مختصر من حياة الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء (عليها السلام)
1ـ ولادتها (عليها السلام): لقد كانت ولادة الصديقة الزهراء (عليها السلام) انفجار نورٍ في الأسلام جديد لينضم إلى أنواره الساطعة بانتصارته التي حققها على يد رسول الأنسانية جمعاء محمد (صلّى الله عليه وآله).
ولدت الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء (عليها السلام) في جمادي الآخرة يوم العشرين منها(1) سنة خمس وأربعين من مولد النبي (صلوات الله عليه وآله) وكان بعد مبعثه الشريف بخمس سنين كما رُوي(2) عن الأئمة المعصومين (صلوات الله عليهم أجمعين).
فقد روي أن النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله) جالس بالأبطح ومعه عمّار بن ياسر والمنذر بن الضحضاح وأبو بكر وعُمر وعليّ بن أبي طالب (عليه السلام) والعبّاس بن عبد المطلب وحمزة بن عبدالمطلب (عليه السلام) إذ هبط عيه جبرئيل (عليه السلام) في صورته العظمى قد نشر أجنحته حتى أخذت من المشرق إلى المغرب فناداه: يامحمد العلي الأعلى يقرأ عليك السلام وهو يأمرك أن تعتزل خديجة أربعين صباحاً فشقّ ذلك على النبي (صلّى الله عليه وآله) وكان محبّاً لها قال: فأقام النبي (صلّى الله عليه وآله) أربعين يوماً يصوم النهار ويقوم الليل حتى إذا كان في آخر أيّامه تلك بعث إلى خديجة بعماربن ياسر وقال: قل لها: ياخديجة لا تظنّي أنّ انقطاعي عنكِ هجرة ولكن ربي عزّوجلّ أمرني بذلك ينفذ أمره فلا تظنّي ياخديجة إلاّ خيراً فأنّ الله عزّوجلّ لَيباهي بكِ كرام ملائكته كل يوم مراراً فإذا جنكِ الليل فردِ الباب وخذي مضجعك من فراشكِ فأني في منزل فاطمة بنت أسد (رضي الله عنها).
فجعلت خديجة تحزن في كل يوم مراراً لفقد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فلمّا كان في كمال الأربعين هبط جبرئيل (عليه السلام) فقال: يامحمد العلي الأعلى يُقرئك السلام وهو يأمرك أن تتأهب لتحيّته وتحفته قال النبي (صلّى الله عليه وآله) ياجبرئيل وما تحفة ربّ العالمين؟ وما تحيُّته؟ قال: لا عِلمَ لي.
قال: فبينا النبي (صلّى الله عليه وآله) كذلك إذ هبط ميكائيل ومعه طبق مغطىً بمنديل سندس أو قال: إستبرق فوضعه بين يدي النبي (صلّى الله عليه وآله) وأقبل جبرائيل (عليه السلام) على النبي (صلّى الله عليه وآله) وقال: يامحمّد يأمرك ربّك أن تجعل الليلة إفطارك على هذا الطعام فقال علي بن أبي طالب (عليه السلام): كان النبي (صلّى الله عليه وآله) إذا أراد أن يفطر أمرني أن أفتح الباب لمن يرد إلى الأفطار.
فلمّا كان في تلك الليلة أقعدني النبي (صلّى الله عليه وآله) على باب المنزل وقال: ياابن أبي طالب إنه طعامٌ محرّم إلاّ عليّ.
قال علي (عليه السلام): فجلستُ على الباب وخلا النبي (صلّى الله عليه وآله) بالطعام وكشف الطبق فإذا عِذقٌ من رطب وعنقودٌ من عنب فأكل النبي (صلّى الله عليه وآله) مِنه شبعاً وشرب من الماء ريّاً ومدَّ يده للغسل فأفاض الماء عليه جبرئيل وغسل يده ميكائيل وتمندله إسرافيل (عليهم السلام) فارتفع فاضل الطعام مع الأناء إلى السماء ثم قام النبي (صلّى الله عليه وآله) ليصلّى فأقبل عليه جبرئيل فقال: الصلاة محرّمة عليك في وقتك حتى تأتي إلى منزل خديجة فتواقعها فأن الله عزّوجلّ آلى(3) على نفسه أن يخلق من صلبك في هذه الليلة ذريّة طيبة فوثب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إلى منزل خديجة.
