- مِنهَاجُ الإمَامِ مُحَمَّدِ البَاقِرِ - عَليه السَلامُ – في إصلاَحِ النِّفوسِ وتَهْذيبِها -
______________________________________________
إنَّ الأئمةَ المَعصومينَ , عَليهم السَلام , كَمَا نَشَروا مَعَارِفَ الإسلامِ وعِلومَه المُختلفةَ , كذلك اهتموا بتهذيبِ النفوسِ وإصلاحها .
ويتقومُ مَنهجُ الإمامِ الباقرِ , عليه السلامُ, في تهذيبِ النفوسِ وإصلاحها بمُرتَكَزَين رئيسين هُمَا :
المُرتكزُ الأوّلُ : تقويةُ عَوَامِلِ الخيرِ والإيمانِ في النفوسِ .
المُرتكزُ الثاني : إضعافُ عَوَامِلِ الشَرِّ فيها .
ومن خلالِ حَراكِ الإمام مُحَمّد الباقرِ , عليه السَلامُ, في هذين المُرتكزين نستكشفُ مَلامِحَ ومُقوماتٍ ِأسَاسيةً
في تهذيبِ النفسِ وإصلاحهاِ ومن أهمها :
1- تَقويّةُ العلاقةِ باللهِ تعالى والارتباطِ به على وَجَهِةِ الحَقِّ والطّاعةِ والإخلاصِ في النيَّةِ والفِعلِ .
فهُناكَ علاقةُ الخوفِ وهُناكَ علاقةُ الرَجَاءِ والمَحبةِ وهُناك الشعورُ بالرقابةِ الإلهيّةِ وهُناك حُسنِ الظنِ باللهِ تعالى
وهُناكَ الاهتمامُ باليومِ الآخرِ.
وتَنطلقُ هذه العلاقةُ وتَقَوِّيهَا في الأساسِ مِنْ قوةِ المَعرِفَةِ باللهِ تعالى وإدراكِ الحَاجةِ إلى أمورٍ مُهمةٍ منها :
أ: قراءةُ القرآنِ الكريمِ بوعيٍ وتدبرٍ وتأملٍ.
ب: النَظرُ (التفكيرُ ) عَقلاً في الكونِ والإنسانِ خَلقَاً وتدبيرا
وكيف أنّ اللهَ تعالى يُدبرُّ الأمرَ ويَحْكِمه .
وينبغي بنا أنْ لا نَقرَأَ القرآنَ قِراءَةً عَابرةً دونَ وعي أو نَنظرَ في الكونِ نظرةَ خاليةً مِنْ التأملِ .
وطبقَ هذه العلاقاتِ مع اللهِ تعالى نحتاجُ إلى تقويةِ حُسنِ الظنِ به والرجاءِ برحمته , فاللهُ تعالى أرحمُ بالعبدِ من الأمِ بولَدِها.
والخوفِ مِنْ عذابه وقوته , وهو قادرٌ على إنزالِ أشدِّ العذابِ بالإنسانِ العَاصي .
2- تَقويّةُ الشعورِ بِمَحَبّة اللهِ لنا في أوامره ونواهيه وأنّه يَرعَانا وجوداً وبَقَاءً ومَصيرا .
قال تعالى:
((وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7) فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (8) ))الحجرات.
3 – تَقويّةُ حُسنِ الظنِ بالله في مُقابلِ سُوءِ الظنِ به .
فإذا مَا مَرّتْ بنا مِحنةٌ أو مصيبةٌ أو كربٌ فلا بُدّ مِنْ أنْ نحسنَ الظنَ به سبحانه , وأنه قادرٌ على رفعِ ودفعِ ذلك عنّا .
واللهُ مَعنا يُعيننا في تحقيقِ مهمتنا ما دمُنا نُحسنُ الظنَ به .
ولندركَ مدى تأثيرِ وقدرةِ حُسنِ الظنِ على تحقيق أهدافنا ما دمنا مؤمنين.
