وَجَّهَتْ المَرجَعيَّةُ الدينيّةُ الشَريفَةُ العُليَا في النَجَفِ الأشرَفِ ,
اليَومَ , الجُمْعَةَ , الرابعَ عَشَر مِنْ ِ ذي الحجّةِ الحَرَامِ
,1437 هجري, المُوافقَ , ل, السادسَ عَشَر مِنْ , أيلول ,2016م .
وعلى لِسَانِ , وكيلِها الشَرعي , السَيّد أحمَد الصَافي
, خَطيبُ وإمامُ الجُمعَةِ في الحَرَمِ الحُسَيني الشَريفِ.
المُؤمنين مِنْ المَيسورين , بأنْ ينفقوا مِنْ أموَالِهم عَلَى الإخوةِ المُجَاهِدين , المُقَاتلين , واعتبَرَتْ ذلك أعلَى بِّراً .
وذَكَّرَتْ الأمَةَ بِقصّةِ قَارون , الذي اكتَنزَ الأموَالَ وطَغَى
ولَمْ يَسمع النَصيحةَ مِنْ أهلّ العِلمِ والعُقلاءِ , وكَانَتْ عَاقبَته ,أنْ ((فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ ))(81)القَصَص .
وقَدْ ذَكرَ القرآنُ الكريمُ شَخصيّةَ قَارون ,الذي أُعطِيَ مَالاً كثيراً,
وأُصِيبَ بالغرورِ, وكان فِتنَةً لِصِنفين مِنْ الناسِ :
1-صِنفٌ تَمَنى أنْ يَكونَ عَلَى شَاكلةِ قارون .
2-
صِنفٌ مِنْ أهلّ العِلمِ والعَقلِ والسَكينةِ , قد أدركوا وحَذّروا الصنفَ الأولَّ , مِنْ أنَّ المِقيَاسَ والقِيمَةَ ليستْ بِجَمعِ الأموالِ ,
بل إنَّ قيمةَ الإنسانِ بالإيمانِ والعمَلِ الصَالحِ.
والقارونُ ( وإنْ كانَ اسمَ عَلَمٍ ولكن نُلحِقَه بالألفِ واللامِ لِلَمحِ صِفَةِ التّسَلطِ المَالي)
... أصبحَ قارونُ شَخصيّةً تُمثّلُ السلطةَ الماليّةَ التي تُجمَعُ بغيرِ حَقٍّ.
وكُلَّ مَنْ يكونُ على شَاكلته.
واللهُ تعالى يَسرِدُ لنا هذه القصةَ ويُركّزُ على الاعتبارِ بها واقعاً ومَصيرا.
وقارونُ هذا يَدّعي أنّه مَلَكَ ما يَملِكُ بعلمٍ مِنْ عنده
((قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي))(78)القَصَص.
ولا يَعترفُ بجهةٍ أخرى وإنّمَا نَظَره إلى ما جَمَعَ وما اكتنزَ.
وأنّه شخصيةٌ عظيمةٌ , لا يَعترفُ بناصِحٍ و لا بخطيبٍ ولا بموجهٍ .
وليس هو بصددِ أنْ يَسمعَ كلامَ أحَدٍ.
هذه فلسفةُ القارون , الذي يَجمعُ المَالَ وبالنتيجةِ لا بُدّ أنْ يكونَ أصنافٌ مِنْ الناسِ , تتأثرُ به ,كما هو حالُ الصِنفِ الأوّلّ , والذي أُعجِبَ به وبِمَا عنده وتَمنَى أنْ يكونَ مِثلَه.
وصِنفٌ آخرٌ حَذّرَ منه وعَرفَ المِقياسَ الحَقّ للإنسانِ .
ومَعَ الأسَفِ اختَلّتْ الموازينُ عند الناسِ , فمنهم مَنْ يَرى أنّ التباهيَّ إنّمَا يكونُ بجمعِ الأموالِ , لا بالعِلمِ , إلا إذا كانَ سوقه رائجاً .
ونحن نَرى اليومَ بأمّ أعيننا كيفَ أنَّ الناسَ تَشتغلُ بحديثٍ , قد يطولُ ساعةً أو أكثرَ ليتفاخرَ بسيارةٍ أو ببيتٍ أو ببعضِ وسائلِ التكنولوجيا.
وما ذلك إلاّ لشعورِ بعضِ الناسِ بالنقصِ وضرورةِ جبره بهذه الأشياءِ.
