بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
إِنْ أَرَدْتَ النَّجَاةَ يَوْمَ الْمَعَادِ جُدْ بِدَمْعٍ عَلَىْ الْإِمَامِ الْجَوَادِ
لَسْتُ أَنْسَاهُ حِيْنَ أَشْخَصَهُ المَأْ مُوْنُ مِنْ يَثْرِبٍ إِلَىْ بَغْدَادِ
قَدْ قَضَىْ فِيْ بَغْدَادَ وَهُوَ غَرِيْبٌ بِفُؤَادٍ مِنْ شُعْلَةَ السُّمِّ صَادِ
وَالَّتِيْ قَدَّمَتْ لَهُ السُّمَّ أُمُّ الْـ ـفَضْلِ بُغْضاً مِنْهَا لِأُمِّ الْهَادِيْ
تَرَكُوْا نَعْشَهُ بِقَنْطَرَةِ الْبُرْ دَانِ مُلْقىً آلُ الشَّقَا وَالْعِنَادِ
فَاسْتَمَاتَتْ أَشْيَاعُهُ نَحْوَ حَمْلِ الـ ـنَّعْشِ كَيْ لَا يَبْقَىْ رَهِيْنَ الْوِهَادِ
وَسَرَىْ فِيْهِمُ الْحَمَاسُ إِلَىْ أَنْ حَمَلُوْهُ رَفْعاً عَلَىْ الْأَجْيَادِ
مَا بَقَى مِثْلَ جَدِّهِ السِّبْطِ عَارِيْ الْـ ـجِسْمِ تَعْدُوْ عَلَىْ قِرَاهُ الْعَوَادِيْ
تَرَكُوْا جِسْمَهُ ثَلَاثاً وَعَلَّوْا رَأْسَهُ فِيْ رُؤُوْسِ سُمْرِ الصِّعَادِ
وَسَرَوْا فِيْ نِسَائِهِ حَاسِرَاتٍ يَا لَقَوْمِيْ بَيْنَ الرِّجَالِ بَوَادِ
وَتَرَاهَا يَا خِيْرَةَ اللهِ فِيْ السَّبْـ ـيِ وَسَتْرِ الْوُجُوْهِ مِنْهَا الْأَيَادِي1
شعبي:
مات الجواد اليوم مسموم
عقب الهظيمة او كل الهموم
والهادي يبكي ابقلب مالوم
وايصيح بويه اهنا يمحروم
شنهو السبب سمتك هالقوم
والشيعة تبكي دمه ابهليوم
لجل الجواد الراح مظلوم
أبوذيّة:
روحي لحزن أبو الهادي بهداي
أظل ألطم على امصابه بهيداي
يا شيَّال النعش إمشي بهيداي
سره ابجسمه العطش والسم سويّه
"السلام على الباب الأقصد، والطريق الأرشد، والعالم المؤيَّد، ينبوع الحِكَم، ومصباح الظُّلَم، سيّد العرب والعجم، الهادي إلى الرشاد، الموفَّق بالتأييد والسَّداد، مولاي أبي جعفر محمّد بن عليّ الجواد، أشهد يا وليّ الله أنّك أقمت الصلاة، وآتيت الزكاة، وأمرت بالمعروف، ونهيت عن المنكر، وجاهدت في سبيل الله حقّ جهاده، وعبدت الله مخلصاً حتّى أتاك اليقين، فعشت سعيداً ومضيت شهيداً، يا ليتني كنت معكم فأفوزَ فوزاً عظيماً، ورحمة الله وبركاته".
عن أبي يحيى الصنعانيّ، قال: كنت عند أبي الحسن عليه السلام ، فجيء بابنه أبي جعفر عليه السلام ، وهو صغير، فقال: هذا المولود الذي لم يولد مولود أعظم على شيعتنا بركة منه.
وفي رواية أخرى أنّه لمّا وُلد أبو جعفر عليه السلام ، قال الرضا عليه السلام لأصحابه: قد وُلد لي شبيه موسى بن عمران فالق البحار، وشبيه عيسى بن مريم، قُدِّست أُمٌّ ولدته قد خُلِقت طاهرة مطهّرة. وكان طول ليلته يناغيه في مهده.