(عن أبي جعفر , الباقرِ, عليه السلام , قال : وجدنا في كتاب علي , عليه السلام , أنّ رسولَ اللهِ , صلى الله عليه وآله
, قال - وهو على منبره – والذي لا إله إلا هو ما أعطيَ مُؤمنٌ قط خيرَ الدنيا والآخرةِ إلاّ بُحسنِ ظنه باللهِ ورجائه له , وحُسنِ خلقه والكفِ عن اغتيابِ المؤمنين والذي لا إله إلاّ هو لا يعذبُ اللهُ مؤمناً بعد التوبة والاستغفار إلاّ بسوءِ ظنه بالله, وتقصيره من رجائه وسوء ِخلقه واغتيابه للمؤمنين , والذي لا إله إلاّ هو لا يحسنُ ظنُ عبدٍ مؤمنٍ باللهِ إلاّ كان اللهُ عند ظن عبده المؤمن ،لأنّ اللهَ كريمٌ ، بيده الخيراتُ يستحيي أنْ يكون عبده المؤمن قد أحسنَ به الظنَ ثم يَخلفُ ظنه ورجاءه ، فأحسنوا باللهِ الظنَ وارغبوا إليه . )
: الكافي , الكليني ,ج2,ص72.
وعلى أساس ذلك يَجبُ استشعارُ قيمةِ الآخرةِ في قلوبِنا وسلوكِنا مع اللهِ تَعَالى.
4-إنّ لتزكيةِ النفوسِ وإصلاحها شروطاً وأركاناً مُهمةً ينبغي المواظبةُ عليها تطبيقاً في عباداتنا
, كَمَا هو الحَالُ في أداءِ الصلاةِ بأركانها وشروطها , ومُقدماتها وحضورِ القلبِ,
ومعاني الباطنِ والخشوعِ والمعرفة بالله تعالى.
5- الإقرارُ بالذنوبِ والاعترافُ بها نَدَمَاً وتَوبةً , إذ أنّ مِنْ تبعاتِ الذنوب , هو بقاءُ آثارها الوضعية في القلوبِ والنفوسِ والسلوكِ
,إنَّ تركَها دون التوبةِ الصادقةِ والنصوحةِ مُشكِلٌ جِداً.
وهنا علينا أنْ نُراقبَ سلوكَنا ومواقفَنا وأحوالَنا ونَعترفَ أمامَ اللهِ نَدمَاً وتوبةً .
(عن أبي جعفر, الباقرِ, عليه السلام, قال : واللهِ مَا ينجو مِنْ الذنب
إلاّ مَنْ أقرَّ به, وقال :كفى بالندمِ توبةً .)
: وسائلُ الشيعة , الحُرُّ العاملي ,ج16,ص59.
6 – الحَذرُ والاحتياطُ الشديدُ مِنْ الوقوعِ في مُقدماتِ الذنوبِ ,
ومنها النَظرُ المُحرّمُ والاستماعُ المُحرّمُ والمُشاعرُ السيئةُ في دواخلِ الإنسان ,وبذاءةُ اللسانِ .
(وعن أبي جعفر , الباقر, عليه السلام , قال لبعض شيعته :
بلّغْ مَنْ لقيتَ مِنْ موالينا عنا السلام ، وقل لهم : إني لا أغني عنكم من
اللهِ شيئا ، إلاّ بورعٍ واجتهاد ، فاحفظوا ألسنتكم ، وكفوا
أيديكم ، وعليكم بالصبرِ ، والصلاةِ ، فإنّ اللهَ مع الصابرين )
: مُستدرك الوسائلِ ,الطبرسي ,ج3,ص76.
وإنّ أكثرَ المُحَرّمَاتِ سببها عَدَم حفظِ اللسانِ , مما يؤدي إلى زيغِ النفسِ وتلوثها.