وبالفعل تم في تلك الليلة ما أرادَه الله تبارك وتعالى فحملت بفاطمة (عليها السلام).
وهكذا كان حمل خديجة بفاطمة بأمر من الله تبارك وتعالى وتحفة لرسوله (صلّى الله عليه وآله).
وكانت فاطمة (عليها السلام) هي الأنيس الوحيد لأمّها من النساء فكانت تكلمها وهي في بطنها بعدما قاطعنها نساء قريش لزواجها بالنبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله) ولكن ما إن حانت ساعة الولادة إلاّ وبعث الله تبارك وتعالى مَن يلي أمر خديجة المؤمنة الوفية فأرسل الله تبارك وتعالى أربع نسوة سمر طوال كأنهن من نساء قريش فزعت منهنّ لما رأتهن فقالت إحداهنّ: لا تحزني ياخديجة فأنا رسلُ ربِّك إليك ونحن أخواتك: أنا سارة وهذه آسية بنت مزاحم وهي رفيقتك في الجنة وهذه مريم بنتُ عمرانوهذه كلثم أخت موسى بن عمران بعثنا الله إليك لنلي منك ما يلي النساء فجلست واحدة عن يمينها وأخرى عن يسارها والثالثة بين يديها والرابعة من خلفها فوضعت فاطمة (عليها السلام) طاهرة مطهرة فلمّا نزلت إلى الأرض أشرق منها النور حتى دخل بيوتات مكة ولم يبقَ في شرق الأرض وغربها موضع إلاّ أشرق فيه ذلك النور(4).
فهكذا كانت ولادتها الميمونة (سلام الله عليها) نوراً لأصل الأرض وتحفة من السماء.
2ـ مناقبها وفضائلها (عليها السلام): كانت فاطمة (صلوات الله عليها) من أهل الكساء والمباهلة والمهاجرة في أصعب وقت وكانت فيمن نزلت فيهم آية التطهير وافتخر جبرائيل (عليه السلام) بكونه منهم وشهد الله لهم بالصدق. ولها أمومة الأئمة وعقب الرسول (صلّى الله عليه وآله). وهي سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين أشبه الناس كلاماً وحديثاً برسول الله (صلّى الله عليه وآله) تحكي شيمتها شيمة وما تخرم مشيتها مشيته. هي بضعة الرسول وزوج الوصي وأم الأئمة المعصومين (صلوات الله عليهم أجمعين) ولا منقبة ولا فضل أكبر وأعظم من قول أبيها في حقها «فاطمة بضعة مني يؤذيني ما يؤذيها ويريبيني ما يريبها»(5)«فاطمة روحي التي بين جنبي»(6)«ويرضى الله لرضى فاطمة ويغضب لغضبها»(7).
وكانت إذا دخلت عليه رحّب بها وقبل يديها وأجلسها في مجلسه فإذا دخل عليها قامت إليه فرحبت به وقبّلت يديه وكان (صلّى الله عليه وآله) يُكثر تقبيلها وكلما اشتاق إلى رائحة الجنّة يشم رائحتها وكان يقول: «فاطمة بضعةٌ مني من سرّها سرّني ومَن ساءها فقد ساءني فاطمة أعز الناس إليّ»(8).
فهي حبيبة الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) ويكفي ذلك فضلاً لأن مَن أحبه الرسول أحبه الله تبارك وتعالى ومَن أحبه الله تبارك وتعالى أدخله الجنّة وذلك هو الفوز العظيم.
