أهمُّ مَا جَاءَ في الخِطبَةِ الأولى لوكيلِ المَرجَعيَّةِ الدينيّةِ الشَريفَةِ العُليَا
في النَجفِ الأشرَفِ , الشيخ عبد المَهْدي الكَربَلائي في يَومِ, الجُمْعَةِ ,
الرابعِ والعشرين مِنْ شهرِ شَوّالِ ,1437 هجري,
المُوافقَ , ل, التاسِعِ والعشرين مِنْ , تَموز ,2016م .
في الحَرَمِ الحُسَيني الشَريفِ.
مُتحدِّثَاً فيها وبمناسبةِ ذكرى شَهَادةِ الإمامِ جَعفَر الصادق – عليه السَلامُ-
عن المُرتكزاتِ الأسَاسيّةِ التي أعتمدها الإمامُ في مَهمَّةِ التغييرِ والإصلاحِ الشامِلِ للفردِ والمُجتمعِ نحو الأفضلِ .
فقد اعتَمَدَ – عليه السلامُ- على مُرتكزين رئيسين هما :
المُرتَكَزُ الأوّلُ : الاهتمامُ بالعِلمِ والتّعلّمِ ومُحاربةِ الجّهَلِ .
المُرتكز الثاني : الاهتمامِ بتهذيبِ النفوسِ وإصلاحها .
وقد اعتمدهُمَا مُقترنين مَعَاً .
وفي المُرتكزِ الأولِ , استثمرَ الإمامُ الصَادقُ – عليه السلامُ –
فترةَ نهايةِ الدولةِ الأمويةِ وبدايةَ الدولةِ العباسيّةِ وما جَرَتْ فيها مِنْ تَحوِّلاَتٍ سَمَحَتْ له في بَثِ علومِ آلِ البيت المعصومين– عليهم السلامُ – بين المسلمين .
(وقد رَوَىَ عن الإمامِ الصادقِ ,عليه السلام , الكثيرُ من الفقهاءِ وأصحابُ التصانيفِ والأصولِ ،
يَزيدُ عددهم على أربعةِ آلافٍ ، أدْرَكَ الحَسَن
بن علي الوشاء في عصرٍ واحدٍ , تسعمائة رَجُلٍ منهم في مَسجدِ الكوفةِ ,
كُلٌّ يقولُ : حدثني جعفرُ بن محمد ,عليه السلامُ ،)
: وَسَائِلُ الشيعةِ ,الحُرُّ العَامِلي , ج1 , ص12.
إنَّ توافرَ الظروفِ المُعيّنةِ والتي تَسمَحُ بطلبِ العلِمِ والتعلمِ لا تدعُ لنا عُذراً أمامَ اللهِ تعالى في تركِ ذلكِ ,
بل تجعلنا في مَصَبِ المسؤوليةِ عَنْ أعمالنا وأخطائنا ,وسَنُسَألُ عن ذلك يومَ القيامةِ ,
إذ وَرَدَ في بعضِ الأخبارِ أنَّ العَبدَ يُؤتى به يوم القيامةِ فيقالُ له :
هَلاّ عَمَلتْ ؟ فيقولُ ما عَلمتُ فيقالُ له هَلاّ تَعَلّمتَ ؟
وسيُسأل الإنسانُ فإنْ ثبتَ تقصيره , لا نعلمُ ما الحكمُ ,الذي سَيصدرُ بحقه؟
( عن مسعدة بن زياد قال : سَمعتُ جعفرَ بن محمّد - عليه السّلامُ –
وقد سُئلَ عن قوله تعالى : ( قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ ) فقال :
إنَّ اللَّهَ تعالى يقولُ للعبدِ يومَ القيامةِ : عبدي أكُنتَ عَالِماً ؟ فإنْ قال : نعم ، قال له : أفلا عَمِلتَ بما علِمتَ ؟
وإنْ قال : كُنتُ جاهلًا قال له :
أفلا تعلَّمتَ حتى تَعملَ ؟ فيخصمه فتلك الحُجةُ البالغةُ .)
: الأمالي , المفيد , ص180 ,ط2.