ويُروى أنّه قال لبَنَان بن نافع: يا بن نافع! سلِّم، وأذعن له بالطاعة، فروحه روحي، وروحي روح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسلّم..
لقد ابتُلي هذا الإمام العظيم بابتلاءات عديدة:
منها: اليتم, فقد فارقه الإمام الرضا عليه السلام وهو صغير حينما أشخصه المأمون إلى خراسان, وقد آلم هذا الموقف قلب إمامنا
الجواد عليه السلام فكان يبكي لفراق أبيه..
ومنها: الغربة حيث أُخرج من مدينة جدّه صلى الله عليه وآله وسلم وأُبعد عنها, فقد ودّع الإمام أهله وولده وترك حرم جدّه صلى الله عليه وآله وسلم , وذهب إلى بغداد بقلبٍ حزين. ويُروى أنّه لمّا خرج من المدينة في المرّة الأخيرة، قال: "ما أطيبك، يا طيبة! فلست بعائد إليك".
ومنها: السجن, إذ سجنه المعتصم، ولم يأذن لأحد بالدخول عليه.
ومنها: السمّ, فقد كان المعتصم يتربّص بالإمام ويعمل الحيلة في الفتك به، إلى أن سنحت له الفرصة فدسّ إليه السمّ, وقد اختلفت الرواية في كيفيّة سمّه له:
فمن قائل: أمر فلاناً (من كتّاب وزرائه) بأن يدعو الإمام إلى منزل الوزير، فدعاه، فأبى أن يجيبه، وقال: "قد علمت أنّي لا أحضر مجالسكم"، فقال: إنّي إنّما أدعوك إلى الطعام، وأحبّ أن تطأ ثيابي، وتدخل منزلي فأتبرّك بذلك، فقد أحبّ فلان بن فلان (من وزراء المعتصم) لقاءك. فصار إليه، فلمّا طَعِمَ منه أحسّ بالسمّ، فدعا بدابّته، فسأله ربّ المنزل أن يقيم، قال: "خروجي من دارك خير لك". فلم يزل يومه ذلك وليله في خِلفَةٍ2 يتقيّأ ذلك السمّ ويعاني آلامه في بطنه, حتّى قُبض عليه السلام.
وقائل: إنّه أنفذ إليه شراب حماض الأترج- شبيه بالليموناضة- وأصرّ على ذلك، فشربها عليه السلام عالماً بفعلهم.
وقال آخرون: إنّ التي سمّته زوجته أمّ الفضل بنت المأمون لمّا قدمت معه من المدينة إلى المعتصم:
فلمّا انصرف أبو جعفر الجواد عليه السلام إلى العراق لم يزل المعتصم وجعفر بن المأمون يدبِّرانِ ويعملانِ الحيلة في قتله، فقال جعفر لأخته أمّ الفضل- وكانت لأمّه وأبيه- في ذلك, لأنّه وقف على انحرافها عنه وغيرتها عليه لتفضيله أمّ أبي الحسن ابنه عليها مع شدّة محبّتها له، ولأنّها لم تُرزق منه بولد، فأجابت أخاها جعفراً، فرُوي أنّها وضعت السمّ في منديل وأعطته إيّاه فمسح به, ورُوي أنّهم جعلوا سمّاً في شيء من عنب رازقيّ وكان يعجبه العنب الرازقيّ، وقدّمته له، فلمّا أكل منه ندمت وجعلت تبكي. فقال لها: "ما بكاؤك؟ والله ليضربنّك الله بفقر لا ينجبر، وبلاء لا ينستر"، فبُليت بعلّة في أغمض المواضع من جوارحها، صارت ناصوراً3 ينتقض في كلّ وقت فأنفقت مالها وجميع ملكها على تلك العلّة حتّى احتاجت إلى رِفْد الناس. وتردّى جعفر في بئر فأخرج ميتاً وكان سكرانَ.