لذا يكون لزاماً خزن اللسانِ إلاّ أنْ يتأكدَ لنا أنّ الكلامَ في خيرٍ أو مَرضي عند اللهِ , عزّ وجَل.
7- كَسر الإلفةِ والاعتياد بين الإنسانِ والمعاصي ,فعليه أنْ يُوجدَ حاجزاً نفسيا وكراهةً مع الذنوبِ والنفرةَ منها .
(عن أبي جعفر, الباقر : قال : أفضلُ العبادة عفةُ بطنٍ وفرجٍ وما شيء أحبُّ إلى الله من أنْ يُسألَ ، وإنّ أسرعَ الشرِّ عقوبةً البغي ، وإنّ أسرعَ الخيرِ ثواباً , البر ، وكفى بالمرءِ عيباً أنْ يبصرَ من الناسِ ما يعمى عنه عن نفسه ،
أو ينهى الناس عما لا يستطيع التحول عنه ، و أنْ يؤذي جليسه بما لا يعنيه)
: المَحاسِنُ , البرقي,ج1,ص292.
8 – نحتاجُ إلى أن نتطلعَ إلى أحاديثَ أهلّ البيتَ المَعصومين , عليهم السلام, ومعارفهم.
فكما أنّ الشعائرَ مطلوبةٌ منا فكذلك علينا أنْ نسعى وأنْ نتفقه في تلكم الأحاديثِ ونتعلمها ونُعلّمها الناسَ .
(عن الرضا ,عليه السلام ، قال : رَحِمَ اللهُ مَنْ أحيا أمرَنا ,قُلتُ :
كيف يُحيي أمرَكم ؟ قال : يُتَعَلمُ علومنا ويُعلمها الناسَ ،
فإنّ الناسَ لو علموا مَحاسنَ كلامنا لا تبعونا )
:معاني الأخبار, الصدوق,ص180.
9- تحبيذُ السلوكِ المستقيمِ للمؤمنين بالرغبةِ والإقبالِ عليه , بمحاسن الأخلاقِ ومَرضي الأفعالِ .
وعن الإمَامِ مُحمّد الباقرِ, عليه السلام:
(من أُعطيَّ الخُلقُ والرِفقُ فقد أُعطيّ الخيرُ كله والراحةُ وحَسن حاله في دنياه وآخرته ومَنْ حُرِمَ الرفقُ والخُلقُ
كان ذلك له سبيلا إلى كُلّ شرٍ وبليةٍ إلاّ مَن عصمه اللهُ تعالى , وقال اعرفْ المودةَ لك في قلبِ أخيك بما له في قلبك )
: أعيانُ الشيعة , السيد مُحسِن الأمين ,ج1,ص656.
10 – لقد أهتمَ الإمامُ الباقرُ , عليه السلامُ , بتنبيه شيعته وأصحابه المُقربين وتحذيرهم مِنْ خطورةِ التشيعِ الكاذبِ
, في روايةٍ مُعتبرةٍ ينبغي الوقوفُ عندها فقهً وفَهماً وتطبيقا.
(عن أبي جعفر ,عليه السلام : ( يا جابرُ أيكتفي مَن انتحلَ التشيعَ ,
أنْ يقولَ بحبنا أهلّ البيتِ ؟ فو اللهِ ما شيعتنا إلاّ مَنْ اتقى اللهَ
و أطاعه ، وما كانوا يُعرفون يا جابرُ إلاّ بالتواضعِ والتخشعِ والأمانةِ وكثرةِ
ذكرِ اللهِ ، والصومِ والصلاةِ ، والبرِ بالوالدين ، والتعهد للجيران من الفقراء وأهل المسكنة إلى أنْ قالَ : ( مَن كان للهِ مُطيعا ، فهو لنا ولي ، ومن كانَ للهِ عاصيا ،فهو لنا عدو )
: عوائدُ الأيامِ ,المحقق النراقي,229.