إنَّ الإمامَ الصادقَ – عليه السلامُ – قد نبّه على مَخَاطرَ الجَهلِ على الأمةِ ,
ونحن اليوم لا عُذرَ لنا أمامَ اللهِ تعالى في عَدم ِالتعَلمِ والاهتمام ِبالعِلمِ
لذا علينا أنْ نخصصَ قِسطاً مِنْ وقتنا للتعلمِ والاهتمام ِبالعِلمِ ,
وربما قد تفوتنا الفرصةُ للتعلم ِوالعِمَل ويفوتنا الكثيرُ .
كان الإمامُ الصادقُ – عليه السلامُ – يشجعُ أصحابه وعامةَ الناسِ من المُسلمين على طلب ِالعلمِ والتعلمِ .
قال – عليه السلام –
(العلمُ أصلُ كُلِّ حالٍ سَني ، ومُنتهى كُلِّ مَنزلةٍ رَفيعَةٍ )
و رويَّ عن الإمامِ عليّ - عليه السلامُ - :
( العِلم ُأصلُ كُلّ خيرٍ ، الجَهلُ أصلُ كُلّ شَرٍ )
:العلم والحكمة في الكتاب والسنة , محمد الريشهري ,ص42.
حتى أنه – عليه السلامُ – كانَ يَستعملُ خِطاباً شَديداً مع أصحابه في حَثّهم على طلبِ العلمِ واكتسابِ المعرفة
ِو التفقه في الدينِ والتعلمِ والعَمَلِ .
فرويَّ عنه :
( لَوَدَدَتْ أنّ أصحابي ضُرِبَتْ رؤوسُهم بالسياطِ حتى يتفقوا )
:المَحاسن , البرقي ,ج1,ص10.
( سارعوا في طلبِ العِلم ِفو الذي نفسي بيده لحديثٍ واحدٍ في حلالٍ وحرامٍ , تأخذه عن صادقٍ خيرٌ من الدنيا
وما حَملتْ مِنْ ذهبٍ وفضةٍ )
: المَحاسن ,البرقي ,ج1,ص356.
لقد أكدَّ الإمامُ الصادقُ – عليه السلام ُ– لأصحابه وطلابه على ضرورةِ التدوينِ والتأليفِ والتصنيفِ والكتابةِ والنشر
ِ, حِفظاً للعلومِ مِنْ الضياعِ وأُنسَاً بها للرجوعِ إليها وقتَ الحاجةِ والبحثِ .
(عن المُفضّل بن عمر ، قال : قال لي أبو عبد الله ,عليه السلامُ :
اكتبُ وبثَّ علِمَكَ في إخوانك ، فإنْ مُتّ فأورثْ كُتبكَ بنيكَ ،
فإنه يأتي على الناسِ زمانُ هرجٍ لا يأنسون فيه إلاّ بكتبهم)
: الكافي , الكليني ,ج1 ,ص52.
وثَمَّةَ مَقولةٍ وظَاهرةٍ قد أكّدَها – عليه السلامُ – في حراكِ وطلبِ
العِلمِ والمعرفةِ ,
وهي اقرانُ العِلمِ بالأدبِ والأخلاقِ والعملِ فعلاً وسلوكاً ومَنهَجَا .
إذ روي (عن أمير المؤمنين - عليه السلامُ - : يا مؤمنُ إنّ هذا العِلمَ والأدبَ ثَمَنُ نفسك فاجتهدْ في تعلمها
، فما يزيدُ مِنْ علمكَ وأدبكَ ، يَزيدُ في ثَمنكَ وقدركَ ، فإنّ بالعلمِ تهتدي إلى ربّكَ ، وبالأدبِ تَحسنُ خدمةِ ربّكَ ، وبأدبِ الخدمةِ يَستوجبُ العبدُ ولايته وقربه فاقبلْ النصيحةَ كي تنجو من العذابِ)
:روضة الواعظين , الفتال النيسابوري ,ص11.
وما يَلفتُ النظرُ والتأملُ أنّ الإمام َجعفرَ الصادق – عليه السلامُ –
قد نَهَجَ طريقاً جديداً في طلب العلمِ والمعرفة بحيث حَثَّ على التنوعِ والمُعاصَرةِ والانفتاحِ على علومِ الوقتِ آنذاكِ من الطبِ والكيمياءِ والطبيعياتِ , فضلا عن علومِ الفلسفةِ والكلامِ والفقهِ وغيرها .
وقد بَرَعَ بعضُ أصحابه في هذه العلومِ تَخصصاً وتأسيساً .
وأما في المرتكز الثاني : وهو تهذيبُ النفوسِ وإصلاحها حالَ طلبِ الِعِلمِ أو العملِ .