ورُوي عن الإمام الرضا عليه السلام ، أنّه قال في حقّ ولده الإمام الجواد عليه السلام: يُقتل غصباً فيبكي له وعليه أهل السماء، ويغضب الله على عدوّه وظالمه فلا يلبث إلّا يسيراً حتّى يعجّل الله به إلى عذابه الأليم وعقابه الشديد..
وعلى أيّ حال فقد جرى السمّ في بدن الإمام عليه السلام ، وبقي يتقلّب في فراشه, يعاني حرارة السمّ في يومه وليلته, يتقيّأ ذلك السمّ ويشكو آلام بطنه, حتّى دنا أجله..
يقول الحجّة الشيخ محمّد حسين الإصفهانيّ، قدّس سرّه، في أرجوزته الشهيرة:
هُوَ الْجَوَادُ لَا جَوَادَ غَيْرُهُ لَا خَيْرَ فِيْ الْجَوَادِ إِلَّا خَيْرُهُ
جَادَ بِنَفْسِهِ سَمِيْماً ظَامِيَا نَالَ مِنَ الْجُوْدِ مَقَاماً سَامِيَا
وَالْعُرْوَةُ الْوُثْقَىْ الَّتِيْ لَا تَنْفَصِمُ تَقَطَّعَتْ ظُلْماً بِسُمِّ الْمُعْتَصِمِ
قَضَىْ شَهِيْداً وَهْوَ فِيْ شَبَابِهِ دُسَّ إِلَيْهِ السُّمَّ فِيْ شَرَابِهِ
وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ بِالْبُكَاءِ عَلَىْ عِمَادِ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ
قَضَىْ بَعِيْدَ الدَّارِ عَنْ بِلَادِهِ وَعَنْ عِيَالِهِ وَعَنْ أَوْلَادِهِ
تَعْساً وَبُؤْساً لِابْنَةِ الْمَأْمُوْنِ مِنْ غَدْرِهَا لِحِقْدِهَا الْمَكْنُوْنِ!
وَيْلٌ لَهَا مِمَّا جَنَتْ يَدَاهَا وَفِيْ شَقَاهَا تَبِعَتْ أَبَاهَا
ورُوي عنه عليه السلام ، أنّه قال في العشيّة التي توفّي فيها: "إنّي ميّت الليلة"، ثمّ قال: "نحن معشر إذا لم يرض الله لأحدنا الدنيا نَقَلَنا إليه".
ويقال إنّ الإمام لمّا تناول السمّ تقطّعت أمعاؤه وأخذ يتقلّب على الأرض يميناً وشمالاً من شدّة الألم، ويجود بنفسه والتهب قلبه عطشاً- فقد كان الوقت شديد الحرّ والسمّ يغلي في جوف الإنسان- فطلب جرعة من الماء، والتفت إلى تلك اللعينة قائلاً: ويلك إذا قتلتِني فاسقيني شربة من الماء, فكان جوابها له أن أغلقت الباب
ثمّ خرجت من الدار, فبقي الإمام يوماً وليلة يعالج ألم السمّ.. ولا يجد أحداً يسقيه شربة من الماء..
ماحّد حضر عنده يا زهرة من الاحباب
وحده يلوج ابحجرته مغلوقة الباب
والجسم متورم من السم والقلب ذاب
ماحّد حضر عنده اوسقاه قطرة اميّه
ولمّا بلغت روحه التراقي صعد سطح الدار, ورمق السماء بطرفه, وتشهّد الشهادتين, وغمّض عينيه، وأسبل يديه ورجليه، وعرق جبينه، وسكن أنينه، وفارقت روحه الدنيا..
وا إماماه.. وا سيّداه.. واجواداه.. وا غريباه.. وا مظلوماه.. وا مسموماه..
قالوا: وبقي جسد الإمام ثلاثة أيّام على سطح الدار..
ظل ثلت تيام مرمي ولا
قرابة الحضر عنده
ايغسله اوجسمه يشيله
وبيده ايواريه ابلحده
بالشمس مطروح جسمه
مثل ابو السجاد جده
ولمّا علم الشيعة بقتله، قامت الواعية في داره، وعلا الضجيج والبكاء والعويل وصاروا ينادون: وا إماماه، وا سيّداه، وا محمّداه،
وا كفيل اليتامى والمساكين..
