بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
كثيرة هي الأيام المباركة والمواقف المشرفة التي تميز بها أهل بيت النبوة والرسالة عليهم السلام لتؤكد للجميع منزلتهم الرفيعة والعالية لدى الباري تعالى ومكانتهم المقدسة التي أكدها الخالق المتعال في محكم كتابه ، ومن تلك الشواهد البارزة للمكانة المميزةلأهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام دون غيرهم هو ذلك الموقف الذي تجسد في يوم الرابع والعشرين من السنة العاشرة للهجرة النبوية المباركة وهو "يوم المباهلة" حيث الاعلان الرباني على وصاية وولاية الامام علي وابنائه (ع) قبل يوم الغدير ، حيث قال تعالى: "فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِل فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ" ـ سورة آل عمران الآية61 .
* دعوة الرسول (ص) لأهالي نجران
كتب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كتاباً إلى أساقفة نجران يدعوهم إلى الإسلام ، جاء فيه :" أمّا بعد ، فإنّي أدعوكم إلى عبادة الله من عبادة العباد ، أدعوكم إلى ولاية الله من ولاية العباد ، فإن أبيتُم فقد أذنتم بحرب ، والسلام " .
فلمّا قرأ الأسقف الكبير لأهالي نجران الكتاب ذعروا ذعراً شديداً ، فبعث إلى رجل من أهل نجران يقال له "شَرحبيل بن وداعة" كان ذا لب ورأي بنجران ـ فدفع إليه كتاب رسول الله ( ص) فقرأه ، فقال له الأسقف : ما رأيك ؟ فقال "شرحبيل" : قد علمت ما وعد الله إبراهيم في ذرّية إسماعيل من النبوَّة .. (مكاتيب الرسول 2 / 494)، فاجتمع رأيهم على أن يبعثوا بوفد من كبار علمائهم فيأتوهم بخبر رسول الله ( ص).
* وفد أهالي نجران في المدينة المنورة
وقد قدم على رسول الله (ص) وفد من نجران يضم (22) رجلاً من أشرافهم وكبار قومهم وولاة أمرهم, ومنهم "العاقب" وهو أميرهم وصاحب مشورتهم الذي لا يصدرون إلا من رأيه وأمره واسمه "عبد المسيح"، و"السيد" وهو ثمالهم وصاحب رحلهم واسمه "الأيهم" و"أبو حارثة بن علقمة الأسقف" وهو حبرهم وإمامهم وصاحب مدارسهم وله فيهم شرف ومنزلة وكان ملوك الروم قد بنوا له الكنائس وبسطوا عليه الكرامات لما يبلغهم من علمه واجتهاده في دينهم.
* الدعوة للمباهلة
فقدموا على رسول الله (ص) وقت العصر.. فسألوه ودارسوه يومهم، فلمّا طالت المناظرة والحّوا في عصيانهم وخصومتهم، ونزلت الآية 61 من سورة آل عمران فدعاهم النبي الأكرم (ص) الى اجتماع حاشد، من أعزِّ الملاصقين من الجانبين ، ليبتهل الجميع إلى الله تعالى ، في دعاء قاطع ، أن ينزل لعنته على الكاذبين .
فقبل وفد نجران ذلك ، وقال "أبو حارثة" لأصحابه: انظروا محمداًَ في غد، فإن غدا بولده وأهله فاحذروا مباهلته، وان غدا بأصحابه فباهلوه فإنّه على غير شيء.
*معنى المباهلة وصفتها:
قال ابن منظور : ومعنى المباهلة أن يجتمع القوم إذا اختلفوا في شيء فيقولوا : لعنة الله على الظالم منّا (لسان العرب 11 / 72) .
وصف المباهلة: أن تشبك أصابعك في أصابع من تباهله وتقول : اللهم رب السماوات السبع ، والأرضين السبع ، ورب العرش العظيم ، إن كان فلان جحد الحق وكفر به فأنزل عليه حسباناً من السماء وعذاباً أليماً (مجمع البحرين 1 / 258) .
* يوم المباهلة
ذهب رسول الله (ص)صباحاً إلى بيت علي (ع) فأخذ بيد الحسن والحسين عليهما السلام وخرج من المدينة وبين يديه عليّ عليه السلام وفاطمة عليها السلام تتبعه.
فلمّا رأى ذلك رؤساء نجران قال "أبو حارثة": من هؤلاء الذين معه؟ قالوا: هذا إبن عمّه زوج ابنته يتقدمه، وهذان ابنا ابنته وهذه ابنته أعزّ الناس عليه وأقربهم إلى قلبه وتقدم رسول الله (ص) فجثا على ركبتيه ، فأخذ "السيد" و"العاقب" أولادهم وجاؤوا للمباهلة.