وهنا يضعُ الإمامُ الباقرُ , عليه السلامُ ,أسسَ التشيعِ القويمِ والصادقِ والحقيقي ,
(قال جَابرُ : فقلتُ : يا ابن رسولِ اللهِ , ما نعرفُ اليومَ أحداً بهذه الصفةِ ، فقال : يا جابرُ لا تذهبن بك المذاهبُ
, حسب الرجلُ أنْ يقول :
أحبُّ علياً وأتولاه ثم لا يكون مع ذلك فَعَالاً ؟
فلو قال : إني أحبُّ رسولَ الله فرسول الله , صلى الله عليه وآله ,
خيرُ مِنْ علي , عليه السلام , ثم لا يتبع سيرته ,ولا يعمل بسنته ,
ما نفعه حبه إياه شيئا ، فاتقوا اللهَ واعملوا لما عند الله ،
ليس بين الله وبين أحد قرابة ، أحب العباد إلى الله عز وجل , وأكرمهم عليه , أتقاهم وأعملهم بطاعته ،
يا جابرُ واللهِ ما يُتقربُ إلى اللهِ تبارك وتعالى إلاّ بالطاعةِ , وما معنا براءةٌ من النارِ , ولا على اللهِ لأحدٍ مِنْ حجة ،
مَن كان لله مطيعا فهو لنا ولي ومن كان لله عاصيا فهو لنا عدو ، وما تُنالُ ولايتنا إلاّ بالعملِ والورعِ )
: الكافي , الكليني ,ج2,ص75.
__________________________________________________ ___________
- مِنْ خُطبةِ الجُمعَةِ الأولى ,لِسَمَاحَةِ الشيخِ عبد المَهْدي الكَربلائي ,في الحَرمِ الحُسَيني الشَريفِ -
تَدْوينُ وتوثيق – مُرتَضَى عَلي الحِليّ – وبتَصَرفٍ :
______________________________________________
الجُمعَةُ - السَابعُ مِنْ ذي الحجةِ الحَرَامِ - 1437, هجري .
التَاسعُ مِنْ أيلول - 2016 م .
___________________________________________
______________________________________________
إنَّ الأئمةَ المَعصومينَ , عَليهم السَلام , كَمَا نَشَروا مَعَارِفَ الإسلامِ وعِلومَه المُختلفةَ , كذلك اهتموا بتهذيبِ النفوسِ وإصلاحها .
ويتقومُ مَنهجُ الإمامِ الباقرِ , عليه السلامُ, في تهذيبِ النفوسِ وإصلاحها بمُرتَكَزَين رئيسين هُمَا :
المُرتكزُ الأوّلُ : تقويةُ عَوَامِلِ الخيرِ والإيمانِ في النفوسِ .
المُرتكزُ الثاني : إضعافُ عَوَامِلِ الشَرِّ فيها .
ومن خلالِ حَراكِ الإمام مُحَمّد الباقرِ , عليه السَلامُ, في هذين المُرتكزين نستكشفُ مَلامِحَ ومُقوماتٍ ِأسَاسيةً
في تهذيبِ النفسِ وإصلاحهاِ ومن أهمها :
1- تَقويّةُ العلاقةِ باللهِ تعالى والارتباطِ به على وَجَهِةِ الحَقِّ والطّاعةِ والإخلاصِ في النيَّةِ والفِعلِ .
فهُناكَ علاقةُ الخوفِ وهُناكَ علاقةُ الرَجَاءِ والمَحبةِ وهُناك الشعورُ بالرقابةِ الإلهيّةِ وهُناك حُسنِ الظنِ باللهِ تعالى
وهُناكَ الاهتمامُ باليومِ الآخرِ.
وتَنطلقُ هذه العلاقةُ وتَقَوِّيهَا في الأساسِ مِنْ قوةِ المَعرِفَةِ باللهِ تعالى وإدراكِ الحَاجةِ إلى أمورٍ مُهمةٍ منها :
أ: قراءةُ القرآنِ الكريمِ بوعيٍ وتدبرٍ وتأملٍ.