ثمّ جاء الإمام الهادي من حيث يخفى على الناس أمره فغسّل أباه وكفّنه وصلّى عليه. ويقال إنّه رثاه قائلاً: وا أبتاه، آه، وا وحدتاه، وا قلّة ناصراه، وا انقطاع ظهراه, ليتني كنت لك الفداء, يا أبتاه من بعدك وا وحشتاه, فراقك قد أعمى عيني، وهيّج حزني، وقطّع نياط قلبي, يا أبتاه اقرأ آباءك عنّي السلام, وأخبرهم بما نحن فيه من الهوان..
ثمّ حملوا الإمام وشيّعوه ودفنوه عند جدّه الإمام الكاظم عليه السلام..
أيّها الموالي: رغم عظم تلك المصيبة على إمامنا الجواد عليه السلام , لكن بقي جسده سالماً, رأسه على جسده, لم يرفع على رأس الرمح, لم تطأ جسده الخيل بحوافرها.. وقد غُسِّل وشُيِّع ودُفن بعد ذلك..
لكن أسفي على غريب كربلاء..أسفي عليك أبا عبد الله..
لَهَفِيْ عَلَىْ الصَّدْرِ الْمُعَظَّمِ يَشْتَكِيْ مِنْ بَعْدِ رَشْقِ النَّبْلِ، رَضَّ جِيَادِ
لَهَفِيْ لِرَأْسِكَ وَهْوَ يُرْفَعُ مُشْرِقاً كَالْبَدْرِ فَوْقَ الذَّابِلِ الْمَيَّادِ
* * *
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
إِنْ أَرَدْتَ النَّجَاةَ يَوْمَ الْمَعَادِ جُدْ بِدَمْعٍ عَلَىْ الْإِمَامِ الْجَوَادِ
لَسْتُ أَنْسَاهُ حِيْنَ أَشْخَصَهُ المَأْ مُوْنُ مِنْ يَثْرِبٍ إِلَىْ بَغْدَادِ
قَدْ قَضَىْ فِيْ بَغْدَادَ وَهُوَ غَرِيْبٌ بِفُؤَادٍ مِنْ شُعْلَةَ السُّمِّ صَادِ
وَالَّتِيْ قَدَّمَتْ لَهُ السُّمَّ أُمُّ الْـ ـفَضْلِ بُغْضاً مِنْهَا لِأُمِّ الْهَادِيْ
تَرَكُوْا نَعْشَهُ بِقَنْطَرَةِ الْبُرْ دَانِ مُلْقىً آلُ الشَّقَا وَالْعِنَادِ
فَاسْتَمَاتَتْ أَشْيَاعُهُ نَحْوَ حَمْلِ الـ ـنَّعْشِ كَيْ لَا يَبْقَىْ رَهِيْنَ الْوِهَادِ
وَسَرَىْ فِيْهِمُ الْحَمَاسُ إِلَىْ أَنْ حَمَلُوْهُ رَفْعاً عَلَىْ الْأَجْيَادِ
مَا بَقَى مِثْلَ جَدِّهِ السِّبْطِ عَارِيْ الْـ ـجِسْمِ تَعْدُوْ عَلَىْ قِرَاهُ الْعَوَادِيْ
تَرَكُوْا جِسْمَهُ ثَلَاثاً وَعَلَّوْا رَأْسَهُ فِيْ رُؤُوْسِ سُمْرِ الصِّعَادِ
وَسَرَوْا فِيْ نِسَائِهِ حَاسِرَاتٍ يَا لَقَوْمِيْ بَيْنَ الرِّجَالِ بَوَادِ
وَتَرَاهَا يَا خِيْرَةَ اللهِ فِيْ السَّبْـ ـيِ وَسَتْرِ الْوُجُوْهِ مِنْهَا الْأَيَادِي1
شعبي:
مات الجواد اليوم مسموم
عقب الهظيمة او كل الهموم
والهادي يبكي ابقلب مالوم
وايصيح بويه اهنا يمحروم
شنهو السبب سمتك هالقوم
والشيعة تبكي دمه ابهليوم
لجل الجواد الراح مظلوم
أبوذيّة:
روحي لحزن أبو الهادي بهداي
أظل ألطم على امصابه بهيداي
يا شيَّال النعش إمشي بهيداي
سره ابجسمه العطش والسم سويّه