فقد حَثّ وأوصى – عليه السلامُ – أصحابه وشيعته بضرورةِ اكتسابِ الأخلاقِ الحَسَنةِ والفضيلةِ وقرنها سلوكاً بطلبِ العِلم ِوالعملِ به خالصاً .
ذلك لأنّ الإنسانَ الذي يُحسّنُ مِنْ خُلقه لا ينعكسُ حُسنه على نفسهِ فحسبُ , بل ينعكسُ ذلك على مَذهبه ومعتقده ودينه وكيانه الفكري والاجتماعي ومجتمعه.
وبعكسِ ذلك وخلافه فإذا ما َساءَ خُلقه وسلوكه فإنّه سيجلبُ السوءَ
على نفسه ودينه ومُقدساته ومَقامه الفكري والاجتماعي .
لذلك وردَ عن الإمامِ جعفرِ الصادق – عليه السلام ُ– التحذيرَ والتشديدَ
في ذلك .
(فإنّ الرجُلَ منكم إذا ورعَ في دينه وصدقَ الحديثَ وأدى الأمانةَ وحُسنَ خُلقه مع الناسِ قِيلَ :
هذا جعفريٌّ فيسرني ذلك ويدخلُ عليّ منه السرورُ وقيل : هذا أدبُ جعفرٍ وإذا كان على غير ذلك دَخَلَ عليَّ بلاؤه وعاره وقيل : هذا أدبُ جعفرٍ )
: الكافي , الكليني ,ج2,ص636.
ومن مناهجه – عليه السلام – في المرتكز الثاني – تهذيبِ النفسِ وإصلاحها – هو اعتمادُ منهجِ التسليمِ للحقِّ
ولو على النفسِ .
حال الحوارِ والجدالِ والبحثِ , وأنْ لا ينقادُ الإنسانُ المؤمنُ للهوى والخوفِ على منزلته الاجتماعيةِ .
روي عنه ؛ أنّه (قال أتدرون ما التسليمُ فسكتنا فقالَ هو واللهٍ الاخباتُ
في قول الله :
((إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ))(23), هود.)
: بصائرُ الدرجاتِ , محمد بن الحسن الصفار,ص545.
ومِنْ مناهجه – عليه السلامُ – في تهذيبِ النفسِ وإصلاحها
هو عدمُ التسرعِ وتركُ العجلةِ , والتأني والتفكرُ والتروي مَليّا .
ذلك لخطورةِ الاستعجالِ خياراً وأثرا وربما يتخذُ الإنسانُ موقفاً على عجلةٍ بحيث يَحكمُ على شخصٍ ما
, أو يُقيّمُ دون تروي منه حتى يقع في المهلكة جتماعياً .
( عن أبان بن تغلب قال : سمعتُ أبا عبد الله , الصادق - عليه السلامُ -
يقول : مع التثبتِ تكونُ السلامةُ ، ومع العجلةِ تكونُ الندامةُ ،
ومن ابتدأ بعملٍ في غيرِ وقته كان بلوغه في غيرِ حينه )
: الخصال, الصدوق ,ص100.
إنَّ تهذيبَ النفسِ وإصلاحها يتوقفُ واقعاً على إجراءاتٍ عمليةٍ وتربويةٍ تَمسُ الإنسانَ نفسه تطبيقاً ومَنهَجاً
, ومِنْ أمهاتِ هذه التطبيقاتِ التهذيبيةِ التي أكدها الإمامُ جعفرُ الصادقُ – عليه السلامُ – هي حفظُ اللسانِ –
فأغلبُ هلاكِ الناسِ مِنْ كثرةِ الثرثرةِ وكثرة ِالكلامِ الفضولِ وعدمِ خزنِ اللسانِ عن الاسترسالِ .
فروي عنه – عليه السلامُ -
(إنْ كان الشؤمُ في شيءٍ فهو في اللسانِ ، فاخزنوا ألسنتكم كما تخزنون أموالكم ، واحذروا أهواءكم كما تحذرون أعداءكم ، فليس شيءٌ أقتلَ للرجالِ من اتّباعِ أهوائهم وحصائدَ ألسنتهم )
: الاختصاص , المفيد ,ص249.