ب: النَظرُ (التفكيرُ ) عَقلاً في الكونِ والإنسانِ خَلقَاً وتدبيرا
وكيف أنّ اللهَ تعالى يُدبرُّ الأمرَ ويَحْكِمه .
وينبغي بنا أنْ لا نَقرَأَ القرآنَ قِراءَةً عَابرةً دونَ وعي أو نَنظرَ في الكونِ نظرةَ خاليةً مِنْ التأملِ .
وطبقَ هذه العلاقاتِ مع اللهِ تعالى نحتاجُ إلى تقويةِ حُسنِ الظنِ به والرجاءِ برحمته , فاللهُ تعالى أرحمُ بالعبدِ من الأمِ بولَدِها.
والخوفِ مِنْ عذابه وقوته , وهو قادرٌ على إنزالِ أشدِّ العذابِ بالإنسانِ العَاصي .
2- تَقويّةُ الشعورِ بِمَحَبّة اللهِ لنا في أوامره ونواهيه وأنّه يَرعَانا وجوداً وبَقَاءً ومَصيرا .
قال تعالى:
((وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7) فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (8) ))الحجرات.
3 – تَقويّةُ حُسنِ الظنِ بالله في مُقابلِ سُوءِ الظنِ به .
فإذا مَا مَرّتْ بنا مِحنةٌ أو مصيبةٌ أو كربٌ فلا بُدّ مِنْ أنْ نحسنَ الظنَ به سبحانه , وأنه قادرٌ على رفعِ ودفعِ ذلك عنّا .
واللهُ مَعنا يُعيننا في تحقيقِ مهمتنا ما دمُنا نُحسنُ الظنَ به .
ولندركَ مدى تأثيرِ وقدرةِ حُسنِ الظنِ على تحقيق أهدافنا ما دمنا مؤمنين.
(عن أبي جعفر , الباقرِ, عليه السلام , قال : وجدنا في كتاب علي , عليه السلام , أنّ رسولَ اللهِ , صلى الله عليه وآله
, قال - وهو على منبره – والذي لا إله إلا هو ما أعطيَ مُؤمنٌ قط خيرَ الدنيا والآخرةِ إلاّ بُحسنِ ظنه باللهِ ورجائه له , وحُسنِ خلقه والكفِ عن اغتيابِ المؤمنين والذي لا إله إلاّ هو لا يعذبُ اللهُ مؤمناً بعد التوبة والاستغفار إلاّ بسوءِ ظنه بالله, وتقصيره من رجائه وسوء ِخلقه واغتيابه للمؤمنين , والذي لا إله إلاّ هو لا يحسنُ ظنُ عبدٍ مؤمنٍ باللهِ إلاّ كان اللهُ عند ظن عبده المؤمن ،لأنّ اللهَ كريمٌ ، بيده الخيراتُ يستحيي أنْ يكون عبده المؤمن قد أحسنَ به الظنَ ثم يَخلفُ ظنه ورجاءه ، فأحسنوا باللهِ الظنَ وارغبوا إليه . )
: الكافي , الكليني ,ج2,ص72.
وعلى أساس ذلك يَجبُ استشعارُ قيمةِ الآخرةِ في قلوبِنا وسلوكِنا مع اللهِ تَعَالى.
4-إنّ لتزكيةِ النفوسِ وإصلاحها شروطاً وأركاناً مُهمةً ينبغي المواظبةُ عليها تطبيقاً في عباداتنا
, كَمَا هو الحَالُ في أداءِ الصلاةِ بأركانها وشروطها , ومُقدماتها وحضورِ القلبِ,
ومعاني الباطنِ والخشوعِ والمعرفة بالله تعالى.