3ـ زواجها (عليها السلام): لقد اقترن النور بالنور والبضعة بالوصي ومَن يرضى الله لرضاها بمن هو الكفوء الوحيد لها وحامل راية الإسلام والمدافع عن الدين بكل ما أوتي من قوة ويقين ومَن لم تأخذه في الله لومة لائم الأمام أبي الحسن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) بأمرٍ من الله تبارك وتعالى إذ ورد عليه يارسول الله زوّج النور من النور فقال ياربّ مَن بمَن؟ فقال عزّوجلّ فاطمة بعلي فالأمر(9) من الله والخبر جاء به رسول الله (صلّى الله عليه وآله).
فزفّت الزهراء (عليها السلام) إلى علي (عليه السلام) كان النبي (صلّى الله عليه وآله) أمامها وجبرئيل عن يمينها وميكائيل عن يسارها وسبعون ألف ملك من خلفها يُسبّحون الله تعالى ويقدسونه حتى طلع الفجر ولما أدخلها الرسول (صلّى الله عليه وآله) منزل أمير المؤمنين (عليه السلام) أخذ النبي يد الأمام ووضعها في كفّ فاطمة ثم أمر الأمام أن يأتيه بشيء من الماء فلمّا أتاه به أخذ النبي (صلّى الله عليه وآله) شيئاً من ريقه المبارك وألقاه في الماء ثم أعطاه للأمام فشرب منه وناوله فاطمة فشربت منه ونضحالباقي على صدر عليّ وصدر فاطمة (عليها السلام) وقال: ((إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا))(10)ثم خرج النبي (صلّى الله عليه وآله) وهو يقول: «اللهم اجمع شملهما وألّف بين قلبيهما واجعلهما وذريتهما من ورثة جنة النعيم وارزقهما ذرية طيبة طاهرة مباركة واجعل في ذريتهما البركة واجعلهم أئمة يهدون بأمرك إلى طاعتك»(11) وخرج النبي (صلّى الله عليه وآله) منشرح الصدر وهو ينظر إلى بيت عليّ وفاطمة ذلك البيت المتواضع.
وهكذا تم اقتران النور بالنور بأمرٍ من خالق النورين وجاعلهما.
4ـ شهادتُها (عليها السلام): بعد شهادة النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله) نسى أصحابه أو تناسوا وصيته بالزهراء (عليها السلام) وأنها وديعة عند المسلمين كافة فضلاً عن صحابته الذين سمعوا ورأوا كلام وشخص النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله) فلم تمضِ الأيام حتى جاء بعضهم إلى بيت فاطمة وعليّ (عليهما السلام) طالبين الإمام (عليه السلام) أن يبايع مَن لم ينصّبه رسولُ الله (صلّى الله عليه وآله) لخلافته والقيام بأعباء الأمة الإسلامية والزهراء (عليها السلام) ما زالت بآلامها الشديدة بفقدها لأعزّ مخلوقٍ وهو الأب الرؤوف نبي الرحمة محمد (صلّى الله عليه وآله).