قال "أبو حارثة": جثا والله كما جثا الأنبياء للمباهلة، فكع (كع الرجل عن الأمر: أي جبن عنه وأحجم) ولم يتقدم على المباهلة، فقال له "السيد": الى أين تذهب؟ قال: إنّي لأرى وجوهاً لو سألوا الله أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله، فلا تبتهلوا فتهلكوا فلا يبقى على وجه الأرض نصراني الى يوم القيامة.
ثم جاء "أبو حارثة" الى النبي (ص) فقال: يا أبا القاسم انّا لا نباهلك ولكن نصالحك فصالحنا على ما ننهض له ، وأن نقرّك على دينك ، ونثبت على ديننا .
قال (ص) :" فإِذَا أبَيْتُم المباهلة فأسلِموا ، يَكُن لكم ما للمسلمين ، وعليكم ما عليهم، فأبوا ، فقال (ص) :" فإنِّي أناجزكم" ، فقالوا : ما لنا بحرب العرب طاقة ، ولكن نصالحك ، فصالحنا على أن لا تغزونا ولا تخيفنا ، ولا تردّنا عن ديننا ، على أن نؤدّي إليك في كل عام ألفي حلّة ، ألف في صفر وألف في رجب قيمة كل حلّة أربعون درهماً ، وعلى عارية ثلاثين درعاً وثلاثين رمحاً وثلاثين فارساً ان كان حربٌ فكتب لهم بذلك كتاباً فانصرفوا راجعين إلى بلادهم.
فصالحهم الرسول (ص) وقال :"والذي نَفسِي بِيَده ، إنّ الهلاك قد تَدَلَّى على أهل نجران ، ولو لاعنوا لَمُسِخوا قِرَدة وخنازير ، ولأضطَرَم عليهم الوادي ناراً ، ولأستأْصَلَ الله نجران وأهله حتّى الطير على رؤوس الشجر ، ولما حال الحول على النصارى كلُّهم حتّى يهلكوا"(إقبال الأعمال 2 / 350) .
فلمّا رجع وفد نجران لم يلبث "السيد" و"العاقب" إلاّ يسيراً حتى رجعا إلى النبي (ص) فأسلما.
*أصحاب المباهلة في كتب أهل السنة
روى صاحب الكشاف وجمع من العامة في صحاحهم عن عائشة انّ رسول الله (ص) خرج وعليه مرط كساء مرحّل من شعر أسود فجاء الحسن فأدخله ثم جاء الحسين فأدخله ثم فاطمة ثم عليّ ثم قال:"إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً"ـ سورة الأحزاب الآية 33.
وقال الزمخشري: ما كان دعاؤه إلى المباهلة إلاّ ليتبيّن الكاذب منه ومن خصمه، وذلك أمر يختص به وبمن يكاذبه، فما معنى ضمّ الأبناء والنساء؟ .. ذلك تأكد على ثقته بحاله، واستيقانه بصدقه، حيث استجرأ على تعريض أعزّته وأفلاذ كبده وأحبّ الناس إليه لذلك ولم يقتصر على تعريض نفسه له، وعلى ثقته بكذب خصمه حتى يهلك خصمه مع أحبّته وأعزّته هلاك الاستئصال ان تمّت المباهلة، وخصّ الابناء والنساء لأنّهم أعزّ الأهل الصقهم بالقلوب، وربما فداهم الرجل بنفسه وحارب دونهم حتى يقتل، ومن ثمّت كانوا يسوقون مع انفسهم الظعائن في الحروب لتمنعهم من الهرب.
وقدّمهم في الذكر على الأنفس لينبّه على لطف مكانهم وقرب منزلتهم، وليؤذن بأنهم مقدّمون على الانفس مفدون بها، وفيه دليل لا شيء أقوى منه على فضل أصحاب الكساء عليهم السلام (الكشاف: ج1: ص369).
* دلالة آية المباهلة على عصمة وأفضلية الامام علي وأهل بيته (ع)
استدل العلماء بكلمة :" وأنفسنا "، على عصمة وأفضلية الامام علي أمير المؤمنين (ع) ، ولعل أوّل من استدل بهذه الآية المباركة هو نفس الامام علي (ع) ، عندما احتج في الشورى على الحاضرين بجملة من فضائله ومناقبه ، فكان من ذلك احتجاجه بآية المباهلة ، وكلّهم أقرّوا بما قال وصدّقوه فيه.