وعلينا أنْ نتريثَ قليلاً في كلامنا ونتروى , ويلزمنا الصدقُ والتسليمُ
في انتمائنا لأهلّ البيتِ – عليهم السلامُ – منهجاً وسلوكاً ,و لنحذرَ الكذبَ والنفاقَ .
فوردَ عنه – عليه السلام -
(إن أبغضكم إليَّ المترأسون المشاؤون بالنمائمَ , الحسدةُ لإخوانهم,
ليسوا مني ولا أنا منهم إنّما أوليائي الذين سَلّموا لأمرنا واتبعوا آثارنا واقتدوا بنا في كُلّ أمورنا)
: جامع أحاديث الشيعة, السيد البروجردي ,ج14 , ص539.
وقد أوصى – عليه السلام ُ – بالمودةِ فيما بين شيعته ومحبيه ومواليه وأرشدهم للتسامحِ وتجنبِ القسوةِ والقطيعةِ
في حَلّ نزاعاتهم الاجتماعية.
(في وصية المفضل : سمعتُ أبا عبد الله - عليه السلامُ - يقولُ :
لا يفترقُ رجلان على الهجرانِ إلاّ استوجبَ أحدهما البراءةَ واللعنةَ
وربما استحقَ ذلك كلاهما ، فقال له مُعتبٌ : جعلني الله فداك هذا الظالمُ فما بَالَ المظلومُ ؟
قال : لأنه لا يدعو أخاه إلى صلته ولا يتغامس له عن كلامه ،
سمعتُ أبي يقولُ , إذا تنازعَ اثنان فعَازَ أحدهما الآخرَ,
فليرجع المظلومُ إلى صاحبه حتى يقولَ لصاحبه :
أي أخي أنا الظالمُ ، حتى يقطعَ الهجران بينه وبين صاحبه ،
فإن الله تبارك وتعالى حَكمٌ عَدلٌ يأخذُ للمظلومِ مِنْ الظالمِ . )
: الكافي , الكليني ,ج2 , ص344.
______________________________________________
تَدوينُ وتضمينُ وتخريجُ – مرتضى علي الحلي – النَجَفُ الأشرَفُ .
______________________________________________
الجُمعةُ – الرابعُ والعشرون مِنْ شَهْرِ شَوّال - 1437 هجري .
التاسِعُ والعشرون مِنْ تَموز - 2016 م .
___________________________________________
في النَجفِ الأشرَفِ , الشيخ عبد المَهْدي الكَربَلائي في يَومِ, الجُمْعَةِ ,
الرابعِ والعشرين مِنْ شهرِ شَوّالِ ,1437 هجري,
المُوافقَ , ل, التاسِعِ والعشرين مِنْ , تَموز ,2016م .
في الحَرَمِ الحُسَيني الشَريفِ.
مُتحدِّثَاً فيها وبمناسبةِ ذكرى شَهَادةِ الإمامِ جَعفَر الصادق – عليه السَلامُ-
عن المُرتكزاتِ الأسَاسيّةِ التي أعتمدها الإمامُ في مَهمَّةِ التغييرِ والإصلاحِ الشامِلِ للفردِ والمُجتمعِ نحو الأفضلِ .
فقد اعتَمَدَ – عليه السلامُ- على مُرتكزين رئيسين هما :
المُرتَكَزُ الأوّلُ : الاهتمامُ بالعِلمِ والتّعلّمِ ومُحاربةِ الجّهَلِ .
المُرتكز الثاني : الاهتمامِ بتهذيبِ النفوسِ وإصلاحها .
وقد اعتمدهُمَا مُقترنين مَعَاً .
وفي المُرتكزِ الأولِ , استثمرَ الإمامُ الصَادقُ – عليه السلامُ –
فترةَ نهايةِ الدولةِ الأمويةِ وبدايةَ الدولةِ العباسيّةِ وما جَرَتْ فيها مِنْ تَحوِّلاَتٍ سَمَحَتْ له في بَثِ علومِ آلِ البيت المعصومين– عليهم السلامُ – بين المسلمين .
(وقد رَوَىَ عن الإمامِ الصادقِ ,عليه السلام , الكثيرُ من الفقهاءِ وأصحابُ التصانيفِ والأصولِ ،
يَزيدُ عددهم على أربعةِ آلافٍ ، أدْرَكَ الحَسَن
بن علي الوشاء في عصرٍ واحدٍ , تسعمائة رَجُلٍ منهم في مَسجدِ الكوفةِ ,
كُلٌّ يقولُ : حدثني جعفرُ بن محمد ,عليه السلامُ ،)
: وَسَائِلُ الشيعةِ ,الحُرُّ العَامِلي , ج1 , ص12.