5- الإقرارُ بالذنوبِ والاعترافُ بها نَدَمَاً وتَوبةً , إذ أنّ مِنْ تبعاتِ الذنوب , هو بقاءُ آثارها الوضعية في القلوبِ والنفوسِ والسلوكِ
,إنَّ تركَها دون التوبةِ الصادقةِ والنصوحةِ مُشكِلٌ جِداً.
وهنا علينا أنْ نُراقبَ سلوكَنا ومواقفَنا وأحوالَنا ونَعترفَ أمامَ اللهِ نَدمَاً وتوبةً .
(عن أبي جعفر, الباقرِ, عليه السلام, قال : واللهِ مَا ينجو مِنْ الذنب
إلاّ مَنْ أقرَّ به, وقال :كفى بالندمِ توبةً .)
: وسائلُ الشيعة , الحُرُّ العاملي ,ج16,ص59.
6 – الحَذرُ والاحتياطُ الشديدُ مِنْ الوقوعِ في مُقدماتِ الذنوبِ ,
ومنها النَظرُ المُحرّمُ والاستماعُ المُحرّمُ والمُشاعرُ السيئةُ في دواخلِ الإنسان ,وبذاءةُ اللسانِ .
(وعن أبي جعفر , الباقر, عليه السلام , قال لبعض شيعته :
بلّغْ مَنْ لقيتَ مِنْ موالينا عنا السلام ، وقل لهم : إني لا أغني عنكم من
اللهِ شيئا ، إلاّ بورعٍ واجتهاد ، فاحفظوا ألسنتكم ، وكفوا
أيديكم ، وعليكم بالصبرِ ، والصلاةِ ، فإنّ اللهَ مع الصابرين )
: مُستدرك الوسائلِ ,الطبرسي ,ج3,ص76.
وإنّ أكثرَ المُحَرّمَاتِ سببها عَدَم حفظِ اللسانِ , مما يؤدي إلى زيغِ النفسِ وتلوثها.
لذا يكون لزاماً خزن اللسانِ إلاّ أنْ يتأكدَ لنا أنّ الكلامَ في خيرٍ أو مَرضي عند اللهِ , عزّ وجَل.
7- كَسر الإلفةِ والاعتياد بين الإنسانِ والمعاصي ,فعليه أنْ يُوجدَ حاجزاً نفسيا وكراهةً مع الذنوبِ والنفرةَ منها .
(عن أبي جعفر, الباقر : قال : أفضلُ العبادة عفةُ بطنٍ وفرجٍ وما شيء أحبُّ إلى الله من أنْ يُسألَ ، وإنّ أسرعَ الشرِّ عقوبةً البغي ، وإنّ أسرعَ الخيرِ ثواباً , البر ، وكفى بالمرءِ عيباً أنْ يبصرَ من الناسِ ما يعمى عنه عن نفسه ،
أو ينهى الناس عما لا يستطيع التحول عنه ، و أنْ يؤذي جليسه بما لا يعنيه)
: المَحاسِنُ , البرقي,ج1,ص292.
8 – نحتاجُ إلى أن نتطلعَ إلى أحاديثَ أهلّ البيتَ المَعصومين , عليهم السلام, ومعارفهم.
فكما أنّ الشعائرَ مطلوبةٌ منا فكذلك علينا أنْ نسعى وأنْ نتفقه في تلكم الأحاديثِ ونتعلمها ونُعلّمها الناسَ .
(عن الرضا ,عليه السلام ، قال : رَحِمَ اللهُ مَنْ أحيا أمرَنا ,قُلتُ :
كيف يُحيي أمرَكم ؟ قال : يُتَعَلمُ علومنا ويُعلمها الناسَ ،
فإنّ الناسَ لو علموا مَحاسنَ كلامنا لا تبعونا )
:معاني الأخبار, الصدوق,ص180.
9- تحبيذُ السلوكِ المستقيمِ للمؤمنين بالرغبةِ والإقبالِ عليه , بمحاسن الأخلاقِ ومَرضي الأفعالِ .
