الكلم: ص483 في الصحة والسلامة ح11164. 10- غرر الحكم ودرر الكلم: ص483 في الصحة والسلامة ح11165. 11- غرر الحكم ودرر الكلم: ص484 دستورات طبية ح11187. 12- غرر الحكم ودرر الكلم: ص484 دستورات طبية ح11189. 13- غرر الحكم ودرر الكلم: ص484 دستورات طبية ح11190. 14- بحار الأنوار: ج59 ص71 ب50 ح25. 15- بحار الأنوار: ج59 ص76 (فائدة). 16- بحار الأنوار: ج59 ص76 (فائدة). 17- بحار الأنوار: ج59 ص76 (فائدة). 18- بحار الأنوار: ج59 ص76 (فائدة). 19- بحار الأنوار: ج59 ص77ـ 78 (فائدة). 20- مكارم الأخلاق: ص76 الفصل الرابع. 21- بحار الأنوار: ج59 ص127 ب54 ح89. |
إعـــــــلان
تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.
المعالجة والمداواة
تقليص
X
-
المعالجة والمداواة
الكلمات الدلالية (Tags): لا يوجد
- اقتباس