إنَّ توافرَ الظروفِ المُعيّنةِ والتي تَسمَحُ بطلبِ العلِمِ والتعلمِ لا تدعُ لنا عُذراً أمامَ اللهِ تعالى في تركِ ذلكِ ,
بل تجعلنا في مَصَبِ المسؤوليةِ عَنْ أعمالنا وأخطائنا ,وسَنُسَألُ عن ذلك يومَ القيامةِ ,
إذ وَرَدَ في بعضِ الأخبارِ أنَّ العَبدَ يُؤتى به يوم القيامةِ فيقالُ له :
هَلاّ عَمَلتْ ؟ فيقولُ ما عَلمتُ فيقالُ له هَلاّ تَعَلّمتَ ؟
وسيُسأل الإنسانُ فإنْ ثبتَ تقصيره , لا نعلمُ ما الحكمُ ,الذي سَيصدرُ بحقه؟
( عن مسعدة بن زياد قال : سَمعتُ جعفرَ بن محمّد - عليه السّلامُ –
وقد سُئلَ عن قوله تعالى : ( قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ ) فقال :
إنَّ اللَّهَ تعالى يقولُ للعبدِ يومَ القيامةِ : عبدي أكُنتَ عَالِماً ؟ فإنْ قال : نعم ، قال له : أفلا عَمِلتَ بما علِمتَ ؟
وإنْ قال : كُنتُ جاهلًا قال له :
أفلا تعلَّمتَ حتى تَعملَ ؟ فيخصمه فتلك الحُجةُ البالغةُ .)
: الأمالي , المفيد , ص180 ,ط2.
إنَّ الإمامَ الصادقَ – عليه السلامُ – قد نبّه على مَخَاطرَ الجَهلِ على الأمةِ ,
ونحن اليوم لا عُذرَ لنا أمامَ اللهِ تعالى في عَدم ِالتعَلمِ والاهتمام ِبالعِلمِ
لذا علينا أنْ نخصصَ قِسطاً مِنْ وقتنا للتعلمِ والاهتمام ِبالعِلمِ ,
وربما قد تفوتنا الفرصةُ للتعلم ِوالعِمَل ويفوتنا الكثيرُ .
كان الإمامُ الصادقُ – عليه السلامُ – يشجعُ أصحابه وعامةَ الناسِ من المُسلمين على طلب ِالعلمِ والتعلمِ .
قال – عليه السلام –
(العلمُ أصلُ كُلِّ حالٍ سَني ، ومُنتهى كُلِّ مَنزلةٍ رَفيعَةٍ )
و رويَّ عن الإمامِ عليّ - عليه السلامُ - :
( العِلم ُأصلُ كُلّ خيرٍ ، الجَهلُ أصلُ كُلّ شَرٍ )
:العلم والحكمة في الكتاب والسنة , محمد الريشهري ,ص42.
حتى أنه – عليه السلامُ – كانَ يَستعملُ خِطاباً شَديداً مع أصحابه في حَثّهم على طلبِ العلمِ واكتسابِ المعرفة
ِو التفقه في الدينِ والتعلمِ والعَمَلِ .
فرويَّ عنه :
( لَوَدَدَتْ أنّ أصحابي ضُرِبَتْ رؤوسُهم بالسياطِ حتى يتفقوا )
:المَحاسن , البرقي ,ج1,ص10.
( سارعوا في طلبِ العِلم ِفو الذي نفسي بيده لحديثٍ واحدٍ في حلالٍ وحرامٍ , تأخذه عن صادقٍ خيرٌ من الدنيا
وما حَملتْ مِنْ ذهبٍ وفضةٍ )
: المَحاسن ,البرقي ,ج1,ص356.
لقد أكدَّ الإمامُ الصادقُ – عليه السلام ُ– لأصحابه وطلابه على ضرورةِ التدوينِ والتأليفِ والتصنيفِ والكتابةِ والنشر
ِ, حِفظاً للعلومِ مِنْ الضياعِ وأُنسَاً بها للرجوعِ إليها وقتَ الحاجةِ والبحثِ .