"السلام على الباب الأقصد، والطريق الأرشد، والعالم المؤيَّد، ينبوع الحِكَم، ومصباح الظُّلَم، سيّد العرب والعجم، الهادي إلى الرشاد، الموفَّق بالتأييد والسَّداد، مولاي أبي جعفر محمّد بن عليّ الجواد، أشهد يا وليّ الله أنّك أقمت الصلاة، وآتيت الزكاة، وأمرت بالمعروف، ونهيت عن المنكر، وجاهدت في سبيل الله حقّ جهاده، وعبدت الله مخلصاً حتّى أتاك اليقين، فعشت سعيداً ومضيت شهيداً، يا ليتني كنت معكم فأفوزَ فوزاً عظيماً، ورحمة الله وبركاته".
عن أبي يحيى الصنعانيّ، قال: كنت عند أبي الحسن عليه السلام ، فجيء بابنه أبي جعفر عليه السلام ، وهو صغير، فقال: هذا المولود الذي لم يولد مولود أعظم على شيعتنا بركة منه.
وفي رواية أخرى أنّه لمّا وُلد أبو جعفر عليه السلام ، قال الرضا عليه السلام لأصحابه: قد وُلد لي شبيه موسى بن عمران فالق البحار، وشبيه عيسى بن مريم، قُدِّست أُمٌّ ولدته قد خُلِقت طاهرة مطهّرة. وكان طول ليلته يناغيه في مهده.
ويُروى أنّه قال لبَنَان بن نافع: يا بن نافع! سلِّم، وأذعن له بالطاعة، فروحه روحي، وروحي روح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسلّم..
لقد ابتُلي هذا الإمام العظيم بابتلاءات عديدة:
منها: اليتم, فقد فارقه الإمام الرضا عليه السلام وهو صغير حينما أشخصه المأمون إلى خراسان, وقد آلم هذا الموقف قلب إمامنا
الجواد عليه السلام فكان يبكي لفراق أبيه..
ومنها: الغربة حيث أُخرج من مدينة جدّه صلى الله عليه وآله وسلم وأُبعد عنها, فقد ودّع الإمام أهله وولده وترك حرم جدّه صلى الله عليه وآله وسلم , وذهب إلى بغداد بقلبٍ حزين. ويُروى أنّه لمّا خرج من المدينة في المرّة الأخيرة، قال: "ما أطيبك، يا طيبة! فلست بعائد إليك".
ومنها: السجن, إذ سجنه المعتصم، ولم يأذن لأحد بالدخول عليه.
ومنها: السمّ, فقد كان المعتصم يتربّص بالإمام ويعمل الحيلة في الفتك به، إلى أن سنحت له الفرصة فدسّ إليه السمّ, وقد اختلفت الرواية في كيفيّة سمّه له:
فمن قائل: أمر فلاناً (من كتّاب وزرائه) بأن يدعو الإمام إلى منزل الوزير، فدعاه، فأبى أن يجيبه، وقال: "قد علمت أنّي لا أحضر مجالسكم"، فقال: إنّي إنّما أدعوك إلى الطعام، وأحبّ أن تطأ ثيابي، وتدخل منزلي فأتبرّك بذلك، فقد أحبّ فلان بن فلان (من وزراء المعتصم) لقاءك. فصار إليه، فلمّا طَعِمَ منه أحسّ بالسمّ، فدعا بدابّته، فسأله ربّ المنزل أن يقيم، قال: "خروجي من دارك خير لك". فلم يزل يومه ذلك وليله في خِلفَةٍ2 يتقيّأ ذلك السمّ ويعاني آلامه في بطنه, حتّى قُبض عليه السلام.