فأقبل أحدهم حتى ضرب الباب والزهراء كانت قاعدة خلفه قد نحل جسمها معصّبة الرأس منهدة الركن ـ ثم نادى ياابن أبي طالب افتح الباب فقالت فاطمة (عليها السلام): ما لنا ولك لا تدعنا وما نحن فيه؟! قال: افتحي الباب وإلاّ أحرقناه عليكم فقالت: «أما تتقي الله عزّوجلّ تدخل على بيتي وتهجم على داري؟!» فأبى أن ينصرف ثم دعى بالنار فأضرمها في الباب ثم دفعه فاستقبلته فاطمة (عليها السلام) وصاحت «ياأبتاه يارسول الله»مذكرةً إيّاه بأنها ابنته وبضعته لكن لم ينفع هذا التذكير ((فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى))(12) وقال تعالى: ((إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ))(13). وقال تعالى: ((وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ))(14) فلم يكن الرجل مصداقاً لذلك فرفع السيف وهو في غمده فوجا به جنبها فصرخت فرفع السوط فضرب بها ذراعها(15):
ورحم الله العلاّمة آية الله الأصفهاني حيث يقول في أرجوزته:
أتـضرم النار بباب iiدارها وآيـة الـنور على iiمنارها
وبـابُها بـابُ نبي iiالرحمة وبـابُ أبـواب نجاة iiالأمة
ما اكتسبوا بالنار غير العار ومـن ورائـهم عذاب iiالنار
مـا أجهل القوم فإن النار iiلا تـطفي نـور الله جلّ وعلا
لكن كسر الضلع ليس ينجبر إلا بـصمصام عزيز iiمقتدر(16)
وهكذا رجعت وديعة الرسول وبضعته إلى أبيها محمرة العين مسودة المتن مكسورة الضلع أحرق باب دارها وظلم بعلها فانتقلت من هذه الدنيا مظلومة مهظومة وعند الله الملتقى وهو خير الحاكمين وأسمع السامعين.
فالسلام عليك أيتها الطاهرة النقية ياأم الأئمة الهداة والسادة الولاة..
(1) مسار الشيعة: 54.
(2) دلائل الامامة: 10 والكافي 1 : 457 ح10.
(3) آلى: أقسم وحلف.
(4) السيدة فاطمة الزهراء: 108.
(5) السنن الكبرى (النسائي) 5 : 97.
(6) الاعتقادات للشيخ المفيد : 105.
(7) الاحتجاج 2 : 103 عنه بحار الأنوار 43 : 21.
(8) الامالي (للشيخ الطوسي): 24.
(9) مناقب آل أبي طالب 3 : 124.
(10) سورة الأحزاب / الآية 33.
(11) بحار الأنوار 43 : 117.
(12) سورة الأعلى / الآية 9.
(13) سورة ق / الآية 37.
(14) سورة الذاريات / الآية 55.
(15) بحار الأنوار 43 : 197.
(16) الأنوار القدسية: 21.
ولدت الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء (عليها السلام) في جمادي الآخرة يوم العشرين منها(1) سنة خمس وأربعين من مولد النبي (صلوات الله عليه وآله) وكان بعد مبعثه الشريف بخمس سنين كما رُوي(2) عن الأئمة المعصومين (صلوات الله عليهم أجمعين).
فقد روي أن النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله) جالس بالأبطح ومعه عمّار بن ياسر والمنذر بن الضحضاح وأبو بكر وعُمر وعليّ بن أبي طالب (عليه السلام) والعبّاس بن عبد المطلب وحمزة بن عبدالمطلب (عليه السلام) إذ هبط عيه جبرئيل (عليه السلام) في صورته العظمى قد نشر أجنحته حتى أخذت من المشرق إلى المغرب فناداه: يامحمد العلي الأعلى يقرأ عليك السلام وهو يأمرك أن تعتزل خديجة أربعين صباحاً فشقّ ذلك على النبي (صلّى الله عليه وآله) وكان محبّاً لها قال: فأقام النبي (صلّى الله عليه وآله) أربعين يوماً يصوم النهار ويقوم الليل حتى إذا كان في آخر أيّامه تلك بعث إلى خديجة بعماربن ياسر وقال: قل لها: ياخديجة لا تظنّي أنّ انقطاعي عنكِ هجرة ولكن ربي عزّوجلّ أمرني بذلك ينفذ أمره فلا تظنّي ياخديجة إلاّ خيراً فأنّ الله عزّوجلّ لَيباهي بكِ كرام ملائكته كل يوم مراراً فإذا جنكِ الليل فردِ الباب وخذي مضجعك من فراشكِ فأني في منزل فاطمة بنت أسد (رضي الله عنها).