وعن الإمَامِ مُحمّد الباقرِ, عليه السلام:
(من أُعطيَّ الخُلقُ والرِفقُ فقد أُعطيّ الخيرُ كله والراحةُ وحَسن حاله في دنياه وآخرته ومَنْ حُرِمَ الرفقُ والخُلقُ
كان ذلك له سبيلا إلى كُلّ شرٍ وبليةٍ إلاّ مَن عصمه اللهُ تعالى , وقال اعرفْ المودةَ لك في قلبِ أخيك بما له في قلبك )
: أعيانُ الشيعة , السيد مُحسِن الأمين ,ج1,ص656.
10 – لقد أهتمَ الإمامُ الباقرُ , عليه السلامُ , بتنبيه شيعته وأصحابه المُقربين وتحذيرهم مِنْ خطورةِ التشيعِ الكاذبِ
, في روايةٍ مُعتبرةٍ ينبغي الوقوفُ عندها فقهً وفَهماً وتطبيقا.
(عن أبي جعفر ,عليه السلام : ( يا جابرُ أيكتفي مَن انتحلَ التشيعَ ,
أنْ يقولَ بحبنا أهلّ البيتِ ؟ فو اللهِ ما شيعتنا إلاّ مَنْ اتقى اللهَ
و أطاعه ، وما كانوا يُعرفون يا جابرُ إلاّ بالتواضعِ والتخشعِ والأمانةِ وكثرةِ
ذكرِ اللهِ ، والصومِ والصلاةِ ، والبرِ بالوالدين ، والتعهد للجيران من الفقراء وأهل المسكنة إلى أنْ قالَ : ( مَن كان للهِ مُطيعا ، فهو لنا ولي ، ومن كانَ للهِ عاصيا ،فهو لنا عدو )
: عوائدُ الأيامِ ,المحقق النراقي,229.
وهنا يضعُ الإمامُ الباقرُ , عليه السلامُ ,أسسَ التشيعِ القويمِ والصادقِ والحقيقي ,
(قال جَابرُ : فقلتُ : يا ابن رسولِ اللهِ , ما نعرفُ اليومَ أحداً بهذه الصفةِ ، فقال : يا جابرُ لا تذهبن بك المذاهبُ
, حسب الرجلُ أنْ يقول :
أحبُّ علياً وأتولاه ثم لا يكون مع ذلك فَعَالاً ؟
فلو قال : إني أحبُّ رسولَ الله فرسول الله , صلى الله عليه وآله ,
خيرُ مِنْ علي , عليه السلام , ثم لا يتبع سيرته ,ولا يعمل بسنته ,
ما نفعه حبه إياه شيئا ، فاتقوا اللهَ واعملوا لما عند الله ،
ليس بين الله وبين أحد قرابة ، أحب العباد إلى الله عز وجل , وأكرمهم عليه , أتقاهم وأعملهم بطاعته ،
يا جابرُ واللهِ ما يُتقربُ إلى اللهِ تبارك وتعالى إلاّ بالطاعةِ , وما معنا براءةٌ من النارِ , ولا على اللهِ لأحدٍ مِنْ حجة ،
مَن كان لله مطيعا فهو لنا ولي ومن كان لله عاصيا فهو لنا عدو ، وما تُنالُ ولايتنا إلاّ بالعملِ والورعِ )
: الكافي , الكليني ,ج2,ص75.
__________________________________________________ ___________
- مِنْ خُطبةِ الجُمعَةِ الأولى ,لِسَمَاحَةِ الشيخِ عبد المَهْدي الكَربلائي ,في الحَرمِ الحُسَيني الشَريفِ -
تَدْوينُ وتوثيق – مُرتَضَى عَلي الحِليّ – وبتَصَرفٍ :
______________________________________________
الجُمعَةُ - السَابعُ مِنْ ذي الحجةِ الحَرَامِ - 1437, هجري .
التَاسعُ مِنْ أيلول - 2016 م .
___________________________________________
تعليق