وقائل: إنّه أنفذ إليه شراب حماض الأترج- شبيه بالليموناضة- وأصرّ على ذلك، فشربها عليه السلام عالماً بفعلهم.
وقال آخرون: إنّ التي سمّته زوجته أمّ الفضل بنت المأمون لمّا قدمت معه من المدينة إلى المعتصم:
فلمّا انصرف أبو جعفر الجواد عليه السلام إلى العراق لم يزل المعتصم وجعفر بن المأمون يدبِّرانِ ويعملانِ الحيلة في قتله، فقال جعفر لأخته أمّ الفضل- وكانت لأمّه وأبيه- في ذلك, لأنّه وقف على انحرافها عنه وغيرتها عليه لتفضيله أمّ أبي الحسن ابنه عليها مع شدّة محبّتها له، ولأنّها لم تُرزق منه بولد، فأجابت أخاها جعفراً، فرُوي أنّها وضعت السمّ في منديل وأعطته إيّاه فمسح به, ورُوي أنّهم جعلوا سمّاً في شيء من عنب رازقيّ وكان يعجبه العنب الرازقيّ، وقدّمته له، فلمّا أكل منه ندمت وجعلت تبكي. فقال لها: "ما بكاؤك؟ والله ليضربنّك الله بفقر لا ينجبر، وبلاء لا ينستر"، فبُليت بعلّة في أغمض المواضع من جوارحها، صارت ناصوراً3 ينتقض في كلّ وقت فأنفقت مالها وجميع ملكها على تلك العلّة حتّى احتاجت إلى رِفْد الناس. وتردّى جعفر في بئر فأخرج ميتاً وكان سكرانَ.
ورُوي عن الإمام الرضا عليه السلام ، أنّه قال في حقّ ولده الإمام الجواد عليه السلام: يُقتل غصباً فيبكي له وعليه أهل السماء، ويغضب الله على عدوّه وظالمه فلا يلبث إلّا يسيراً حتّى يعجّل الله به إلى عذابه الأليم وعقابه الشديد..
وعلى أيّ حال فقد جرى السمّ في بدن الإمام عليه السلام ، وبقي يتقلّب في فراشه, يعاني حرارة السمّ في يومه وليلته, يتقيّأ ذلك السمّ ويشكو آلام بطنه, حتّى دنا أجله..
يقول الحجّة الشيخ محمّد حسين الإصفهانيّ، قدّس سرّه، في أرجوزته الشهيرة:
هُوَ الْجَوَادُ لَا جَوَادَ غَيْرُهُ لَا خَيْرَ فِيْ الْجَوَادِ إِلَّا خَيْرُهُ
جَادَ بِنَفْسِهِ سَمِيْماً ظَامِيَا نَالَ مِنَ الْجُوْدِ مَقَاماً سَامِيَا
وَالْعُرْوَةُ الْوُثْقَىْ الَّتِيْ لَا تَنْفَصِمُ تَقَطَّعَتْ ظُلْماً بِسُمِّ الْمُعْتَصِمِ
قَضَىْ شَهِيْداً وَهْوَ فِيْ شَبَابِهِ دُسَّ إِلَيْهِ السُّمَّ فِيْ شَرَابِهِ
وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ بِالْبُكَاءِ عَلَىْ عِمَادِ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ
قَضَىْ بَعِيْدَ الدَّارِ عَنْ بِلَادِهِ وَعَنْ عِيَالِهِ وَعَنْ أَوْلَادِهِ
تَعْساً وَبُؤْساً لِابْنَةِ الْمَأْمُوْنِ مِنْ غَدْرِهَا لِحِقْدِهَا الْمَكْنُوْنِ!
وَيْلٌ لَهَا مِمَّا جَنَتْ يَدَاهَا وَفِيْ شَقَاهَا تَبِعَتْ أَبَاهَا
ورُوي عنه عليه السلام ، أنّه قال في العشيّة التي توفّي فيها: "إنّي ميّت الليلة"، ثمّ قال: "نحن معشر إذا لم يرض الله لأحدنا الدنيا نَقَلَنا إليه".