ومنها المَالِ والحديثِ عنه.
وهذا السلوكُ قد وَقَعَ حتى مع النبي مُحَمّد , صَلى اللهُ عليه وآله وسلّم,
حينما اعترضَ أهلُّ مَكة على دعواه للنبوةِ :
((وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْءانُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ )) (31)الزخرف.
والأمّةُ عندما تَفقِدُ الميزَانَ الحَقَّ في تقييمِ الأشخَاصِ يَصبحُ مِنْ الصَعبِ على الحَقِّ أنْ يَجِدَ له طَريقاً وَسَطَ هذه الجّعجَعةِ.
وكذلك الحَالُ , كانتْ الأمةُ في زمنِ قارون أمةً لم تفهم الحَقائقَ
حتى اُبتليّ بهم النبيُّ مُوسى, عليه السَلامُ , إذ طالبوه بأنْ يَجعَلَ لهم آلهةً ((وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آَلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ))(138),الأعراف.
واعتدوا على أخيه هاورن , فابتلاهم اللهُ بالتيه :
((قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ)) (26), المائدة.
فالأمةُ لم تكن تَدركَ أين تكمنُ المَصلَحَةُ , وقد احتَالَ قَارونُ عليها.
قال اللهُ تعالى:
((فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ )) (79) القصص.
وبهذا استعرضَ قارونُ قوّتَه بمَِاله وزينته ليَسرقَ الأضواءَ ,
فأُعجِبَ به صنفٌ مِنْ الناسِ , مِمَنْ يُريدُ الحَيَاة َالدنيا وقالوا :
(( قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ)) (79) القصص.
وهؤلاءِ الصِنف مِنْ الناسِ , مَشوا خَلفَ الظاهرِ , وانخدعوا به
((إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ)) وغَرّهم شأنه.
وأمّا أهلُّ العِلمِ والعُقلاءُ فحذّروا مِنْ ذلك وقالوا:
(( وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ ))(80)القصص.
وهنا لم يخاطب أهلُّ العِلمِ قَارونَ , لأنّ قارونَ لم يَعد يَسمعَ كلاماً بَعدُ.
بل خاطبوا مَنْ تأثرَ به وأُعجِبَ , عَسى أنْ ينفعهم
((وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ))
فقالوا: ويَلكُم (خِطابٌ للمُعجَبين بقارونَ ) ,ولم يقولوا ويَلُكَ ( لقارون)
والمُهمُّ مِنْ ذلك كُلّه هو أنْ نَدركَ أنّه لابُدّ أنْ تكونَ القيمةُ للإيمانِ والعَمَلِ الصَالحِ عند الإنسانِ لا بِما يكتنزُ مِنْ الأموالِ
وإنما قيمةُ المَالِ بما ينفقه في وجوه البِرّ والخَيرِ.
وإنّ مِثَلَ قارون ومَنْ هو على شاكلته واجَه وسيُواجَه مَصيراً سَيئاً
وسَيزولُ مَا عِندَه :
((فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ ))(81)القصص.
ونحن نَقرَأ القِصَصَ والعِبرَ ونُشَاهدُ كيف أنّ اللهَ تعالى بلحظاتٍ يجعلُ مَنْ كان على شَاكلة قارون في خَبَرِ كَانَ.
فاللهُ , جَلّ وعَلا, لا يُريدُ تسليتنا بِذِكرِه القَصَصِ في القُرآنِ الكريمِ
كَمَا يفعلُ القصّاصون , بل يُريدنُا أنْ نَعتَبرَ ونتّعِظَ.
((وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (82))) القصص.
وعلى الإنسَانِ أنَ يَعتبرَ بمَِا يَرى مِمَا جَرى ويَجري أمامه
أو بِمَا يَصلَه مِنْ صَادقٍ مُصدّقٍ وينبغي به أنْ يَعتقدَ بذلك .
______________________________________________
حَفَظَ اللهُ ونَصَرَ قواتَنَا المُجَاهِدَةَ وحَشْدَنَا المُقَاوِمَ .
والرَحمَةُ والرضوانُ على شُهدائِنَا الأبرَارِ
______________________________________________
تَدْوينُ – مُرتَضَى عَلي الحِليّ –
______________________________________________
الجُمعَةُ - الرابعُ عَشَر مِنْ ذي الحجةِ الحَرَامِ - 1437, هجري .