فجعلت خديجة تحزن في كل يوم مراراً لفقد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فلمّا كان في كمال الأربعين هبط جبرئيل (عليه السلام) فقال: يامحمد العلي الأعلى يُقرئك السلام وهو يأمرك أن تتأهب لتحيّته وتحفته قال النبي (صلّى الله عليه وآله) ياجبرئيل وما تحفة ربّ العالمين؟ وما تحيُّته؟ قال: لا عِلمَ لي.
قال: فبينا النبي (صلّى الله عليه وآله) كذلك إذ هبط ميكائيل ومعه طبق مغطىً بمنديل سندس أو قال: إستبرق فوضعه بين يدي النبي (صلّى الله عليه وآله) وأقبل جبرائيل (عليه السلام) على النبي (صلّى الله عليه وآله) وقال: يامحمّد يأمرك ربّك أن تجعل الليلة إفطارك على هذا الطعام فقال علي بن أبي طالب (عليه السلام): كان النبي (صلّى الله عليه وآله) إذا أراد أن يفطر أمرني أن أفتح الباب لمن يرد إلى الأفطار.
فلمّا كان في تلك الليلة أقعدني النبي (صلّى الله عليه وآله) على باب المنزل وقال: ياابن أبي طالب إنه طعامٌ محرّم إلاّ عليّ.
قال علي (عليه السلام): فجلستُ على الباب وخلا النبي (صلّى الله عليه وآله) بالطعام وكشف الطبق فإذا عِذقٌ من رطب وعنقودٌ من عنب فأكل النبي (صلّى الله عليه وآله) مِنه شبعاً وشرب من الماء ريّاً ومدَّ يده للغسل فأفاض الماء عليه جبرئيل وغسل يده ميكائيل وتمندله إسرافيل (عليهم السلام) فارتفع فاضل الطعام مع الأناء إلى السماء ثم قام النبي (صلّى الله عليه وآله) ليصلّى فأقبل عليه جبرئيل فقال: الصلاة محرّمة عليك في وقتك حتى تأتي إلى منزل خديجة فتواقعها فأن الله عزّوجلّ آلى(3) على نفسه أن يخلق من صلبك في هذه الليلة ذريّة طيبة فوثب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إلى منزل خديجة.
وبالفعل تم في تلك الليلة ما أرادَه الله تبارك وتعالى فحملت بفاطمة (عليها السلام).
وهكذا كان حمل خديجة بفاطمة بأمر من الله تبارك وتعالى وتحفة لرسوله (صلّى الله عليه وآله).
وكانت فاطمة (عليها السلام) هي الأنيس الوحيد لأمّها من النساء فكانت تكلمها وهي في بطنها بعدما قاطعنها نساء قريش لزواجها بالنبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله) ولكن ما إن حانت ساعة الولادة إلاّ وبعث الله تبارك وتعالى مَن يلي أمر خديجة المؤمنة الوفية فأرسل الله تبارك وتعالى أربع نسوة سمر طوال كأنهن من نساء قريش فزعت منهنّ لما رأتهن فقالت إحداهنّ: لا تحزني ياخديجة فأنا رسلُ ربِّك إليك ونحن أخواتك: أنا سارة وهذه آسية بنت مزاحم وهي رفيقتك في الجنة وهذه مريم بنتُ عمرانوهذه كلثم أخت موسى بن عمران بعثنا الله إليك لنلي منك ما يلي النساء فجلست واحدة عن يمينها وأخرى عن يسارها والثالثة بين يديها والرابعة من خلفها فوضعت فاطمة (عليها السلام) طاهرة مطهرة فلمّا نزلت إلى الأرض أشرق منها النور حتى دخل بيوتات مكة ولم يبقَ في شرق الأرض وغربها موضع إلاّ أشرق فيه ذلك النور(4).
فهكذا كانت ولادتها الميمونة (سلام الله عليها) نوراً لأصل الأرض وتحفة من السماء.