وسأل المأمون العباسي الامام الرضا (ع) : هل لك من دليل من القرآن الكريم على أفضلية علي ؟ فذكر له الامام (ع) آية المباهلة واستدل بكلمتها، لأنّ النبي (ص) عندما أُمر أن يُخرج معه نساءه، فأخرج فاطمة (ع) فقط، وأبناءه فأخرج الحسن والحسين (ع) فقط، وأمر بأن يخرج معه نفسه، ولم يخرج إلاّ علي ( ع)، فكان علي (ع) نفس رسول الله (ص)، إلاّ أنّ كون ذلك بالمعنى الحقيقي غير ممكن، فيكون المعنى المجازي هو المراد، وهو أن يكون علي (ع) مساوياً لرسول الله (ص) في جميع الخصائص والمزايا إلاّ النبوّة لخروجها بالاجماع .
وبما أن العصمة من خصوصيات رسول الله (ص)، فآية المباهلة تدل على عصمة علي (ع) أيضاً. و أنّه أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فعلي أولى بالمؤمنين من أنفسهم أيضاً، وأنّه أفضل جميع الخلائق وأشرفهم فكذلك علي (ع)، وإذا ثبت أنّه (ع) أفضل البشر، وجب أن يليه بالأمر من بعده دون فصل.
وقول الرسول (ص) لبريدة: لا تبغض عليّاً فإنّه منّي وأنا منه، وإنّ الناس خلقوا من شجر شتّى وخلقت أنا وعليّ من شجرة واحدة. وقوله صلى الله عليه وآله بأحد وقد ظهر من نكايته في المشركين ووقايته إيّاه بنفسه حتّى قال جبرئيل: يا محمد إنّ هذه لهي المواساة، فقال: يا جبرئيل إنّه لمنّي وأنا منه، فقال جبرئيل: وأنا منكما (تفسير مجمع البيان / المجلد الأول / للشيخ الطبرسي قدس سره، وبحار الأنوار / المجلد 21 / للعلامة المجلسي قدس سره).
* يوم التصدق بالخاتم أيضاً:
وفي هذا اليوم ايضاً تصدق الامام علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السلام بخاتمه للسائل أثناء الركوع فنزلت الآية:"إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ" سورة المائدة الآية 55
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
كثيرة هي الأيام المباركة والمواقف المشرفة التي تميز بها أهل بيت النبوة والرسالة عليهم السلام لتؤكد للجميع منزلتهم الرفيعة والعالية لدى الباري تعالى ومكانتهم المقدسة التي أكدها الخالق المتعال في محكم كتابه ، ومن تلك الشواهد البارزة للمكانة المميزةلأهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام دون غيرهم هو ذلك الموقف الذي تجسد في يوم الرابع والعشرين من السنة العاشرة للهجرة النبوية المباركة وهو "يوم المباهلة" حيث الاعلان الرباني على وصاية وولاية الامام علي وابنائه (ع) قبل يوم الغدير ، حيث قال تعالى: "فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِل فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ" ـ سورة آل عمران الآية61 .
* دعوة الرسول (ص) لأهالي نجران
كتب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كتاباً إلى أساقفة نجران يدعوهم إلى الإسلام ، جاء فيه :" أمّا بعد ، فإنّي أدعوكم إلى عبادة الله من عبادة العباد ، أدعوكم إلى ولاية الله من ولاية العباد ، فإن أبيتُم فقد أذنتم بحرب ، والسلام " .
فلمّا قرأ الأسقف الكبير لأهالي نجران الكتاب ذعروا ذعراً شديداً ، فبعث إلى رجل من أهل نجران يقال له "شَرحبيل بن وداعة" كان ذا لب ورأي بنجران ـ فدفع إليه كتاب رسول الله ( ص) فقرأه ، فقال له الأسقف : ما رأيك ؟ فقال "شرحبيل" : قد علمت ما وعد الله إبراهيم في ذرّية إسماعيل من النبوَّة .. (مكاتيب الرسول 2 / 494)، فاجتمع رأيهم على أن يبعثوا بوفد من كبار علمائهم فيأتوهم بخبر رسول الله ( ص).
* وفد أهالي نجران في المدينة المنورة
وقد قدم على رسول الله (ص) وفد من نجران يضم (22) رجلاً من أشرافهم وكبار قومهم وولاة أمرهم, ومنهم "العاقب" وهو أميرهم وصاحب مشورتهم الذي لا يصدرون إلا من رأيه وأمره واسمه "عبد المسيح"، و"السيد" وهو ثمالهم وصاحب رحلهم واسمه "الأيهم" و"أبو حارثة بن علقمة الأسقف" وهو حبرهم وإمامهم وصاحب مدارسهم وله فيهم شرف ومنزلة وكان ملوك الروم قد بنوا له الكنائس وبسطوا عليه الكرامات لما يبلغهم من علمه واجتهاده في دينهم.
