بسم الله الرحمن الرحيم

يقول الله في الاية المباركة 74 من سورة البقرة:
( ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْد ذَلك فَهِيَ كالحِجَارَةِ أوْ أشَدُّ قُسْوَةً وإنَّ مِنَ الحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وإنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَقّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ المَاءَ وإنّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وما اللهُ بِغَافِل عَمَّا تَعْمَلُونَ ) .

الآية الشريفة جاءت في بني اسرائيل وضربت مثلا جميلا في قسوة قلوبهم; فان دفتر أعمالهم مسوَّد على طول التاريخ. وإن التعصب واللجاجة والتحجج والغرور والضغينة تجاه الانبياء والمقاومة قبال الحق من خصال هذا القوم العاصي والكافر لنعم الله.
الآية الشريفة جاءت بعد آيات حكت قصة بقرة بني اسرائيل; وخلاصة القصة محكية في الآيات 67 - 73 من سورة البقرة نأتي بها هنا:
قُتِل شخص من بني اسرائيل من دون ان يعرف القاتل، وهو أمر سبب اختلافاً بين القوم. وعادة عندما يُقتل شخص يسعى البعض ان يرجعه إلى عملية تصفية الحسابات فيلقي القتل على عاتق اطراف خاصة. وقد كان اصل الحادث ان شخصاً قتل عمه الثري، وقد كان الشاب الوارث الوحيد لعمه وكان منزعجاً من جراء تأخر وفاة عمه فقتله لينال نصيبه من الارث في وقت مبكر. وقد عدَّ البعض حبّ الشاب لابنة عمه هو سبب القتل; وذلك لان العم رغم حبه لابن اخيه زوج ابنته من شخص آخر.
إنَّ بث خبر مقتل هذا الشخص اثار ضجة شديدة جعلت البعض ومنهم القاتل الحقيقي يبحثون عن القاتل، فكانت الفتنة العظيمة وكان الموقف يوشك على نزاع بين القبائل ليتبدل إلى حرب شاملة، فطلبوا من موسى ان يحل لهم المشكلة فكانت المساءلة التالية حسب ما دونها القرآن:
( وإذْ قَالَ مُوسَىَ لِقَومهِ إنَّ الله يَأمُرُكُم أنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أتتَّخذُنا هُزُواً ) ؟
( قَالَ أعُوذُ باللهِ أن أكُون مِنَ الجَاهِلِينَ ). أي أنَّ الاستهزاء من عمل الجاهلين، والانبياء مبرؤون من ذلك.
بعد أن ايقنوا جدية المسألة، ( قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّك يُبَيِّنُ لَنَا مَا هِي ) ؟
أجابهم موسى(عليه السلام): ( قَالَ إنَّهُ يَقُولُ إنَّهَا بَقَرَةٌ لا فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلك )، أي لا كبيرة هرمة ولا صغيرة بل متوسطة بين الحالتين ( فافْعَلُوا ماَ تُؤْمَرُونَ ) لكن بني اسرائيل لم يكفوا عن لجاجتهم، ( قَالُوا ادعُ لَنَا رَبَّك يُبَيِّنُ لَنَا مَا لَوْنُها ) أجابهم موسى ( قَالَ إنَّهُ يَقُولُ إنَّهَا بَقرَةٌ صَفْرَاءٌ فَاقِعٌ لَوْنُها تُسِرُّ النَاظِرِينَ ) أي أنَّها حسنة ولا يشوبها لون آخر.
ثم لجوا مرة أخرى وعاودوا السؤال: ( قَالُوا ادْعُ لَنَا ربَّك يُبَيِّنُ لَنَا مَا هِيَ إنَّ البَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وإنَّا إنْ شَاءَ اللهُ لمُهْتَدُونَ ) .
أجابهم موسى ( قَالَ إنَّهُ يَقُولُ إنَّهَا بَقَرَةٌ لا ذَلُول تُثِيرُ الأرضَ ولا تُسْقِى الحَرْثَ )، أي ليست
من النوع المذلل لحرث الارض وسقيها. وبعد المساعي الحثيثة وجدوا هذه البقرة وذبحوها ولمسوا الاعجاز الالهي.

المفروض بهذه الاية العظيمة ان تزيد من ايمان القوم إلا أنَّ ذلك لم يحصل، بل الآية الشريفة حكت حالهم بعد ذلك بالقول: ( قَسَتْ فَهِيَ كالحِجَارَةِ أوْ أشدُّ قَسْوَةً ) أي لم تزد هذه الاية الكبرى القوم الا لجاجة وقسوة وتمرداً وعصياناً وانتهاكاً لحرمات الانبياء و.. وذلك بسبب قسوة قلوبهم تحجّرها.