2ـ مناقبها وفضائلها (عليها السلام): كانت فاطمة (صلوات الله عليها) من أهل الكساء والمباهلة والمهاجرة في أصعب وقت وكانت فيمن نزلت فيهم آية التطهير وافتخر جبرائيل (عليه السلام) بكونه منهم وشهد الله لهم بالصدق. ولها أمومة الأئمة وعقب الرسول (صلّى الله عليه وآله). وهي سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين أشبه الناس كلاماً وحديثاً برسول الله (صلّى الله عليه وآله) تحكي شيمتها شيمة وما تخرم مشيتها مشيته. هي بضعة الرسول وزوج الوصي وأم الأئمة المعصومين (صلوات الله عليهم أجمعين) ولا منقبة ولا فضل أكبر وأعظم من قول أبيها في حقها «فاطمة بضعة مني يؤذيني ما يؤذيها ويريبيني ما يريبها»(5)«فاطمة روحي التي بين جنبي»(6)«ويرضى الله لرضى فاطمة ويغضب لغضبها»(7).
وكانت إذا دخلت عليه رحّب بها وقبل يديها وأجلسها في مجلسه فإذا دخل عليها قامت إليه فرحبت به وقبّلت يديه وكان (صلّى الله عليه وآله) يُكثر تقبيلها وكلما اشتاق إلى رائحة الجنّة يشم رائحتها وكان يقول: «فاطمة بضعةٌ مني من سرّها سرّني ومَن ساءها فقد ساءني فاطمة أعز الناس إليّ»(8).
فهي حبيبة الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) ويكفي ذلك فضلاً لأن مَن أحبه الرسول أحبه الله تبارك وتعالى ومَن أحبه الله تبارك وتعالى أدخله الجنّة وذلك هو الفوز العظيم.
3ـ زواجها (عليها السلام): لقد اقترن النور بالنور والبضعة بالوصي ومَن يرضى الله لرضاها بمن هو الكفوء الوحيد لها وحامل راية الإسلام والمدافع عن الدين بكل ما أوتي من قوة ويقين ومَن لم تأخذه في الله لومة لائم الأمام أبي الحسن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) بأمرٍ من الله تبارك وتعالى إذ ورد عليه يارسول الله زوّج النور من النور فقال ياربّ مَن بمَن؟ فقال عزّوجلّ فاطمة بعلي فالأمر(9) من الله والخبر جاء به رسول الله (صلّى الله عليه وآله).
فزفّت الزهراء (عليها السلام) إلى علي (عليه السلام) كان النبي (صلّى الله عليه وآله) أمامها وجبرئيل عن يمينها وميكائيل عن يسارها وسبعون ألف ملك من خلفها يُسبّحون الله تعالى ويقدسونه حتى طلع الفجر ولما أدخلها الرسول (صلّى الله عليه وآله) منزل أمير المؤمنين (عليه السلام) أخذ النبي يد الأمام ووضعها في كفّ فاطمة ثم أمر الأمام أن يأتيه بشيء من الماء فلمّا أتاه به أخذ النبي (صلّى الله عليه وآله) شيئاً من ريقه المبارك وألقاه في الماء ثم أعطاه للأمام فشرب منه وناوله فاطمة فشربت منه ونضحالباقي على صدر عليّ وصدر فاطمة (عليها السلام) وقال: ((إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا))(10)ثم خرج النبي (صلّى الله عليه وآله) وهو يقول: «اللهم اجمع شملهما وألّف بين قلبيهما واجعلهما وذريتهما من ورثة جنة النعيم وارزقهما ذرية طيبة طاهرة مباركة واجعل في ذريتهما البركة واجعلهم أئمة يهدون بأمرك إلى طاعتك»(11) وخرج النبي (صلّى الله عليه وآله) منشرح الصدر وهو ينظر إلى بيت عليّ وفاطمة ذلك البيت المتواضع.