(عن المُفضّل بن عمر ، قال : قال لي أبو عبد الله ,عليه السلامُ :
اكتبُ وبثَّ علِمَكَ في إخوانك ، فإنْ مُتّ فأورثْ كُتبكَ بنيكَ ،
فإنه يأتي على الناسِ زمانُ هرجٍ لا يأنسون فيه إلاّ بكتبهم)
: الكافي , الكليني ,ج1 ,ص52.
وثَمَّةَ مَقولةٍ وظَاهرةٍ قد أكّدَها – عليه السلامُ – في حراكِ وطلبِ
العِلمِ والمعرفةِ ,
وهي اقرانُ العِلمِ بالأدبِ والأخلاقِ والعملِ فعلاً وسلوكاً ومَنهَجَا .
إذ روي (عن أمير المؤمنين - عليه السلامُ - : يا مؤمنُ إنّ هذا العِلمَ والأدبَ ثَمَنُ نفسك فاجتهدْ في تعلمها
، فما يزيدُ مِنْ علمكَ وأدبكَ ، يَزيدُ في ثَمنكَ وقدركَ ، فإنّ بالعلمِ تهتدي إلى ربّكَ ، وبالأدبِ تَحسنُ خدمةِ ربّكَ ، وبأدبِ الخدمةِ يَستوجبُ العبدُ ولايته وقربه فاقبلْ النصيحةَ كي تنجو من العذابِ)
:روضة الواعظين , الفتال النيسابوري ,ص11.
وما يَلفتُ النظرُ والتأملُ أنّ الإمام َجعفرَ الصادق – عليه السلامُ –
قد نَهَجَ طريقاً جديداً في طلب العلمِ والمعرفة بحيث حَثَّ على التنوعِ والمُعاصَرةِ والانفتاحِ على علومِ الوقتِ آنذاكِ من الطبِ والكيمياءِ والطبيعياتِ , فضلا عن علومِ الفلسفةِ والكلامِ والفقهِ وغيرها .
وقد بَرَعَ بعضُ أصحابه في هذه العلومِ تَخصصاً وتأسيساً .
وأما في المرتكز الثاني : وهو تهذيبُ النفوسِ وإصلاحها حالَ طلبِ الِعِلمِ أو العملِ .
فقد حَثّ وأوصى – عليه السلامُ – أصحابه وشيعته بضرورةِ اكتسابِ الأخلاقِ الحَسَنةِ والفضيلةِ وقرنها سلوكاً بطلبِ العِلم ِوالعملِ به خالصاً .
ذلك لأنّ الإنسانَ الذي يُحسّنُ مِنْ خُلقه لا ينعكسُ حُسنه على نفسهِ فحسبُ , بل ينعكسُ ذلك على مَذهبه ومعتقده ودينه وكيانه الفكري والاجتماعي ومجتمعه.
وبعكسِ ذلك وخلافه فإذا ما َساءَ خُلقه وسلوكه فإنّه سيجلبُ السوءَ
على نفسه ودينه ومُقدساته ومَقامه الفكري والاجتماعي .
لذلك وردَ عن الإمامِ جعفرِ الصادق – عليه السلام ُ– التحذيرَ والتشديدَ
في ذلك .
(فإنّ الرجُلَ منكم إذا ورعَ في دينه وصدقَ الحديثَ وأدى الأمانةَ وحُسنَ خُلقه مع الناسِ قِيلَ :
هذا جعفريٌّ فيسرني ذلك ويدخلُ عليّ منه السرورُ وقيل : هذا أدبُ جعفرٍ وإذا كان على غير ذلك دَخَلَ عليَّ بلاؤه وعاره وقيل : هذا أدبُ جعفرٍ )
: الكافي , الكليني ,ج2,ص636.
ومن مناهجه – عليه السلام – في المرتكز الثاني – تهذيبِ النفسِ وإصلاحها – هو اعتمادُ منهجِ التسليمِ للحقِّ
ولو على النفسِ .
حال الحوارِ والجدالِ والبحثِ , وأنْ لا ينقادُ الإنسانُ المؤمنُ للهوى والخوفِ على منزلته الاجتماعيةِ .
روي عنه ؛ أنّه (قال أتدرون ما التسليمُ فسكتنا فقالَ هو واللهٍ الاخباتُ
في قول الله :
((إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ))(23), هود.)
: بصائرُ الدرجاتِ , محمد بن الحسن الصفار,ص545.