* الدعوة للمباهلة
فقدموا على رسول الله (ص) وقت العصر.. فسألوه ودارسوه يومهم، فلمّا طالت المناظرة والحّوا في عصيانهم وخصومتهم، ونزلت الآية 61 من سورة آل عمران فدعاهم النبي الأكرم (ص) الى اجتماع حاشد، من أعزِّ الملاصقين من الجانبين ، ليبتهل الجميع إلى الله تعالى ، في دعاء قاطع ، أن ينزل لعنته على الكاذبين .
فقبل وفد نجران ذلك ، وقال "أبو حارثة" لأصحابه: انظروا محمداًَ في غد، فإن غدا بولده وأهله فاحذروا مباهلته، وان غدا بأصحابه فباهلوه فإنّه على غير شيء.
*معنى المباهلة وصفتها:
قال ابن منظور : ومعنى المباهلة أن يجتمع القوم إذا اختلفوا في شيء فيقولوا : لعنة الله على الظالم منّا (لسان العرب 11 / 72) .
وصف المباهلة: أن تشبك أصابعك في أصابع من تباهله وتقول : اللهم رب السماوات السبع ، والأرضين السبع ، ورب العرش العظيم ، إن كان فلان جحد الحق وكفر به فأنزل عليه حسباناً من السماء وعذاباً أليماً (مجمع البحرين 1 / 258) .
* يوم المباهلة
ذهب رسول الله (ص)صباحاً إلى بيت علي (ع) فأخذ بيد الحسن والحسين عليهما السلام وخرج من المدينة وبين يديه عليّ عليه السلام وفاطمة عليها السلام تتبعه.
فلمّا رأى ذلك رؤساء نجران قال "أبو حارثة": من هؤلاء الذين معه؟ قالوا: هذا إبن عمّه زوج ابنته يتقدمه، وهذان ابنا ابنته وهذه ابنته أعزّ الناس عليه وأقربهم إلى قلبه وتقدم رسول الله (ص) فجثا على ركبتيه ، فأخذ "السيد" و"العاقب" أولادهم وجاؤوا للمباهلة.
قال "أبو حارثة": جثا والله كما جثا الأنبياء للمباهلة، فكع (كع الرجل عن الأمر: أي جبن عنه وأحجم) ولم يتقدم على المباهلة، فقال له "السيد": الى أين تذهب؟ قال: إنّي لأرى وجوهاً لو سألوا الله أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله، فلا تبتهلوا فتهلكوا فلا يبقى على وجه الأرض نصراني الى يوم القيامة.
ثم جاء "أبو حارثة" الى النبي (ص) فقال: يا أبا القاسم انّا لا نباهلك ولكن نصالحك فصالحنا على ما ننهض له ، وأن نقرّك على دينك ، ونثبت على ديننا .
قال (ص) :" فإِذَا أبَيْتُم المباهلة فأسلِموا ، يَكُن لكم ما للمسلمين ، وعليكم ما عليهم، فأبوا ، فقال (ص) :" فإنِّي أناجزكم" ، فقالوا : ما لنا بحرب العرب طاقة ، ولكن نصالحك ، فصالحنا على أن لا تغزونا ولا تخيفنا ، ولا تردّنا عن ديننا ، على أن نؤدّي إليك في كل عام ألفي حلّة ، ألف في صفر وألف في رجب قيمة كل حلّة أربعون درهماً ، وعلى عارية ثلاثين درعاً وثلاثين رمحاً وثلاثين فارساً ان كان حربٌ فكتب لهم بذلك كتاباً فانصرفوا راجعين إلى بلادهم.
فصالحهم الرسول (ص) وقال :"والذي نَفسِي بِيَده ، إنّ الهلاك قد تَدَلَّى على أهل نجران ، ولو لاعنوا لَمُسِخوا قِرَدة وخنازير ، ولأضطَرَم عليهم الوادي ناراً ، ولأستأْصَلَ الله نجران وأهله حتّى الطير على رؤوس الشجر ، ولما حال الحول على النصارى كلُّهم حتّى يهلكوا"(إقبال الأعمال 2 / 350) .
فلمّا رجع وفد نجران لم يلبث "السيد" و"العاقب" إلاّ يسيراً حتى رجعا إلى النبي (ص) فأسلما.