وهكذا تم اقتران النور بالنور بأمرٍ من خالق النورين وجاعلهما.
4ـ شهادتُها (عليها السلام): بعد شهادة النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله) نسى أصحابه أو تناسوا وصيته بالزهراء (عليها السلام) وأنها وديعة عند المسلمين كافة فضلاً عن صحابته الذين سمعوا ورأوا كلام وشخص النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله) فلم تمضِ الأيام حتى جاء بعضهم إلى بيت فاطمة وعليّ (عليهما السلام) طالبين الإمام (عليه السلام) أن يبايع مَن لم ينصّبه رسولُ الله (صلّى الله عليه وآله) لخلافته والقيام بأعباء الأمة الإسلامية والزهراء (عليها السلام) ما زالت بآلامها الشديدة بفقدها لأعزّ مخلوقٍ وهو الأب الرؤوف نبي الرحمة محمد (صلّى الله عليه وآله).
فأقبل أحدهم حتى ضرب الباب والزهراء كانت قاعدة خلفه قد نحل جسمها معصّبة الرأس منهدة الركن ـ ثم نادى ياابن أبي طالب افتح الباب فقالت فاطمة (عليها السلام): ما لنا ولك لا تدعنا وما نحن فيه؟! قال: افتحي الباب وإلاّ أحرقناه عليكم فقالت: «أما تتقي الله عزّوجلّ تدخل على بيتي وتهجم على داري؟!» فأبى أن ينصرف ثم دعى بالنار فأضرمها في الباب ثم دفعه فاستقبلته فاطمة (عليها السلام) وصاحت «ياأبتاه يارسول الله»مذكرةً إيّاه بأنها ابنته وبضعته لكن لم ينفع هذا التذكير ((فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى))(12) وقال تعالى: ((إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ))(13). وقال تعالى: ((وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ))(14) فلم يكن الرجل مصداقاً لذلك فرفع السيف وهو في غمده فوجا به جنبها فصرخت فرفع السوط فضرب بها ذراعها(15):
ورحم الله العلاّمة آية الله الأصفهاني حيث يقول في أرجوزته:
أتـضرم النار بباب iiدارها وآيـة الـنور على iiمنارها
وبـابُها بـابُ نبي iiالرحمة وبـابُ أبـواب نجاة iiالأمة
ما اكتسبوا بالنار غير العار ومـن ورائـهم عذاب iiالنار
مـا أجهل القوم فإن النار iiلا تـطفي نـور الله جلّ وعلا
لكن كسر الضلع ليس ينجبر إلا بـصمصام عزيز iiمقتدر(16)
وهكذا رجعت وديعة الرسول وبضعته إلى أبيها محمرة العين مسودة المتن مكسورة الضلع أحرق باب دارها وظلم بعلها فانتقلت من هذه الدنيا مظلومة مهظومة وعند الله الملتقى وهو خير الحاكمين وأسمع السامعين.
فالسلام عليك أيتها الطاهرة النقية ياأم الأئمة الهداة والسادة الولاة..
(1) مسار الشيعة: 54.
(2) دلائل الامامة: 10 والكافي 1 : 457 ح10.
(3) آلى: أقسم وحلف.
(4) السيدة فاطمة الزهراء: 108.
(5) السنن الكبرى (النسائي) 5 : 97.
(6) الاعتقادات للشيخ المفيد : 105.
(7) الاحتجاج 2 : 103 عنه بحار الأنوار 43 : 21.
(8) الامالي (للشيخ الطوسي): 24.
(9) مناقب آل أبي طالب 3 : 124.
(10) سورة الأحزاب / الآية 33.
(11) بحار الأنوار 43 : 117.
(12) سورة الأعلى / الآية 9.
(13) سورة ق / الآية 37.
(14) سورة الذاريات / الآية 55.
(15) بحار الأنوار 43 : 197.
(16) الأنوار القدسية: 21.
تعليق