السَادِسُ عَشَر مِنْ أيلول - 2016 م .
___________________________________________
اليَومَ , الجُمْعَةَ , الرابعَ عَشَر مِنْ ِ ذي الحجّةِ الحَرَامِ
,1437 هجري, المُوافقَ , ل, السادسَ عَشَر مِنْ , أيلول ,2016م .
وعلى لِسَانِ , وكيلِها الشَرعي , السَيّد أحمَد الصَافي
, خَطيبُ وإمامُ الجُمعَةِ في الحَرَمِ الحُسَيني الشَريفِ.
المُؤمنين مِنْ المَيسورين , بأنْ ينفقوا مِنْ أموَالِهم عَلَى الإخوةِ المُجَاهِدين , المُقَاتلين , واعتبَرَتْ ذلك أعلَى بِّراً .
وذَكَّرَتْ الأمَةَ بِقصّةِ قَارون , الذي اكتَنزَ الأموَالَ وطَغَى
ولَمْ يَسمع النَصيحةَ مِنْ أهلّ العِلمِ والعُقلاءِ , وكَانَتْ عَاقبَته ,أنْ ((فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ ))(81)القَصَص .
وقَدْ ذَكرَ القرآنُ الكريمُ شَخصيّةَ قَارون ,الذي أُعطِيَ مَالاً كثيراً,
وأُصِيبَ بالغرورِ, وكان فِتنَةً لِصِنفين مِنْ الناسِ :
1-صِنفٌ تَمَنى أنْ يَكونَ عَلَى شَاكلةِ قارون .
2-
صِنفٌ مِنْ أهلّ العِلمِ والعَقلِ والسَكينةِ , قد أدركوا وحَذّروا الصنفَ الأولَّ , مِنْ أنَّ المِقيَاسَ والقِيمَةَ ليستْ بِجَمعِ الأموالِ ,
بل إنَّ قيمةَ الإنسانِ بالإيمانِ والعمَلِ الصَالحِ.
والقارونُ ( وإنْ كانَ اسمَ عَلَمٍ ولكن نُلحِقَه بالألفِ واللامِ لِلَمحِ صِفَةِ التّسَلطِ المَالي)
... أصبحَ قارونُ شَخصيّةً تُمثّلُ السلطةَ الماليّةَ التي تُجمَعُ بغيرِ حَقٍّ.
وكُلَّ مَنْ يكونُ على شَاكلته.
واللهُ تعالى يَسرِدُ لنا هذه القصةَ ويُركّزُ على الاعتبارِ بها واقعاً ومَصيرا.
وقارونُ هذا يَدّعي أنّه مَلَكَ ما يَملِكُ بعلمٍ مِنْ عنده
((قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي))(78)القَصَص.
ولا يَعترفُ بجهةٍ أخرى وإنّمَا نَظَره إلى ما جَمَعَ وما اكتنزَ.
وأنّه شخصيةٌ عظيمةٌ , لا يَعترفُ بناصِحٍ و لا بخطيبٍ ولا بموجهٍ .
وليس هو بصددِ أنْ يَسمعَ كلامَ أحَدٍ.
هذه فلسفةُ القارون , الذي يَجمعُ المَالَ وبالنتيجةِ لا بُدّ أنْ يكونَ أصنافٌ مِنْ الناسِ , تتأثرُ به ,كما هو حالُ الصِنفِ الأوّلّ , والذي أُعجِبَ به وبِمَا عنده وتَمنَى أنْ يكونَ مِثلَه.
وصِنفٌ آخرٌ حَذّرَ منه وعَرفَ المِقياسَ الحَقّ للإنسانِ .
ومَعَ الأسَفِ اختَلّتْ الموازينُ عند الناسِ , فمنهم مَنْ يَرى أنّ التباهيَّ إنّمَا يكونُ بجمعِ الأموالِ , لا بالعِلمِ , إلا إذا كانَ سوقه رائجاً .
ونحن نَرى اليومَ بأمّ أعيننا كيفَ أنَّ الناسَ تَشتغلُ بحديثٍ , قد يطولُ ساعةً أو أكثرَ ليتفاخرَ بسيارةٍ أو ببيتٍ أو ببعضِ وسائلِ التكنولوجيا.
وما ذلك إلاّ لشعورِ بعضِ الناسِ بالنقصِ وضرورةِ جبره بهذه الأشياءِ.
ومنها المَالِ والحديثِ عنه.