*أصحاب المباهلة في كتب أهل السنة
روى صاحب الكشاف وجمع من العامة في صحاحهم عن عائشة انّ رسول الله (ص) خرج وعليه مرط كساء مرحّل من شعر أسود فجاء الحسن فأدخله ثم جاء الحسين فأدخله ثم فاطمة ثم عليّ ثم قال:"إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً"ـ سورة الأحزاب الآية 33.
وقال الزمخشري: ما كان دعاؤه إلى المباهلة إلاّ ليتبيّن الكاذب منه ومن خصمه، وذلك أمر يختص به وبمن يكاذبه، فما معنى ضمّ الأبناء والنساء؟ .. ذلك تأكد على ثقته بحاله، واستيقانه بصدقه، حيث استجرأ على تعريض أعزّته وأفلاذ كبده وأحبّ الناس إليه لذلك ولم يقتصر على تعريض نفسه له، وعلى ثقته بكذب خصمه حتى يهلك خصمه مع أحبّته وأعزّته هلاك الاستئصال ان تمّت المباهلة، وخصّ الابناء والنساء لأنّهم أعزّ الأهل الصقهم بالقلوب، وربما فداهم الرجل بنفسه وحارب دونهم حتى يقتل، ومن ثمّت كانوا يسوقون مع انفسهم الظعائن في الحروب لتمنعهم من الهرب.
وقدّمهم في الذكر على الأنفس لينبّه على لطف مكانهم وقرب منزلتهم، وليؤذن بأنهم مقدّمون على الانفس مفدون بها، وفيه دليل لا شيء أقوى منه على فضل أصحاب الكساء عليهم السلام (الكشاف: ج1: ص369).
* دلالة آية المباهلة على عصمة وأفضلية الامام علي وأهل بيته (ع)
استدل العلماء بكلمة :" وأنفسنا "، على عصمة وأفضلية الامام علي أمير المؤمنين (ع) ، ولعل أوّل من استدل بهذه الآية المباركة هو نفس الامام علي (ع) ، عندما احتج في الشورى على الحاضرين بجملة من فضائله ومناقبه ، فكان من ذلك احتجاجه بآية المباهلة ، وكلّهم أقرّوا بما قال وصدّقوه فيه.
وسأل المأمون العباسي الامام الرضا (ع) : هل لك من دليل من القرآن الكريم على أفضلية علي ؟ فذكر له الامام (ع) آية المباهلة واستدل بكلمتها، لأنّ النبي (ص) عندما أُمر أن يُخرج معه نساءه، فأخرج فاطمة (ع) فقط، وأبناءه فأخرج الحسن والحسين (ع) فقط، وأمر بأن يخرج معه نفسه، ولم يخرج إلاّ علي ( ع)، فكان علي (ع) نفس رسول الله (ص)، إلاّ أنّ كون ذلك بالمعنى الحقيقي غير ممكن، فيكون المعنى المجازي هو المراد، وهو أن يكون علي (ع) مساوياً لرسول الله (ص) في جميع الخصائص والمزايا إلاّ النبوّة لخروجها بالاجماع .
وبما أن العصمة من خصوصيات رسول الله (ص)، فآية المباهلة تدل على عصمة علي (ع) أيضاً. و أنّه أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فعلي أولى بالمؤمنين من أنفسهم أيضاً، وأنّه أفضل جميع الخلائق وأشرفهم فكذلك علي (ع)، وإذا ثبت أنّه (ع) أفضل البشر، وجب أن يليه بالأمر من بعده دون فصل.
وقول الرسول (ص) لبريدة: لا تبغض عليّاً فإنّه منّي وأنا منه، وإنّ الناس خلقوا من شجر شتّى وخلقت أنا وعليّ من شجرة واحدة. وقوله صلى الله عليه وآله بأحد وقد ظهر من نكايته في المشركين ووقايته إيّاه بنفسه حتّى قال جبرئيل: يا محمد إنّ هذه لهي المواساة، فقال: يا جبرئيل إنّه لمنّي وأنا منه، فقال جبرئيل: وأنا منكما (تفسير مجمع البيان / المجلد الأول / للشيخ الطبرسي قدس سره، وبحار الأنوار / المجلد 21 / للعلامة المجلسي قدس سره).
* يوم التصدق بالخاتم أيضاً:
وفي هذا اليوم ايضاً تصدق الامام علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السلام بخاتمه للسائل أثناء الركوع فنزلت الآية:"إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ" سورة المائدة الآية 55
تعليق