ومِنْ مناهجه – عليه السلامُ – في تهذيبِ النفسِ وإصلاحها
هو عدمُ التسرعِ وتركُ العجلةِ , والتأني والتفكرُ والتروي مَليّا .
ذلك لخطورةِ الاستعجالِ خياراً وأثرا وربما يتخذُ الإنسانُ موقفاً على عجلةٍ بحيث يَحكمُ على شخصٍ ما
, أو يُقيّمُ دون تروي منه حتى يقع في المهلكة جتماعياً .
( عن أبان بن تغلب قال : سمعتُ أبا عبد الله , الصادق - عليه السلامُ -
يقول : مع التثبتِ تكونُ السلامةُ ، ومع العجلةِ تكونُ الندامةُ ،
ومن ابتدأ بعملٍ في غيرِ وقته كان بلوغه في غيرِ حينه )
: الخصال, الصدوق ,ص100.
إنَّ تهذيبَ النفسِ وإصلاحها يتوقفُ واقعاً على إجراءاتٍ عمليةٍ وتربويةٍ تَمسُ الإنسانَ نفسه تطبيقاً ومَنهَجاً
, ومِنْ أمهاتِ هذه التطبيقاتِ التهذيبيةِ التي أكدها الإمامُ جعفرُ الصادقُ – عليه السلامُ – هي حفظُ اللسانِ –
فأغلبُ هلاكِ الناسِ مِنْ كثرةِ الثرثرةِ وكثرة ِالكلامِ الفضولِ وعدمِ خزنِ اللسانِ عن الاسترسالِ .
فروي عنه – عليه السلامُ -
(إنْ كان الشؤمُ في شيءٍ فهو في اللسانِ ، فاخزنوا ألسنتكم كما تخزنون أموالكم ، واحذروا أهواءكم كما تحذرون أعداءكم ، فليس شيءٌ أقتلَ للرجالِ من اتّباعِ أهوائهم وحصائدَ ألسنتهم )
: الاختصاص , المفيد ,ص249.
وعلينا أنْ نتريثَ قليلاً في كلامنا ونتروى , ويلزمنا الصدقُ والتسليمُ
في انتمائنا لأهلّ البيتِ – عليهم السلامُ – منهجاً وسلوكاً ,و لنحذرَ الكذبَ والنفاقَ .
فوردَ عنه – عليه السلام -
(إن أبغضكم إليَّ المترأسون المشاؤون بالنمائمَ , الحسدةُ لإخوانهم,
ليسوا مني ولا أنا منهم إنّما أوليائي الذين سَلّموا لأمرنا واتبعوا آثارنا واقتدوا بنا في كُلّ أمورنا)
: جامع أحاديث الشيعة, السيد البروجردي ,ج14 , ص539.
وقد أوصى – عليه السلام ُ – بالمودةِ فيما بين شيعته ومحبيه ومواليه وأرشدهم للتسامحِ وتجنبِ القسوةِ والقطيعةِ
في حَلّ نزاعاتهم الاجتماعية.
(في وصية المفضل : سمعتُ أبا عبد الله - عليه السلامُ - يقولُ :
لا يفترقُ رجلان على الهجرانِ إلاّ استوجبَ أحدهما البراءةَ واللعنةَ
وربما استحقَ ذلك كلاهما ، فقال له مُعتبٌ : جعلني الله فداك هذا الظالمُ فما بَالَ المظلومُ ؟
قال : لأنه لا يدعو أخاه إلى صلته ولا يتغامس له عن كلامه ،
سمعتُ أبي يقولُ , إذا تنازعَ اثنان فعَازَ أحدهما الآخرَ,
فليرجع المظلومُ إلى صاحبه حتى يقولَ لصاحبه :
أي أخي أنا الظالمُ ، حتى يقطعَ الهجران بينه وبين صاحبه ،
فإن الله تبارك وتعالى حَكمٌ عَدلٌ يأخذُ للمظلومِ مِنْ الظالمِ . )
: الكافي , الكليني ,ج2 , ص344.
______________________________________________
تَدوينُ وتضمينُ وتخريجُ – مرتضى علي الحلي – النَجَفُ الأشرَفُ .
______________________________________________
الجُمعةُ – الرابعُ والعشرون مِنْ شَهْرِ شَوّال - 1437 هجري .
التاسِعُ والعشرون مِنْ تَموز - 2016 م .
___________________________________________
تعليق