وهذا السلوكُ قد وَقَعَ حتى مع النبي مُحَمّد , صَلى اللهُ عليه وآله وسلّم,
حينما اعترضَ أهلُّ مَكة على دعواه للنبوةِ :
((وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْءانُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ )) (31)الزخرف.
والأمّةُ عندما تَفقِدُ الميزَانَ الحَقَّ في تقييمِ الأشخَاصِ يَصبحُ مِنْ الصَعبِ على الحَقِّ أنْ يَجِدَ له طَريقاً وَسَطَ هذه الجّعجَعةِ.
وكذلك الحَالُ , كانتْ الأمةُ في زمنِ قارون أمةً لم تفهم الحَقائقَ
حتى اُبتليّ بهم النبيُّ مُوسى, عليه السَلامُ , إذ طالبوه بأنْ يَجعَلَ لهم آلهةً ((وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آَلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ))(138),الأعراف.
واعتدوا على أخيه هاورن , فابتلاهم اللهُ بالتيه :
((قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ)) (26), المائدة.
فالأمةُ لم تكن تَدركَ أين تكمنُ المَصلَحَةُ , وقد احتَالَ قَارونُ عليها.
قال اللهُ تعالى:
((فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ )) (79) القصص.
وبهذا استعرضَ قارونُ قوّتَه بمَِاله وزينته ليَسرقَ الأضواءَ ,
فأُعجِبَ به صنفٌ مِنْ الناسِ , مِمَنْ يُريدُ الحَيَاة َالدنيا وقالوا :
(( قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ)) (79) القصص.
وهؤلاءِ الصِنف مِنْ الناسِ , مَشوا خَلفَ الظاهرِ , وانخدعوا به
((إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ)) وغَرّهم شأنه.
وأمّا أهلُّ العِلمِ والعُقلاءُ فحذّروا مِنْ ذلك وقالوا:
(( وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ ))(80)القصص.
وهنا لم يخاطب أهلُّ العِلمِ قَارونَ , لأنّ قارونَ لم يَعد يَسمعَ كلاماً بَعدُ.
بل خاطبوا مَنْ تأثرَ به وأُعجِبَ , عَسى أنْ ينفعهم
((وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ))
فقالوا: ويَلكُم (خِطابٌ للمُعجَبين بقارونَ ) ,ولم يقولوا ويَلُكَ ( لقارون)
والمُهمُّ مِنْ ذلك كُلّه هو أنْ نَدركَ أنّه لابُدّ أنْ تكونَ القيمةُ للإيمانِ والعَمَلِ الصَالحِ عند الإنسانِ لا بِما يكتنزُ مِنْ الأموالِ
وإنما قيمةُ المَالِ بما ينفقه في وجوه البِرّ والخَيرِ.
وإنّ مِثَلَ قارون ومَنْ هو على شاكلته واجَه وسيُواجَه مَصيراً سَيئاً
وسَيزولُ مَا عِندَه :
((فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ ))(81)القصص.
ونحن نَقرَأ القِصَصَ والعِبرَ ونُشَاهدُ كيف أنّ اللهَ تعالى بلحظاتٍ يجعلُ مَنْ كان على شَاكلة قارون في خَبَرِ كَانَ.
فاللهُ , جَلّ وعَلا, لا يُريدُ تسليتنا بِذِكرِه القَصَصِ في القُرآنِ الكريمِ
كَمَا يفعلُ القصّاصون , بل يُريدنُا أنْ نَعتَبرَ ونتّعِظَ.
((وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (82))) القصص.
وعلى الإنسَانِ أنَ يَعتبرَ بمَِا يَرى مِمَا جَرى ويَجري أمامه
أو بِمَا يَصلَه مِنْ صَادقٍ مُصدّقٍ وينبغي به أنْ يَعتقدَ بذلك .
______________________________________________
حَفَظَ اللهُ ونَصَرَ قواتَنَا المُجَاهِدَةَ وحَشْدَنَا المُقَاوِمَ .
والرَحمَةُ والرضوانُ على شُهدائِنَا الأبرَارِ
______________________________________________
تَدْوينُ – مُرتَضَى عَلي الحِليّ –
______________________________________________
الجُمعَةُ - الرابعُ عَشَر مِنْ ذي الحجةِ الحَرَامِ - 1437, هجري .
السَادِسُ عَشَر مِنْ أيلول - 2016 م .
___________________________________________
تعليق