الأمثال فـي القرآن
( لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) . الأمثال لغة : جمع مثل بفتحين وهو ما يضرب به من الأمثال ومثل الشيء ايضاً صفته ويقال هذا مثله وهذا مثله أي شبهه وشبهه والمثال معروف . والجمع أمثلة ومثل ومثلات له كذلك تمثيلاً إذا صورت له مثاله . الصحاح 477/4 .
اصطلاحاً وفيه اتجاهات :
اتجاه تفسيري واتجاه بياني . فالاتجاه التفسيري قال ابن السكيت : المثل لفظ يخالف لفظ المضروب له ويوافق معناه معنى ذلك اللفظ . مجمع الأمثال 6 / 1 . وقال المبرد: هو قول سائر يشبه به حال الثاني بالأول مجمع الأمثال 5 / 1 . وهذا اصطلاحاً في خصائص المعنى، أما الاتجاه البياني وهو الذي ينظر إلى المثل باعتبار بلاغي. وقال أبو القاسم بن سلام: فاعتبر في استعمال العرب للمثل اجتماع ثلاثة خصال هي: إيجاد اللفظ، وإصابة المعنى، وحسن التشبيه. أي الصياغة البلاغية وإصابة المعنى تتركز على البلاغة والتشبيه هو الإطار التصويري . ونحن نقول لماذا جاء القرآن بالأمثال يشاهد في القرآن الكريم أكثر من خمسين مثلاً وقد عدت بعض الكتب انها تعد بمائة وثلاثين مثلاً . ففي سورة البقرة التي هي ثاني السور يوجد عشرة أمثال على اقل تقدير فما هي الحكمة ؟ يكون الجواب هو تشبيه الحقائق العقلية بالأمور الحسية الملموسة فمن جانب هناك أمور عقلية كثيرة لا يفهمها أكثر الناس ومن جانب آخر اعتاد الناس على المحسوسات والعينات الملموسة ولهذا كان المثل ( عقول الناس في عيونهم ) ومن هنا طرح القرآن بعض المفاهيم العقلية الرفيعة في قالب الأمثال السهلة في أداراك الناس .
وكذلك نقول إن الهدف من الأمثال في القرآن في لسان القرآن نأتي بنماذج:
1- في الآية ( 25 ) من سورة إبراهيم من بعد ما شبه ( شبه الكلمة الطيبة ) بالشجرة الطيبة يقول آخر الآية: ( وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ) فالتذكير هو هدف من أهداف الأمثال
2- في الآية ( 21 ) من سورة الحشر بعد ما يشبه بعض القلوب بالجبال أكثر من إمكانية التأثير على القلوب يقول في نهاية الآية : ( وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) وعلى هذا فالتفكير هدف من أهداف الأمثال .
3- وفي الآيات 40 – 43 من سورة العنكبوت بعدما يشبه من اتخذ أولياء من دون الله بالعنكبوت الذي يتخذ بيتاً وهنا يقول في نهاية الآية 43 : ( وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ) وحسب ما في هذه الآية فان تعقل العلماء هو من أهداف الأمثال . وكذلك في عظمة المثل في مثال الفيل الكبير ومثال البعوضة الصغيرة كلاهما يدلان على عظمة المثل. ويأتي قوله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ ) . الأهمية من هذه الآية إن المخلوقات جميعاً ولو كانت بعوضة تكشف عن عظمة الخالق ولكن التحجج أو التعذر بالحجج هو من مواصفات المنافقين كي يزرع الشك وإيذاء الآخرين والغاية والتوضيح في هذه الآية إن في جسد البعوضة ضعيفة الجسم نفس الأعضاء الموجودة في الفيل الضخم ففيه جهاز الهضم وخرطوم دقيق ذات منفذ رفيع وأعضاء للحركة وأجهزة التناسل.. إضافة إلى هذا فان للبعوضة قرنين تشبه الهوائيات وذلك للتواصل فيما بينها وبين البيئة المحيطة بها وهو أمر يفتقده الفيل ، فسبحان الله وتجسيد آياته على واقع الطبيعة الملموس في جميع صور التجسيد ومن جملتها هو المثل القرآني ونختم بهذه الآية 48 من سورة الإسراء قوله تعالى : ( انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا ) .
تعليق