ويقال إنّ الإمام لمّا تناول السمّ تقطّعت أمعاؤه وأخذ يتقلّب على الأرض يميناً وشمالاً من شدّة الألم، ويجود بنفسه والتهب قلبه عطشاً- فقد كان الوقت شديد الحرّ والسمّ يغلي في جوف الإنسان- فطلب جرعة من الماء، والتفت إلى تلك اللعينة قائلاً: ويلك إذا قتلتِني فاسقيني شربة من الماء, فكان جوابها له أن أغلقت الباب
ثمّ خرجت من الدار, فبقي الإمام يوماً وليلة يعالج ألم السمّ.. ولا يجد أحداً يسقيه شربة من الماء..
ماحّد حضر عنده يا زهرة من الاحباب
وحده يلوج ابحجرته مغلوقة الباب
والجسم متورم من السم والقلب ذاب
ماحّد حضر عنده اوسقاه قطرة اميّه
ولمّا بلغت روحه التراقي صعد سطح الدار, ورمق السماء بطرفه, وتشهّد الشهادتين, وغمّض عينيه، وأسبل يديه ورجليه، وعرق جبينه، وسكن أنينه، وفارقت روحه الدنيا..
وا إماماه.. وا سيّداه.. واجواداه.. وا غريباه.. وا مظلوماه.. وا مسموماه..
قالوا: وبقي جسد الإمام ثلاثة أيّام على سطح الدار..
ظل ثلت تيام مرمي ولا
قرابة الحضر عنده
ايغسله اوجسمه يشيله
وبيده ايواريه ابلحده
بالشمس مطروح جسمه
مثل ابو السجاد جده
ولمّا علم الشيعة بقتله، قامت الواعية في داره، وعلا الضجيج والبكاء والعويل وصاروا ينادون: وا إماماه، وا سيّداه، وا محمّداه،
وا كفيل اليتامى والمساكين..
ثمّ جاء الإمام الهادي من حيث يخفى على الناس أمره فغسّل أباه وكفّنه وصلّى عليه. ويقال إنّه رثاه قائلاً: وا أبتاه، آه، وا وحدتاه، وا قلّة ناصراه، وا انقطاع ظهراه, ليتني كنت لك الفداء, يا أبتاه من بعدك وا وحشتاه, فراقك قد أعمى عيني، وهيّج حزني، وقطّع نياط قلبي, يا أبتاه اقرأ آباءك عنّي السلام, وأخبرهم بما نحن فيه من الهوان..
ثمّ حملوا الإمام وشيّعوه ودفنوه عند جدّه الإمام الكاظم عليه السلام..
أيّها الموالي: رغم عظم تلك المصيبة على إمامنا الجواد عليه السلام , لكن بقي جسده سالماً, رأسه على جسده, لم يرفع على رأس الرمح, لم تطأ جسده الخيل بحوافرها.. وقد غُسِّل وشُيِّع ودُفن بعد ذلك..
لكن أسفي على غريب كربلاء..أسفي عليك أبا عبد الله..
لَهَفِيْ عَلَىْ الصَّدْرِ الْمُعَظَّمِ يَشْتَكِيْ مِنْ بَعْدِ رَشْقِ النَّبْلِ، رَضَّ جِيَادِ
لَهَفِيْ لِرَأْسِكَ وَهْوَ يُرْفَعُ مُشْرِقاً كَالْبَدْرِ فَوْقَ الذَّابِلِ الْمَيَّادِ
* * *
------------------------------------------------
هوامش
1- القصيدة للسيد مهدي الأعرجي.
2- أي الهيضة, وهي انطلاق البطن والقيء.
3- الناصور: علّة تحدث في البدن, بمادة خبيثة ضيّقة الفم يعسر برؤها
هوامش
1- القصيدة للسيد مهدي الأعرجي.
2- أي الهيضة, وهي انطلاق البطن والقيء.
3- الناصور: علّة تحدث في البدن, بمادة خبيثة ضيّقة الفم يعسر برؤها
تعليق